المحتوى الرئيسى

ثورة مصر التي لا يعرفها أحد

11/05 16:15

في ميدان طلعت حرب، الذي ما زال يعرفه الكثير من المصريين باسمه القديم ميدان سليمان باشا، جثا الشاب العشريني علي ركبتيه امام صديقته وقّبل يديها معلنا لها حبه، وسط تصفيق بعض الماره واستغراب البعض الاخر واستنكارهم وضحكات النسوه اللاتي رفع بعضهن اصابع الابهام علامه علي التاييد لما فعله.

لم يكن مشهدا من فيلم سينمائي ولم يكن الاثنان او احدهما اجانب عن البلد الذي اصبح الكثير من اعرافه الاجتماعيه طي الماضي.

ذكرني المشهد بتفاصيل هذه الرحله المثيره واكد لي ما ادركته وعرفته بالفعل. مصر مقبله علي ثوره من نوع اخر، ثوره هادئه علي السطح لكنها تموج بالتحولات الاجتماعيه الصارخه، واحيانا الصادمه التي ترجمت نفسها في العديد من الظواهر الاجتماعيه من الاحتجاج بالتعري ودعوات الحريه الجنسيه وصولا الي الالحاد.

في اليوم الاول من "تحقيق" كنت علي موعد مع "اسراء محمد" الفتاه المنتقبه التي لا يتجاوز عمرها الثامنه عشره. ظللت انا وسائق التاكسي نبحث عن بيت اسراء اكثر من ساعتين فهي تقطن احدي المناطق الشعبيه المزدحمه التي لا تعطي اسرار شوراعها للغرباء بسهوله.

بعد كثير من الجهد وصلت الي البيت والتقيت اسراء. هي صغيره هادئه رفعت نقابها بهدوء لتكشف وجها ملائكيا اكسبه الحجاب الاسود مسحه من وقار.

تحدثت بصوت هادئ واثق سالتها عن حياتها واحلامها: " انا عايزه اخلص دراستي واشتغل واعيش لوحدي واصرف علي نفسي". وماذا عن الزواج ؟ سالتها فردت بنبره منْ عرف حقيقه مؤلمه: "انا بقالي مده طلعت الموضوع ده من دماغي معنديش استعداد حد يتحكم في والبس ايه واروح فين".

خلف نقاب اسراء الاسود كثير من الاصرار علي ان تكون ما تريد والتحدي لكل الاعراف والقوالب الاجتماعيه.

تركب دراجه لتشارك مجموعه من الشباب في كسر محظور اجتماعي علي ركوب الفتيات الدراجات وتشجع النادي الاهلي في صفوف التراس وتصادق الكثير من الفتيات اللواتي يختلفن معها الي حد التناقض في الشكل لكنها تنتمي اليهن بالافكار.

علي الرغم من ان اسراء تبدو مختلفه وفي تناقض ظاهري مع "غدير احمد" لكنهما يتحدثان بنفس المنطق والتحدي للمنظومه الاجتماعيه التي تحيط بهما.

كان خلع الحجاب معركه غدير الخاصه في سعيها للحصول علي حريتها الشخصيه.

اسراء ارتدت النقاب علي عكس رغبه والديها وتحلم بالاستقلال المادي والاجتماعي كي لا تقع تحت سطوه رجل وعلي الجانب الاخر كان خلع الحجاب معركه غدير الخاصه في سعيها للحصول علي حريتها الشخصيه لم تكن معركه سهله بالنسبه لغدير التي تربت في المحله احدي مدن دلتا مصر والتي وان عرفت بثورتها علي التقاليد السياسيه فهي غارقه في التقاليد المجتمعيه الصارمه.

وكان لغدير ما ارادت. خلعت الحجاب الذي رات فيه "صكوك غفران مجتمعي" لم تعد ترغب في الحصول عليه.

والاكثر من ذلك، هي تري ان الحريه الجنسيه مظهر مهم من مظاهر الاستقلال والذاتيه التي يجب ان تحارب البنت من اجل الحصول عليه لانها لن تناله طوعا ابدا في مجتمع ذكوري بامتياز.

عندما تحدثت الي كريم علي الهاتف اصر ان نلتقي في شارع محمد محمود. هذا الشارع الذي انطبع في ذاكره شباب الثورة المصرية بالكثير من الذكريات المؤلمه والحالمه. كان الشارع غارقا في ظلام رمادي.

استعرض كريم معي وهو يسير بجانبي مجموعه من رسوم الجدران (الغرافيتي) التي احترف طباعتها علي حوائط المباني في الشوراع المحيط بميدان التحرير.

وبعد بضعه امتار وجدنا رجلا يسلط كشاف هاتفه النقال عليها ورمقنا بنظره متشككه.

قفزت الي ذهني علي الفور مفارقه لاذعه لماذا يتفحص هذا الرجل الماره وفي نفس المكان وفي نفس الشارع استغاث العديد من النساء والفتيات من حالات تحرش وحشي ولم يسرع احد لنجدتهن بل شاركوا في الاعتداء الوحشي عليهن؟

صارحت كريم الذي كان يشير الي رسم بعينه يصور رجلا ملتحيا وفي دماغه سيده عاريه بما دار في ذهني.

فرد كريم علي بسرعه هذا الرجل مثله مثل كثيرين في مجتمعنا، يدمنون التحرش بالنساء والفتيات في الشوراع والمواصلات العامه. هو في الحقيقه عاجز عن اقامه اي علاقه طبيعيه مع اي ست والاكثر من ذلك فهو يحبط دون ان يدري اي امل له في اقامه علاقه سويه مع الجنس الآخر.

التحرش وليد الحرمان والعلاقات غير السويه، كما يري كريم والحل؟ الحل هو الحريه في الحب والعلاقات الجنسيه.

تحول "بصي" من عرض في ركن بمسرح جامعي الي عرض من عروض الشارع.

وعلي الرغم من ان الجنس كان وما زال من القضايا المسكوت عنها في المجتمع المصري لكن عروض "بصي" جعلت من الواقع ماده لها. فهي ببساطه تروي قصصا واقعيه علي لسان اصحابها.

وتقول صاحبه العروض ومخرجتها سندس شبايك ان التغير في تقبل المجتمع المصري للحديث في هذه القضايا كان ببساطه مذهلا.

فمن عرض اتخذ من ركن في مسرح جامعي وكان ملاحقا من الرقابه اصبح عرضا من عروض الشارع ووجد القائمون عليه في انفسهم الشجاعه الكافيه للحديث بكل جراه في المحظور والممنوع بدايه بالتحرش الجنسي وحتي العلاقات خارج الزواج.

رحلتي في التحقيق قادتني الي مدينه الاسكندريه الساحليه التي احتضنت علي مر السنين الكثير من الروافد الثقافيه والاجتماعيه المختلفه وتميزت بانها مدينه كوزموبوليتانيه.

لم يكن من السهل ان اجري تسجيلا اذاعيا مع "اسماعيل" لم يكن ميكروفون بي بي سي مغريا للناظرين اكثر من افكار ضيفي الشاب الذي يتحدث بجراه عن احلامه في ان يقضي يوما واحدا دون ان يسمع ايات القران ودون ان يزعجه صوت الاذان خمس مرات في اليوم الواحد.

تحاول مخرجه العرض الحديث بكل جراه في المحظور والممنوع بدايه بالتحرش الجنسي وحتي العلاقات خارج الزواج

روي لي اسماعيل حكايته مع الالحاد وحكايه اصدقائه الذين يقاسمونه افكاره فوجدوا انفسهم سجناء مجتمع يسمهم بصفات قبيحه ويطاردهم بتهم ظالمه.

ومع ذلك يعتبر اسماعيل نفسه محظوظا بين الملحدين فلم يلاحقه احد ولم يواجه عزله في بيته وبين اخوته وابويه الذين يصفهم ببساطه بانهم "مسلمون عاديون" . ومع ذلك يتحدث بكثير الالم والغضب عن ملحدين اخرين كان كل ما ارتكبوه من ذنوب هي "حريه التفكير".

ترافق انهيار المنظومه السياسيه مع الكثير من الصراحه اللاذعه وجدت طريقها الي مواقع التواصل الاجتماعي التي وفرت ولا شك حريات افتراضيه قد لا تكون موجوده في الواقع.

وفي ضاحيه المهندسين الراقيه التقيت "ميرنا الهلباوي" بادرتها بسؤال اثار الكثير من الدهشه لديها: لماذا يستخدم الشباب الالفاظ النابيه علي مواقع التواصل الاجتماعي؟

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل