المحتوى الرئيسى

قراءة في كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» لهيكل: السادات يقبل قرار وقف إطلاق النار دون إبلاغ سوريا-(9)

10/30 11:00

•السادات يقبل قرار وقف اطلاق النار دون ابلاغ سوريا

•هيكل للسادات: هل يعرف السوريون بالموعد المقرر لوقف اطلاق النار؟ والرئيس: «الروس يقولولهم»

وهيكل يرد: لكن السوريين عندما فتحوا النار يوم 6 اكتوبر نسقوا معنا ولم ينسقوا مع السوفييت

•السادات فصل بين وقف اطلاق النار والعوده الي خطوط 1967 عندما كان كيسنجر يتفاوض علي وقف القتال في موسكو

•عزيز صدقي يقترح السفر لموسكو عندما كان كيسنجر هناك.. والسادات يرد: لا لا لا لا اريد وساطه بيني وبريجينيف

•كيسنجر لجولدا مائير: جيش الدفاع يستطيع مواصله عملياته بعد وقف اطلاق النار

•كيسنجر بعد زيارته لتل ابيب: شعرت بانكسار اسرائيلي يصعب اخفاؤه فهاله الجيش الذي لا يقهر جري تدميرها

بدايه من هذه الحلقه من القراءه التي تقدمها «الشروق» لكتاب «اكتوبر 73 السلاح والسياسه» للكاتب الصحفي الكبير، محمد حسنين هيكل، سيرتفع منسوب تعرضنا لما دار علي جبهات «السياسه» في حرب اكتوبر 1973، مقارنه بجبهات «السلاح»، ذلك ان الحركه الرئيسيه علي مسرح الحرب بدات بالفعل تنتقل من المسرح العسكري الي المسرح السياسي، مع اليوم السادس عشر من بدء القتال (21 اكتوبر)، وهو ما سيساهم بوضوح في الكشف عن طبيعه اداء القياده السياسيه المصريه لهذه اللحظه الفاصله في تاريخ مصر الحديث. يواصل «الاستاذ» ــ في كتابه الصادر عن دار «الشروق» الحديث عما دار ليله 20 اكتوبر، فيقول ان الرئيس انور السادات غادر مقر القياده في الساعه الثانيه وعشر دقائق، ومن المؤكد انه عندما وصل الي قصر الطاهره كانت خطوته ـــ او خطاه ـــ التاليه تتكشف في فكره وتتحدد.

واتصل في الساعه الثالثه والنصف عند الفجر بمحمد حسنين هيكل، واخبره بانه استدعي السفير السوفييتي، وابلغه بانه علي استعداد لقبول وقف اطلاق النار في اي وقت ابتداء من الان، طبقا للشروط التي شرحها له من قبل، وطلب منه ابلاغ هذا القبول الي الرفيق ليونيد بريجنيف (الزعيم السوفييتي) في موسكو.

وساله هيكل عن السبب الذي دعاه الي ذلك بهذه السرعه، وكان رد السادات «الحقيقه ان احمد اسماعيل اخذني الي مكتبه قبل اجتماع القياده وعرض امامي الموقف كله، وقال لي ان احوالنا في الجبهه حتي الان جيده، ولكن الواجب يحتم عليه ان يصارحني بالحقيقه، وان يقول لي انني اذا وجدت وسيله الي وقف وقف اطلاق للنار مشرف، فمن المستحسن ان اقبلها حتي لا يتعرض الجيش والبلد الي اخطار محققه».

وفي الساعه السابعه صباحا كان هيكل يدخل قصر الطاهره، وعرف هناك ان الرئيس ظل ساهرا حتي الصباح وارسل رساله منه الي الرئيس السوري حافظ الاسد (نصها موجود في الكتاب)، ابرز ما جاء فيها قوله: «لقد حاربنا اسرائيل الي اليوم الخامس عشر، وفي الاربعه ايام الاولي كانت اسرائيل وحدها، فكشفنا موقفها في الجبهه المصريه والسوريه وسقط لهم باعترافهم 800 دبابه علي الجبهتين، واكثر من مائتي طائره.

اما في العشره ايام الاخيره فانني علي الجبهه المصريه احارب امريكا باحدث ما لديها من اسلحه. انني ببساطه لا استطيع ان احارب امريكا، او ان اتحمل المسئوليه التاريخيه لتدمير قواتنا المسلحه مره اخري. لذلك فانني اخطرت الاتحاد السوفييتي بانني اقبل وقف اطلاق النار علي الخطوط الحاليه».

وكانت خاتمه ما حدث في تلك الليله الحافله، ان القناه السريه نشطت للعمل في هذه الساعه. فقد بعث السادات بتوقيع حافظ اسماعيل برساله الي كيسنجر الموجود في موسكو (نصها موجود في الكتاب)، من ضمن ما جاء فيها ان «الحكومه المصريه توضح الموقف التالي فيما يتعلق بالنزاع الراهن: ا ــ وقف للقتال علي الخطوط الحاليه. ب ــ عقد مؤتمر سلام بهدف الوصول الي تسويه اساسيه. ج ــ ضمان من الولايات المتحده والاتحاد السوفييتي لوقف القتال وانسحاب القوات الاسرائيليه».

وعن زياره كيسنجر الي موسكو قال الاستاذ: وصل كيسنجر الي موسكو نحو الساعه العاشره بتوقيت العاصمه السوفييتيه (يوم 20 اكتوبر)، ولم يقبل بريجنيف ان ينتظره حتي صباح الاحد كما كان يطلب، وكل ما كان مستعد له هو ان يترك كيسنجر يستريح حتي مساء اليوم ثم يلتقيان في الكرملين، ويقول الكاتب الكبير بشان هذا اللقاء: عندما وصل كيسنجر الي اجتماعه مع بريجنيف في المساء، ادرك ان امامه ليله طويله. فقد ابلغ ان هناك جسله محادثات يعقبها عشاء في الجناح الخاص ببريجنيف في الساعه الحاديه عشره مساء.

وتحدث بريجنيف عن الحقوق المشروعه للعرب، وعن جهودهم للتوصل الي تسويه، خصوصا منذ سنه 1970، واشار الي الاضرار التي يمكن ان تلحق بالمصالح الامريكيه خصوصا بعد ان استعمل العرب سلاح البترول، ثم زاد علي ذلك بان الازمه اصبحت تهدد بخطر صدام بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحده. وخلص من ذلك الي اهميه ربط قرار سريع بوقف اطلاق النار بضروره انسحاب اسرائيل الي خطوط 4 يونيو، طبقا للقرار 242.

كيسنجر يتحدث الي الزعيم السوفيتي بريجينيف

وكان رفض كيسنجر لهذا التصور السوفييتي قاطعا، فقال صراحه انه لا يمكن ربط وقف اطلاق النار بالقرار 242، وانما الممكن هو ربطه بمفاوضات مباشره بين الاطراف علي اساس 242، وان هذه هي الاشاره الوحيده التي يمكن تقبلها اسرائيل بالنسبه لقرار 242. وطالت المناقشات وامتدت الي ساعات الصباح الاولي. وتقرر ان يعود الاثنان الي الاجتماع في الكرملين في الساعه العاشره من صباح اليوم التالي.

يؤكد «الاستاذ هيكل» ان السادات بدا يومه (21 اكتوبر) في حاله من العصبيه الشديده، فقد احس ان الامور علي الجبهه مهدده بالتدهور، خصوصا ان القوات المقاتله في ميادين القتال بدا يساورها شعور بان قيادتها في القاهره غير ممسكه تماما بزمام الموقف، وكانت القرارات العسكريه تصل الي الجبهه متردده في بعض الاحيان ومتضاربه، واحس السادات بشكل من الاشكال ان المسئوليه انتقلت اليه بالكامل، وان القياده العسكريه نقلت اليه اعباء الصوره العامه طالبه منه ان يتصرف، وليس امامه غير ان يتصرف.

وقرر دعوه السفير السوفييتي فلاديمير فينوجرادوف الي لقائه وابلغه انه «رغبه في تسهيل عمليه التفاوض بين بريجنيف وكيسنجر في موسكو، فانه قرر ان يفصل بين وقف اطلاق النار وبين مطلب العوده الي خطوط 1967». وخرج فينوجرادوف ليخطر موسكو بهذا التطور المهم في مطالب السادات.

ونوه الكاتب الكبير الي ان السادات تلقي رساله من الرئيس الاسد (منشور نصها في الكتاب) تؤكد ان الاوضاع علي الجبهه جيده وبـ«امكان القوات المصريه تدمير العدو غرب القناه»، وقرا السادات الرساله ولم يكن سعيدا بها. فبدا له علي حد تعبيره ان «حافظ يريد ان يعطينا درسا في الصمود».

وعندما بدا الاجتماع الثاني بين كيسنجر وبريجنيف فوجئ كيسنجر بان الزعيم السوفييتي قد اسقط اصراره علي وجود صله بين قرار وقف اطلاق النار وبين مطالبه اسرائيل بالانسحاب الي خطوط ما قبل يونيو 1967. (وكان هذا التغيير المفاجئ في الموقف السوفييتي نتيجه لبرقيه من السفير فينوجرادوف بعد لقائه مع السادات في القاهره، ولكن كيسنجر فوجئ لانه لم يكن يعرف بهذا التطور).

وامكن بعد ذلك خلال جلسه الصباح التوصل الي صيغه ما عرف فيما بعد بالقرار رقم 338. وتقرر ارسال هذا النص الي القاهره والي تل ابيب لكي يطلع عليه الطرفان قبل اعلانه. وهكذا تاجلت الجلسه الي ما بعد الظهر في انتظار معرفه راي الاطراف المحليين فيما توصلت اليه القوتان الاعظم.

ويشدد الكاتب الكبير علي ان اخطر «ما كان في مشروع القرار 338 انه يدعو كل الاطراف المشتركه في القتال الحالي الي التوقف عن اطلاق النار، وايقاف ايه نشاطات عسكريه علي الفور في مده لا تتجاوز 12 ساعه من لحظه الموافقه عليه. كما انه يتعين علي جميع القوات من الجانبين ان تثبت في المواقع التي هي فيها الان.

وكان نص القرار يوحي بالفصل بين مواقف الدول العربيه كاطراف متعدده، ولا يشير اليها كطرف واحد في مقابل الطرف الاسرائيلي. ومعني ذلك ان قبول اي طرف عربي به لا يلزم بقيه الاطراف. وبالتالي فان ايا منهم يستطيع ان يتصرف منفردا».

كان الجو في قصر الطاهره مشدودا علي الاخر، بينما الظلام ينزل علي العاصمه التي لم تكن قد استوعبت بعد ما يدور في كواليس قمتها. وفي الساعه الثامنه وعشر دقائق وصل هيكل الي القصر، وابلغه الرئيس علي الفور بانه تلقي مشروع قرار بوقف اطلاق النار تم التوصل اليه في موسكو وان مجلس الامن سوف يصوت عليه هذه الليله (بتوقيت نيويورك اي غدا بتوقيت القاهره). وسال هيكل عن نص مشروع القرار؟، ورد السادات بانه «اطلع علي هذا النص ووافق عليه، وان حافظ اسماعيل قادم الي هنا ومعه النص الرسمي»، وجاء بعدها اسماعيل وكان هيكل يعرف حجم التوترات المضغوطه في قصر الطاهره تلك الليله. ولكنه لم يكن يعتقد انها وصلت الي هذه الحاله من الاستعداد للانفجار. وفتح اسماعيل حقيبه جلديه يحملها معه، فاخرج منها ملفا ابرز منه ورقه تحوي نص مشروع القرار. ولكن هيكل سال، وهو لم يقرا النص بعد: «هل وافقت سوريا عليه؟» ورد السادات بسرعه قائلا: «لا اعرف.. اظن انهم سوف يوافقون». ومع ان الالحاح لم يكن مطلوبا فان الموقف كان يفرض علي الجميع ان يتكلموا حتي وان احسوا انهم تجاوزوا. وهكذا عاد هيكل يسال قائلا: «ولكن هل يعرف السوريون بالموعد المقرر لوقف اطلاق النار؟» ورد السادات وبدت الحده تظهر في نبرات صوته «يقول لهم الروس». وقال هيكل للرئيس: «عفوا للالحاح، ولكن السوريين عندما فتحوا النار يوم 6 اكتوبر نسقوا معنا ولم ينسقوا مع السوفييت، فاذا كان هناك وقف لاطلاق النار تقرر له توقيت محدد، فلاد ان يعرف السوريون منا.. منك، وليس من السوفييت». وبدا الضيق علي السادات وتمتم، قائلا: «ان هذه مساله شكليه، وهي ليست بيت القصيد الان.. ويمكن ان نتصل بحافظ» (يقصد الرئيس «حافظ الاسد»).

ولاحظ «هيكل» ايضا ان القرار يشير الي بدء محادثات مباشره بين الاطراف فور سريان وقف اطلاق النار، وابدي دهشته من ورود هذا النص، وسال الرئيس اذا كان قد وافق علي هذا الكلام؟ وقال السادات بحزم: «ايوه». وقال هيكل ان «ربط وقف اطلاق النار بمفاوضات مباشره مساله لم تحدث من قبل» ثم اضاف: «نحن لم نكن نقبل بذلك قبل الحرب، فكيف نقبل به الان؟». كان هيكل يعرف انه يضغط علي اعصاب الرئيس «السادات» ولكن القضايا في تلك الساعه كانت اكبر من الاشخاص والمشاعر.

ويبدو ان حافظ اسماعيل كان قد تحمل فوق طاقته، ووجد ما تصور الان انه فرصه مناسبه ليقول رايه، وبطريقته في الاداء واختيار الالفاظ قال بصوت يبدو فيه التاثر: «سياده الرئيس، ليس هناك ما يدعونا الي هذه العجله. وانا اخشي ان يكون اخواننا العسكريون قد اعطوا سيادتك صوره مبالغه في تشاؤمها. وانا اسلم ان الموقف خطر، ولكني اعتقد بامانه ان القوات قادره علي مواجهته حتي».

ولم يتركه الرئيس يكمل عرضه، فقد هم واقفا نصف وقفه في مقعده، وصاح في السيد حافظ اسماعيل «جري لك ايه يا حافظ؟ جري لك ايه يا حافظ؟ انت راجل عسكري يا حافظ وتعرف ان احتياطيك الاستراتيجي خلص يا حافظ». وحاول اسماعيل ان يكتم مشاعره. وادرك كل الذين راوا المشهد ان الرجل في هذه الثانيه لم يعد في طاقته ان يحتمل اكثر. وكتم مشاعره، وبانت محاولته لكتمانها من الطريقه التي راح بها يضغط اسنان فكيه. والتزم الصمت طول المساء.

وعاد هيكل يتساءل: «هل تم الاتفاق فعلا علي وقف اطلاق النار عند منتصف الليل.. هذه الليله»؟ وقال السادات»: «ايوه.. وانا اريد ان اعطي اولادي في الجبهه فرصه ان يناموا هذه الليله مستريحين، فهم طوال الاسبوع الماضي لم يذوقوا طعم النوم».

ولم يستطع هيكل ان يكتم رايه، فقال للرئيس: «انت اول من يعلم بتجاربنا مع اسرائيل في وقف اطلاق النار وكسره. وذلك امر تكرر منذ هدنات سنه 1948، ولا يجب ان نكرره الان. ورايي انه لابد ان تكون هناك رقابه علي الارض تحفظ خطوط وقف اطلاق النار من اي تعد عليها بعد سريان وقف اطلاق النار. واقتراحي المحدد هو ان نطلب من السكرتير العام للامم المتحده ارسال قوه مراقبين قبل ان يسري وقف اطلاق النار». واعترض السادات بانه ليس هناك وقت لمثل هذا الطلب. فاجراءات تنفيذه سوف تستغرق اياما». ورد هيكل بانه يعرف ان هناك قوه للامم المتحده في قبرص، وان فالدهايم (السكرتير العام للامم المتحده) يستطيع ارسال مجموعه من ضباطها الي خطوط التماس بين القوات حتي لا يقوم الاسرائيليون بعمليات تؤثر علي سلامه القوات وسلامه الجبهه.

وبدا السادات يتضايق قائلا: «قلت لك ان هذا ليس وقته الان. فقد وافقت علي موعد وقف اطلاق النار وانتهي الامر». وقال هيكل: «كيف نستطيع ان نقبل الاحتكام الي قانون لم ياتِ بعد قاضيه». ورد الرئيس بحده: «انت ما زلت تتكلم علي قديمه. هذا وقف إطلاق نار من نوع مختلف، وراءه ضمان القوتين الاعظم، وليس وراءه فالدهايم العاجز وضباطه الاكثر عجزا في قبرص». ورد هيكل بان «القوي الاعظم لا تستطيع ان تضمن مواقف تكتيكيه علي مواقع قتال محدوده في جبهات بعيده، لكن هذه المواقع يمكن ان تحدث فارقا هائلا بين اطرافها علي الارض». وانتهي الحوار بعد ان غادر هيكل تاركا الرئيس للراحه.

يصف الكاتب الكبير يوم 22 اكتوبر بانه يوم «من اخطر ايام التاريخ المصري المعاصر» كانت القمه ـــ في صباح ذلك اليوم ــــ في القاهره في حاله تثير المخاوف وتجلب الهموم. فقد كانت كل مراكز صنع القرار او التاثير عليه في عزله عن بعضها. لم يكن مركز منها علي اتصال باخر بطريقه منظمه، ولا كان مركز فيها علي علم كاف بالحقائق العسكريه او السياسيه.

ويضيف هيكل بان السادات كان وحده في قصر الطاهره، وقد علق اماله كلها علي مهمه كيسنجر في موسكو، وترسخ لديه يقين كامل بان «ساحر فيتنام» (كيسنجر) سيمارس سحره في ازمه الشرق الاوسط. وحينما جري لفت نظره الي اختلاف الظروف، كان رده بحده «ان هناك عاملا ثابتا مهما تغيرت الظروف وهو ان كيسنجر يريد ان ينجح، وان يحافظ علي سمعته الاسطوريه التي بناها في السنوات السابقه». وحينئذ قيل له ان كيسنجر يمكن ان ينجح علي الشروط الامريكيه وربما الاسرائيليه ايضا، لكن السؤال هو اذا كانت هذه الشروط تلائم الموقف العربي في ازمه الشرق الاوسط؟ وفي كل الاحوال، فان الشيء الوحيد الذي يمكن ان يؤثر علي كيسنجر، وهو يخوض امتحانه من اجل النجاح هو صلابه الموقف العربي، وليس اي ثقه «غيبيه» من العرب في كفاءاته.

والشاهد ان المناخ في قصر الطاهره صباح ذلك اليوم كان معبا بشحنات مكهربه ظهرت لاسباب حقيقيه في الايام الاخيره، ولكنها راحت تتزايد بسرعه شديده، وقد بدا ان الحرب تجتاز ساعاتها الاخيره قبل وقف لاطلاق النار قادم دون شك خلال ساعات.

واحس هيكل بهذه الشحنات المكهربه في قصر الطاهره عندما وصل في ذلك الصباح 26 اكتوبر، واتجه قبل ان يلتقي بالرئيس الي مكتب الشئون العسكريه، حيث وجد العقيد عبدالرءوف رضا وقد وضع كفيه علي راسه، واستند بكوعيه علي مكتبه. وحين ساله هيكل عن اسباب علامات التشاؤم الباديه عليه، بدا ان العقيد رضا علي وشك الانفجار.

بدا مدير مكتب الشئون العسكريه للرئيس موجها كلامه لزائره هذا الصباح، قائلا: «انني اريد ان اكلمك كوطني اولا.. ان مصر في خطر». كانت البدايه عي هذا النحو مفاجئه. وجلس هيكل علي مقعد امام العقيد رضا ورجاه ان يتحدث اليه بصراحه وبطريقه مرتبه. وكانت الصوره التي طرحها مدير مكتب الشئون العسكريه علي النحو التالي:

ان الرئيس لا يستمع الي مستشاريه واحيانا لا يقابلهم. وحاول هو ان يعرض عليه بنفسه صوره للموقف العسكري، فلم يتمكن. كما ان الاجواء في القياده العامه ملبده ومتقلبه. ويكفي ان هذه القياده في ظرف 24 ساعه غيرت الصوره امام الرئيس من الوردي الي الاسود «مره واحده دون ظلال». فيوم 19 اكتوبر كان رايهم ان قفل الثغره ممكن، ويوم 20 اكتوبر اصبح رايهم العكس. وهو لا يريد ان يضع مسئوليه علي احد بالذات، ولكن الحقائق تتحدث عن نفسها.

واضاف ان هناك حاله من الاحباط والغضب بين شباب الضباط في هيئه العمليات، فهؤلاء الضباط كان لهم دور كبير في دراسه ووضع تفاصيل الخطه، نجحت خطتهم فوق ما كان يتوقع احد، ومع ذلك فقد راوا القرارات تصدر لاسباب غير مفهومه بالنسبه لهم وتؤثر علي بنيان وتماسك الخطه.

لكن الغريب، رغم ذلك كله، ان الموقف علي الجبهه قد تحسن في الساعات الاخيره بطريقه تدعو للاطمئنان. فالطوابير الاسرائيليه الزاحفه يتعطل تقدمها، وهي تواجه مقاومه عنيده في كل القطاعات تقريبا، ولحقت بها خسائر كبيره جدا. وهذه كلها عناصر يمكن استغلالها. وحتي اذا كان وقف اطلاق النار سيجيء اليوم، فان تدعيم الموقف علي الجبهه وترسيخ ثبات القوات المصريه يمكن ان يكون له مردود سياسي كبير حتي في حاله وقف اطلاق النار.

ويؤكد الكاتب الكبير علي ان رغبه الرئيس السادات في الاحتفاظ بكل خيوط الموقف في يده كانت ظاهره في تصرفاته في الايام الاخيره التي بدا فيها ان الحركه الرئيسيه في الموقف علي وشك ان تنتقل من المسرح العسكري الي المسرح السياسي. وتجلت هذه الرغبه حتي في بعض المواقف البسيطه. فقبلها باربع وعشرين ساعه، وعندما اعلن عن وجود كيسنجر في موسكو، اتصل الدكتور عزيز صدقي، رئبس الوزراء بهيكل، وطلب اليه ان ينقل للرئيس استعداده للذهاب الي موسكو فورا لكي يقوم باتصالات مباشره مع القاده السوفييت، وفي مقدمتهم «ليونيد بريجنيف» الذي تربطه به علاقه قديمه ووثيقه. وحين عرض «هيكل» هذا الاقتراح تليفونيا علي السادات لاحظ ان صيغه رفضه للاقتراح كانت حاده. فقد قال بضيق: «لا، لا، لا، لا، داعي لمثل هذا الكلام الان. انا اريد ان تكون الخطوط مباشره، ولا اريد بيني وبين بريجنيف وسيطا. عندي هنا التليفون المباشر علي فينوجرادوف، وهو (اي فينوجرادوف) عنده الخط المباشر مع بريجنيف».

انتهي كيسنجر من اجتماعه الثاني مع بريجنيف قبل الفجر بقليل. وعاد الي السفاره الامريكيه يتصل بالرئيس نيكسون ويعرض عليه ما توصل اليه مع بريجنيف، واقترح عليه ان يكتب رساله شخصيه منه الي جولدا مائير تمهدها نفسيا للقاء معه (اي كيسنجر) عندما يصل الي اسرائيل في ظرف ساعات، وتم ذلك بالفعل بعد ان وضع كيسنجر مشروع الرساله، التي لفت فيها نظر جولدا مائير الي ان «مشروع قرار وقف اطلاق النار يترك قواتكم في المواقع التي وصلت اليها، ولا توجد فيه علي الاطلاق ايه اشاره مع اي نوع الي كلمه الانسحاب. وانه لاول مره تمكنا من اقناع الاتحاد السوفييتي علي موافقه منه بمفاوصات مباشره بين الاطراف ودون اي اشتراطات او قيود، وان تتم المفاوضات تحت الرعايه الملائمه».

كيسنجر في لقائه مع جولدا مائير

كانت انطباعات كيسنجر عند وصوله الي اسرائيل في الساعه الواحده من بعد ظهر هذا اليوم (22 اكتوبر) اكبر شهاده لحجم الانجاز الذي حققته الجيوش العربيه في ميادين القتال. وكان التاثير الاكبر الملحوظ هو تاثير اداء الجيش المصري. وسجل كيسنجر انطباعاته في مذكراته، وكان اهم ما سجله علي النحو التالي:

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل