المحتوى الرئيسى

Diplomacy.. الـ'دبلوماسية' التي أنقذت باريس من الاحتراق

11/12 00:53

احتفاءً باعمال المخرج الالماني فولكر شلوندورف ومسيرته الفنيه المليئه بافلام اعتبرت علامات مميزه لتاريخ السينما الالمانيه، حيث يحل ضيفًا شرفيًا علي مهرجان القاهرة السينمائى الدولى السادس والثلاثين هذا العام، تم عرض فيلمه الاحدث Diplomacy ضمن عروض الامس بالمسرح الكبير بدار الاوبرا.

الفيلم من انتاج 2014، وهو انتاج فرنسي-الماني مشترك، لسيناريو سيريل جيلي وشلوندورف، الذي اقتبساه عن نص مسرحي بنفس الاسم لجيلي.

في اغسطس عام 1944، في الوقت الذي تزحف فيه قوات الحلفاء باتجاه باريس، يجلس "ديتريك فون كوليتز"، الحاكم العسكري النازي لباريس، في جناحه بفندق "نابليوني" يدرس مع مساعديه علي خريطه امتلات بقطع الشطرنج كيف سيدمرون باريس بالكامل، قبل مواجهه اعداءهم، ومغادرتها سائرين علي انقاضها سواء منتصرين ام مكبلين.

"فون كوليتز" يعلم ان فرصه في مواجهه قوات الحلفاء محدوده، ان لم تكن منعدمه، فهو يملك تحت امرته ثلاثه الاف جندي منهك من مواجهه المقاومه الشعبيه الباريسيه التي لا تياس، ومع ظهور القنصل السويدي "راؤول نوردلينج" -غير المتوقع- طالبًا الحديث معه، يبدا الجزء الاكبر من الفيلم (والذي يستمر الي نهايته في تتابع واحد متصل الزمن) حيث يحاول "نوردلينج" من خلال حوار طويل ان يقنع "فون كوليتز" بالعزوف عن خطته العبثيه، والتي تحاكي حاله زعيمه هتلر الذي يقترب بسرعه من هزيمه مهينه، حفاظًا علي جوهره اوروبا بتحفها التراثيه والمعماريه وسكانها الذين يتجاوز تعدادهم المليون والنصف.

روعه الفيلم تبدا من نص سيريل جيلي، المسرحيه المكونه من فصل واحد مبني بناءً محكمًا علي حوار يحتوي علي كل ما يمكن ان يمتعك بقرائته دون الحاجه لاي فصلات زمنيه او مكانيه، مواجهه بين جنرال الماني ستيني ذو خبره مقدره بعقود في ميادين القتال من سيبيريا الي نهر السين، دفعه موقفه الحرج الي التخلي عن حنكته وخبرته والاحتكام الي الطاعه العمياء، ودبلوماسي سويدي علي الحياد يتمتع بذكاء واصرار شديدين يزيدانه ثقهً في قدرته علي تهذيب عند الجنرال الالماني المهدد بخساره عائلته في حال رفض تدمير جوهره اوروبا.

اما شلوندورف في رؤيته السينمائيه للنص، فقد حرص بشده علي اخراج اداءً متكاملًا من بطليه، مشبعًا لتاملك لشخصياتهم نتيجه لثرائه الشديد بالتفاصيل، وتنوعه المستمر وتنقله السلس من حاله الي اخري، يستخدم شلوندورف ايضًا كل ما يمكن للمكان المحدد الذي يستحوذ علي اغلب زمن الفيلم ان يتيحه، ويخلق ايقاعًا خلابًا بتحركات الممثلين بداخله وبالكاميرا التي تلتقط جميع تفاصيل هذه الحركه المتواصله، رغم انها في نفس الوقت حاده وخاليه من اي عفويه.

يظبط شلوندورف ايقاع فيلمه من خلال هذا الاحكام في حركه الكاميرا، الذي يصطدم بحدود المكان الواحد، ويتصاعد مع اقتراب قوات الحلفاء -الذين لا نراهم ابداً في الفيلم- في خلفيه الحدث الرئيسي، وبهذا يتجنب شلوندورف الوقوع في اي فجوات زمنيه ممله قد تفسد اي عمل ماخوذ عن نص مسرحي يدور داخل مكان واحد، ومع خروج شلوندورف من غرفه الجنرال، الذي يحدث قليلًا خلال زمن الفيلم وفي الوقت المناسب، يمكن لك ان تفتقد متابعه المواجهه المحتده والممتعه بين "نوردلنج" و"فون كوليتز".

قيمه فيلم Diplomacy تكمن في انه يبتعد تمامًا عن ميدان الحرب، ويُطلعك علي حرب اخري اشد توترًا بين رجلين من خلفيات متضاده تمامًا، يجعلك دائمًا في حاله من الذهول، وانت تتخيل ماذا كان سوف يحدث للمدينه التي تري احد علاماتها (برج ايفل) في الخلفيه من نافذه غرفه الفندق النابليوني العريق، وتبهرك عراقتها التي يتحاكي بها القنصل السويدي الذي نشا في شوارعها.

تشاهد معركه مصغره، هي واحده من المعارك الدبلوماسيه الملحميه التي شكلت مسار البشريه باكملها، معركه بين سؤالين متكررين يطرحهما كل من الشخصيتين الرئيسيتين علي الاخر كلما احتدم النقاش، يسال القنصل الجنرال: "ماذا لو الامر الذي انت علي وشك تنفيذه ليس بالمقدس، وانما هو في الحقيقه امر عبثي قادم من زعيم اصابه الهوس بامجاد علي وشك الزوال الي صفحات التاريخ السوداء؟" فيسال الجنرال، الذي يضع رغمًا عنه حياه عائلته في كافه ومدينه بحجم وقيمه باريس في كافه اخري: "ماذا كنت ستفعل اذا كنت في موقعي؟" وللعلم، هذه المواجهه بين "ديتريك فون كوليتز" (نيلز اريستروب) و"راؤول نوردلينج" (اندريه دوسوييه) لم تحدث في حقيقه الامر بهذا التكثيف الزمني، وانما علي بضع مقابلات كان اخرها قبل دخول الحلفاء باريس ببضعه ايام. ولكن اريستروب ودوسوييه، اللذان قاما بنفس الادوار علي خشبه المسرح، يقدمان افضل واصدق توثيق سينمائي ممكن لمثل هذا الحدث بادائاتهم المبهره.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل