المحتوى الرئيسى

نقطة الضعف المدمـرة

11/08 20:08

لكل منا نقطه ضعفه التي يتسلل منها الشيطان الي قلبه لينقل اليه العدوي ويبث النجوي، وهي تختلف من مريض لاخر، لكن الحاذق اليوم هو من عرف نقطه ضعفه، وابتعد عن كل ما يوصل اليها، فان كانت نقطه ضعفه النساء سعي في شغل فراغه وتجنَّب اماكن الاختلاط والتبرج.

وان كان انهياره في الخلوه في مواجهه الذنوب؛ حرص علي الذوبان في مجتمع الصالحين وعدم التفرد ما استطاع الي ان تقوي مناعته.

وان كانت نقطه ضعفه شرهه في جمع المال زار من هو افقر منه وعاد اصحاب الامراض المستعصيه حتي يعتبر، وبهذا يغلق الباب امام تفاقم المرض، بل يُشفي منه بمرور الوقت باذن الله.

ان معرفه نقطه الضعف هي نصف الطريق الي الشفاء؛ ولذا كان من جميل الدعاء: «اللهم ارنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه».

فالمشاكل العويصه تُحلُّ بمعرفه الحق اولاً، ثم بامتلاك الطاقه النفسيه والقوه الروحيه لاتباع هذا الحق، فان عرفت نقطه ضعفك فقد قطعت شوطًا طويلاً في طريق العلاج، وكثير من الناس لا يعرف عيبه، ومنهم من يعرف ويجادل عنه او ينفيه وكانه تهمه، وليس هذا من سمات المؤمنين في شيء، فان صاحب القلب الحي يفرح بمن اهدي اليه عيوبه، ويتخذ صاحبًا يُحصي عليه، ويُلِحُّ علي من يخالطه في ان يرشده الي نقائصه.

وقد يقوي المرء في جانب ويضعف في اخر، وقد يعرف نقطه ضعفه وقد لا يعرفها، وليس غير التجربه خير برهان، ولذلك لما اختلف الناس في ايهما ازهد عمر ابن عبد العزيز ام اويس القرني؟ قال ابو سليمان الداراني: «كان عمر بن عبد العزيز ازهد من اويس القرني، لان عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزَهَد فيها، ولا ندري حال اويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟ ليس من جرَّب كمن لم يُجرِّب».

ونفس الراي نطق به مالك بن دينار حين قال: «يقولون مالك زاهد، اي زهد عند مالك وله جبه وكساء، انما الزاهد عمر بن عبد العزيز اتته الدنيا فاغره فاها فتركها».

عرض الفتن علي القلوب وقد سبق وان ارشدك نبيك صلي الله عليه وسلم الي اهميه معرفه نقطه الضعف حين قال: «تُعرَض الفتـن علي القلوب عرض الحصيرعودًا عودًا، فاي قلب ‏اُشْرِبَهَا نكت فيه نكته سوداء، واي قلب انكرها نُكِت فيه نكته بيضاء؛ حتي يصير القلب ابيض مثل الصفا لا تضره فتنه ما دامت السماوات والارض، والاخر اسود مُرْبَادًّا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا الا ما ‏اُشْرِبَ من هواه».

والاتيان بالفعل «تُعرض» بصيغه المضارع دلاله علي ان العرض مستمر طيله الحياه لا ينتهي حتي تنتهي انت الي قبرك، لكن الفتن تختلف؛ ففتنه الشباب غير فتنه الشيوخ؛ لان شهوه النساء مثلاً في قلوب الشباب اقوي، وطول الامل والحرص في قلوب الشيوخ ابقي، فلكل عمر فتْنَتُه، وقد يصمد الرجل امام فتنه سنين؛ فاذا كان اخر عمره هوي فيها، بل ولكل جنس ايضا فتْنَتُه، ففتن الرجال غير فتن النساء، بل لكل زمن فتن، والشيطان في كل الاحوال ملحاح لا يدع المحاوله مع اي احد وفي اي عمر كان.

ومعني «عُودًا عُودًا»اي تُعاد وتكرَّر مره بعد مره؛ لذا اوردها النووي في روايه بلفظ «عَوْدا عَوْدا»، ومعني عرض الحصير اي كما يُنسج الحصير عودًا عودًا، وذلك ان ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا اخذ اخر ونسجه، فشبَّه عرض الفتن علي القلوب واحده بعد اخري بعرض قضبان الحصير علي صانعها واحدًا بعد واحد، فمن القلوب من يُشرَب هذه الفتنه، ‏ومعني اُشربها اي استسلم لها حتي دخلت فيه دخولاً تامًّا وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالي: {وَاُشرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلعِجلَ}.. [البقره : 93] اي حب العجل.

وامام هذا السيل المنهمر الذي تتابع علي القلب يسودُّ القلب، ويظل يهوي وينتكس ويذوي ويرتكس حتي يصبح كالكوز مُجَخِّيًا اي مقلوبًا، وهل يبقي في الكوب المقلوب شيء؟ وكذلك هو لا يبقي ولا يثبت فيه اي خير، ومعني اخر لقوله «منكوسًا» اي تنقلب عنده حقائق الامور، فيري الباطل حقًّا والحق باطلاً، والهلاك نجاه والنجاه هلاكًا، والحامض حلوًا والسكر ملحًا، وهذه عاقبه كل من استسلم لضعفه وركع لهواه.

ومن يك ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ .. ..  يجد مُرًّا به الماءَ الزلالا

وتامَّل قوله: «مُربادَّا»اي يحمل بقايا بياض في عموم سواد، وهذا دلاله علي انه ما كان اسود يوم خلقه الله، بل كان ابيض ناصع بياض الفطره ليحمل الخيـر ويدوم عليه؛ لكنه اختار بارادته الذي هو ادني، وقدَّم الخبيث علي الطيب، وطرد خيره مؤثرًا شرَّه، واحيا فجوره وامات بِرَّه، فلم يبق من البياض والفطره والايمـان الا بقع من البيـاض الغارقه في لجه الخطيئه وطوفان السواد.

والحديث في مجمله يدفعنا بقوه الي ضروره مراجعه النفس لاكتشاف نقطه الضعف التي يتسلل منها الشيطان ليحوِّل صاحب القلب الحي في النهايه الي صاحب قلب منكوس، وما ذاك الا من تهاونه في معرفه عيب نفسه في البدء، وعدم سدِّ هذا المنفذ علي الشيطان بسد فولاذي الايمان وسعيه الحثيث في العلاج، نعم نقطه ضعف واحده ليس غير كفيله ان تؤدي الي انتكاسه قلبك وانقلاب روحك، وانت السبب اذ لم تسمع وصيه الحبيب، او سمعتها ورميتها وراء ظهرك، ثم تبكي!!

وما مثلك بنقطه ضعفك مع شيطانك الا كحامل قطعه لحم وحوله كلب جائع، فلا يزال الكلب ملازمًا لك حتي ترمي عنك قطعه اللحم، فان رميتها ثم زجرته انصرف عنك، والا ظل يحوم حولك يطمع في لحظه غفله او سِنه نوم ليهجم!!

وفي المقابل ينتصب القلب الحي صخره شامخه تتكسر عليها امواج الفتن، وهذا سِرُّ تشبيهه بالصفا. قال القاضي عياض رحمه الله: «ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه، لكن صفه اخري لشدتـه علي عقد الايمان وسلامته من الخلل، وان الفتن لم تلصق به ولم تؤثِّر فيه كالصفا، وهو الحجر الاملس الذي لا يعلق به شيء».

طرق معرفه عيب النفس قال ابن قدامه وهو يرشدك الي كيفيه التعرف علي نقطه ضعفك: فمن اراد الوقوف علي عيب نفسه فله في ذلك اربع طرق:

‏الطريقه الاولي‏:‏ ان يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها، وهذا قد عزَّ في هذا الزمان وجوده، فمن وقع به فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي ان يفارقه‏.

الطريقه الثانيه:‏ ان يطلب صديقًا صدوقًا بصيرًا متدينًا، وينصبه رقيبًا علي نفسه لينبِّهه علي المكروه من اخلاقه وافعاله‏.

الطريقه الثالثه‏:‏ ان يستفيد معرفه نفسه من السنه اعدائه، فان عين السخط تبدي المساوئ، وانتفاع الانسان بعدو مشاحن يذكر عيوبه اكثر من انتفاعه بصديق مداهن يُخفي عنه عيوبه:‏ عداتي لهم فضل علي ومنه            فلا ابعد الرحمن عني الاعاديا هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها        وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

الطريقه الرابعه‏:‏ ان يخالط الناس، فكل ما يراه مذمومًا فيما بينهم، يجتنبه. "‏‏مختصر منهاج القاصدين"

لكل منا نقطه ضعفه التي يتسلل منها الشيطان الي قلبه لينقل اليه العدوي ويبث النجوي، وهي تختلف من مريض لاخر، لكن الحاذق اليوم هو من عرف نقطه ضعفه، وابتعد عن كل ما يوصل اليها، فان كانت نقطه ضعفه النساء سعي في شغل فراغه وتجنَّب اماكن الاختلاط والتبرج.

وان كان انهياره في الخلوه في مواجهه الذنوب؛ حرص علي الذوبان في مجتمع الصالحين وعدم التفرد ما استطاع الي ان تقوي مناعته.

وان كانت نقطه ضعفه شرهه في جمع المال زار من هو افقر منه وعاد اصحاب الامراض المستعصيه حتي يعتبر، وبهذا يغلق الباب امام تفاقم المرض، بل يُشفي منه بمرور الوقت باذن الله.

ان معرفه نقطه الضعف هي نصف الطريق الي الشفاء؛ ولذا كان من جميل الدعاء: «اللهم ارنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه».

فالمشاكل العويصه تُحلُّ بمعرفه الحق اولاً، ثم بامتلاك الطاقه النفسيه والقوه الروحيه لاتباع هذا الحق، فان عرفت نقطه ضعفك فقد قطعت شوطًا طويلاً في طريق العلاج، وكثير من الناس لا يعرف عيبه، ومنهم من يعرف ويجادل عنه او ينفيه وكانه تهمه، وليس هذا من سمات المؤمنين في شيء، فان صاحب القلب الحي يفرح بمن اهدي اليه عيوبه، ويتخذ صاحبًا يُحصي عليه، ويُلِحُّ علي من يخالطه في ان يرشده الي نقائصه.

وقد يقوي المرء في جانب ويضعف في اخر، وقد يعرف نقطه ضعفه وقد لا يعرفها، وليس غير التجربه خير برهان، ولذلك لما اختلف الناس في ايهما ازهد عمر ابن عبد العزيز ام اويس القرني؟ قال ابو سليمان الداراني: «كان عمر بن عبد العزيز ازهد من اويس القرني، لان عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزَهَد فيها، ولا ندري حال اويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟ ليس من جرَّب كمن لم يُجرِّب».

ونفس الراي نطق به مالك بن دينار حين قال: «يقولون مالك زاهد، اي زهد عند مالك وله جبه وكساء، انما الزاهد عمر بن عبد العزيز اتته الدنيا فاغره فاها فتركها».

عرض الفتن علي القلوب وقد سبق وان ارشدك نبيك صلي الله عليه وسلم الي اهميه معرفه نقطه الضعف حين قال: «تُعرَض الفتـن علي القلوب عرض الحصيرعودًا عودًا، فاي قلب ‏اُشْرِبَهَا نكت فيه نكته سوداء، واي قلب انكرها نُكِت فيه نكته بيضاء؛ حتي يصير القلب ابيض مثل الصفا لا تضره فتنه ما دامت السماوات والارض، والاخر اسود مُرْبَادًّا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا الا ما ‏اُشْرِبَ من هواه».

والاتيان بالفعل «تُعرض» بصيغه المضارع دلاله علي ان العرض مستمر طيله الحياه لا ينتهي حتي تنتهي انت الي قبرك، لكن الفتن تختلف؛ ففتنه الشباب غير فتنه الشيوخ؛ لان شهوه النساء مثلاً في قلوب الشباب اقوي، وطول الامل والحرص في قلوب الشيوخ ابقي، فلكل عمر فتْنَتُه، وقد يصمد الرجل امام فتنه سنين؛ فاذا كان اخر عمره هوي فيها، بل ولكل جنس ايضا فتْنَتُه، ففتن الرجال غير فتن النساء، بل لكل زمن فتن، والشيطان في كل الاحوال ملحاح لا يدع المحاوله مع اي احد وفي اي عمر كان.

ومعني «عُودًا عُودًا»اي تُعاد وتكرَّر مره بعد مره؛ لذا اوردها النووي في روايه بلفظ «عَوْدا عَوْدا»، ومعني عرض الحصير اي كما يُنسج الحصير عودًا عودًا، وذلك ان ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا اخذ اخر ونسجه، فشبَّه عرض الفتن علي القلوب واحده بعد اخري بعرض قضبان الحصير علي صانعها واحدًا بعد واحد، فمن القلوب من يُشرَب هذه الفتنه، ‏ومعني اُشربها اي استسلم لها حتي دخلت فيه دخولاً تامًّا وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالي: {وَاُشرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلعِجلَ}.. [البقره : 93] اي حب العجل.

وامام هذا السيل المنهمر الذي تتابع علي القلب يسودُّ القلب، ويظل يهوي وينتكس ويذوي ويرتكس حتي يصبح كالكوز مُجَخِّيًا اي مقلوبًا، وهل يبقي في الكوب المقلوب شيء؟ وكذلك هو لا يبقي ولا يثبت فيه اي خير، ومعني اخر لقوله «منكوسًا» اي تنقلب عنده حقائق الامور، فيري الباطل حقًّا والحق باطلاً، والهلاك نجاه والنجاه هلاكًا، والحامض حلوًا والسكر ملحًا، وهذه عاقبه كل من استسلم لضعفه وركع لهواه.

ومن يك ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ .. ..  يجد مُرًّا به الماءَ الزلالا

وتامَّل قوله: «مُربادَّا»اي يحمل بقايا بياض في عموم سواد، وهذا دلاله علي انه ما كان اسود يوم خلقه الله، بل كان ابيض ناصع بياض الفطره ليحمل الخيـر ويدوم عليه؛ لكنه اختار بارادته الذي هو ادني، وقدَّم الخبيث علي الطيب، وطرد خيره مؤثرًا شرَّه، واحيا فجوره وامات بِرَّه، فلم يبق من البياض والفطره والايمـان الا بقع من البيـاض الغارقه في لجه الخطيئه وطوفان السواد.

والحديث في مجمله يدفعنا بقوه الي ضروره مراجعه النفس لاكتشاف نقطه الضعف التي يتسلل منها الشيطان ليحوِّل صاحب القلب الحي في النهايه الي صاحب قلب منكوس، وما ذاك الا من تهاونه في معرفه عيب نفسه في البدء، وعدم سدِّ هذا المنفذ علي الشيطان بسد فولاذي الايمان وسعيه الحثيث في العلاج، نعم نقطه ضعف واحده ليس غير كفيله ان تؤدي الي انتكاسه قلبك وانقلاب روحك، وانت السبب اذ لم تسمع وصيه الحبيب، او سمعتها ورميتها وراء ظهرك، ثم تبكي!!

وما مثلك بنقطه ضعفك مع شيطانك الا كحامل قطعه لحم وحوله كلب جائع، فلا يزال الكلب ملازمًا لك حتي ترمي عنك قطعه اللحم، فان رميتها ثم زجرته انصرف عنك، والا ظل يحوم حولك يطمع في لحظه غفله او سِنه نوم ليهجم!!

وفي المقابل ينتصب القلب الحي صخره شامخه تتكسر عليها امواج الفتن، وهذا سِرُّ تشبيهه بالصفا. قال القاضي عياض رحمه الله: «ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه، لكن صفه اخري لشدتـه علي عقد الايمان وسلامته من الخلل، وان الفتن لم تلصق به ولم تؤثِّر فيه كالصفا، وهو الحجر الاملس الذي لا يعلق به شيء».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل