المحتوى الرئيسى

إيهاب عبدالسلام : الشعر العربي .. قضية أمن قومي

11/12 16:03

”اذا نَفَرَ الشبابُ من شعر المتنبي وأبي تمام, بل من اسلوب القرأن الكريم, وانصرف عنه ثم عجزَ عن تذوقه وفهمه, فقد حكمنا علي تراث الأدب العربي بالكساد ثم بالموت, وقد انقطعت صله الاجيال المقبله من ابناء العرب بقديمهـم. واذا انقطعت صلتنا بقديمنا امكن انْ نُقَادَ الي حيث يراد بنا والي حيث لا تجمعنا بعد ذلك جامعه تجعل منَّا قوه تُخِيفُ الكائدين وتَاْبَي علي الطامعين”.

هكذا اكدت الدراسه الادبيه التي حاز عنها الشاعر ايهاب عبدالسلام، درجة الدكتوراه مع مرتبه الشرف الاولي، فبراير الماضي، من كليه دار العلوم، فيما اشرف عليها الدكتور عبداللطيف عبدالحليم، الاستاذ بقسم الدراسات الادبيه بالكليه، وناقشها كل من الدكتور عبدالرحمن الشناوي الاستاذ بقسم الدراسات الادبيه، والدكتور عبدالمعطي صالح رئيس قسم اللغة العربية بكليه الالسن .

الدراسه تناقش “تطور مفهوم القديم والجديد في الشعر العربي الحديث في مصر حتي عام 2000” ؛ فقد لاحظ الباحث كل تغيير في الشعر العربي انما ياتي بدعوي التجديد، وكان ذلك التجديد ليست له حدود، وكان شعرنا العربي فن تجريبي، او تجربه لم تكتمل، وليس فنًّا محكمًا في بيانه وبنيانه.

ويستطرد بقوله : تبلورت فكره هذا البحث من مطالعتي للكتابات النقديه، ومشاهدتي بعض الندوات والمهارج الشعريه، حيث لاحظت ان مفهومي الجديد والقديم قد اختلطا لدي الناس، واصبحت سمه القديم تطلق من باب التهوين علي شعر كثير جيد، بينما يوصف بعض ما لا يمتّ الي الشعر بصله بانه شعر جديد، وكانّ التخلي عن الاوزان علامه علي الجدّه والحداثه، بينما الشعر الحقيقي صار قديمًا غريبًا بين اهله.

لذلك اراد الباحث ابراز مفهوم القديم والجديد لدي جيل الرواد وما تلاه من عباقره الادب واساطين الابداع نقدًا وشعرًا علي السَّوَاء. متتبعا كتابات واراء كبار النقاد، متبعًا المنهج الاستقرائي، لابراز مفهوم الجديد في معاييرهم النقديه، ورؤاهم الفنيه.

الدراسه مقسمه لاربعه فصول وخاتمه بعد المقدمه والتمهيد. وناقش الباحث في التمهيد ماهيه الشعر بين الطبع والصناعه؛ فحَسْم ذلك الامر يتعلق بقضيه التجديد، وانتهي الي ان الشعر يكون علي مرحلتين؛ الاولي لا صنعه فيها مطلقًا وانما هي حاله تغلِب الشاعر، ثم يمررها علي عقله ووجدانه ويجنبها ما يعيبها، وهذا الجانب هو ما يتعلق بالصناعه، وتلك المسافه بين غلبه الشعر وتقويم الشاعر ليست ثابته، بل انها تتسع كلما كان الشاعر نظَّامًا، وتضيق حتي تكاد تختفي تمامًا كلما كان الشاعر مطبوعًا، وهذا ما انتهي اليه الباحث.

المبحث الثاني يناقش فيه الدكتور ايهاب (مفهوم القديم والجديد قبل العصر الحديث) وقد رصد ان القدماء كانوا ينظرون الي الشعر العربي نظره تقدير واحترام، لا تسمح بالهدم او التشويه، واهتموا ليس فقط بالبيت مجملًا ولا بالقصيده كامله، وانما بالمفرده، فتَتَبَّعوا اوصافها ومناسبتها وقوتها وجزالتها وضعفها.. وهذه هي الحدود التي كان يدور فيها مفهوم الجديد لديهم، وهذا هو مناط اختلافهم ليس اكثر، فلم يتغير الشعر في موضوعه ولا في صورته ولا في نوعه. ولم يتغير في لفظه ومعناه الا تغيرًا قليلًا جدًّا.

 بقيت القصيده كما كانت معتمده علي وحده القافيه والوزن غير معنيه بوحده المعني، وبقي موضوع الشعر كما كان مدحًا وهجاءً ورثاءً ووصفًا وغزلًا، وانما تجددت هذه الموضوعات دون ان تتغير. ولم يكن تجددها جوهريًّا، وانما هو التجدد الذي يكفي ليُشعر بالفرق بين عصر واخر.

وتناول الفصل الاول (انتشار مفهوم القديم والجديد في العصر الحديث) وقد رصد الباحث فيه ارهاصات التجديد قبل بدايه القرن العشرين حيث ثار جدل واسع في الربع الاخير من القرن التاسع عشر حول مفهوم الشعر، فكان ارهاصًا لفتره خصبه من الشعر والنقد والمدارس الادبيه، بدات مع القرن العشرين، فكانت بدايات ذلك القرن اوفر حظًّا من نهاياته. فنشا جيل جديد ونزعه جديده. رصدت الدراسه ملامحها اجمالا متخذا الشاعر احمد شوقي نموذجًا بين التجديد والتقليد.ثم عرض الباحث اراء الاستاذ الرافعي والاستاذ العقاد والاستاذ سيد قطب والدكتور طه حسين في القديم والجديد.

 اما الفصل الثاني فقد تناول مفهوم القديم والجديد في الشعر لدي مدرسه الديوان مبرزًا ملامح التجديد التي نادت بها، وما اضافته لمفهوم الجديد. وابرزه موضوع الوحده العضويه مناقشًا سمات تلك الوحده واهميتها وفضل مدرسه الديوان علي النهضه الشعريه الحديثه وقد اتضح ان مفهوم الجديد في ظل الرؤي العميقه التي رسخها شعراء الديوان ظل يدور في فلك القصيده العربيه دون ان يدعو الي التخلي عن الوزن، وقد اثْرت مدرسه الديوان الشعر بمفاهيم جديده لم تزل تسري في روحه الي اليوم.

وفي الفصل الثالث تناول مفهوم القديم والجديد في الشعر لدي جماعه ابولّو، وقد رصدت ان تلك الجماعه من خلال ابداعها ومجلتها قد نادت بتجديد شمل المعاني وتنويع الاوزان.. واحيانا شابه بعض الشطط فدعا الي التخلي عن الاوزان، ورغم ذلك لم يترسخ من مفهوم الجديد لديهم الا ما كان منضبطًا في سياق الشعر العربي ملتزما بموسيقاه، وذهبت جميع الدعاوي الاخري ادراج الرياح.

وفي الفصل الرابع تناول مفهوم القديم والجديد في ظل انتشار شعر التفعيلة وما يسمي قصيده النثر، وناقشت فيه تجربه الشعر المرسل نموذجًا سابقًا. ثم انتشار شعر التفعيله وما يسمي (قصيده النثر) بدعوي التجديد. وتفنيد الاستاذ العقاد لذلك. ثم فوضي مصطلح الحداثه. وناقشت تاثر شعر التفعيله بالشعر الاجنبي. وناقشت اثر دراسه سوزان برنار في انتشار ما يسمي قصيده النثر، ودَوْرَ الحراك المجتمعي في تشكيل مفهوم القديم والجديد في الشعر في تلك المرحله المتاخره من القرن العشرين، وطرحت اراء الداعين الي التحول الي شعر التفعيله بدعوي التجديد مفندا اياها، كما رصد الباحث تردد النقاد حول المفهوم الجديد للشعر. ثم عبور ما يسمي (قصيده النثر) علي جسر قصيده التفعيله. وختمه برؤيهٍ متوازنه بين مفهومي القديم والجديد.

وقد اتضح في البحث ان الدعوه لنثر الشعر، قد بدات منذ وقت مبكر في الربع الاخير من القرن التاسع عشر، واول من دعا اليها هو الاستاذ ابراهيم اليازجي، ثم عزف علي وتره بعض الادباء، بدعوي تعريف الشعر، ومن خلال التعريف يهملون الوزن ويَعُدونه ليس شرطًا، معتبرين ان ذلك هو الفهم الجديد خروجًا من فلك الموزون المقفي، الذي دارت حوله الافهام القديمه في تصورهم، ولكن لم تلق هذه الدعوات تاييدًا فعليًّا ولا تطبيقًا عمليًّا علي نحو واسع الا في النصف الاخير من القرن العشرين حيث توافر لها المُناخ المناسب، وتبني بعض النقاد لها، وقد تزامن هذا مع حراك مجتمعي نحو تحول واسع في كل شيء اعتري المجتمع المصري في اغلب مناحي الحياه، حتي تغلَّب المظهر علي الجوهر، واهتم الناس بالشكليات دون الاساسيات. وهكذا توصل البحث الي ان ما يسمي بقصيده النثر ليست وليده اخر القرن العشرين ولكنها بدات كفكره وصدًي لترجمات الشعر الاجنبي. قبل ان يبدا ذلك القرن وظلت تصارع من اجل الحصول علي هويه الشعر العربي ولكنها لاسباب فنيه لا تعد من مفهوم الجديد رغم صراع المدافعين عنها. وفي الربع الاخير من القرن العشرين نستطيع ان نقرر انها ما غلبت وان كانت تغلبت، وقد انتشرت وما تاطَّرتْ.

وتوصل البحث الي ان حركات التجديد كانت مبنيه علي سابقتها، فقد تمثَّلَ البارودي الشِّعر العربي واعاد احياءه، وتمثَّل شوقي ما ابدعَهُ البارودي والبس الشعر زيًّا جديدًا فربطه باحداث المجتمع حوله، وكذلك فعل حافظ ابراهيم وغيره، ثم انطلق الاستاذ العقاد ورفاقه بالشعر في اتجاه جديد دعا الي الوحده العضويه والتركيز علي الصدق الشعوري والمعاني الذهنيه بعيدًا عن الصَّنْعه والارتباط بالاحداث العارضه، وقد استوعب هو ورفاقه ما سبقهم، ثم استفادت جماعه ابولُّو من هذا كله واضافت تنوع الاوزان والقوافي واستخدام الالفاظ والكلمات الرقيقه، والتحليق بالشعر في عوالم من الخيال، اما ما يسمي بالشعر الحر او قصيده النثر فلم يستطع ان يوثق صلته بهؤلاء الروّاد، ولا ان يثبت نسبته الي الشعر العربي علي وجه اليقين، ولا حتي علي وجه الشك، وان بقيت منه نماذجُ تضاف الي اساليب البيان العربي ولكن ليس تحت مسمي الشعر.

يقول الدكتور ايهاب عبدالسلام ان مساله غياب مفهوم التجديد الشعري ومحدداته ليست بالبساطه ولا بالهوان الذي قد يظنه البعض، فالقضيه لا تتوقف عند حدود بحور شعريه يتم تجفيفها؛ انما هي اخطر واعمق من ذلك بكثير، ان خطوره التخلي عن الشعر العربي انه يؤدي –كما يري البعض- الي “تنشئه جيل جديد من ابناء العرب لا يستطيع ان يتذوق اساليب البيان العربي وموضوعاته. واذا نَفَرَ الشبابُ من شعر المتنبي وابي تمام, بل من اسلوب القران الكريم, وانصرف عنه ثم عجزَ عن تذوقه وفهمه, فقد حكمنا علي تراث الادب العربي بالكساد ثم بالموت, وقد انقطعت صله الاجيال المقبله من ابناء العرب بقديمهـم. واذا انقطعت صلتنا بقديمنا امكن انْ نُقَادَ الي حيث يراد بنا والي حيث لا تجمعنا بعد ذلك جامعه تجعل منَّا قوه تُخِيفُ الكائدين وتَاْبَي علي الطامعين”.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل