المحتوى الرئيسى

عين غاضبة .. وعين حانية عبد الله السناوي

10/27 11:38

لا مصر جزيره منعزله تنعم بالامن حيث تشتعل النار في محيطها ولا احوالها تدعو الي الاطمئنان حيث تتسع الثغرات داخلها.

الارهاب يعلن عن حضوره مجددا فيما يوصف بانه اخطر واسوا عمليه نوعيه في سيناء قبل وبعد (٣٠) يونيو دون ان يكون التنبه العام علي قدر الخطر ولا الاداء السياسي يساعد علي التماسك الداخلي.

سقوط اكثر من (٣٠) شهيدا في يوم واحد لضباط ومجندين في مقتبل اعمارهم هو الوجه الانساني الاكثر فجيعه وماساويه غير ان هناك وجوها اخري في تفجيرات كمين «كرم القواديس» اخطرها علي الاطلاق ان الارهاب اخذ مسارا جديدا اكثر احترافيه تخطيطا وتنفيذا.

هناك من درس الموقع علي مهل وتابع حركه القوات قبل ان يهاجمها بسياره مفخخه يقودها انتحاري احدثت تفجيراتها دويا هائلا في المنطقه لمسافه ٢٠ كيلومترا.

كانت هذه الخطوه الاولي، ورغم اعداد الضحايا الكبيره من الشهداء والمصابين فانها تدخل فيما هو معتاد من عمليات ارهابية سابقه شهدتها سيناء.

تلتها خطوه ثانيه تجسد معني ان تكون العمليه نوعيه تنذر باخطار اوسع واخطر علي سلامه البلد كله.

كانت هناك بالتوقيت نفسه مجموعه مسلحه كبيره نسبيا تطلق القذائف الصاروخيه ونيران الاسلحه الثقيله بدقه تصويب عاليه علي المدرعات التي هرعت الي المكان، وبدا المشهد كله كمينا ارهابيا لكمين عسكري.

بحسب ما هو متاح من معلومات فان المداولات العليا المعنيه بالملف مالت الي تقديرين علي درجه عاليه من الخطوره.

اولهما، ان دقه التخطيط والتنفيذ تفوق ما هو معتاد عن مستويات كفاءه الجماعات الارهابيه في سيناء بما يرجح دخول اطراف اخري علي خط العمليات تمويلا وتسليحا وتدريبا لجر مصر الي براكين النار في المنطقه.

بالنظره ذاتها فان عمليه «كرم القواديس» استهدفت في توقيتها قطع الطريق علي تعافي الاقتصاد والرد العسكري في الوقت نفسه علي ما لعبته مصر من ادوار مؤكده في دعم وتدريب الجيش الليبي واعاده تاهيله ليكون قادرا علي حسم المواجهات مع الميليشيات التكفيريه، وهو دور ساعد الي حد كبير في الاختراق الذي احرزه في معارك بني غازي.

هذا تقدير تزكيه حقائق الصراع في الاقليم لكنه يحتاج الي ما يثبته ويوثقه، وهذه مهمه ايه دوله تحترم امنها القومي وتحرص عليه.

وثانيهما، ان قوه الهجوم اختفي اثرها بعد عمليتها الارهابيه «كان الارض ابتلعتها او ابتلعتها الانفاق»، وبالنظر الي المسافه التي لا تتعدي كيلومترات محدوده للغايه بين «كرم القواديس» والحدود الدوليه عند رفح فان هناك تقديرا اخر ان تكون انفاق غزه هي ممر العبور الخاطف والاختفاء المحير، لكنه يحتاج الي تدقيق اضافي بالمعلومات عن الجهات التي عبرت وضربت قبل ان تهرب برجالها وسلاحها دون اثر.

لا اتهام معلنا لـ«حماس» بالضلوع في العمليه لكن دون استبعاد نهائي بتورطها.

مصلحه «حماس» الا تتورط في عمليات من مثل هذا النوع لكنها لا تضطلع بايه ادوار تردع جماعات التكفير المتمركزه في غزه، وهذه مسئوليه سياسيه وامنيه لا مفر من الاضطلاع بها والحساب عليها.

وفق التقديرين الخطيرين صدرت قرارات استثنائيه اهمها انشاء منطقه عازله علي الحدود في رفح واخلائها من سكانها، وهو قرار صعب لكنه حتمي، فليست هناك دوله تحتمل ان يرهن امنها لجولات ارهاب يضرب ويهرب عبر انفاق تتوالد.. غير انه قد يترتب عليه تداعيات سلبيه، فاهالي رفح مواطنون مصريون لا ارهابيون مفترضون وحقوقهم الثابته لا يصح الجور عليها تحت ايه ذريعه، ومسئوليه الرئيس قبل اي احد اخر تامين ما يحتاجونه وتوفير ما يطلبونه من متطلبات الانتقال الي حياه جديده بصوره لائقه وكريمه.

كالدواء المر فلابد مما ليس منه بد لكنه لا ينهض وحده لبناء استراتيجيه اكثر تماسكا في مكافحه الارهاب ولا يكفي ان يضاف اليه اعلان حاله الطوارئ في منطقه الشريط الحدودي الشرقي بسيناء لمده ثلاثه اشهر.

هناك حاجه ماسه لاعاده نظر اوسع لاسباب التقصير في المواجهه التي تمكن الارهاب من ان يتمركز ويتمدد ويضرب موجعا من وقت لاخر.

فلا عمليه «كرم القواديس» الاولي في الحرب مع الارهاب ولا هو اعلن عن نفسه بغته.

لا يصح ان يقال انها مفاجئه من حيث مستوي تخطيطها وتنفيذها كتبرير للتقصير، فمهمه ايه استراتيجيه مواجهه ان تتحسب للمخاطر وتستعد لها بقدر ما تستطيع لا ان تنتظر المفاجات تضربها مره بعد اخري دون ان نتعلم شيئا.

ما تحتاجه مصر الان ان تنظر رئاستها بعين غاضبه للخطر واسبابه ومكامنه وان تحزم امرها علي مواجهه لا هواده فيها وان تنظر قواها الحيه بذات العين الغاضبه انتصارا لسلامه البلد ومستقبله قبل اي شيء اخر.

تفجيرات سيناء انذار لمن لا يريد ان يسمع ونيرانها تلهب من لا يريد ان يري.

ذلك كله لا يعني ان ننظر الي الخطر بعين الغضب وحدها.

هذا لا يكفي كما انه لا يصلح، فايه استراتيجيه متماسكه لمكافحه الارهاب تتطلب ان يكون شعبها مقتنعا ومؤيدا وان تسد كل الفجوات السياسيه والاجتماعيه باقصي قدر ممكن حتي لا ينفذ من بينها.

هناك شق امني وعسكري وشق اخر سياسي واجتماعي.

بقدر الحزم في المواجهه بعين غاضبه تري الخطر بوضوح وتواجهه بلا تردد فان عينا اخري حانيه لابد ان تنظر الي شعبها، ترمم ايه شروخ حدثت وتعالج ايه مظالم اجتماعيه لا تجد من يضع حدا لها.

الرئيس يرهن مره بعد اخري حسم الحرب مع الارهاب بتماسك المجتمع وراء جيشه ودولته، وهو تقدير في موضعه، فلا امل باي حسم لحروب من مثل هذا النوع بغير ان تستنفر الهمه العامه وان يكون البلد كله يقظا لايه اخطار ومتاهبا لايه تضحيات.

لكن هذا التماسك يستدعي عينا حانيه علي شعب انهكته المظالم الاجتماعيه ولم يعد يحتمل مزيدا منها.

نهبت موارده العامه وتفشي الفساد في بنيه الدوله وتزاوجت السلطه والثروه علي مدي عقود دون ان يتبدي حتي الان ايه مواجهات محتمله في الحرب علي الفساد.. والفساد هو الوجه الاخر للارهاب، كلاهما ياكل في عافيه البلد وفرصه في المستقبل.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل