المحتوى الرئيسى

دروس وعبر من الهجرة النبوية

10/26 10:50

هاجر النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم من مكه الي المدينه قبل الف واربعمائه عامًا -تزيد قليلاً- ، حيث كان موطن الكبت والقهر والظلم والحصار الي موطن الحرية والعدالة والمساواه والعز والتمكين، وكان ذلك بصحبه الصديق رضي الله عنه، وكانت هناك الكثير من العبر والدروس المستفاده من هجرته، ومنها:

- معيه الله لاوليائه المؤمنين ونصرته لهم، ويتجلي هذا في حفظ رسول الله في الغار من ان تناله ايدي المشركين ثم نجاته من سراقه بن مالك.

- الثقه المطلقه بالله وبنصره وتاييده، ويتجلي هذا الدرس في قوله : "ما ظنك باثنين الله ثالثهما". ثم في عدم تلفته عندما لحقه سراقه، وكان الامر لا يعنيه ، ثم في اعطائه سراقه كتاب امان، وهو الذي يخرج من بلده مهاجرًا، لكنه كان يري نصر الله له ويرقبه ويتيقنه كما يتيقن الشمس في رابعه النهار.

- الاخذ بالاسباب الماديه لا ينافي التوكل، فها هو صلي الله عليه وسلم حال هجرته ياخذ شتي الوسائل الماديه المتاحه له، فيستخفي بالظهيره ثم بسواد الليل ثم بتجويف الغار، ويسلك طريقًا غير معتاده، وينطلق جهه الجنوب ومقصده الشمال، ويستعين بكافر قد امنه... لكن ذلك كله لم ينسه ان يتوكل علي ربه ويعتمد عليه.

وهذه الاسباب التي اتخذها النبي صلي الله عليه وسلم لم تكن كافيه لابعاد قريش عنه، فقد وصلت قريش الي غار ثور، لكن الله حجبه عنهم فلم يصلوا اليه بسوء.

يقول ابن حجر: "فالتّوكّل لا ينافي تعاطي الاسباب؛ لانّ التّوكّل عمل القلب وهي عمل البدن، وقد قال ابراهيم عليه السّلام: {وَلَـٰكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقره: 260]. وقال عليه الصّلاه والسّلام: "اعقلها وتوكّل".

وقال الشّيخ ابو محمّد بن ابي جمره رحمه الله: "مهما امكن المكلّف فعل شيء من الاسباب المشروعه لا يتوكّل الا بعد عملها؛ لئلاّ يخالف الحكمه, فاذا لم يقدر عليه وطّن نفسه علي الرّضا بما قدّره عليه مولاه، ولا يتكلّف من الاسباب ما لا طاقه به له".

قال ابن حجر: "الاسباب اذا لم تصادف القدر لا تجدي".

وقال بعد ان ذكر اقوال العلماء في العلاقه بين الاسباب والتوكل: "والحقّ انّ من وثق باللّه وايقن انّ قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكّله تعاطيه الاسباب اتّباعًا لسنّته وسنّه رسوله, فقد ظاهر في الحرب بين درعين, ولبس علي راسه المغفر, واقعد الرّماه علي فم الشّعب, وخندق حول المدينه, واذن في الهجره الي الحبشه والي المدينه, وهاجر هو, وتعاطي اسباب الاكل والشّرب, وادّخر لاهله قوتهم ولم ينتظر ان ينزل عليه من السّماء, وهو كان احقّ الخلق ان يحصل له ذلك, وقال الّذي ساله: اعقل ناقتي او ادعها؟ قال: (اعقلها وتوكّل)، فاشار الي انّ الاحتراز لا يدفع التّوكّل, واللّه اعلم".

- العفه والزهد فيما عند الناس رغم الحاجه اليه؛ درس اخر من دروس الهجره، حيث عرض سراقه بن مالك عليه الزاد والعون وهو احوج الناس يومذاك اليه، يقول سراقه: وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزاني ولم يسالاني الا ان قال: "اخف عنا.

وفي الصحيح عنه انه قال: "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله.

- جواز الاستعانه بالمشرك اذا امن شره ومكره؛ فقد استعان النبي بعبد الله بن اريقط فكان دليله في سفره وكان "هاديًا خرّيتًا (والخريت: الماهر بالهدايه) قد غمس حلفًا في ال العاص بن وائل السهمي، وهو علي دين كفار قريش فامناه.

- بذل الصحابه انفسهم واموالهم واهليهم فداء لنبي الله صلي الله عليه وسلم؛ فقد نام عليٌّ في فراشه ليله خروجه، وكان الصديق شريكه في اهوال رحله الهجره، فيما جهد ولداه عبد الله واسماء ومولاه عامر في خدمه النبي ، وهذا من علامات الايمان وضروراته، قال : "لا يؤمن احدكم حتي اكون احب اليه من والده وولده والناس اجمعين.

- دلائل صدق نبوه النبي صلي الله عليه وسلم، ومن ذلك ثباته في الغار، وحين دهمهم سراقه، وذلك لا يتاتي الا لمن علم ان ربه لا يسلمه الي عدوه.

ومنه ايضًا معجزاته عليه الصلاه والسلام فقد ساخت يدَا فرس سراقه لما همه بالسوء، كما حلبت شاه ام معبد وهي عجفاء لم يطرقها فحل -كما جاء في بعض الروايات- لما مسّ ضرعها.

- الاستفاده من الطاقات المختلفه، وكل حسب نوعه وسنّه، فقد كان الصديق بحكمته خير رفيق للرسول ، فيما تولي الشاب عبد الله بن ابي بكر مهمه تحسس اخبار قريش، وتولي عامر بن فهيره الخدمه، وتولت اسماء اعداد الجهاز والطعام لهذا الركب.

- استحباب الرفقه في السفر، وان يكونوا اكثر من واحد، وقد قال صلي الله عليه وسلم: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثه ركب".

قال الخطابي: "والمنفرد في السّفر ان مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه, ولا عنده من يوصي اليه في ماله ويحمل تركته الي اهله ويورد خبره اليهم, ولا معه في سفره من يعينه علي الحموله, فاذا كانوا ثلاثهً تعاونوا وتناوبوا المهنه والحراسه وصلّوا الجماعه واحرزوا الحظّ فيها.

- فضل عباده الهجره وعظم ثواب المهاجر؛ حيث قال مخاطبًا مكه: "والله انك لخير ارض الله واحب ارض الله الي الله، ولولا اني اخرجت منك ما خرجت. وفي بيان ما فيها من بلاء قال تعالي: {وَلَوْ اَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ اَنِ ٱقْتُلُواْ اَنفُسَكُمْ اَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَـٰرِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ اِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ} [النساء: 66]، فجعل ترك الديار والاوطان قرين القتل والموت.

- فضل الصديق وشده محبته للنبي صلي الله عليه وسلم؛ فقد كان له انيسًا وصاحبًا في الهجره وخادمًا، فقد كان يحرسه ويخاف عليه ويبرد له اللبن ويؤثره علي نفسه ويظله اذا قامت الشمس.

قال ابن القيم -رحمه الله تعالي-: "نطقت بفضله الايات والاخبار، واجتمع علي بيعته المهاجرون والانصار، فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار، كلما تليت فضائله علا عليهم الصغار، اتري لم يسمع الروافض الكفار: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ اِذْ هُمَا فِي الْغَارِ...}[التوبه: 40]؟!

دعا الي الاسلام فما تلعثم ولا ابي، وسار علي المحبه فما زلَّ ولا كبا، وصبر في مدته من مدي العدي علي وقع الشبا، واكثر في الانفاق فما قلل حتي تخلل بالعبا.

تالله لقد زاد علي السبك في كل دينار دينار، {ثَانِيَ اثْنَيْنِ اِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}[التوبه: 40].

من كان قرين النبي في شبابه؟! من ذا الذي سبق الي الايمان من اصحابه؟! من الذي افتي بحضرته سريعًا في جوابه؟! من اول من صلي معه؟! من اخر من صلي به؟! من الذي ضاجعه بعد الموت في ترابه؟! فاعرفوا حق الجار.

نهض يوم الرده بفهم واستيقاظ، وابان من نص الكتاب معني دق عن حديد الالحاظ، فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ، حسره الرافضي ان يفر من مجلس ذكره، ولكن اين الفرار؟!.

كم وقي الرسول بالمال والنفس! وكان اخص به في حياته وهو ضجيعه في الرمس، فضائله جليه وهي خليه عن اللبس، يا عجبًا! من يغطي عين ضوء الشمس في نصف النهار، لقد دخلا غارًا لا يسكنه لابث، فاستوحش الصديق من خوف الحوادث، فقال الرسول: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما". فنزلت السكينه فارتفع خوف الحادث، فزال القلق وطاب عيش الماكث، فقام مؤذن النصر ينادي علي رءوس منائر الامصار {ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ اِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ}.

حبه -والله- راس الحنيفيه، وبغضه يدل علي خبث الطويه، فهو خير الصحابه والقرابه والحجه علي ذلك قويه، لولا صحه امامته ما قيل: ابن الحنفيه، مهلاً مهلاً، فان دم الروافض قد فار.

والله ما احببناه لهوانا، ولا نعتقد في غيره هوانًا، ولكن اخذنا بقول عليٍّ وكفانا: (رضيك رسول الله لديننا، افلا نرضاك لدنيانا؟!).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل