المحتوى الرئيسى

كتاب المرأة في الإسلام: النقاب عادة قديمة ليست من الإسلام وبعض الأمم غير الإسلامية لاتزال تلبسه | المصري اليوم

11/01 20:57

عجباً لِمَ لَمْ تؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء اذا خافوا الفتنه عليهن؟ هل اعتبرت عزيمه الرجل اضعف من عزيمه المراه واعتبر الرجل اعجز من المراه عن ضبط نفسه والحكم علي هواه. واعتبرت المراه اقوي منه في كل ذلك حتي ابيح للرجال ان يكشفوا وجوههم لاعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال، ومنع النساء من كشف وجوههن لاعين الرجال منعاً مطلقاً خوفاً ان ينفلت زمام هوي النفس من سلطه عقل الرجل فيسقط من الفتنه باي امراه تعرضت له مهما بلغت من قبح الصوره وبشاعه الخلق. ان زعم زاعم صحه هذا الاعتبار راينا هذا اعترافاً منه بان المراه اكمل استعداداً من الرجل- فلم توضع حينئذ تحت رقه في كل حال؟ فان لم يكن هذا الاعتبار صحيحاً فلم هذا التحكم المعروف؟

علي ان البرقع والنقاب مما يزيد في خوف الفتنه، لان هذا النقاب الابيض الرقيق الذي تبدو من ورائه المحاسن وتختفي من خلفه العيوب، والبرقع الذي يختفي تحته طرف الانف والفم والشدقان ويظهر منه الجبين والحواجب والعيون والخدود والاصداغ وصفحات العنق- هذان الساتران يعدان في الحقيقه من الزينه التي تحث رغبه الناظر وتحمله علي اكتشاف قليل خفي بعد الافتتان بكثير ظهر، ولو ان المراه كانت مكشوفه الوجه لكان في مجموع خلقها ما يرد في الغالب البصر عنها.

ليست اسباب الفتنه ما يبدو من اعضاء المراه الظاهره بل من اهم اسبابها ما يصدر عنها من الحركات في اثناء مشيها وما يبدو من الافاعيل التي ترشد عما في نفسها. والنقاب والبرقع من اشد اعوان المراه علي اظهار ما تظهر وعمل ما تعمل لتحريك الرغبه. لانهما يخفيان شخصيتها فلا تخاف ان يعرفها قريب او بعيد فيقول فلانه او بنت فلان او زوجه فلان كانت تفعل كذا. فهي تاتي كل ما تشتهيه من ذلك تحت حمايه ذاك البرقع وهذا النقاب، اما لو كان وجهها مكشوفاً فان نسبتها الي عائلتها او شرفها في نفسها يشعرانها بالحياء والخجل ويمنعانها من ابداء حركه او عمل يتوهم منه ادني رغبه في استلفات النظر اليها.

والحق ان الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الاسلاميه لا للتعبد ولا للادب بل هما من العادات القديمه السابقه علي الاسلام والباقيه بعده، ويدلنا علي ذلك ان هذه العاده ليست معروفه في كثير من البلاد الإسلامية وانها لم تزل معروفه عند اغلب الامم الشرقيه التي لم تتدين بدين الاسلام.

انما من مشروعات الاسلام ضرب الخمر علي الجيوب كما هو صريح الايه وليس في ذلك شيء من التبرقع والانتقاب.

هذا ما يتعلق بكشف الوجه واليدين. اما ما يتعلق بالحجاب بمعني قصر المراه في بيتها والحظر عليها ان تخالط الرجال فالكلام فيه ينقسم الي قسمين. ما يختص بنساء النبي صلي الله عليه وسلم. وما يتعلق بغيرهن من نساء المسلمين ولا اثر في الشريعه لغير هذين القسمين.

«اما القسم الاول» فقد ورد فيه ما ياتي من الايات: «يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم». «واذا سالتموهن متاعاً فاسالوهن من وراء حجاب ذلك اطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابداً. ان ذلكم كان عند الله عظيماً».

«يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض. وقلن قولاً معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهليه الاولي».

ولا يوجد اختلاف في جميع كتب الفقه من اي مذهب كانت ولا في كتب التفاسير في ان هذه النصوص الشريفه هي خاصه بنساء النبي صلي الله عليه وسلم. امرهن الله سبحانه وتعالي بالتحجب وبيّن لنا اسباب هذا الحكم وهو انهن لسن كاحد من النساء! ولما كان الخطاب خاصاً بنساء الرسول صلي الله عليه وسلم، وكانت اسباب التنزيل خاصه بهن لا تنطبق علي غيرهن فهذا الحجاب ليس بفرض ولا بواجب علي احد من نساء المسلمين. «صحيفه 126 من كتاب حسن الاسوه».

«واما القسم الثاني» فغايه ما ورد في كتب الفقه عنه حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم نهي فيه عن الخلوه مع الاجنبي وهو: «لا يخلوّن رجل بامراه الا مع ذي محرم» قال بن عابدين: «الخلوه بالاجنبيه حرام الا لملازمه مديونه هربت ودخلت خربه او كانت عجوزاً شوهاء او بحائل- وقيل الخلوه بالاجنبيه مكروهه كراهه تحريم. وعن ابي يوسف ليست بتحريم» «صحيفه 323 جزء خامس».

وقال: «ان الخلوه المحرمه تنتفي بالحائل وبوجود محرم او امراه ثقه قادره وهل تنتفي ايضاً بوجود رجل اخر لم اره». «صحيفه 324 جزء خامس».

ربما يقال ان ما فرضه الله علي نساء نبيه يستحب اتباعه لنساء المسلمين كافه- فنجيب ان قوله تعالي «لستن كاحد من النساء» يشير الي عدم الرغبه في المساواه في هذا الحكم وينبهنا الي ان في عدم الحجاب حكماً ينبغي لنا اعتباره واحترامها وليس من الصواب تعطيل تلك الحكم مرضاه لاتباع الاسوه. وكما يحسن التوسع فيما فيه تيسير او تخفيف كذلك لا يجعل الغلو فيما فيه تشديد وتضييق، او تعطيل لشيء من مصالح الحياه، وعلي هذا وردت ايات الكتاب المبين. قال تعالي: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» وقال تعالي: «ما جعل عليكم في الدين من حرج». وقال تعالي ايضاً: «يا ايها الذين امنوا لا تسالوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم». ولو كان اتباع الاسوه مطلوباً في مثل هذه الحاله لما راينا احد الخلفاء المشهورين بشده التقوي والتمسك بالسنه يجري في عائلته علي ما يخالف الحجاب، واستدل علي ذلك بذكر الواقعه الاتيه:

بعث سلمه بن قيس برجل من قومه يخبر عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه بواقعه حربيه. فلما وصل ذلك الرجل الي بيت عمر قال: «فاستاذنت وسلمت فاذن لي فدخلت عليه فاذا هو جالس علي مسح متكئ علي وسادتين من ادم محشوتين ليفا فنبذ الي باحداهما فجلست عليها واذا بهو في صفه فيها بيت عليه ستير فقال: «يا ام كلثوم غداءنا» فاخرجت اليه خبزه بزيت في عرضها ملح لم يدق فقال: «يا ام كلثوم الا تخرجين الينا تاكلين معنا من هذا».

انا نطلب تخفيف الحجاب ورده الي احكام الشريعة الاسلامية، لا لاننا نميل الي تقليد الامم الغربيه في جميع اطوارها وعوائدها لمجرد التقليد او للتعلق بالجديد لانه جديد، فاننا نتمسك بعوائدنا الاسلاميه ونحترمها ونري انها مزاج الامه التي تتماسك به اعضاؤها، ولسنا ممن ينظر اليها نظره الي الملابس، يخلع ثوباً كل يوم ليلبس غيره. وانما نطلب ذلك لاننا نعتقد ان لرد الحجاب الي اصله الشرعي مدخلاً عظيماً في حياتنا المعاشيه. لسنا في مقام استحسان امر واستقباح اخر لما فيه من موافقه الذوق او منافرته وانما نحن بصدد ما به قوام حياه المراه او ما به قوام حياتنا.

كلامنا الان في هل يلزمنا ان نعيش ونحيي او نقضي علي انفسنا بان نموت ونفني؟ هل علينا ان نهتز مكاننا ونرضي بما وجدنا عليه اباءنا والناس من حولنا يتسابقون الي منابع السعاده وموارد الرفاهيه ومعاهد القوه ويمرون علينا سرعاً ونحن شاخصون اليهم، اما غير شاعرين بموقفنا واما شاعرين ولكنّا حياري ذاهلون؟ او من الواجب علينا ان ننظر كيف تقدم الناس وتاخرنا. كيف تقووا وضعفنا. كيف سعدوا وشقينا، ثم نرجع ابصارنا كره ثانيه في ديننا وما كان عليه اسلافنا الصالحون. ثم نقتدي بهم في استماع القول واتباع احسنه وانتقاد الفعل والاخذ بافضله ونسير في طرق السعاده والارتقاء والقوه مع السائرين؟ ذلك هو الامر الخطير الذي وجهنا اليه نظرنا.

ها هي مساله الحجاب من اهم المسائل، ولها مكان عظيم في شؤون الامه اذا ترك القارئ نفسه لعواطفه واستسلم الي عوائده، ظهر له الحجاب في مظهر حسن، لانه الفه في صغره ونشا بين المحجبات وعاش معهن حتي صار ذلك عاده مالوفه له، ثم انه ورثه عن ابائه واجداده فلا يستغربه بل يميل اليه ميلاً غريزياً ليس للعقل فيه مدخل وانما هو حركه ميكانيكيه ليس الا. واما اذا نزع من نفسه العوامل التي حدّثت فيه تلك العواطف، وخلع ما البسه اياه اسلافه من ارديه الوراثه في المساله من جهاتها، بحث من لم يتاثر الا بالتجربه التي يري في الوقائع الصحيحه وحصل لنفسه راياً من ملاحظاته الشخصيه. وكان ممن تنجذب نفسه الي الحق وتنبعث الي السعي للوقوف عليه وتاييده لما له عندها من المنزله العليه والمكان الرفيع. وكان لا يغش نفسه بالتزويق والتزيين الوهميين، وانما يسمع صوت وجدانه السليم ويرجحه علي كل هدي سواه مهما كانت درجته من التمكن فيمن حوله من الناس- فعند ذلك يري ان المراه لا تكون ولا يمكن ان تكون وجوداً تاماً الا اذا ملكت نفسها وتمتعت بحريتها الممنوحه لها بمقتضي الشرع والفطره معاً ونمت ملكاتها الي اقصي درجه يمكنها ان تبلغها. ويري ان الحجاب علي ما الفناه مانع عظيم يحول بين المراه وارتقائها وبذلك يحول بين الامه وتقدمها.

بينّا عند الكلام علي تربيه المراه ما لها من المزايا الجليله والاثار الحسنه التي تترتب عليها في شؤونها نفسها وشؤون بيتها وفي الاجتماع الذي هي فيه. وذكرنا ان من اكبر اسباب ضعف الامه حرمانها من اعمال النساء وان تربيه الطفل لا تصلح الا اذا كانت امه مرباه، وقررنا ان الولد، ذكراً كان او انثي، لا يملك صحه ولا خله ولا ملكه ولا عقلاً ولا عاطفه الا من طريقتين: الوراثه والتربيه. واستدللنا علي ان الولد يرث من امه قدر ما يرث من والده علي الاقل، وان تاثير الام في تربيه الطفل بعد ولادته اعظم من تاثير ابيه. ونريد ان نبرهن هنا علي ان تربيه الام نفسها لا يمكن ان تتم اذا استمر حجاب النساء علي ما هو عليه الان، حتي اذا انتهي القارئ من تلاوه هذا الباب راي كيف ترتبط المسائل بعضها ببعض، وكيف ان اصغرها يتوقف عليه اعظمها.

اذا اخذنا بنتاً وعلمناها كل ما يتعلمه الصبي في المدارس الابتدائيه، وربيناها علي اخلاق حميده، ثم قصرناها في البيت ومنعناها عن مخالطه الرجال فلاشك انها تنسي بالتدريج ما تعلمته، وتتغير اخلاقها علي غير شعور منها، وفي زمن قليل لا نجد فرقاً بينها وبين اخري لم تتعلم اصلاً. ذلك لان المعارف التي يكسبها الانسان، وهو في سن الصبا لا يحيط بدقائقها ومناشئها، ولذلك لا يكون علمه فيها علماً تاماً كاملاً، وانما يتم له شيء من ذلك اذا بلغ سن الرجوليه واستمر علي مزاوله العمل والاشتغال. فالصبي يحفظ اسماء الاشياء اكثر مما يفهم معانيها، واكبر فائده يستفيدها في هذا الطور من التعليم انما هو العود علي العمل وحب استطلاع الحقائق والاستعداد للدراسه. فان وقف سير التعليم في هذه السن اضمحلت المعلومات المستفاده واندثرت من الذهن شيئاً فشيئاً وكان ما مضي من الوقت في التعليم زمناً ضائعاً.

ولما كانت السن التي تحجب فيها المراه- وهو ما بين الثانيه عشره والرابعه عشره من عمرها- هي السن التي يبتدئ فيها الانتقال من الصبا الي الرجوليه، وتظهر فيها حاجه المراه كما تظهر حاجه الرجل في اختبار العالم والبحث في الحياه وما تستدعيه. وهي السن التي تظهر فيها الملكات، وتظهر الميول والوجدانات. وهي السن التي يتعلم فيها الانسان نوعاً اخر من العلم انفس ما تعلمه في المدارس، وهو علم الحياه، وطريق تحصيل ذلك العلم انما هو بالاختلاط مع الناس واختبار واستعراف اخلاقهم. وفي هذه السن يبتدئ الانسان يعرف شعبه وملته ووطنه ودينه وحكومته وفي هذه السن يبتدئ استعداد كل شخص وميله وكفاءته في الظهور فيندفع الي الاعمال اندفاع الماء في المنحدرات، وهي سن الامال والرغائب والنشاط- فان حجبت فيها الفتاه وانقطعت عن هذا العالم، بعد ان كانت المواصله بينه وبينها مستمره وقف نموها، بل رجعت القهقري وفقدت كل ما كان يزين نفسها، ونست كل معارفها وخابت كل مساعيها وضاعت امالها وامال الناس فيها: ولا ذنب عليها في ذلك فهي عاجزه مسكينه قضت عليها عاده سخيفه بالحرمان المؤبد من الترقي والكمال.

ربما يقال ان في طوع المراه وامكانها ان تستكمل تربيتها وتتم دراستها في بيتها، وهو وهم باطل، فان الرغبه في اكتساب العلم والتشوق لاستطلاع ما عليه الناس في احوالهم واعمالهم، وحب استكشاف الحقائق، وكل ما يستميل النفس الي المطالعه والدرس، لا يتوفر للمراه مع حجابها.

ذلك لان الحجاب يحبس المراه في دائره ضيقه فلا تري ولا تسمع ولا تعرف الا ما يقع من سفاسف الحوادث، ويحول بينها وبين العالم الحي، وهو عالم الفكره والحركه والعمل، فلا يصل اليها منه شيء، وان وصل اليها بعضها فلا يصل الا محرفاً مقلوباً، اما اذا استمرت المواصلات بينها وبين العالم الخارجي فانها تكتسب بالنظر في حوادثه وتجربه ما يقع فيه معارف غزيره تنبت فيها من المخالطات والمعاشرات والمشاهده والسماع ومشاركه العالم في جميع مظاهر الحياه. وقد يكفي في اعانتها علي كسب ذلك كله والانتفاع منه ما حصلته بالتعلم من المعارف الاولي، وربما يمكنها ان تستغني عن تعلم المعارف الاولي اذا حسنت الفطره وجادت القريحه.

وعلي فرض ان المراه يمكنها في احتجابها ان تستكمل ما نقص منها علماً وادباً بقراءه الكتب، فمن البديهي ان كل ما تحصله من الكتب يعد من قبيل الخيالات، ان لم تمكنه التجربه ويؤكده العمل. ولو عاملنا اخوتها الصبيان كما نعاملها وحجبناهم في البيوت حتي بلغوا سن الخامسه عشره لكانت النتيجه واحده، بل لو اخذنا رجلاً بلغ الاربعين من عمره وحجبناه عن العالم والزمناه ان يعيش بين اربعه جدران وسط النساء والاطفال والخدم لشعر بانحطاط تدريجي في قواه العقليه والادبيه، ولابد ان ياتي يوم يجد فيه نفسه مساوياً لهن. فاذاً يكون من الخطا ان نتصور اننا متي علمنا بنتاتنا جاز لنا ان نحجبهن متي بلغن سناً مخصوصه، وان مجرد ذلك التعليم الاول يكفي في التوقي من الضرر. لان الضرر في الحجاب عظيم وهو ضياع ما كسبنه بالتعلم وحرمانهن من الترقي في مستقبل العمر، والامر في ذلك واضح لا يحتاج الي دليل. ويكفينا ان نرجع الي انفسنا ونخطر ببالنا ما كنا عليه في الخامسه عشره من عمرنا فيتبين لنا اننا كنا اشبه بالاطفال لا نكاد نعلم شيئاً من العالم ولا نعرف للحياه قيمه ولا نميز كمال التمييز بين ما لنا وما علينا، ولا تمتاز لدينا حقوقنا وواجباتنا وليس لنا عزيمه ثابته في مجاهده انفسنا، وان اكبر عامل له اثر في تكميلنا هو استمرار تعلمنا وتربيه عقولنا ونفسونا استمراراً لا انقطاع معه. وان ذلك لم يتم لنا بقراءه الكتب بل بالمشاهده والممارسه والمخالطه وتجربه الناس والحوادث.

وفي الحقيقه ان تربيه الانسان ليس لها سن معينه تنقطع بعده، ولا حد معروف تنتهي عنده، فهي لا تنال بحفظ مقدار من العلوم والمعارف يجهد الانسان نفسه في اكتسابه في سنين معدوده، ثم يقضي حياته بعد ذلك في الراحه.

التربيه ليست ذلك الشيء البسيط الذي يفهمه عامه الناس، حيث يتصورون انها عباره عن تخزين كميه من المعارف المقرره في بروجرامات المدارس ثم امتحان ثم شهاده ليس بعدها الا البطاله والجمود. وانما التربيه هي العمل المستمر الذي تتوسل به النفس الي طلب الكمال من كل وجوهه. وهذا العمل لابد منه في جميع ادوار الحياه حيث يبتدئ من يوم الولاده ولا ينتهي الا بالموت.

واذا اراد القارئ ان يتبين صحه ما اسلفته من مضاد الحجاب علي وجه لا يبقي للريب معه مجال فما عليه الا ان يقارن بين امراه من اهله تعلمت وبين اخري من اهل القري ومن المتجرات في المدن لم يسبق لها تعليم. فانه يجد الاولي تحسن القراءه والكتابه وتتكلم بلغه اجنبيه وتلعب البيانو، ولكنها جاهله باطوار الحياه، بحيث لو استقلت بنفسها لعجزت عن تدبير امرها وتقديم حياتها. وان الثانيه مع جهلها قد احرزت معارف كثيره اكتسبتها من المعاملات والاختبار وممارسه الاعمال والدعاوي والحوادث التي مرت عليها وان كل ذلك قد افادها اختباراً عظيماً: فاذا تعاملنا غلبت الثانيه الاولي.

ومن هذا نري اغلب نساء نصاري الشرق وان لم يتعلمن في المدارس اكثر مما يتعلمنه بعض بناتنا الان، فهن يعرفن لوازم الحياه لكثره ما راين وسمعن باختلاطهن بالرجال، فقد وردت علي عقولهن معان وافكار وصور وخواطر غير ما استفدنه من الكتب، فارتفعن بفضل هذا الاختلاط الي مرتبه اعلي من المرأة المسلمة المواطنه لهن مع انهن من جنس واحد واقليم واحد. نري في المراه عندنا من الاستعداد الطبيعي ما يؤهلها لان تكون مساويه لغيرها من الامم الاخري، لكنها اليوم في حاله انحطاط شديد. وليس لذلك سبب اخر غير كوننا جردناها من العقل والشعور وهضمنا حقوقها المقرره لها وبخسناها قيمتها.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل