المحتوى الرئيسى

قراءة فى كتاب «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» هيكل: «السياسة» تكشف خطوط «السلاح» بعد 20 ساعة قتال (6)

10/27 13:14

• رساله سريه من السادات لـ«كيسنجر» صباح 7 اكتوبر: «لا نعتزم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه»

• هيكل: هذه ربما تكون اول مره في التاريخ يكشف فيها محارب لعدوه عن نواياه كامله

• اختارت اسرائيل الواثقه من نوايا مصر التركيز علي الجولان لتعود بعد ذلك الي سيناء لتصفيه بقيه الحساب

• ديان انهار يوم 7 اكتوبر وجولدا مائير كانت في حاله ذهول مما تسمعه عن الخسائر الاسرائيليه

• كيسنجر: اسرائيل تلقت هزيمه استراتيجيه بصرف النظر عما يمكن ان يحدث بعد ذلك

• اسرائيل تصرخ مستنجده بواشنطن بعد ان خسر جيشها خمس طائراته وربع دباباته في اربعه ايام

صباح يوم 7 اكتوبر 1973 وصلت العلاقه بين «السلاح» و«السياسه» الي قمه الدراما علي الجبهه المصريه، ففيما كان السلاح ورجاله «يتقدمون علي الجسور كما لو انهم يقومون بعمليه تدريب»، والعدو عاجز عن تحديد مناطق جهودهم الرئيسيه، او الكشف عن نواياهم الحقيقيه، كانت «السياسه» في اداره هذه الحرب تتطوع بكشف هذه النوايا وكشف «خطوط السلاح» قبل ان يمضي علي اندلاع القتال 20 ساعه فقط. ففي الوقت الذي كانت الفرق المصريه الخمس بطول جبهه قناه السويس تنتهي من تحقيق مهمتها المباشره بعبور القناه، واقتحام خط بارليف وتكبيد العدو اكبر خسائر ممكنه في الافراد والسلاح والمعدات، وقبل ان تندفع لتحقيق مهمتها التاليه بتوسيع رءوس الجسور شرق القناه وصد ودحر الهجوم المضاد الرئيسي للعدو، كان الرئيس انور السادات قد ارسل الي وزير الخارجيه الامريكي، «هنري كيسنجر» عبر قناه «سريه» رساله يقول له فيها «اننا لا نعتزم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه»، و«كانت هذه اول مره ــ ربما في التاريخ كله ــ يكشف فيها طرف محارب لعدوه نواياه كامله»، بتعبير الاستاذ محمد حسنين هيكل.

ننوه في البدايه الي ان الكاتب الكبير في هذا الجزء الثاني (علي طريق الحرب) من كتابه «اكتوبر 73 السلاح والسياسه» قد حشد الكثير من المعلومات والوثائق التي توضح حقيقه ما جري علي جبهات «السلاح» وجبهات «السياسه» علي مدي 20 يوم قتال (من 6 اكتوبر ــ 26 أكتوبر) يوما بيوم، بشكل يجعل من يتصدي لعرض هذا الكتاب في مازق حقيقي، ذلك ان المساحه المتاحه مهما كبرت لن تستطيع ان تلم بكل هذه التفاصيل، ولذلك اضطررنا للتوقف امام محطات رايناها مفصليه خلال هذه الايام العشرين، ونشدد علي انها لا تغني ــ بحال من الاحوال ــ عن العوده للنص الاصلي.

يقول «الاستاذ» علي الرغم من عبور القوات المسلحه لقناه السويس الا ان السادات لم ينم طوال ليله العبور، ويفسر ذلك بانه عاش معجزه، وكان هو الذي اعطي الاشاره فوقعت المعجزه (وشاهد ذلك ما تكرر علي لسانه كثيرا فيما بعد عن «جيشي» و«طيراني» و«اسطولي»، وكثير غير ذلك منسوب اليه شخصيا).

وانه يريد ان يحتفظ بنسب المعجزه اليه وحده (وشاهد ذلك قوله في هذا الوقت المبكر انه لا يريد زحاما حوله.. حتي من مستشاره للامن القومي الذي ارسله ليعمل من قصر الامير السابق محمد عبدالمنعم). وهو نتيجه لذلك كله مطالب في تقديره بضروره التحرك بسرعه لتثبيت المعجزه واستمرار بقائها في حوزته واحكام السيطره عليها قبل ان يحدث اي شيء. وقاده ذلك بالطبع الي التفكير في اسرائيل، وقاده التفكير في اسرائيل الي التفكير في الولايات المتحده الامريكيه (وشاهد ذلك ما فعله صباح يوم 7 اكتوبر)».

ما حدث صباح الاحد 7 اكتوبر ــ بحسب «الاستاذ» ــ انه لم يكن قد مضي علي بدء المعارك اكثر من 20 ساعه وبعث الرئيس السادات برساله الي هنري كيسنجر، ووقعها حافظ اسماعيل، مستشار الرئيس السادات للامن القومي (منشوره بكاملها في الكتاب)، ويقول البند رقم (6) فيها «اننا لا نعتزم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه».

ويعلق الكاتب الكبير علي هذه الرساله قائلا: «كانت هذه الرساله شكلا وموضوعا علامه خطيره تجعلها بدايه تحول لا شك فيه في اداره الصراع كله، من ناحيه الشكل فان هذه الرساله جري توصيلها الي كيسنجر عن طريق القناه الثانيه، اي القناه السريه التي تمر عن طريق وكاله المخابرات المركزيه الامريكيه، وربما كانت هناك حاجه الي هذه القناه عندما كانت الرغبه في تجنب وزاره الخارجيه والاتصال من وراء ظهرها بكيسنجر في البيت الابيض، ولكن كيسنجر اصبح الان وزيرا للخارجيه خلفا لوليم روجرز، وبالتالي فان الاتصال به عن طريق القناه السريه لم يعد يخدم الهدف المقصود من الاصل، وكان واضحا ان كيسنجر يدرك طبيعه هذا الاختلاف في الصوره، فهو لم يبعث برسالته عن طريق القناه الثانيه، وانما بعث بها عن طريق وزاره الخارجيه».

يتصل بجانب ذلك من ناحيه الشكل امر علي درجه شديده من الخطوره. ذلك ان العوده الي هذه القناه السريه في هذا الوقت، والتذكره بالاتصالات السابقه وما دار فيها كان من شانه علي الفور ان يستعيد بطريقه كامله اجواء هذه المحادثات والموضوعات والتفاصيل التي تم بحثها من خلالها. ولما كان ذلك كله قد جري قبل الحرب وقبل الصوره المعجزه للعبور في اليوم السابق، فان الجانب المصري سواء وعي ذلك او غاب عنه عاد الي استئناف الحديث مع كيسنجر من حيث تركه اخر مره في فبراير 1973، مع ان الصوره العامه بعد القتال اختلفت تماما عما قبله».

ويواصل هيكل «اما من ناحيه الموضوع فان بعض العبارات كانت ــ ولا تزال ــ مثيره للاستغراب: ان العباره التي وردت في الرساله والتي جاء فيها بالنص في البند رقم 6 من الرساله (اننا لا نعتزم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه) كانت اول مره ــ ربما في التاريخ كله ــ يقول فيها طرف محارب لعدوه بنواياه كامله، ويعطيه من التاكيدات ما يمنحه من حريه الحركه السياسيه والعسكريه علي النحو الذي يراه ملائما له وعلي كل الجبهات وذلك ان التعهد بـ«عدم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه» معناه بالنسبه لاسرائيل ــ وقد كانت الرساله في خاتمه المطاف واصله اليها ــ انها تستطيع ان تعيد ترتيب موقفها باعصاب هادئه، وتستطيع تنظيم اولوياتها. وقد كان ذلك ما حدث فعلا، واختارت اسرائيل الواثقه من نوايا الجانب المصري ان تركز كما تشاء علي الجبهه السوريه، ثم تعود بعد ذلك الي الجبهه المصريه لتصفيه بقيه الحساب».

انتقل بعد ذلك الكاتب الكبير للحديث عن الاوضاع في ميادين القتال يوم 7 اكتوبر، فاكد ان القوات المصريه والسوريه تواصل نجاحاتها منذ بدايه القتال، وذلك من واقع «تقرير موقف» مقدم من مكتب الرئيس للشئون العسكريه الي الرئيس السادات، ومنشور كاملا في الكتاب. واشار الي ان اصداء المعارك كانت قد بدات تصل الي كل مكان في العالم العربي، وتحدث ردود فعل اشبه ما تكون بسلسله ردود فعل انفجار نووي بما يتبعه من شائعات وتساقطات. مشيرا الي ان الهجوم المصري ــ السوري «كان منسقا بدرجه عاليه الكفاءه. وقد نجحت القوات العربيه في تحقيق مفاجاه استراتيجيه وتكتيكيه حققت نتائج لم تكن في تقديرات اسرائيل».

ثم عرض لسلسله اجتماعات مجلس الوزراء الاسرائيلي بكامل هيئته، كانت قد بدات من ليله 7 اكتوبر وطوال نهاره، واثناء الاجتماعات اختلفت الاراء بين موشي ديان وزير الدفاع، ورئيس الاركان «دافيد اليعازر»، كان راي الاخير: ان الموقف تحت السيطره رغم الخسائر الكبيره وصدمه المفاجاه.

وكان راي «ديان»: ان الموقف اسوا بكثير مما عرضه رئيس الاركان. وتقديره انه لابد من اجلاء بقيه النقاط الاسرائيليه الحصينه علي قناه السويس، والتراجع الي خط دفاعي جديد علي بعد 20 كم من قناه السويس علي ان يتم التمسك بهذا الخط باي ثمن. ولاحظ الوزير الاسرائيلي «جاليلي» ان ديان كان منهارا، كما ان جولدا مائير كانت في حاله ذهول مما تسمعه.

واستقر الراي في الاجتماع علي ان يتوجه رئيس الاركان فورا الي الجبهه الجنوبيه لتقييم الموقف ويحدد امكانيات قيام اسرائيل بهجوم مضاد. وتقرر في الاجتماع ايضا ان يتخلي «رحاييم بارليف» عن واجباته كوزير للصناعه والتجاره. وان يعود الي الخدمه العسكريه مؤقتا برتبته السابقه عندما كان رئيسا لهيئه اركان الحرب، ويتوجه فورا الي الجبهه الشماليه لاجراء تقدير جديد للموقف وبحث امكانيه هجوم اسرائيلي مضاد.

وانتهي المجلس في نهايه المطاف الي قرار يطلب الي الولايات المتحده امداد عاجلا من السلاح، خصوصا من الطائرات والدبابات. وكانت «جولدا مائير» بعد الاجتماع شديده العصبيه وهي تعطي الاوامر بطلب النجده الامريكيه سريعا وبدون ابطاء.

يعرض بعد ذلك الكاتب الكبير لتحركات وزير الخارجيه الامريكيه بقوله «كان كيسنجر» يتحرك بكل قوه. وقد كان همه الاول ليله 7 اكتوبر (صباح 7 اكتوبر بتوقيت القاهره) الامساك بزمام التحركات في الامم المتحده بحيث يمنع بحث الازمه امام الجمعيه العامه. لانه كان يخشي من اغلبيه دول العالم الثالث الموجوده فيها، ويعتبرها مواليه للعرب. ونجح ايضا في تعطيل اجتماع طارئ لمجلس الامن. وكان اعتقاده الراسخ ان اسرائيل سوف ترد الهجوم المصري وسوف تحوله بسرعه الي هزيمه ساحقه.

وكانت تعليمات «كيسنجر» لمساعديه في تلك الفتره هي اعداد مشروع قرار «يقضي بعوده جميع القوات الي مواقعها السابقه قبل بدء العمليات». وعندما تلقي «هنري كيسنجر» رساله الرئيس «السادات» بتوقع «حافظ اسماعيل»، فقد زاد اقتناعه بموقفه.

وفي الساعه 9:40 من صباح يوم 7 اكتوبر (بتوقيت واشنطن) اتصل «شاليف» القائم باعمال السفاره الاسرائيليه بمكتب وزير الخارجيه الامريكي ينقل اليه رساله «جولدا مائر» وكانت تحوي نقطتين: نحن نواجه الامور بكل شجاعه وحزم حتي تتم دعوه الاحتياطي من القوات والسلاح، ومن ثم يبدا هجومنا المضاد. وتطلب علي وجه الاستعجال تعويضا عن الخسائر التي تكبدتها خلال الـ24 ساعه الماضيه، خصوصا في الطيران.

وقام «كيسنجر» علي الفور بدعوه مجموعه العمل الخاصه في مجلس الامن القومي الامريكي لبحث الموقف الخطير المتفجر في الشرق الاوسط. وقد دخل قاعه الاجتماع ومعه طلب «جولدا مائير»، وبدا بعرضه ملحقا به توصيته بضروره الاستجابه وتعويض اسرائيل بسرعه عن خسائرها من الطائرات.

وفقد كيسنجر اعصابه في هذا اليوم وقال بحده: «ان اسرائيل قد تلفت هزيمه استراتيجيه، بصرف النظر عما يمكن ان يحدث بعد ذلك، ولا ينبغي للولايات المتحده ان تسمح لهذه الهزيمه بالوصول الي مداها».

صباح 8 أكتوبر كانت القوات المصريه تواصل ملحمه الانتصار، ويقول الكاتب الكبير ان تقرير الموقف الذي اعده مكتب الرئيس للشئون العسكريه «كان يعطي صوره رسميه باكثر من اللازم عما يجري في جبهه القتال، بينما الواقع ان الصوره الحقيقيه كانت اكثر اثاره وحيويه. فقد كانت التعزيزات الاسرائيليه تهرع مسرعه الي خطوط القتال وتصطدم مع المواقع المصريه وتتكبد خسائر لم تكن في حساباتها. وواقع الحال ان القياده الاسرائيليه كانت تتعجل تحقيق شيء ما علي الجبهه المصريه يكون من شانه احتواء الهجوم المصري، ومن هنا فانها كانت ترسل قواتها الي القتال دون قدر كاف من الحشد والتركيز. وكان ذلك يؤدي بها الي خسائر يتسارع ايقاعها الي درجه احدثت ارتباكا شديدا في تحركات واوضاع القوات الإسرائيلية.

ويواصل: عرف السادات تفاصيل الصوره علي نحو اكثر دقه من اتصال تليفوني اجراه مع الفريق احمد اسماعيل. وفي هذا الاتصال، رغم الصوره الداعيه الي التفاؤل، فان السادات طلب الي وزير الحربيه تاجيل تطوير المرحله الثانيه من الهجوم المصري، والتي كانت تستهدف الوصول الي المضايق، وذلك لسببين ابداهما له.. اولهما انتظار رد كيسنجر علي رسالته في اليوم السابق، وقد تعهد له فيها بان «مصر لا تعتزم تعميق مدي الاشتباكات او توسيع مدي المواجهه»، وكان الفريق احمد اسماعيل علي علم بها، باعتبار انه هو نفسه الذي انشا القناه الثانيه (السريه) واشرف علي الاتصالات من خلالها اثناء عمله في المخابرات العامه، ثم ظل يتابعها حتي عندما اصبح وزيرا للحربيه.

وكان السبب الثاني الذي ابداه الرئيس السادات للتاجيل هو انه «لا مانع من ترك الاسرائيليين يخبطون رءوسهم في حائط المواقع المصريه، ويتكبدون اكبر قدر من الخسائر في حالتهم العصبيه هذه».

ينتقل بعد ذلك الكاتب الكبير للحديث عن الاوضاع في واشنطن وتل ابيب يوم 8 اكتوبر «كانت الصوره في اسرائيل يوم 8 اكتوبر رماديه قاتمه، فالموازين في معارك الدبابات بين القوات الاسرائيليه والقوات المصريه كانت كلها لصالح القوات المصريه. وفي نفس الوقت فان الجيشين الثاني والثالث المصريين اكملا عبورهما، وراحا يعززان مواقعهما علي الضفه الشرقيه، وكان الطيران الاسرائيلي الذي نقل جزءا واضحا من تركيزه الي الجبهه المصريه يتعرض لخسائر مؤثره».

وفي نفس هذا الصباح (8 اكتوبر) كان «كيسنجر» مشغولا بمحاولات التعطيل علي جبهتين: جبهه مجلس الامن، وكان المجلس علي وشك ان يجتمع وليست هناك بعد مشروعات قرارات يناقشها، ومن ثم يصدرها. ولما كان اجتماع المجلس مقررا ويصعب علي احد تاجيله في هذه الظروف، فقد اقترح السكرتير العام للامم المتحده «كورت فالدهايم» ان يبدا اجتماع مجلس الامن الاول بمناقشه عامه. وكان كيسنجر يشجع علي ذلك، وتقديره وقد شاركته فيه وكاله المخابرات المركزيه ومخابرات وزاره الدفاع هو «ان بطء الاجراءات في مجلس الامن يعطي لاسرائيل فرصه مواصله هجومها المضاد في مرتفعات الجولان». وكانت توقعاتهم جميعا ان تتم هذه العمليه في يوم او يومين. وبعد ذلك يركز الجيش الاسرائيلي جهده علي الجبهه المصريه.

ويروي بعد ذلك «الاستاذ هيكل» تفاصيل يوم 8 اكتوبر مساء، واهم ما جاء فيه لقاء في قصر الطاهره بين الرئيس السادات والسفير السوفيتي «فلاديمير فينوجرادوف»، خرج علي اثره السادات غاضبا لانه فهم منه ان السوريين قد طلبوا من موسكو وقف اطلاق النار بعد توجيه العدو مجهوده الرئيسي علي جبهتهم، وهو ما نفاه الرئيس السوري حافظ الاسد في برقيه رسميه قال فيها انه لم يطلب من السوفيت ذلك وان قواته تقاتل بشراسه وتلحق بالعدو اكبر الخسائر، وان خسائر الجانب السوري في معدلاتها الطبيعيه.

وقبل ان يغادر فينوجرادوف قصر الطاهره كان قد دعا هيكل لزيارته في بيته في اي وقت من الليل، وفي الساعه الثانيه عشره الا الربع وصل هيكل الي بيت السفير السوفييتي، واشتكي السفير من معامله السادات له، وشكوكه الدائمه في السوفييت.

وقال انه ازاء تطورات الموقف علي الجبهه السوريه بعد ظهر امس، (خسرت سوريا نحو 500 دبابه) خطر لنا ان نسال مجرد سؤال هل الوقت الان مناسب لقرار بوقف اطلاق النار، ولم يعطني الرئيس فرصه لاشرح وجهه نظرنا. ولكنه قاطعني سائلا بحده عما اذا كان الاسد طلب منا تقديم قرار لوقف اطلاق النار. وحين حاولت ان اشرح له خلفيه هذا الموضوع خبط يده علي المائده وقال «اذن فانتم ترتبون مع حافظ الاسد من وراء ظهري».

واضاف السفير السوفيتي لهيكل بان «التنسيق بين الجبهتين المصريه والسوريه غير قائم»، ثم اخذ هيكل الي غرفه الخرائط وكان هناك جنرال سوفييتي قدمه «فينوجرادوف» باسم جنرال «سماخودسكي» راح يشرح اوضاع القوات علي الجبهه. وكان مؤدي ما قاله «ان الاحتياطي الاسرائيلي الذي كان في المؤخره، وضمن مسئولياته حمايه المضايق، قد خرج من مكامنه واشترك في معارك الدبابات خلال الساعات الاخيره وتكبد خسائر كبيره. ونتيجه لذلك فان حجم القوات الاسرائيليه في المضايق، او علي مشارف الطرق المؤديه اليها، او علي نقاط الاقتراب منها قوات ضئيله لا تتجاوز في هذه الساعه مجموعه لواءين». وهذه قوه يمكن ان تكتسحها القوات المصريه في ساعتين او ثلاث ساعات وتسيطر علي اهم موقع استراتيجي في سيناء، بما يسمح لها بافضل الاوضاع لرد اي هجوم اسرائيلي مضاد».

واعتبر «هيكل» ان هذا اللقاء في غرفه الخرائط في مكتب الجنرال السوفييتي «سماخودسكي» اهم ما سمعه في تلك الليله. وبعد ان نجح في تحقيق اتصال مع الرئيس السادات وقص عليه نصيحه الجنرال السوفيتي بالاندفاع نحو المضايق، قال له تحدث في ذلك مع الفريق احمد اسماعيل، فاتصل علي رقمه المباشر فرد عليه الفريق سعد الشاذلي رئيس الاركان، لان اسماعيل كان نائما، ولما عرض عليه مساله التطوير الي المضايق لم يبد حماسه لها.

ولاهميه الموضوع، عاد «هيكل» فاتصل بالفريق «احمد اسماعيل» في الساعه السادسه والربع صباحا. وكان واضحا له ان الوزير ليس متحمسا لفكره التقدم الي المضايق.

بدا الرئيس «السادات» يومه متاخرا، فهو لم ينم في اليوم السابق الا في الفجر لكنه حينما استيقظ كانت الاخبار التي وجدها في انتظاره طيبه. وفي واقع الامر فان يوم 9 اكتوبر كان هو اليوم الذي بلغ فيه الموقف العربي ذروه نجاحه.

ونتيجه هذا النجاح العربي الكبير علي جبهات القتال يقول الكاتب الكبير «في الساعه 1:45 طلب السفير الاسرائيلي في واشنطن سيمحا دينتز ايقاظ وزير الخارجيه الامريكي كيسنجر من نومه، وفاجاه بسؤال عن مدي امكانيات المسارعه اكثر بارسال مدد عسكري لاسرائيل. وفوجئ كيسنجر بالسؤال، وخصوصا انه تذكر تطمينات «دينتز» له قبل ساعات. وساله بصوت نصف نائم «ما هي المشكله، وما هو سبب العجله؟» ورد عليه دينتز بان «هناك حاجه ماسه الي طائرات وذخائر وبعض المعدات الالكترونيه». وقد ابدي «كيسنجر» لـ«دينتز» ان كل الطلبات تمت الموافقه عليها، وانه في الصباح سوف يقوم باستعجال عمليات الشحن، وسوف تتم بسرعه.

وفي الساعه الثالثه صباحا عاد دينتز الي ايقاظ كيسنجر من نومه للمره الثانيه في نفس الليله. وبدا كيسنجر يحس ان الموقف لابد ان يكون اخطر مما يتصور. ودعا دينتز الي مقابلته في البيت الابيض في الساعه الثامنه صباحا.

ووصل «دينتز» الي البيت الابيض ومعه الملحق العسكري الاسرائيلي الجنرال «موردخاي جور». وطلب الاثنان ان يدور الحديث في غرفه الخرائط، حيث يستطيع الجنرال «جور» ان يشرح لوزير الخارجيه الامريكي تطورات الموقف امام خريطه.

وتم ذلك بالفعل. وكان تعقيب الجنرال «جور» في نهايه عرضه للموقف هو قوله:

«ان خسائر اسرائيل حتي هذه اللحظه مروعه. وجاءت غير متوقعه بالمره فلقد اسقطت لنا حتي الان 49 طائره. بينها 14 طائره من طراز «فانتوم»، الي جانب 500 دبابه». (اي ان الجيش الاسرائيلي فقد خمس طائراته وربع دباباته في اربعه ايام من القتال). وكان كيسنجر يسمع صامتا وان لم يخف دهشته بتقاطيع وجهه. وكان اول ما نطق به كيسنجر هو تساؤله «كيف حدث ذلك؟» وراح جور يقدم تفسيره. ولكن كيسنجر كان، الي جانب دهشته، مملوءه بالغضب، وقد توجه الي دينتز يساله: «اين ذهبت توقعاتك بالانتصار الساحق وقد عدت لتاكيدها لي قبل ساعات؟» ورد «دينتز» باسي: (لقد اختلت الامور).

ووجد «كيسنجر» نفسه الي جانب الدهشه والغيظ واقعا في حاله من الحيره سببها ان تقديراتهم العسكريه، ومن ثم تحركاتهم الدبلوماسيه، خصوصا في اتصالاتهم مع الاتحاد السوفييتي كانت قائمه علي اساس انتصار نصر اسرائيلي سريع، وساحق!

ووجه الجنرال جور بسؤال الي كيسنجر قال فيه: «هل يمكن ان تعطعينا وكاله المخابرات المركزيه والمخابرات العسكريه الامريكيه كل ما لديكم من معلومات عن اوضاع الجبهه؟ «وقام «كيسنجر» باستدعاء مساعده الجنرال «سكوكروفت» وطلب منه ان تستجيب الوكالات المختصه بالمخابرات كل الطلبات الاسرائيليه.

وكان «كيسنجر» يتابع الاتصالات التي راحت تجري في مجلس الامن بحثا عن مشروع قرار يصدره المجلس. وراي قبل ان ينام ان من المناسب له ان يقوم بعمليه تاخير والهاء للجانب المصري. وهكذا بعث عن طريق القناه الثانيه السريه برساله جديده الي السادات موجهه بالاسم الي حافظ اسماعيل، ومنشور نصها في الكتاب.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل