المحتوى الرئيسى

85 دقيقة لتدمير ألمانيا على أنغام بيتهوفن

11/13 16:48

مهرجان القاهره السينمائي يحتفل هذا العام بالمخرج الكبير فولكر شلوندروف وخاصه بتحفته الفنيه المميزه  فيلم «دبلوماسيه» الذي حظي باهتمام كبير منذ عرضه في مهرجان برلين 2014.

فهو دراما تاريخيه ترجع احداثه الي عام 1944 عندما احتل الزعيم النازي أدولف هتلر العاصمه الفرنسيه وهدد بتدميرها قبل ان تستعيدها القوات الفرنسيه التي كان يقودها من الخارج الجنرال شارل ديجول. لكن القنصل السويدي في باريس حينذاك راول نوردلينج حاول اقناع الحاكم العسكري في المدينه الجنرال ديتريش فون شولتيتس بعدم تدميرها. والفيلم ماخوذ عن مسرحيه (دبلوماسي) للكاتب الفرنسي سيريل جيلي. عرضت علي المسرح في باريس قبل ثلاث سنوات، وحققت نجاحا كبيرا. كتب سيناريو الفيلم مؤلف المسرحيه سيريل مع شلوندروف، وقام بالدورين الرئيسيين نفس الممثلين اللذين اديا الدورين علي المسرح: الممثل العملاق نيلس اريستروب تذكره المشاهد العربي في فيلم «نبي» Prophet الذي قام فيه بدور «سيزار» زعيم المافيا في السجن، واندريه ديسولييه الممثل المفضل عند المخرج الان رينيه (شارك في افلام «ميلو» و«مخاوف خاصه في مكان عام» و«الحشائش المتوحشه» و«حياه رايلي»، كما شارك في الانتاج الجديد لفيلم «الحسناء والوحش»). وعرض الفيلم لاول مره في مهرجان برلين الدولي 2014 وفاز بجائزه افضل سيناريو من مهرجان شنغهاي الماضي. وفاز شلوندروف بجائزه السعفه الذهبيه عام 1979 في مهرجان «كان» السينمائي عن فيلمه «طبل الصفيح» المقتبس عن روايه الالماني الشهير جونتر جراس الحاصل علي جائزه «نوبل». كما نال الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي. يعتبر شلوندروف احد اهم السينمائيين من جيل السينما  الالمانيه الجديده  تلك الحركه السينمائيه التي ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي، جنبا الي جنب مع رفيق جيله، فيرنر هيرتزوج.

كان شلوندروف اشتهر في البدايه بفيلمه «شرف كاترينا بلوم المهدور» (1975)

قال المخرج الالماني فولكر شلوندروف ان الدبلوماسيه تصلح بديلاً للحروب في حل النزاعات التي تمزق العالم وتستنزف ثرواته.

وحث شلوندروف في مؤتمر صحفي في القاهره، تزامناً مع انطلاق مهرجان القاهره السينمائي الذي منحه جائزه نجيب محفوظ عن مجمل اعماله، علي ضروره ان يكون «الحل لكل الصراعات.. من خلال الدبلوماسيه». وتاثر شلوندروف في اعماله بالحروب التي شهدها العالم في القرن الماضي ومنها الحرب العالميه الثانيه. وتجسد ذلك جلياً في فيلمه الجديد «دبلوماسيه».. وبرع شلوندروف في اخراج مشاهد فيلمه بكل تلك الحساسيه والرقه والرصانه والسيطره الكامله علي المواقع والديكورات وحركه الكاميرا، والانتقال الواثق من الداخل الي الخارج، مع معرفه اين ومتي يتوقف عن الحوار ويتيح مساحه للتنفس والتامل والتفكير، يعتبر فيلم «دبلوماسيه» - ايضا - «فيلم تمثيل»، ففيه تبرز الخبره الكبيره والموهبه اللتان يتمتع بهما ممثلا الدورين الرئيسيين. يستخدم دوسيلييه في دور نوردلنج الدبلوماسي السويدي، اقصي درجات الرقه والنعومه وسحر شخصيته وصوته الرخيم الهادي ونظراته التي تتحول من الرقه الي الصرامه، من التصريح الي التلميح، ومن المناوره الي المباشره. انه يلجا – بكل ما يوحي بالصدق - الي كل ما في جعبته من حيل، لا لكي يضحك علي محاوره، بل لكي يجعله يصل الي الاحساس بما يشعر هو به، اي اهميه الحفاظ علي هذه المدينه، تقديرا للنفس البشريه، للجمال والابداع البشري وللتاريخ.. اما الجنرال فيؤدي دوره ببراعه نيلس اريستروب، الذي لا يمكن تخيل من هو افضل منه في اداء هذا الدور، بقوته واحساسه كضابط بروسي ينتمي لعائله من العسكريين ليس من الممكن ان يتخلي ابدا عن مهمه اوكلت اليه، ثم يتلاشي جموده وتشبثه بموقفه تدريجيا بعد ان يدور حوار داخلي في نفسه، فيصل الي لحظه الاستناره التي تجعله يقبل بتغيير موقفه والغاء قراره. وهو ينتقل بسلاسه وثقه من اللغه الالمانيه الي الفرنسيه.

يبدا الفيلم بمشهد «فوتومونتاج» مكون من لقطات من معارك الحرب العالميه الثانيه، وبوجه خاص لقصف المدن الالمانيه وما حل بها من دمار، علي خلفيه من موسيقي بيتهوفن، قبل ان ننتقل الي باريس.. الفيلم 85 دقيقه. الساعه الاولي تقريبا تدور كلها في ديكور مغلق يفترض انه حجره مكتب الجنرال شوليتز في مقره بفندق «ميوريس» في باريس، ومن شرفه المكتب يمكنه التطلع الي الخارج، الي الشوارع وما يدور فيها، ويستخدم شلوندروف كثيرا اللقطات البانوراميه من الشرفه او من النافذه التي تظهر بعض الاماكن التاريخيه الشهيره في وسط باريس. لكن الغرفه تظل هي الديكور الرئيسي في الساعه الاولي، ومنها ينتقل احيانا الي موقع الضابط «ليجر» المسئول عن تنفيذ تعليمات الجنرال والذي يشرف علي عمليه تلغيم المباني والجسور الهامه في باريس بالمتفجرات انتظارا لاوامر الجنرال بنسف المدينه.

يقف الجنرال يدخن  في الشرفه فجرا وهو يرتدي ملابس النوم، ويري رجلا باريسيا يسير في الشارع مع كلبه، فيعلق قائلا لمساعده: انظر.. الفرنسيون الان اصبحوا يجاهرون بالسخريه منا!.. الجنرال يشعر بالتوتر بعد انباء نزول الحلفاء في نورماندي، لكنه لا يستطيع سوي ان يتحلي بالانضباط العسكري، وهو يقطع اجتماعه مع ضباطه لمناقشه خطه تدمير باريس في حاله الانسحاب، وصول القنصل العام السويدي، راول نوردلنج، وهو شخصيه حقيقيه للدبلوماسي السويدي الذي عاش في باريس ثماني سنوات واتقن اللغه الفرنسية مثل اهلها وعشق كل شيء فيها، وكان يقوم بالكثير من الوساطات والمفاوضات بين الجنرال وبين رجال المقاومه للافراج عن بعض السجناء الفرنسيين، خاصه في المراحل الاخيره من الحرب اي قبل انسحاب الالمان.

جوهر الفيلم الجدال المثير بين العسكري والدبلوماسي، وهو بهذا المعني فيلم عن دور الدبلوماسيه في زمن الحرب، عن قدرتها علي الانجاز، عن قيمه التاريخ والفن والعماره والتراث الانساني، اكثر من كونه فيلما عن الحرب والاحتلال والتحرير والانتقام. انه عن ذلك المازق الفكري، بين ما يتسق مع القناعات الشخصيه، وبين ما يمليه علي المرء التزامه كعسكري. ولا يوجد هنا غالب ولا مغلوب، شرير او طيب، بل رجلان يواجهان لحظه تاريخيه فارقه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل