المحتوى الرئيسى

{الشرق الأوسط} في مهرجان القاهرة السينمائي (5): قراءة في واقع السينما العربية ومهرجاناتها

11/16 02:02

بينما تستمر دوره مهرجان القاهره السينمائي وتقترب من نهايتها يوم الثلاثاء المقبل، تنطلق بضعه مهرجانات اخري علي مدي الاسابيع القليله المقبله من الان وحتي منتصف الشهر المقبل.

مهرجان سينمائي اقيم في الجزائر ومهرجان قرطاج التونسي في التاسع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. بعده مباشره يبدا مهرجان مرَّاكش السينمائي الدولي وقبل نهايته في الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يبدا مهرجان دبي السينمائي الدولي ما بين الثامن والـ14 من الشهر. وفي حيّـز ضيق بين الاثنين يُـقام مهرجان «اجيال» في الدوحه من الاول حتي السادس من ديسمبر (كانون الاول). وقبل ذلك، وعلي اعتاب نهايه مهرجان القاهره السينمائي الحاليه، تنطلق عروض مهرجان اخر يقام في القاهره هو «بانوراما السينما الاوروبيه» الذي هو، حسب مصدر مسؤول في مهرجان القاهره «مدعوم بميزانيه خاصّـه مؤمّـنه من قِـبل الاتحاد الاوروبي ويشهد اقبالا جماهيريا كبيرا».

الحديث عن انعدام التوازن بات لا ينفع من حيث تكراره. مهرجاناتنا السينمائيه العربيه الاساسيه تنطلق جميعا في الاشهر الـ3 الاخيره. ينفد مهرجان ابوظبي بجلده كونه يتقدّمها جميعا وسريعا ما يكسب سباقها الكبير. دبي يختمها ويستعين بسمعته الجيّـده وبتاريخه الحافل ليسحب السجاده من تحت اقدام المهرجانات التي تاتي بعد ابوظبي وتسبقه.

بعضها، مثل مهرجان مراكش، لا يبدو مكترثا لمن ينافس من فهو يعتبر نفسه بمناي عن هذه المشاغل. النقد السابق بانه ادار ظهره للسينما المغربيه ذاتها ولم يشجّـعها بات مكررا والنقد الاخر بانه لا يكترث لعرض الافلام العربيه غير المغربيه صحيح وهو لا يخفي ذلك. في حين ان مهرجان «اجيال» القطري ما زال يمشي علي ارض رخوه كونه ما زال طري العود يحمل رغبه الاختلاف عن السائد بتشجيع المواهب الجديده.

انه حيّـز صغير من الاهتمام. نطاق يعرّض المهرجان الي ازمه اذا لم يجد بين تلك المواهب ما يستحق ان يبني عليه صرحه. سيتم غزو الشاشه في «اجيال» بافلام اولي وثانيه لمخرجين شبّـان من حول العالم، لكن الخشيه هي ان لا تستطيع افلام منتجه هنا المشاركه بزخم فاعل علي مدي كل الدورات، وذلك تبعا لغزاره وجوده الانتاجات الممكنه.

كل مهرجان من هذه الدائره الان يسعي للاختلاف عن امثاله. بالنسبه لمهرجان القاهره فان الزخم الذي واجهه من قِـبل الجمهور منذ افتتاحه وحتي اليوم لم يشهد تراجعا. الاقبال عكس شوقا وشغفا بمشاهده الكم الكبير المتاح من الافلام العربيه والاجنبيه التي افرزتها هذه الدوره وتوق لمعرفه ما اذا كانت السينما في مصر وفي باقي دول العالم العربي تتحرّك قدما وكيف؟ والجواب ياتي يوميا علي شكل افلام تعكس واقع السينما العربية في هذه المرحله. وفي حين ان هذه الافلام قادره علي اثاره الاسئله بدورها وطرح الافكار وبعض الرؤي، فانها بمجموعها تبدو كما لو كانت اخر خط دفاع ثقافي متاح امام الفرد العربي لتحدي الاحداث الجاريه والتغلّـب عليها.

لا عجب ان هذا الحضور، اذن، يعكس رغبه في التاكيد علي حب الجمهور المصري للعوده الي الوضع الذي كانت فيه الحياه الثقافيه مرصّـعه بالنشاطات من معارض وحفلات موسيقيه ونشر كتب ومؤلّـفات متنوّعه وانتاج الافلام علي نوعيها التجاري الموجّـه، بقناعه، للجمهور السائد، وتلك البديله او المستقله او الذاتيه (التسميه لم تعد ذات شان) التي تتوجه، بقناعه ايضا، الي الفئه الباحثه في الفيلم عن الفن والطرح الثقافي او السياسي في بعض الاحيان.

* مهرجان قرطاج ضروره ثقافيه

* مهرجان قرطاج يستند الي تاريخه كمحفل لعرض الافلام العربيه والافريقيه في مسابقه واحده. قليل من التقدم المنتظر منه هذا العام بسبب الاحوال السائده وبسبب ان معظم ما يعرضه من اعمال عربيه قديم شوهد في محافل اخري. لكن عودته، مثل عوده مهرجان القاهره، ضروره ثقافيه وسياسيه لا ريب فيها.

وفي مرحله هي حرجه حتي من دون تلك العوامل السياسيه المختلفه والحالات الامنيه والاقتصاديه، فان توزيع الفيلم المهرجاناتي معدوم. الواحد منها لديه حظّ كبير واحد ثم تتعدد حظوظ اخري اصغر شانا. رهان الفيلم المهرجاناتي (اي الذي ينشد الاشتراك في المهرجانات السينمائيه متميّـزا بجدّته ونوعيّـته) علي اول مهرجان يختاره وسواء انال واحدا من جوائزه الماديه ام لم ينل، فانه يامل للانتقال الي مهرجانات اخري. هذه المهرجانات هي عصب حياته الحقيقي ولسبب مؤسف ولكنه وجيه: لا وجود لفرص عروض اخري، ولو كانت لما استفاد الفيلم وحده بل كل الافلام ولترعرعت الصناعه السينمائيه ونمت كما لم تفعل من قبل. لكن لا المحطّـات التلفزيونيه تكترث لان تشتري، ولا الموزعون راغبون في بذر بضعه الوف من الدولارات لشراء ما يعتقدون انه لن يعود عليهم الا ببضع مئات. كذلك يرفض كل اصحاب الصالات تخصيص صاله واحده لعرض الافلام «الفنيه» ولو علي اساس الرهان علي مستقبل افضل وتاسيس جمهور يعتاد علي وجود هذه الصاله واعمالها المتميّـزه.

هذه ليست عوائق صغيره وبسيطه، ونتائجها وخيمه من حيث ان السينما العربيه باتت منقسمه الي قسمين بينهما فاصل كبير: افلام محدوده العدد (معظمها مصري الانتاج) يعرض في صالات السينما، وافلام كثيره الانتاج (من كافّـه الدول العربية المنتجه) تتجه الي المهرجانات. افلام النوعيه الاولي هي التي تدر ايرادا ماديا (مجزيا وكبيرا في بعض الحالات) بالطريقه التقليديه وهي بيع التذاكر للجمهور. في حين ان افلام النوعيه الثانيه هي تلك التي لا تجد لنفسها صالات عرض تساعدها لتوسيع فرص احتكاكها بالجمهور العام.

افلام المهرجانات العربيه محاصره، كما يتّــضح، باستثناء اتجاه واحد هو التنافس علي الجوائز الكبيره. فعندما ينال المنتج او المخرج 100 الف دولار (او يزيد في بعض الاحيان) عن فيلم حققه (ميزانيات اليوم لا تقل عن ضعف هذا المبلغ كمعدّل عام) يكون سدد جزءا من الكلفه الكبيره وعاد مزهوّا بنصيب مالي من غير المتوقع، في الكثير من الحالات، تحقيقه من جراء السوق السينمائيه.

لكن هناك استثناءات. فيلم «وجده» لهيفاء منصور فاز بجائزه اولي وفاز بعروض تجاريه ولو في صالات الغرب. كذلك فيلم «كرامل» للبنانيه نادين لبكي. وكانت افلام يوسف شاهين تعرض في المهرجانات وتحقق بعض الكسب في فرنسا وبعض صالات العالم العربي. واليوم يقف «القط» لابراهيم البطوط في الخانه المنفتحه علي هذه الاحتمالات ذاتها. بعد عرضه في مهرجان ابوظبي (حيث خرج خالي الوفاض من الجوائز المباشره)، يدخل نطاق مهرجانات اخري هنا وهناك ويحضّـر نفسه لعروض تجاريه ايضا.

لكن هذه هي فعلا الاستثناءات. اما القاعده فباتت ان الفيلم، فاز او لم يفز، يولد علي شاشه المهرجانات ويموت عليها حال انتهاء عروضه.

«القط» واحد من الافلام المعروضه في مسابقه «افاق السينما العربيه» جنبا الي جنب مع الفيلم الموريتاني «تمبوكتو» لعبد الرحمن سيساكو (الذي سيفتتح مهرجان قرطاج) والاردني «ذيب» لناجي ابو نوار والتونسي «شلاط تونس» لكوثر بن هنيه والمغربي «الصوت الخفي» لكمال كمال والفلسطيني «ستيريو فلسطين» لرشيد مشهراوي والكويتي «كان رفيقي» لاحمد الخلف واللبناني «يوميات شهرزاد» لزينه دكّاش.

لجنه تحكيم هذه المسابقه (المؤلّـفه من الممثله ليلي علوي والمنتج التونسي نجيب عيّـاد والناقد محمد رُضا) تجد لديها الكثير مما تعاينه في افلام كلها جيّـده وبعضها لا يصح تجاهل حقّـه في واحده من الجائزتين اللتين ستمنحهما في الليله الاخيره من ليالي المهرجان. لكنها المهمّـه الصعبه التي لا بد منها.

في الوقت ذاته، هناك الكثير من الحديث في اروقه مهرجان القاهره ومقاهيه في دار الاوبرا عن وضع الفيلم العربي، لكنه ليس الحديث الذي يستطيع تغيير السائد. لا وجود لمنتجين يملكون القرار بفتح الحنفيه المغلقه لدر بعض الاستثمار في المواهب الفنيه ولا لموزّعين او اصحاب صالات يقررون ما هو خير للبلد في حربه ضد التطرّف. من هنا، اقامته، واقامه سواه، تبقي، في عرف كثيرين هنا، خير ما يمكن تسديده علي هذا الصعيد من سهام ضد اوضاع التطرّف والتهديد الامني الموجود.

لذا ليس غريبا ان نجد الفنانين والمعنيين يتحدّثون في تصريحاتهم الصحافيه وسواها عن انعقاد هذه الدوره وجدواها في مواجهه التطرّف واعداء مصر الذين يريدون تقويض امنها. علي ذلك، فان ايجابيات هذا المهرجان المتعدده، تجابهها حاله مستمرّه من السلبيات معظمها في نواحي التنظيم بين من هم دون مستوي الاداره العليا.

هذا رغم ان البعض، من الاداريين الكبار ايضا، ينتقد بشدّه القسم الاخر من الاداريين الكبار متسائلا عن السبب في الفوضي التي تقع في عروض الافلام (من تاخير ومن تجاوزات في شروط العرض وسواها). وعن احدهم الذي لا يريد ذكر اسمه: «هناك اخطاء رهيبه نعلم بها نحن اكثر من الاعلام والجمهور. مال تتساءل اين صُـرف وموظفون مسؤولون لا يفعلون شيئا. هناك خيبه امل وتخبّط شديد. يكفي ما ساد حفل الافتتاح من فوضي غير مفهومه الاسباب رغم الخبره المتراكمه والوقت الذي كان متاحا لتفادي مثل هذه التجربه».

الفريق الاخر يرد بان ما تخلل حفل الافتتاح كان خارجا عن الاراده البشريه مثل هبوب الريح ما جعل المايكروفونات تنقل صوت الريح وصوت المقدّم والمتحدثين الكثر في وقت واحد. لكن لماذا لم تزوّد المايكروفونات باجهزه رادعه لصوت الهواء طالما ان الحفل قرر ان يُـقام في الهواء الطلق؟

* يبدو ما حدث بعيدا الان، لكنه لا يزال يتردد خصوصا مع اقتراب موعد الاختتام الذي سيقوم في مكان مفتوح اخر (الاهرامات)، لكن ما يتسبب في الضيق حقيقه ان عروض الافلام كثيرا ما تبدا متاخره. لا نتحدث عن 5 او 10 دقائق يمكن نسيانها (رغم انها ايضا ليست مبرره) بل عن نصف ساعه واكثر كما حدث مع فيلم محمد راضي «حائط البطولات».

في هذا النطاق، لا يشبه مهرجان القاهره مهرجانا اخر بين المهرجانات العربيه الرئيسه. الوقت لا يهدر (علي النحو ذاته علي الاقل) في سواه مثل مراكش ودبي وابوظبي. لكن ذلك ليس اختيارا اداريا وليس ناتجا عن عدم اكتراث رئيس المهرجان بل عن عدم انجاز الاشياء علي نحو كامل بل توقّـف المسؤولين المنتدبين لهذه المهام عن المتابعه لاكثر من نصف ما هو متوقع.

هل يكمن الحل في اداره اجنبيه؟

لقد فعلتها المهرجانات الرئيسه العربيه الاخري: ابوظبي جلب اميركيا ودبي جلب كنديا والدوحه (الذي توقف بعد 4 سنوات) جلب استراليه. اما مراكش فما زال يعمل بمقتضي اداره فرنسيه. بالنسبه لدبي وابوظبي فقد استطاعا في الوقت المناسب التخلّـص من الاداره الغربيه من دون اي خسائر في المقابل. علي العكس، زادت صله المهرجانين بالهويه الوطنيه الشامله لدوله تريد ان تقتحم كل المجالات الابداعيه بنجاح من دون تردد او كلل. لكن مهرجان مراكش لا يزال مرتبطا بتلك الاداره ولا توجد اي نيّـه للتخلّـي عن هذا الارتباط ما يفسّـر سبب عزوف المهرجان عن توجيه بعض برمجته صوب المزيد من الافلام المغربيه والعربيه الاخري.

وضع السينما المغربيه يختلف عن تلك المصريه ولو ان عدد الانتاجات في السنوات الاخيره اصبح متقاربا، هذا علي الرغم مما قاله المنشّـط والسينمائي نور الدين الصايل وصرّح به. هو اكّـد علي ان السينما المغربيه احتذت بنجاح بما وفّـرته الافلام المصريه السابقه من تجارب، وطالب- عن صواب- بان لا تتخلّـي السينما المصريه عن ريادتها للسينما العربيه.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل