علي ومعاوية.. القصاص والتفاخر

توقفنا في الحلقه الماضيه عند استشهاد خليفه المسلمين الثالث سيدنا عثمان بن عفان، وتولي الامام علي بن أبي طالب الخلافه، الذي بداه اول قراراته بعزل ولاه بني أمية، وعلي راسهم معاوية بن أبى سفيان والي الشام، لكن الاخير رفض الانصياع لبيعه علي واعلن الاستقلال، بحجه ان علي لم يقتص من قتله عثمان بن عفان الاموي.

معاويه: القصاص قبل اي شئ

اعلن معاويه رفضه الانصياع لخلافه علي، الا بعد ان يسلم له قتله عثمان، واعتبر نفسه ولي دم عثمان، لانه من عشيرته بني اميه، وظهر علي منبره في الشام يحمل قميص عثمان المخضب بالدماء واصباع زوجته المقطوعه، ودعا الناس الي الاخذ بهذا الثاثر والدم، وكان معاويه محبوبا في الشام، ومعروفا بها، فمن قبل الاسلام وهو يتاجر مع ابيه فيها وفي غيرها، واصبح صاحب درايه باحوال الشعوب، وكان سياسيا بارعا يعرف كيف يبني نظاما لدولته، ويؤثر في الراي العام لشعبه.

لكن علي قرر المواجهه منذ اول ايام خلافته، ورفض تسليمه قتله عثمان، حتي يستتب الامر في الدوله، وراي انه خليفه المسلمين وهو المختص بالقصاص دون غيره، ثم ارد ان يعزل ولاه عثمان الامويين الذين بسببهم ثار الناس عليه، كما ذكر ابن كثير في البدايه والنهايه، فقرر ان يستبدلهم بعبد الله بن العباس علي البصره، وعبيد الله بن العباس علي اليمن، وقثم بن العباس علي مكه، وهو ما اثار الشك الي معاويه، بان علي يعزل ولاه بني اميه ليولي ولاه من بني هاشم، فاسترجع ذكريات صراع بني هشام وبني اميه القديم، لان المشكله برمتها بين البيت الهاشمي والاموي، منذ البدايه، ولذلك عندما وصل خلفاء المسلمين منهم بدات الصراعات.

بدا الامويون في نشر اخبار ان علي يفعل مثل عثمان، حتي جاء رجل الي علي من انصاره، وقال له تعليقًا علي توليه الثلاثه "فلماذا قتلنا الشيخ اذن؟"، يقصد عثمان بن عفان، كما جاء في "شرح نهج البلاغه" لابن ابي الحديد، فرد علي "لم اولي ابنائي ولا ابناء اخوتي، انما وليت ابناء عمي العباس، لاني رايت بني العباس في ايام عمر وعثمان يجدون في انفسهم اذ ولي غيرهم من ابناء الطلقاء، فان علمت احدًا من ابناء الطلقاء هو خير منهم فاتني به".

بالاضافه الي المطالب بثار عثمان، كان هناك سبب اخر زاد عداوه معاويه لعلي، وهو الثار، ولكن ثار من؟

في غزوه بدر خرج جد معاويه عتبة بن ربيعة وابنه الوليد، ومعهما اخيه شيبة بن ربيعة للمبارزه، فاشترك علي مع عمه حمزه وابن عمه عبيدة بن الحارث في قتلهم، بالاضافه الي قتل علي حنظلة بن أبي سفيان اخو معاويه، بعدها وقفت هند - ام معاويه - تصرخ وتقول ما ذكره الاميني في موسوعه الغدير:

"ما كان لي عن عتبه من صبر     ***       ابي وعمي وشقيق صدري

اخي الذي كان كضــــوء البــدر    ***       بهـم كسرت يا علي ظهري"

كان هذا الموقف من المواقف التي ظل يفخر بها علي علي معاويه في كتبه، فقد ذكر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغه رسالتين من علي لمعاويه، اولهما قال فيها: "انا ابو حسن قاتل جدك واخيك وخالك شَدْخا يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب القي عدوي".

اما الرساله الثانيه فكتب فيها: "قد عرفت مواقع نصالها في اخيك وخالك وجدك، وما هي من الظالمين ببعيد"، وكان علي يري ان معاويه اقل من الوقوف امامه، فقالها صراحه "هان الزمان حتي يقال: علي ومعاويه".

بعدها ارسل معاويه الي علي يذكره بانهم ابناء عبد مناف، فكان رد علي كما جاء في نهج البلاغه: "واما قولك: انا بنو عبد مناف ليس لبعضنا علي بعض فضل، فلعمري انا بنو اب واحد، ولكن ليس اميه كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا ابو سفيان كابي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا هوي في نار جهنم... ولما ادخل الله العرب في دينه افواجا واسلمت له هذه الامه طوعا وكرها، كنتم ممن دخل في الدين اما رغبه او رهبه".

يركز الامام علي في رسائله الي معاويه علي كون معاويه طليق، والطلقاء هم من قال لهم النبي يوم فتح مكه "اذهبوا فانتم الطلقاء"، وكان منهم ابو سفيان وابناؤه، ولكن لماذا عيره بها علي؟

حكم الطليق في الشرع بينه علي في احدي رسائله الي معاويه، كما جاء في نهج البلاغه، يقول الامام: "واعلم انك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافه، ولا تعرض فيهم الشوري". وبهذا طعن علي في شرعيه خلافه معاويه، مؤكدا انه طليق لا تحق له الخلافه او حتي اخذ رايه في الشوري، علي حكم علي بن ابي طالب.