في عيد "فم الذهب".. انتفض المصريون ودُحرت إسرائيل

بينما اجلس في حافله متجها الي عملي، جلس بجواري شاب علي يديه صليب مدقوق، واذا به يخرج كتابا من حقيبته لم استطع التاكد من عنوانه، لكني لمحت عليه عباره "رسائل فم الذهب" فاخذني الفضول لاساله، ما هو "فم الذهب"، فقال لي: هو القديس يوحنا فم الذهب، بطريرك القسطنطينيه، الذي يحتفل المسيحييون بعيده يوم 13 نوفمبر من كل عام.

لفصاحته وعذب كلامه، الذي كان سندا وعونا للمظلومين والمقهورين، فهو الذي وقف بجانب اهل انطاكيه الذين ثاروا ضد الإمبراطور الروماني في اواخر القرن الرابع الميلادي؛ لفرضه ضرائب اضافيه عليهم، فحطموا تماثيل الاسره المالكه، وتمردوا علي الامبراطوريه، وهو امر كانت عقوبته الاعدام... وبفضل "فم الذهب" ورسالته الي الامبراطور، تراجع عن قتل المتورطين في الحادث.

هذه المواجهه لم تكن الاخيره، فقد ادت عظاته المنحازه للفقراء وتبرعاته لهم بكل ما يملك، الي مواجهه مع الملكه التي اقامت لنفسها تمثالا من الفضه علي عامود من الرخام، ما استفز "فم الذهب" ليقف قائلا: "ها هي هيروديا ترقص من جديد وتسخط من جديد، ومن جديد تطلب راس يوحنا"، الامر الذي ادي الي نفيه في قريه بعيده، مات بمجرد وصوله اليها.

اعتقد يا ريمون ان "فم الذهب" كان سيحزن لو علم ان في يوم عيده 13 نوفمبر من عام 1002 امر ملك بريطانيا ايثل ريد الثاني، بقتل جميع الدنماركيين في بلاده، وهو اليوم المعروف باسم "مذبحه يوم القديس برايس"..الا تتفق معي؟

بالتاكيد، ولكنه كان سيحزن اكثر علي الدماء التي سالت في مثل هذا اليوم من عام 1918 حين احتلت قوات الحلفاء "القسطنطينيه" عاصمه الدوله العثمانيه، خلال الحرب العالميه الاولي، فهو ضد التخريب وسفك دم اي انسان.

اتعرف يا ريمون ان روسيا الشيوعيه الغت في نفس هذا اليوم معاهده "برست ليتوفسك" للسلام التي كانت قد وقعتها مع دول المحور في الحرب العالميه الاولي، بعد 8 اشهر من توقيعها... لقد كانت فتره داميه.

بقدر حزن "فم الذهب" علي هذه الدماء، لكنه بالتاكيد كان سيسعد حين يعلم ان شعوبا قد ثارت من اجل حقوقها في مثل هذا اليوم، ولم ترضي العيش في ذل.

بالفعل، لقد قرات ان في مثل هذا اليوم من عام 1929 قاد الحزب الشيوعي الاندونيسي ثوره شعبيه ضد الاحتلال الهولندي في جاوه الغربيه، والاهم ان نفس اليوم من عام 1935 اندلعت انتفاضه شعبيه في مصر ضد الاحتلال البريطاني، والحكومه التي يراسها محمد توفيق نسيم باشا، وذلك بعد 5 سنوات من الغاء حكومه اسماعيل صدقي لدستور 1923، الذي كان يضمن قدرا كبيرا من السلطه للشعب، واصدار دستور 1930 الذي منح الملك سلطات في تعيين وعزل الحكومات.

الانتفاضات الشعبيه ليست الاسلوب الوحيد للنضال؛ احيانا يكون النضال بالسلاح، ولا تنسي ان في مثل هذا اليوم من عام 1966 تصدت القوات الاردنيه الي الجيش الاسرائيلي الذي هاجم الضفه الغربيه، واستطاع العقيد بهجت المحيسن بقوات لوائه المسمي "حطين" ان يرده، رغم ضعف تسليحه، فيما سمي بـ"معركه السموع" نسبه للبلده التي وقعت فيها المواجهه.

بمناسبه اسرائيل... لعلك تعلم يا ريمون، ان الدوله العبريه اعتقلت في مثل هذا اليوم من عام 1990 الشاب سلطان العجلوني، والذي نفذ عمليه فدائيه في معسكر اسرائيلي قرب الحدود الاردنيه، اسفرت عن مقتل ضابط من قوات حرس الحدود الاسرائليه واعتقاله. وهو نفس اليوم الذي تحدث فيه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات امام الامم المتحده، في خطاب تاريخي عام 1974، بعد عام تقريبا من الحرب العربيه الاسرائيليه سنه 1973.

يالها من احداث جسام تحتاج الي بركه القديسين والصالحين، فالعالم كل يوم يزداد صراعا، ولا اعلم اهو غضب من الرب ام انها سنه كونيه.

هي ناموس كوني ياريمون، ان لم يكن الدين سبب مباشر في الصراع، فهو مبرر امام البعض للقتل والذبح... وبمناسبه ما يطلق عليه ارهابا دينيا، فقد اعلنت مجموعه تطلق علي نفسها الحركه الاسلاميه للاصلاح، في مثل هذا اليوم من عام 1995، مسؤوليتها عن قتل 5 امريكيين وهنديين اثنين، في تفجير شاحنه مفخخه بجوار مركز تدريب تابع للحرس الوطني السعودي، تديره الولايات المتحده بمدينه الرياض، ولا ادري ان كانت مصادفه ان يصدر الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش امرا تنفيذيا في مثل هذا اليوم من عام 2001، يسمح بالمحاكم العسكريه ضد الاجانب المشتبه في صلتهم باعمال ارهابيه ضد الولايات المتحده.

اعتقد ان "بوش" لديه هوس بالتاريخ والدين؛ فخطاباته كانت تدل علي ذلك، ومن الجائز ان يكون قراره قد جاء في هذا اليوم لمصادفه هذه الذكري، ولكن لا تنسي انه صدر بعد شهرين تقريبا من تفجيرات سبتمبر.

ريمون، انا مضطر لقطع حديثي الممتع معك، فقد وصلنا محطه قصر العيني، استاذنك للنزول، لاني ذاهب الي عملي.