المحتوى الرئيسى

نظرة مختلفة على سينما شادي عبد السلام

10/30 20:16

نكتب عن شادي عبد السلام؛ لاننا نُحب الكتابه عنه وعن السينما الجميله، وايضاً هناك سبب اخر يغيظ الصراحه، وهو ان المحتوي غير العربي علي شبكة الإنترنت اقوي بكثير من المحتوي العربي عند البحث عن شادي عبد السلام بخصوص تحليل شغل وفن الرجل، او حتي بخصوص عمليه توثيق حياته ومحطاته المُختلفه.. بالتاكيد لن يكون مقالي هو الاضافه اللنوعيه عنه او عن غيره، لكنها محاوله والسلام.

من النقاط الملفته جداً بالنسبه لي ان اول مهمه او وظيفه قام بها شادي عبد السلام في عمله في السينما؛ كانت تسجيل زمن اللقطه السينمائيه في فيلم الفتوه انتاج عام 1957 واخراج صلاح ابو سيف وبالمناسبه الفيلم ترشح لجائزه الدب الذهبي من مهرجان برلين السينمائي الدولي.

هذه المساله لفتت نظري؛ بسبب اهتمام وفهم شادي عبد السلام لدور وقيمه ومكان الزمن، الذي هو في رايي يقع في القلب من عناصر التكوين السينمائي الاخري؛ فببساطه السينما هو فن يدور كله في الزمن، بمعني ان اللقطه الواحده التي هي اصغر وحده مرئيه للعين المجرده في الفيلم السينمائي هي نتاج عمليه تصوير في مده زمنيه معينه، وبعد انتهائنا من تصويرها نكون قد حفظنا جزءاً صار من الماضي علي شريط يمكننا اعاده تشغيله في اي لحظه سواء في الحاضر او في المستقبل، اي ان هناك جزءاً من الماضي مر ولم يمر في الوقت نفسه، ويمكننا استعادته في اي وقت؛ فاذا ادرك مخرج سينمائي هذه الحقيقه الفشيخه، واهميتها بالضروره سيهتم جداً بجعل الزمن عنصراً رئيساً من عناصر تكوين صورته، وهذا ببساطه ما فعله شادي عبد السلام دائماً سواء في شغله الوثائقي او الروائي بشقيه القصير والطويل، وبالمناسبه يظهر هذا من اول التترات نفسها التي تكتب بخط معين، وكل لوحه لها وقت معين محسوب بدقه تمكنك من قراءه الاسماء كلها، والاهم انها تُهيئك للايقاع للـTempo الذي سيكون عليه الفيلم.

تعالوا نلقي نظره علي هذا الكلام في الفيلم الروائي القصير شكاوي الفلاح الفصيح انتاج 1970

بدايه انظر للتترات سواء بالانجليزيه او العربيه، انظر للوحات التترات المتعاقبه وتصميمها ونوع الخط المكتوبه به باللغتين وزمن تثبيت كله لوحه علي الشاشه، هذا التكوين البصري الذي دخل الزمن فيه كعنصر واضح واساسي، بالتاكيد هياك كمشاهد لايقاع الفيلم وادخلك في المود العام من اولها.

بعد التترات تعالوا نتكلم عن اول مشهد، والذي هو عباره عن لقطه واحده One Shot مدتها 70 ثانيه تقريباً جزء منها كادر ثابت Fix Cadre قبل ان تتحرك الكاميرا في باقي المشهد، انظر في هذا الكادر الثابت لاهميه الزمن الذي جعلك تتامل كل تفصيله: حجم انضغاط السماء علي الارض، لونها الذي يحدد بالتقريب الوقت من النهار، وداع الفلاح لاسرته، الفرق بين زي الطفل والمراه والرجل في مصر القديمه، الحمار وشكله وحمولته، وطريقه جره العنيفه نوعاً ما من رجل متاثر بوداع اسرته، انبساط الارض امامه كانه ينبئك بالصوره، وبالصوره فقط، انه سينطلق في رحله ما، كل هذا فعله زمن اللقطه المرتاح المحسوب، طيب ننتقل لنقطه هامه اخري في سينما وفن شادي عبد السلام تحوي نقاط عديده.

لو مشيت مع فيلم شكاوي الفلاح الفصيح ايضاً ستجد مساله اخري لافته جداً، الا وهي ان اول كلمه ستسمعها ستكون بعد 6 دقائق ونصف من بدايه الفيلم، الذي هو مدته كلها 21 دقيقه وثانيتين، وهنا ادراك ثانٍ مهم جداً عن طبيعه السينما، السينما شريط صوت وشريط صوره وعليك ان تحكي من خلالهما، تحكي بالصوره وهذا ما فعله الرجل، حكي رحله الفلاح بالصوره حتي الحدث الاساسي في السيناريو، ودعم حكيه بشريط صوت/ وليس شريط حوار: فيه اصوات الطبيعه، وجمله الموسيقي الرائعه التي الفها العظيم سليمان جميل، والصوت والصوره كلاهما فنّانِ مرتبطان بالزمن، يحدثان في زمن؛ لذا ستجد مصطلح الايقاع مشتركاً بين الموسيقي والسينما..

هذا الادراك الذي هو في الحقيقه دقيق ولا يقدمه مخرجون كثر بهذه البراعه؛ ياتي من دراسه شادي عبد السلام للفنون الجميله وعمله كمصمم ملابس واكسسوارات وديكور في العديد من الافلام داخل مصر وخارجها، ويمكنك ملاحظه هذا التاثير في ملابس الممثلين واكسسواراتهم وحتي اكسسوارات الحمار وشكل الممثلين حتي ولون جلودهم وشكلهم المختار تشريحياً علي مستوي الوجه والجسد بعنايه شديده.

هناك مساله اخري تكشف لنا جزءاً اخر من خلفيه الرجل؛ فالسنه التي درس فيها المسرح في انجلترا من 1949 وحتي 1950 تنضح من توزيعه للبشر داخل الكادر او ما يسمي بالميزانسن؛ فالميزانسن عنده متاثر بالمسرح وبشده ويمكنك ملاحظه ذلك اكثر من هذا المشهد الافتتاحي من فيلم المومياء الذي هو مسرحي جداً مصور بكاميرا سينما، يذكرنا علي الفور بمشهد محاكمه لويز ووالي عكا في فيلم الناصر صلاح الدين ليوسف شاهين، الذي طبق فيه الاخير دراسته المسرحيه بشكل موسع جداً، تلك الدراسه التي درسها في باسادينا في الولايات المتحده الاميركيه.. شاهد المشهد وتامله:

شاهد مشهد المحاكمه من فيلم الناصر صلاح الدين

ناتي لعنصر هام جداً في سينما وفن شادي عبد السلام، دائماً ما نسمع جمله دارجه عن صوره الرجل مفادها: انك تري لوحات متحركه، وطبعاً ربط هذا ضروري جداً بدراسته للفنون الجميله، ولك ان تعلم انه كان يرسم الفيلم Frame by Frame كما يقولون، وهنا توجد ملاحظه جوهريه جداً وهي ان عين شادي عبد السلام التشكيليه -ان صح التعبير- هي عين متاثره تماماً بمدارس التصوير الزيتي الغربيه التي درسها في كليته، رغم مواضيع افلامه المصريه جداً، والتي قال هو مره عنها: اريد ان اعبر عن نفسي وعن مصر.. اريد ان اعبر عن شخصيه الانسان المصري الذي يستعيد اصوله التاريخيه وينهض من جديد.

نرشح لك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل