المحتوى الرئيسى

دبلوماسى إسرائيلى يكشف خبايا العلاقات بين الدولة العبرية وإثيوبيا.. «إسرائيل وأفريقيا» (1-3) | المصري اليوم

11/04 23:11

جاءت ازمه سد النهضه الذي تبنيه اثيوبيا، ويهدد حصه مصر من مياه النيل، لتكون بمثابه ناقوس للخطر يرن في القاهره حول تغلغل اسرائيل في افريقيا، وطبيعه علاقاتها المتشعبه مع دوله كاثيوبيا، بالشكل الذي يساعد متخذي القرار علي فهم طبيعه المعركه الجاريه مع اثيوبيا وحقيقه الاطراف المشاركين فيها، بما يفتح الافق المصري حول اساليب جديده لحل الازمه، دونما استبعاد لاي سيناريو واي اسلوب، في هذا الاتجاه او ذاك.

من هنا ياتي كتاب «اسرائيل وافريقيا»، الصادر في اسرائيل، ليكون بمثابه مرجع ينبغي علي كل مسؤولي المخابرات ووزاره الخارجيه الاطلاع عليه، خاصه بعد ان فاجانا المترجم المصري عمرو زكريا بترجمه الكتاب عن اللغه العبريه، واصداره في كتاب ضخم من 616 صفحه، من الحجم الكبير، عن اكاديميه افاق الدوليه، التي تعد من ابرز حصون اللغه العبريه في مصر.

تنبع اهميه الكتاب من ان مؤلفه الدكتور اريه عوديد يعد من ابرز الدبلوماسيين الاسرائيليين الذين جابوا الكثير من الدول الافريقيه، وكان مشاركاً او مطلعاً علي عمليه نسج العلاقات الاسرائيليه في القاره السمراء. فقد بدا عوديد عمله الدبلوماسي في اوغندا عام 1961، وفي السبعينيات كان مسؤولاً عن المصالح الاسرائيليه في كينيا، كما كان مندوب اسرائيل في مركز الامم المتحده لشؤون البيئه في العاصمه الكينيه نيروبي. عمل في التسعينيات سفيراً في سوازيلاند وكينيا، ثم سفيراً غير مقيم في لاسوتو وزامبيا وموريشيوس وجزر سيشيل. وعمل محاضراً للدراسات الافريقيه في الجامعه العبريه بالقدس. ونشر العديد من الكتب والمقالات عن العلاقات الاسرائيليه الافريقيه، والاسلام واليهوديه في افريقيا، وكذلك عن اللغه السواحليه.

ولعل اهم ما يلفت انظارنا في هذا الكتاب هو الاجزاء المتعلقه بالسرد المثير لتاريخ العلاقات بين اسرائيل واثيوبيا، والذي اتخذ الطابع السري في اخطر مراحله، وما يتعلق منها بنهر النيل والسيطره علي مدخل البحر الاحمر، من خلال تعاون استخباراتي عسكري وثيق، بعد خلق اطار يجمع بين الدولتين باعتبار كل منهما محاطه ببحر من «الاعداء العرب والمسلمين».

ويشير الدبلوماسي الاسرائيلي اريه عوديد في بدايه الكتاب الي ان للكنيسه المسيحيه الارثوذكسيه الاثيوبيه، التي يبلغ نسبه مؤمنيها حوالي 50% من اجمالي السكان، روابط طيبه مع الشعب اليهودي. فالمسيحيون الاثيوبيون يعتبرون اسرائيل الارض المقدسه، ونظرتهم الي اليهود ايجابيه ومشجعه. وترجع هذه الرؤيه الي التراث الاثيوبي القديم الخاص بزياره ملكه سبا للملك سليمان في القدس. وتُنسَب العائله القيصريه في اثيوبيا الي الملك سليمان، والاسد، رمز القيصريه، ذلك لما ورد في التوراه «يهوذا جرو اسد». وفي المسيحيه الاثيوبيه هناك تاثير راسخ لليهوديه عليها مثل: وجود الختان؛ واليوم الثامن؛ وتحريم اكل لحم الخنزير؛ والراحه من العمل في يوم السبت.

وبحسب الكتاب، في عام 1936 بعد احتلال الايطاليين لاثيوبيا، فرَّ الامبراطور هيلا سيلاسي الي القدس ومكث فيها فتره قصيره. واستقبله المستوطنون اليهود في فلسطين بترحاب كبير. وفي مايو 1941 عاد الامبراطور الي اثيوبيا بعد ان تمكن الجيش البريطاني ووحدات الوينجات- التي خدم فيها بعض الاسرائيليين- من هزيمه الايطاليين.

اما موقف اثيوبيا من اسرائيل والعرب والقضيه الفلسطينيه فيظهر جليا في التصويت في الامم المتحده علي خطه تقسيم فلسطين، حيث امتنعت اثيوبيا، كما ايدت الحكومه والكنيسه الاثيوبيه بشده انتصارات اسرائيل في حروب 1948، و1956 و1967. وعزز الاسرائيليون ذلك الاتجاه عبر الترويج لادعاء يقول ان من مصلحه اثيوبيا ان تكون اسرائيل قويه، وانه «لو انتصر العرب لكانت اثيوبيا هدفًا رئيسيًا لهم».

وفي الخمسينيات عمل تمثيل دبلوماسي اسرائيلي منخفض في اديس ابابا نظرًا لخشيه اثيوبيا فتح سفاره اسرائيليه في عاصمتها. وفي 1954 اعترفت اثيوبيا باسرائيل بشكل كامل، لكن في عام 1964، بعد ان حصلت بعض الدول الافريقيه علي استقلالها، واقامت علاقات دبلوماسيه مع اسرائيل وافتتحت سفارات في بلادها علي الفور، تشجعت اثيوبيا لفتح سفاره اسرائيليه في اديس ابابا، غير انها امتنعت لسنوات عن فتح سفاره اثيوبيا في اسرائيل.

ويقول عوديد في كتابه ان الحذر من اظهار الصداقه والود تجاه اسرائيل منع تطور العلاقات الاثيوبيه الاسرائيليه طوال فتره حكم الامبراطور هيلا سيلاسي. فلم يقم الامبراطور بزياره اسرائيل علي الرغم من زيارته لبلدان عربيه. وفي محادثات مع ممثلين اسرائيليين اوضحت اثيوبيا انها لا ترغب في ان تكون معزوله في منظمه الوحده الافريقيه، وانها مضطره الي الاستمرار في الانـحياز الي العرب.

ويعترف عوديد بالانشطه التجسسيه التي مارستها اسرائيل علي منظمه الوحده الافريقيه، التي يقع مقرها في العاصمه الاثيوبيه اديس ابابا، فيقول «ان حقيقه وجود سفاره لاسرائيل في اديس ابابا مقر منظمه الوحده الافريقيه، قد سهَّل علي اسرائيل متابعه نقاشات المنظمه نوعًا ما، ومقابله المبعوثين الافارقه الذين جاءوا لحضور المؤتمرات».

وبعد فتح السفاره الاسرائيليه في اثيوبيا تطورت علاقات واسعه بين اسرائيل واثيوبيا، في اطار انشطه مركز التعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي كان غطاء لكل اشكال التعاون الاستخباراتي والعسكري بين اسرائيل والكثير من الدول الافريقيه.

وتحت هذه اللافته، عمل حوالي عشرين خبيرًا اسرائيليًا في اثيوبيا في مجالات الزراعه، وصيد الاسماك، والبناء، والطب. وسافر عشرات الطلاب الاثيوبيين سنويًا للتدرب في اسرائيل. كما تبنَّت الجامعه العبريه كليه علم الميكروبات التابعه لجامعه هيلا سيلاسي، كما ساعدت علي اقامه النظام القضائي في اثيوبيا. كما انشات اسرائيل اول بنك للدم في اثيوبيا، وارسلت خبيرًا لاداره مدرسه فندقيه، وقدَّمت الاستشارات البحريه من اجل تطوير ميناء مصوع، وكان هناك ثلاثه جيولوجيين اسرائيليين مستشارين في وزاره التعدين. كما انشات اسرائيل، في ابادير، مزرعه نموذجيه لزراعه القطن، وقدمت الاستشارات في مجالات رصف الطرق، والهندسه، وصيانه الموانئ، وتطوير الخدمات الصيدليه.

وبحسب الكتاب، عملت الشركات الاسرائيليه في مختلف انواع برامج التنميه. فعملت شركه «سوليل بونيه» في رصف الطرق، وشركه «تاهل» في القيام بدراسات حول تطوير التزود بالمياه، وشركه النفط الاسرائيليه في التنقيب عن النفط، وانشات شركه «اسيا والدا» مصنعًا لانتاج الادويه، وعملت شركات اخري في تربيه اسماك الزينه، ودباغه الجلود وغيرها. وفي الستينيات وبدايه السبعينيات كان في اثيوبيا حوالي ثمانين عائله اسرائيليه.

ويؤكد الدبلوماسي الاسرائيلي ان من المجالات الرئيسيه التي قامت عليها العلاقات الاثيوبيه الاسرائيليه التعاون الامني، نظرًا لوجود مصالح مشتركه بين البلدين لصد التوغل العربي، والحفاظ علي حريه الملاحه في البحر الاحمر، امام السفن الاسرائيليه طبعاً.

وفي الستينيات وبدايه السبعينيات، بلغ عدد اعضاء وفد الجيش الإسرائيلي في اثيوبيا اكثر من عشرين ضابطًا عملوا في مجال التدريب، والتدريس في الاكاديميه العسكريه، وفي التخطيط والمخابرات، وكذلك في تدريب وحدات النخبه لمقاتله الجماعات السريه. كما درَّب رجال الشرطه الاسرائيليه شرطه حرس الحدود الاثيوبيه. ولقد زار رئيس الاركان حاييم بار ليف، اثيوبيا عام 1971.

وبعد حرب 1967 واحتلال القدس، قامت اسرائيل بمصادره «دير السلطان» (في القدس) الذي ترجع ملكيته الي الكنيسه المصريه، ومنحته دون وجه حق للكنيسه الاثيوبيه التي انشقت عن الكنيسه المصريه عام 1959، وما زال الامر محل خلاف بين مصر من جانب واسرائيل واثيوبيا من جانب اخر حتي الان.

في عام 1973، عندما ارتفع عدد الدول الافريقيه التي قطعت علاقاتها الدبلوماسيه مع اسرائيل، زادت الضغوط المصريه والعربيه علي الامبراطور من اجل قطع علاقاته مع اسرائيل. كما زادت ليبيا من تهديداتها، وبالتدريج تفاقم الوضع في اريتريا، وزادت مخاوف الامبراطور من التحالف الصومالي السوفيتي، الذي هدد منطقه اوغادين. ومن منطلق الازمه الاقتصاديه والامنيه الحاده، توجه الامبراطور الي اسرائيل طالبا شحنه من الاسلحه والمعدات العسكريه للدفاع عن موانئ اثيوبيا في البحر الاحمر، وامداده بالرادارات لحمايه المطارات، وتدريب وحدات الجيش. ولقد قُدِّر هذا الطلب بحوالي خمسه ملايين دولار. وحثَّ سفير اسرائيل لدي اثيوبيا، حنان عينور، بلاده للاستجابه لطلب الامبراطور مؤكدًا انه اذا لم تقم بذلك، فان كل الاستثمارات الاسرائيليه في اثيوبيا ستضيع هباء. وفي يوليو 1973 تم استدعاء عينور الي اسرائيل للتشاور بمشاركه رئيسه الحكومه جولدا مائير، ووزير الدفاع موشيه ديان، ووزير الخارجيه ابا ايبان، ومسؤولين كبار في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

واكد عينور علي الضروره الملحَّه للاستجابه لطلب الامبراطور في وقت ازمته. وقاطعه ديان وساله ان كان قد نسي درس اوغندا، وذكر ان الامبراطور لم يفِ بوعده بفتح سفاره في القدس. «لسنا ملزمين بمساعده دوله لم تفِ بوعودها لنا. فهناك علاقه بين المساعدات العسكريه وبين الالتزام السياسي. ان خمسه ملايين دولار مبلغ كبير من الافضل انفاقه علي تدريب جنودنا للحرب القادمه، افضل من انفاقه علي اثيوبيا التي تخشي اظهار صداقتها لاسرائيل». واضاف ديان انه اذا كانت اثيوبيا مستعده للتوقيع علي «اتفاقيه تعاون عسكري، وتبادل المساعدات، فاننا سنستجيب علي الفور لطلبها، والا سنرفض تقديم مساعدات عسكريه اخري، بل سنوقف المساعدات التي لم تؤت ثمارها». وايدت رئيسه الحكومه جولدا مائير موقف ديَّان، وصمت الحاضرون الذين كانوا قد ايدوا السفير عينور من قبل.

وعندما عاد عينور الي اثيوبيا لطَّف من الموقف الاسرائيلي وقال للامبراطور انه لم يُتخذ بعد قرار نهائي بالنسبه لطلبه. واعرب الامبراطور عن خيبه امله مما شجع بعض العناصر في الحكومه الاثيوبيه بما فيها رئيس الحكومه، الذين مالوا الي الاستجابه الي المطلب العربي، خاصه مصر والسعوديه اللتين وعدتا بكبح جماح الاريتريين، بل والصومال وتقديم المساعدات لاثيوبيا.

ومع اندلاع حرب اكتوبر 1973 زاد العرب من ضغوطهم، خاصه الرئيس الراحل محمد انور السادات، والتي حملت نوعًا من التهديد. وفي 23 اكتوبر 1973 قطعت اثيوبيا علاقاتها الدبلوماسيه مع اسرائيل. وكانت الدوله الـ 18 من 30 دوله قطعت علاقاتها الدبلوماسيه مع اسرائيل. ومع اغلاق السفاره الاسرائيليه في اديس ابابا، قامت اسرائيل بترحيل جميع خبرائها المدنيين والعسكريين.

وفي عام 1974، بعد حوالي عام من قطع الامبراطورهيلا سيلاسي للعلاقات الدبلوماسيه مع اسرائيل، تمت الاطاحه به في انقلاب عسكري، يشير البعض الي دور اسرائيلي فيه. وبعد ان اطاح الحاكم العسكري الجديد منجستو هيلا مريم بخصومه في الجيش، وفي المجلس العسكري المؤقت، تقارب مع الاتحاد السوفيتي والكتله الشرقيه، واتبع نظام الحكم الاشتراكي المركزي كوسيله طيبه للسيطره علي الجماهير.

كان من اهداف منجستو الرئيسيه قمع التمرد في اريتريا، وفي 1975 توجه لاسرائيل بطلب المساعده العسكريه. واستجابت اسرائيل لطلبه علي الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسيه بين الدولتين في ذلك الوقت. لقد خشيت اسرائيل ان يؤدي انتصار متمردي (الحركه الاريتريه)، التي تزعمها مسلمون وايدها العرب، الي اغلاق الممر البحري في البحر الاحمر امام السفن الاسرائيليه.

كما ساعدت اسرائيل علي تشكيل «كتيبه اللهب» التي عملت في اريتريا للقضاء علي قاده الحركه الداعيه الي استقلال اريتريا. وتوقفت المساعدات الاسرائيليه عندما توطدت علاقات منجستو بالاتحاد السوفيتي وكوبا، اللتين ساعدتاه علي صد الجيش الصومالي عن اوغادين. ويُرجِع البعض وقف المساعدات العسكريه الاسرائيليه الي اعلان وزير الخارجيه موشيه ديان ان اسرائيل تبيع كميات معينه من السلاح الي اثيوبيا، وهي الحقيقه التي حاول منجستو اخفاءها. وعلي المستوي السياسي متعدد الاطراف- في منظمه الوحده الافريقيه- وفي الامم المتحده استمر الموقف الاثيوبي في معاداة إسرائيل، وواصلت تاييدها للقرارات المعاديه لاسرائيل. مع ذلك امتنعت اثيوبيا عام 1975 عن التصويت علي قرار الامم المتحده الذي ساوي بين الصهيونيه والعنصريه.

ويقول اريه عوديد انه علي المستوي غير الرسمي، كانت العلاقات افضل بين اثيوبيا واسرائيل، حيث كان هناك تبادل تجاري، ومَنـحت اثيوبيا تاشيرات دخول للاسرائيليين للزياره او لحضور المؤتمرات العلميه. كما وصل مئات الحجاج الاثيوبيين الي اسرائيل، ولم تمنع اثيوبيا طائرات شركه «العال» الاسرائيليه عن التحليق فوق اراضيها- في طريقها الي كينيا او جنوب أفريقيا.

وفي عام 1985 قدَّم وفد اسرائيلي برئاسه ايفي ناتان مساعدات انسانيه لمنكوبي الجفاف في اثيوبيا، بالتنسيق مع الحكومه الاثيوبيه، كما نظم مدربون من المعهد الافرواسيوي (الاسرائيلي) دوره تدريبيه لرؤساء النقابات المهنيه في اديس ابابا.

وفي 1990 وصل الي اثيوبيا مجموعه من المستثمرين اليهود لدراسه احتمالات التنميه الصناعيه، بغرض اقناع منجستو بتسهيل عمليه هجره اليهود الي اثيوبيا. وفي اسرائيل كان هناك ممثل اثيوبي مثَّل الكنيسه الاثيوبيه، لكنه كان في الحقيقه ممثلًا لحكومته كما كان حريصًا علي الا يُنقل دير السلطان الذي تسلموه الي مصر مره اخري.

وفي نهايه فتره حكم منجستو، في نوفمبر 1989، عادت العلاقات الدبلوماسيه بين اسرائيل واثيوبيا. وبعد مفاوضات مستمره مع حكومه منجستو تم التوصل ايضًا الي اتفاق لنقل مئات الالاف من يهود اثيوبيا الي اسرائيل مقابل 35 مليون دولار تم جمعها من يهود الولايات المتحده.

وفي مايو 1991، عندما وصل المتمردون علي حكم منجستو الي مداخل اديس ابابا تمت «عمليه شلومو» الجويه التي نقلت حوالي 14200 مهاجرًا الي اسرائيل.

وفي 1989 احتلت الجبهه منطقه تيجري في شمالي اثيوبيا، وتقدمت من هناك نـحو الجنوب. ولكي تضم اليها الحركات الاثيوبيه الاخري، تم تاسيس «الجبهه الثوريه الديمقراطيه لشعوب اثيوبيا» بزعامه ميليس زيناوي.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل