المحتوى الرئيسى

ضوء على تل العمارنة بعد مائة عام على اكتشاف نفرتيتي

11/11 01:10

تخصيص المانيا طابقا كاملا في المتحف الجديد الذي افتتح اواخر عام 2009 في برلين، من اجل عرض التحف المصريه الفرعونيه، دليل علي اهتمام الالمان الكبير جدا بالاثار المصريه وتاريخ مصر الفرعوني. فعندما وضعت فكره ترميم هذا المتحف الواقع بالقرب من متحف برغامون ببرلين ولحقت به اضرار فادحه خلال الحرب العالمية الثانية، تم اقرار فكره عرض الاثار المصريه فيه، لذا خصص لهذه الاثار طابق بكامله، ومن يدخله يشعر حقيقه بانه عاد الاف السنين الي الوراء، ويعيش ثقافه لن نشهدها بعد الان، فالفراعنه تركوا اثارا لا يمكن لاي حضاره في العالم منافستها؛ فعلي مساحه 3600 متر مربع تُعرض 2500 قطعه اثريه مهمه للحضارات الفرعونيه، من بينها قطع لم تُعرض من قبل ظلت اسيره اقبيه المتحف، منها مجموعه من ورق البردي وقطع اثريه عُثر عليها في منطقه تل العمارنة، لكن التحف الاكثر شهره وتجلب حتي الان الاف المعجبين بها هي بالطبع التمثال النصفي للملكه الفرعونيه نفرتيتي. وتعمد المهندسون تنظيم هذا القسم علي 3 مرتفعات بشكل يسهل علي الزائر التجول والانتقال من قسم الي اخر، في الوقت نفسه ربط التطورات التاريخيه في المملكات الفرعونيه دون اي اشكال او تجاوز لمرحله تاريخيه تصل الي 4000 سنه، مع التعريج علي الحضاره السودانيه.

ونتيجه ترميم العديد من الاضرحه الفرعونيه، تمكن القائمون علي المتحف من عرض تحف رائعه لحضاره الموت وحضاره الالهه والحياه اليوميه لعامه الشعب يومها، ايضا عرض تاريخ علم المصريات وتوضيحه.

كما يضم القسم اوراق البردي المعروضه في واجهات زجاجيه مع اضاءه متقنه، وتم اختيار مجموعه كبيره من النصوص المهمه والاعمال الادبيه التي تعكس الحركه الادبيه من فترات حكم الفراعنه بشكل يسهل فهم التتابع الحضاري والتاريخي، ويكتمل بعرض تماثيل لادباء وعظماء هذه الفترات في القاعات المجاوره.

وعند ولوج قسم المصريات، يطل علي الزائر مجموعه كبيره من التماثيل، الا ان الفراعنه المعروفين خُصص لهم زوايا خاصه، منها تمثال للكاهن تانيت واخر زوجته ممسكين بالايدي، وهي تلبس فستانا ابيض مكشوف الذراعين، وكانه تصميم احد مصممي الازياء الفرنسيين. ويعود التمثال الي العائله الخامسه، اي قبل 2400 سنه، ومن الفتره الزمنيه نفسها لوحه منحوته علي حجر كلسي لصيادين يحاولون اصطياد فرس نهر النيل، وما زالت الالوان محافظه علي جودتها، كذلك الطيور المحلقه.

والتحفه الاخري التي تجلب الانظار ويقف امامها الزائر محدقا تمثال الملكه تييه المسماه بالزوجه العظمي، وكانت المفضله لدي امنحوتب الثالث فرعون الاسره الـ18 ووالده اخناتون وجده توت غنخ امون، ويظهر علي التمثال الملامح النوبيه، رغم الاعتقاد القديم بانها قد تكون اسيويه الاصل، وكانت كاهنه في معبد الاله مين، وذات مقام كبير.

وفي المتحف الجديد، لم يوضع توت عنخ امون الي جانب زوجته الملكه نفرتيتي، بل فارقها للمره الثانيه؛ بعد وفاته وفي المتحف البرليني؛ اذ وُضع تمثاله وهو من الحجر الجيري في زاويه ينكسر الضوء فيها علي ملامح وجه متناسقه مع جبين منحسر قليلا، وتقريب طرف الانف وانفراج في الشفه السفلي. وعثر منقبون المان علي هذا التمثال في تل العمارنه عام 1920 واشتراه تاجر القماش البرليني جيمس سيمون يومها، واهداه الي متحف المصريات في العاصمه الهتلريه برلين. وكان هتلر من المعجبين بالتمثال؛ فهو (حسب قوله) يدخل السرور الي قلبه، لذا قرر انشاء متحف يخصص جناحا للملكه.

وهذه التحفه ما زالت تسحر الالباب وخصص لها في المتحف غرفه شبه مظلمه ووضعت في صندوق زجاجي كبير سلطت عليه اضواء خافته فزاد من سحرها وجمالها. ويقف الكبار، كما الصغار، امام هذا التمثال مسحورين، وكل واحد يحاول عبور الزمن من اجل الجلوس الي جانبها او سرقه نظره اليها.

ولقد اكتُشفت هذه التحفه في الـ12 من شهر ديسمبر (كانون الاول) من عام 1912 في منطقه تل العمارنه، علي يد منقب الاثار الالماني لودفيغ بورشارد. وتشير دراسه وضعها عالم المصريات الالماني هيرمان شلوغل الي ان نفرتيتي لم تكن شخصيه عاديه، بل محرك ثوره ثقافيه سياسيه، وثبت ذلك في مخطوطات عُثر عليها في معبد الكرنك، مما ساعد في نشر الديانه التوحيديه في مصر، في القرن الـ14 قبل الميلاد.

ورغم مرور الاف السنين علي وفاه الملكه نفرتيتي، فان جهود المنقبين الالمان وغيرهم متواصله للعثور علي اي اثر يدل علي اصلها ومكان نشاتها، وهناك اختلاف في راي العلماء؛ فالمعلومات الالمانيه تقول انها لم تعش في مدينه اشتان اتون، بل وُلدت في عام 1370 قبل الميلاد في منطقه ميتاني، وهي اليوم سوريا، وكانت ابنه ملك، وكان اسمها يومها تادوشبا، وفي صغرها اُحضرت الي مصر، وكان عليها الزواج من الفرعون امينوفيس الثالث، الا ان الفرعون توفي بعد العرس بايام، لذا تزوجت من ابنه وخلفه امينوفيس الرابع، عندها حملت اسم نفرتيتي، اي «الجميله الاتيه».

بحسب بحوث فريدريكه زايفردي مديره المتحف المصري ومجمع الورق البردي للمتاحف الوطنيه في برلين، فان اسم نفرتيتي ورد كثيرا في الرسوم التي اكتُشفت وزينت جدران المعابد وبعض الاعمده، كما ساد الاعتقاد بانها تنحدر من عائله مصريه عاديه، كانت لها مرضعه اسمها تي، ولا توجد معلومات عن والدها، وكل ما هو معروف انها كانت فائقه الجمال وشاركت في الحكم زوجها اخناتون الذي اسس عاصمه جديده اسمها اخيتاتون، وهي اليوم تل العمارنه التي اكتشف فيها عالم الاثار الالماني بورشارد التمثال النصفي لنفرتيتي، ومئات القطعه الاثريه القيمه. وقد تمكنت الملكه من مد سلطتها عبر اقامتها الطقوس الدينيه في المعابد.

وردا علي الاقوال بان هناك وثائق تشير الي ان نفرتيتي حكمت مصر بعد وفاه زوجها في الخفاء، اي في فتره حكم فيها الفرعون سمنخ كارع، الذي ورث العرش وكان الغموض يحيط به ايضا، اجابت زايفريد: «كل ذلك ليس سوي نظريات، مع ذلك فان كل معلومه عنها تثير فضول الناس، خاصه محبي التشوق والمغامرات».

اما بشان استرجاع مصر لملكتها، فالسجال ما زال دائرا؛ فعند افتتاح المتحف الجديد اكد كثير من المسؤولين الالمان ان التمثال الذي يدور حوله نقاش ساخن، وطالبت مصر باسترجاعه، هو ارث انساني وثقافي عالمي وملك الجميع، وتساءل احدهم: ماذا كان سيحصل للتمثال لو اعيد الي مصر، في ظل الاضطرابات والفوضي التي حصلت وسُرقت خلالها المئات من القطع الاثريه من المتحف الوطني في القاهره؟! بالطبع كان سوف يختفي كما اختفت قطع اخري مهمه، او دُمّر لاسباب تعصبيه دينيه، كما حصل لتماثيل بوذا في باميان بافغانستان، او بيع لاحد الاغنياء ليضيفه الي تحفه في القبو.

وتمسك المانيا بالتمثال عكسه حديث صحافي لهارمن بارزنيغر مدير المؤسسه التراث الثقافي البروسي، ويتبع متحف المصريات اليه، فقد رفض كل مناقشات تحريضيه تتعلق باسترجاعه بالقول: «اننا نمد يدنا الي كل من يريد التعاون معنا، وندعو الطرف المصري للمشاركه في البحوث العلميه المتعلقه بالاثار التي اكتُشفت من تل العمارنه». وردا علي ما يقوله الطرف المصري وغيره من ان الباحث وعالم الاثار الالماني لودفيع بورشارد الذي اشرف علي الحفريات قبل مائه عام حاول اخفاء التمثال عندما عثر عليه، اكد ان «كل طرف شارك في التنقيب يومها حصل علي قطع اثريه محدده، وهذا ما كان متفقا عليه، وهذه معلومات لم تاتِ من الهواء».

نرشح لك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل