المحتوى الرئيسى

Interstellar.. رحلة إبداعية عبر النجوم تثبت أن 'نولان' ملك 'الزمكان'

11/12 22:11

(تحذير: هذا المقال يحتوي علي معلومه قد تكشف نهايه الفيلم، ينصح بقراءته بعد المشاهده)

"Interstellar" هو واحد من اكثر الافلام المنتظره في عام 2014، منذ تم الاعلان عن بدء العمل بالفيلم من قبل الاخوين "نولان" في بدايات 2013، ليس لمجرد كونه فيلم يتحدث عن رحلة فضائية مجهوله، ولكن الثقه الكبيره في المخرج كريستوفر نولان تجعل افلامه دائمًا الاكثر انتظارًا علي مدار الاعوام، فبشكل شخصي كنت انتظر الفيلم بفارغ الصبر منذ الاعلان عنه، وكنت اتابع الصور واللقطات الدعائيه التي اضافت مزيد من التشويق والاثاره لدي متابعي السينما، وجعلت الفيلم رحله مجهوله ومنتظره بفارغ الصبر، ومرت الايام وظهر الفيلم اخيرًا بدور العرض المختلفه حول العالم جاذبًا عدد كبير من الفئات العمريه المختلفه من اجل البحث عن تجربه فضائيه مختلفه.

تدور احداث الفيلم حول فتره زمنيه غير محدده من تاريخ الارض، حينما تعاني البشريه من انتشار الاتربه والاوبئه المميته، بالاضافه الي نفاذ الموارد والطعام والمحاصيل الزراعيه بشكل يجعل الحياه علي الارض امرًا ميؤوس منه، فتتجه الحكومه و"ناسا" الي ارسال "كوبر" المهندس، المزارع، الطيار والاب لطفله صغيره وشاب بالغ في رحله خارج اطار الارض من خلال ثقب دودي يؤدي الي مجره اخري مرورًا بالزمكان من اجل البحث عن موطن او كوكب اخر يصلح للحياه، من اجل انقاذ الجنس البشري من الفناء، فيقبل "كوبر" المهمه ويتجه عبر النجوم باحثًا عن موطن جديد له ولاولاده متمسكًا بدافع الوعد الذي قطعه علي نفسه بانه سيعود من اجل ابنته الصغيره "ميرف".

قبل مشاهده الفيلم وكاي مشاهد عادي طرحت سؤلا ماذا سيقدم لنا الفيلم اكثر مما قُدم في افلام مثل "Gravity" و"2001 a space odyssey"، ولكن يمكن القول ان الفيلم قدم بعد فلسفي فيزيائي ودرامي مختلف، فمن المعروف ان قصه الفيلم مستوحاه من بعض نظريات العالم الشهير "كيب ثيرون"، بالاضافه الي نظريات العالم الشهير "اينشتاين" حول الزمن والزمكان والنظيرات النسبيه المختلفه، مما اضاف الي الفيلم جانبًا منطقيًا قلما رايته في افلام الخيال العلمي.

قبل مقارنات ستطرح بالفتره القادمه بين "Interstellar" او "عبر النجوم" وبين "Gravity" او "الجاذبيه" اردت طرح وجهه نظري بين الفيلمين بشكل سريع، فالفتره الزمنيه التي قُدم خلالها الفيلمان هي فتره قصيره لا تتجاوز العام تجعل الفيلمين قابلين للمقارنه ولكن في رايي فان "عبر النجوم" تفوق بشكل كبير علي الفيلم الثاني في معظم النواحي، فالفيلم مفعم بالنظريات الفيزيائيه والعلميه باﻹضافه الي جانب التشويق والاثاره والاداءات التمثيليه المميزه كعاده افلام "نولان"، اضف الي ذلك العمق الدرامي بالفيلم، والذي كان له عامل جذب مميز، وربما يتفوق فيلم "الجاذبيه" فقط في عوامل المؤثرات البصريه الاكثر اقناعًا من حيث الفضاء الخارجي ومنظر الكره الارضيه، حيث كان الابهار اكبر من المضمون عكس فيلم "نولان" الذي اتسم بالتوازن بين الابهار والمضمون، كما استخدم المخرج الشاب تقنيات اقدم بكثير من المستخدمه بفيلم "الجاذبيه" ومع ذلك اخرج لنا الفيلم مبهرًا ايضًا من نواحي الابهار البصري والجرافيكس.

قصه الفيلم كانت فوق الممتازه، معقده وممتعه، فقد كانت التيمه الـ"نولانيه" موجوده بالفيلم، والتي تعودنا عليها في افلام عديده مثل ثلاثيه "The Dark Knight" و"Inception" و"The Prestige" وافلام كثيره قدمها لنا الاخوين "نولان" تمتاز بالتشويق والغموض والفكره العميقه التي تحتاج الي تفكير من المشاهد حتي يعي جيدًا المضمون واحداث الفيلم، ففكره تعرض الارض الي هذه الظاهره الكارثيه هو امر محتمل ووارد حدوثه، طالما كان الانسان مهملًا لبيئته معاملًا الموارد المائيه والغذائيه والزراعيه باسوا الاساليب من خلال الحروب والتعديلات الوراثيه لكل شيء من حوله، ففي نهايه المطاف سيقود الانسان نفسه الي فنائه، وهو انذار يقدمه لنا الاخوان "نولان" كانذار للطبيعه، وكما كنت دائمًا مقتنع ان القصه التي تعيش هي القصه التي تصلح لاي فتره زمنيه واي مكان وزمان بعقدتها وحلها، ولذلك يمكن القول ان الفيلم وقصته بشكل عام ستعيش لسنوات عديده قادمه، وبجانب القصه الممتعه، الفيلم بشكل عام اثبت ان الاخوين "نولان" لا يخجلان من البحث عن الاخطاء وانتقاد اعمالهم بانفسهم حتي يخرج العمل باقل اخطاء ممكنه، ويمكن القول ان قصه الفيلم خرجت بالفعل باقل اخطاء ممكنه، فالاخطاء الوحيده التي اتذكرها علي سبيل المثال مشهد الاحداثيات غير المنطقيه التي جعلت "كوبر" يصل الي مقر "ناسا" شديد السريه، فيتم اختياره من قبلهم لمهمه كونيه خارج اطار الارض، كان هذا احد المشاهد التي شعرت معها بثغره في قصه العمل، ولكن جاء لنا "نولان" في النهايه بمشهد "الزمكان" الذي وضح كل شيء، والذي اكد ان نهايه العالم هي مجرد بدايه جديده لنا كبشر، وفي النهايه اعتبر الفيلم قدم افضل قصه فضائيه رايتها.

قدم لنا كريستوفر نولان مشاهد دراميه بحته بشكل تعودنا عليه في افلامه السابقه، فالمميز في افلامه انه يقدم العمق الدرامي المطلوب، حتي ولو كان فيلم خياليًا او بعيدًا عن المنطق، ولكنه هذه المره قدم لنا المنطق الممزوج بالدراما في العديد من المشاهد، التي تحرك العواطف والمشاعر داخل المُشاهد، وتنسحب منه دموعه في بعض الاحيان، وخاصه في علاقه الاب "كوبر" بابنته الصغيره "ميرف" وكيف تطورت العلاقه بينهم، من الاب وابنته الصغيره الي الاب وابنته الاكبر منه والمسنه، فمن ضمن هذه المشاهد المؤثره مشهد مرور 23 عام في اقل من ساعه بالنسبه الي "كوبر" واستلامه الرسائل التي اُرسلت اليه في هذه الفتره من ابنائه، فابنه اصبح ابًا وابنته صارت في الثلاثينات من عمرها، لحظات فقدها "كوبر" ولم يعشها مع ابنته وما قدمه ماثيو ماكونهي في هذا المشهد كان يفوق مراحل من الابداع التمثيلي.

كذلك من المشاهد الرائعه بالفيلم، مشهد اكتشاف "ميرف" خدعه العالم "براند"، فقد كان الهدف من هذه الرحله الاستكشافيه ليس انقاذ البشر علي الارض بل مجرد البحث عن كوكب اخر يبدا عليه مجموعه قليله من البشر ، ويتكاثروا كما حدث علي الارض، فقد كان بالنسبه للدكتور "براند" البشر علي الارض لا امل لهم في النجاه وميؤوس منهم، فقرر تركهم ليختنقوا.

بعيدًا عن مشهد الزمكان فساتحدث عنه لاحقًا، كان مشهد النهايه اكثر من رائع، واتعجب من بعض النقاد الذين اشادوا بالفيلم ولكن انتقدوا النهايه، النهايه كانت مثاليه، فطوال احداث الفيلم كان دافع "كوبر" دائمًا هو انهاء المهمه باسرع وقت وانقاذ ما تبقي من الزمن من اجل العوده الي ابنته، ولكنه لم يكن يدري ان السنوات خلال رحلته مرت سريعًا ليعود فيجد ابنته الصغيره التي تركها في العاشره من عمرها، اصبحت امراه مسنه في لحظاتها الاخيره، اجتمع حولها عائلتها التي لا يعرف فيها احدًا، مشهد المقابله كان رائعًا فقد اوفي "كوبر" بوعده في النهايه وعاد وان كان متاخرًا وابنته ايضًا كانت تثق من عودته، ولكنها رات انه ليس علي الاباء حضور اللحظات الاخيره من حياه ابنائهم، ولذلك طلبت منه ان يرحل حتي تبقي في ذاكرته تلك الفتاه الصغيره التي تركها منذ ايام قليله، فقد كان الدافع الذي يُبقي "كوبر" علي قيد الحياه هو العوده الي ابنته لكي يحيا معها وليس ليراها وهي تموت، ولذلك طلبت "ميرف" في نهايه المطاف من "كوبر" العوده مره اخري الي الكوكب الذي تعيش عليه "ايميليا" وحيده لكي يحيا معها علي الكوكب الذي سيكون بمثابه بدايه جديده للبشريه، ففي النهايه لم يتبق لـ " كوبر" اي شيء سوي "ايميليا"، ولذلك اري ان النهايه كانت اكثر من رائعه ومثاليه لاحداث وقصه الفيلم.

يعتبر المشهد الاكثر تعقيدًا بالعمل هو مشهد سقوط "كوبر" في الفجوه الزمنيه او الثقب الدودي خلال رحلته في العوده الي الارض وحيدًا، حينما دخل في "الزمكان" وهو الاطار الزمني الذي صنعته ابنته "ميرف" في المستقبل حينما كان "كوبر" يسبح حول نجمات الفضاء المنسيه، ولكن في "الزمكان" الزمن متوقف ومتمدد من اللحظه التي صنعته فيها "ميرف"، فيمكن رؤيه الزمن في مجموعه من الصور من الماضي والحاضر، بل والتدخل بشكل طفيف فيها كما كان يفعل "كوبر" بدفع الكتب من خلف المكتبه وارسال الاحداثيات وحركه الساعه ايضًا، ليكتشف "كوبر" في النهايه ان الغرض من رحلته كان بالفعل انقاذ البشريه من خلال الهام ابنته بالسر، فقد كان بالفعل هو شبحها الذي كانت تتحدث عنه طوال احداث الفيلم، كان من يرسل لها رسائل معقده من بعد زمني مختلف كانت "ميرف" تتلقاه طوال حياتها، وعندما وصلت الي عمر ابيها تمكنت اخيرًا من الوصول الي الحل.

ومن هنا اكتشف "كوبر" انه الشخص الذي ارسل الاحداثيات من البدايه الي "كوبر" الذي يعيش في الماضي، لكي يتوجه الي المكان السري لـ "ناسا" ويقبل المهمه وينقذ البشريه بمساعده ابنته في النهايه.

الاداء التمثيلي كان اكثر من رائع من قبل اغلبيه طاقم العمل، وياتي في المقدمه بالطبع الممثل المميز "ماثيو ماكونهي"، والذي قدم شخصيه " كوبر " علي اكمل وجه باسلوب بسيط خالي من التكلف او التصنع، فهو من الممثلين القلائل الذين يقدمون ادوار طبيعيه وممتعه، واري انه يستحق وبدون مبالغه الترشح للمره الثانيه علي التوالي للاوسكار هذا العام، فقد قدم اداءًا دراميًا مميزًا بفيلم من المفترض ان مضمونه الخيال العلمي، وان لم تصدق، فيمكنك مشاهده مشاهد الزمكان ومشهد رسائل ال23 عام ومشهد النهايه لتتاكد بنفسك، فقد اثبت مره اخري انه ممثل مميز تاخر كثيرًا توهجه.

"ان هاثاواي" ايضا قدمت اداء مميز بالفيلم في شخصيه "ايمليا"، والتي تثق كثيرًا في والدها، وتري ان الرحله الاستكشافيه هي امل البشريه الوحيد، وربما طبيعه الدور كانت اقل حجمًا من ناحيه الدراما والظهور من "كوبر" ولكنها قدمت البطوله النسائيه بشكل جيد. بالحديث عن البطوله النسائيه ربما تفوقت هذه المره "جيسيكا شاستين" علي "اني" في تقديم شخصيه "ميرف" الشابه بعفويتها وعمقها، في الحقيقه لم اكن من عشاق "جيسيكا"، وكنت اراها ممثله عاديه، ولكنها اثبتت لي عكس ذلك في شخصيه "ميرف"، كذلك كان الحضور مميز للغايه لـ "مايكل كين" الذي صار شيئا "نولاني" تعودنا عليه في معظم الافلام الاخيره، واضيف الي ذلك الاداءات التمثيليه المميزه لكل من "كيسي افليك" و"ويس بينتلي" و"جون ليثجو" و"ديفيد جياسي".

ربما ساتوقف قليلًا امام الاداء الاكثر من رائع للطفله الصغيره "ماكانزي فوي" والتي لا تبلغ من العمر اكثر من 14 عامًا، ولكنها قدمت شخصيه "ميرف" الصغيره وكانها ممثله كبيره وخبيره ارتدت عباءه الطفله، فقد كان ادائها التمثيلي والدرامي مذهلًا بالنسبه لي، وهو امر تعودنا عليه في عالم هوليوود بتقديم ممثلات مبهره صغيره السن، ولا شك انني سانتظر افلام "فوي" القادمه فسيكون لها مستقبل باهر.

من ضمن المفاجات التي قدمها نولان بالفيلم هو الظهور والاطلاله المميزه للممثل الشاب والمخضرم "مات ديمون" والذي ظهر بمنتصف الفيلم بشخصيه الدكتور "مان"، والذي يمثل الجانب المظلم او الشرير من الشخصيات، فقد قضي العديد من السنوات علي كوكب منسي لا يصلح للحياه البشريه ليتحول الي شخص مجنون هدفه الوحيد هو العوده الي الارض مهما تكلف الامر، ويجب الاشاده بنجاح صناع العمل في التكتم الشديد علي هذه الشخصيه بعدم اظهار اي صور او لقطات دعائيه لها لتصبح مفاجاه مميزه للمتفرج، وهنا يجب الاشاده بشكل اكبر بكاستينج العمل والذي تفوق علي نفسه باختيار الممثل المناسب للشخصيه المناسبه، فلا يمكنني ان اري ممثلين اخرين في هذه الشخصيات وخاصه اختيار "ماثيو" للشخصيه الرئيسيه، والفضل في المقام الاول يرجع الي "كريستوفر" الذي اختاره بعد مشاهده ادائه بفيلم الدراما "Mud" .

علي مستوي الاداء التقني بالعمل، كان ضمن عوامل نجاح الفيلم بنسبه كبيره بالنسبه لي بدايه من المؤثرات البصريه المميزه والمقنعه فقد كان امرًا متوقعًا عندما اعلن صناع العمل ان ميزانيه انتاج الفيلم تخطت الـ165 مليون دولار امريكي، وهو رقم يؤكد علي ضخامه الابهار البصري بهذا العمل، وهو من العوامل الجاذبه لاي متفرج، الاخراج في هذا العمل كان ابداعيًا كعادته "نولان" يقدم زوايا تصوير ومواقع لم تقدم من قبل، ولا يكتفي فقط بتقديم المتعه من خلال المؤثرات او القصه، بل يقدم المتعه باسلوبه الفريد من نوعه في الاخراج، كما اثبت "نولان" ان انفصال مدير التصوير "والي فستر" عنه لم يؤثر علي مستوي افلامه، فقد ظهر الفيلم بمستوي تصويري واخراجي يضاهي افلامه السابقه.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل