المحتوى الرئيسى

«حكم العسكر» والتحول الديمقراطي: 3 تجارب لإصلاح المؤسسات العسكرية

11/05 17:09

تمر الدول في مسيرتها بفترات انتقاليه، من النظام الملكي الي الجمهوري، او من السلطويه الي الديمقراطيه؛ وكثيرًا ما تكون المؤسسات العسكريه مسيطره علي النظام السابق، او راعيه للنظام الجديد. فماذا يحدث حينها؟ وكيف يتعامل العسكريون والانظمه الجديده مع الوضع الذي تفرضه عليهم الثورات، او التحولات السياسيه والاجتماعيه الكبري؟

وضعت الحرب الأهلية في اسبانيا (1936-1939) اوزارها بعد ثلاث سنوات من المعارك، قُتل فيها اكثر من نصف مليون شخص؛ وتولَّي السلطه الجنرال فرانكو – قائد «الوطنيين» المنقلبين عسكريًا علي الحكومه المنتخبه – مدعومًا من النظام النازي في المانيا، والنظام الفاشي في ايطاليا.

وجاء انقلاب فرانكو بعد خمس سنوات من تحوُّل اسبانيا الي النظام الجمهوري والغاء الملكيه؛ ليُعلن نفسه حاكمًا للبلاد، ويفرض موجه عنيفه في بدايتها، وممنهجه بعد ذلك، من القمع والقتل والتعذيب والاغتصاب لخصومه السياسيين، كانت قوات الجيش طرفًا اساسيًا فيها. لم يكُن غريبًا ان يستمر فرانكو في الحكم حتي وفاته في عام 1975؛ فقد احكم قبضه دمويه علي السياسه، وترك الاقتصاد والتنميه لحكومه من التكنوقراط؛ لكن قصتنا تبدا بعد رحيل الديكتاتور.

يقول استاذ العلوم السياسيه بجامعه برشلونه رافائيل مارتنيث ان الملايين من الرجال الاسبانيين قضوا جزءًا كبيرًا من حياتهم في تجنيد اجباري تحت سيطره الضباط الفاشيين المتسلطين، وفي ظل نظام مستبد؛ لذا ترسخت صوره القوات المسلحه الاسبانيه كاحد اركان النظام السلطوي، علي العكس من بقيه الجيوش الاوروبيه التي كان يُنظر الي ضباطها باعتبارهم ابطالًا.

تسييس المؤسسه العسكريه وقادتها، وانخراطها في حرب دمويه ضد فئات واسعه من الشعب، بالاضافه الي ضعف احترافيه جنود الجيش لم تجعل امام ملك اسبانيا الجديد خوان كارلوس – الذي قاد تحولًا ديمقراطيًا شاملًا – غير اصلاح الجيش بخطوات سريعه حتي لا يتعطل طريق الاصلاح الديمقراطي، وبناء المؤسسات المدنيه.

صعد الجنرال مانويل ميلادو الي قياده الجيش بعد اشهر قليله من تنصيب الملك؛ واعلن بوضوح في اول خطاب له التزام الجيش بحكم القانون؛ وجاءت كلماته واضحه امام الجنود: «لا يجب ان ننسي ان الجيش، مهما كانت مهمته مقدسه، ليس دوره الحكم، بل خدمه البلاد تحت امره الحكومه الوطنيه.»

كانت قطاعات الجيش في عهد فرانكو منفصله لا تجمعها قياده، تخضع الي اوامره المباشره، ولا وسيله للترقِّي فيها غير الولاء للديكتاتور. بدات مهمه الاصلاح بعده خطوات:

- الهيكل الدستوري والقانوني: انشاء وزاره الدفاع لاول مره؛ لتجمع قطاعات الجيش واسلحته تحت قياده موحده، تعمل تحت الحكومه المدنيه المنتخبه، واقصاء الجيش شيئًا فشيئًا من الحياه السياسيه عبر تحجيم دوره الدستوري والقانوني، وتقييد القضاء العسكري وسلطته علي المدنيين.

- رفع كفاءه القوات واحترافيتها، ومنع العسكريين من العمل في الوظائف المدنيه.

- تقليل عدد القوات واعتماد معيار الكفاءه في الترقيات بدلًا من الاقدميه.

- تحويل اهتمام القوات المسلحه الي الوضع الاقليمي والدخول في تحالفات عسكريه بدلًا من الوضع الداخلي.

لم تمر هذه الاجراءات دون معارضه من قاده الجيش الكبار وداعميهم من السياسيين اليمينيين والفاشيين؛ فقد حاولوا اكثر من مره تعطيل الاصلاح الديمقراطي في البلاد، توِّجت بمحاولتي انقلاب فاشلتين في عامي 1981 و1982، لكن العلاقات المدنيه العسكريه في اسبانيا سارت بعدها بشكل جيد.

يمكنك الاطلاع علي التجربه الاسبانيه بشكل اعمق من هنا

شهدت العاصمه الاندونيسيه جاكرتا في مايو من عام 1998 تظاهرات حاشده استمرت ثلاثه ايام؛ قررت القوات المسلحه خلالها عدم مواجهه المتظاهرين، والبدء في اجراءات اصلاحيه تضمن انتقال السلطه من الجنرال سوهارتو الي نائبه بطريقه سلميه.

كانت بوادر الانقسام في نظام الجنرال سوهارتو، الذي وصل الي السلطه بإنقلاب عسكري، قد بدات في الظهور قبل استقالته باكثر من 10 اعوام؛ فقد انقسمت قيادات الجيش، ودخلت البلاد في ازمه اقتصاديه طاحنه، وتزايدت الاصوات المعارضه المطالبه بالديمقراطيه، وعجز النظام عن حفظ الامن وتفكك التحالف الحاكم؛ ليفسح الطريق لدخول البلاد في طريق الاصلاح الديمقراطي.

اقام الجنرال سوهارتو منذ وصوله الي السلطه نظامًا عسكريًا قمعيًا، كانت المؤسسه العسكريه في القلب من مسؤوليته عن تعزيز الطائفيه والصراع المجتمعي، ودمج الشرطه مع القوات المسلحه في مهامٍ وقياده واحده، وقمع واختطاف المحتجين والمطالبين بالديمقراطيه، واستغلال النفوذ، وانتهاكات حقوق الانسان، بالاضافه الي الدخول في صراعات مباشره مع اقاليم تتمتع بحكم ذاتي نسبي، او احتلال مباشر مثل تيمور الشرقيه.

اقرا ايضًا: بين ميراث الاستبداد والتحول الديمقراطي: 3 تجارب لاصلاح الشرطه

كانت هيئه القوات المسلحه الاندونيسيه متحكمهً في كل شيء خلال حكم سوهارتو: السياسه والاقتصاد والشرطه والاعلام؛ ولم يكُن تخليها عن سوهارتو الا وسيله لحفظ وضعها القوي في البلاد.

بدا اصلاح المؤسسات الامنيه في اندونيسيا علي يد النخبه نفسها من الجنرالات والعسكريين. وافق هؤلاء علي عده اصلاحات دستوريه وقانونيه، مثل فصل الشرطه عن الجيش، وقطع علاقتها مع ذراعها المدني المتمثل في حزب سوهارتو، ومنع العسكريين من تولي الوظائف المدنيه اثناء خدمتهم، والوقوف علي الحياد في انتخابات 1999، وحتي القبول بتقليل المقاعد المخصصه للجيش في البرلمان.

لكن هذه الاصلاحات المؤسسيه لم تقترن برغبه حقيقيه في تغيير وضع الجيش علي ارض الواقع؛ فحافظت المؤسسه العسكريه علي استقلالها عن الحكومه المدنيه؛ ولم تتنازل عن نظام «الكوتر» الذي يجعل لكل وحده اداريه مدنيه (من المستوي الوطني حتي مستوي القري) وحده عسكريه موازيه؛ وحافظت علي حصانه الضباط المتهمين بانتهاكات حقوق الانسان من الوقوف امام محاكم مدنيه؛ ولم يحدث تغيير يذكر في سيطره الجيش علي قطاع كبير من اقتصاد اندونيسيا، ودخوله منافسًا في الكثير من الانشطه التجاريه.

بورما: يسقط المجلس العسكرى ويعيش حكم الجيش

وصل العسكري ورئيس الوزراء السابق ثين سين الي مقعد الرئاسه في ميانمار (بورما) في عام 2011، بعد انتخابات اكتسحها حزبه باغلبيه تجاوزت 90% من الاصوات. واقترنت الاشهر الاولي من رئاسته بوعود للاصلاح الديمقراطي، ودعم من الولايات المتحده الامريكيه والهيئات الدوليه التي رات في الجنرال السابق املًا في الاصلاح ضد «الحرس القديم» في الجيش.

تمت بخطوات سريعه عده اجراءات لتخفيف القيود علي المعارضه، باطلاق حريه الاعلام نسبيًا، والسماح لاكبر حزب معارض باستئناف نشاطه، واطلاق سراح بعض المسجونين السياسيين، واعاده حق الاضراب عن العمل في القانون.

سيطر علي السلطه «مجلس الدوله للسلام والتنميه»، الذي يُعد باختصار الهيئه العسكريه الحاكمه، منذ عام 1988، لكن الرئيس ثين سين حل المجلس عند توليه الرئاسه. يبدو هذا تغييرًا هائلًا، لكن علاقات القوه بين اطراف السلطه في ميانمار لم تتغير كثيرًا.

تتعرض الحكومه في بورما منذ عقود الي محاولات للانفصال والتمرد المسلح، لكن الرد يكون قاسيًا من الجيش بتدمير قري كامله، والدخول في حرب عرقيه في عده مقاطعات، تشمل مسلمي الروهنجيا.

سجل الجيش في ميانمار لم يتوقف عن ادخال حالات انتهاكات حقوق الانسان، واعتقال المعارضين والصحفيين وقتلهم، وتزوير الانتخابات البرلمانيه والمحليه لمصلحه «حزب اتحاد التضامن والتنميه» الذي خرج من رحم قياده الجيش ليحكم من خلاله، في ظل دستور 2008 الذي كتبته لجنه مُعينه من الجيش، واستُفتي عليه في انتخابات وُصفت محليًا ودوليًا بالمزوره.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل