المحتوى الرئيسى

شفيق ناظم الغبرا يكتب : بين العنف والتغيير السلمي في العالم العربي!

10/23 14:44

ما بدا مع ثورات الربيع العربي فتح طريقاً في منطقتنا لا عوده عنه، فبلادنا العربيه هي اخر واحات اللاديموقراطيه المقرونه بغياب التنميه وتنوع الفساد في العالم وهي اليوم في عين واحده من اعتي عواصف التغير والانتقال في الكوكب.

من هنا، فان ما يقع في الكثير من الدول العربية مرتبط بطبيعه التحولات من حالة سياسية تسودها الهرميه والمركزيه الاحاديه والفشل الاداري والتنموي الي حاله منقسمه علي كل شيء قبل ان تصل الي صيغه جديده فيها تمثيل افضل وصيغ ديموقراطيه. ففي العقود السابقه لم نطور انظمتنا ومؤسساتنا لتزهر حقوقاً متساويه ومواطنه متزنه وتعايشاً صادقاً بين مكونات مختلفه، كما لم نحقق انجازات تنمويه تعود بالمعني علي الطبقات الشعبيه، بل تلاعبت الدوله الامنيه المسيطره علي المجتمع بالنسيج الاجتماعي والحقوقي العربي وذلك للتعويض عن شرعيه غير مستمده من قاعده انتخابيه حره. ما نمر به منذ عام٢٠١١ عمليه معقده وشاقه ومتعرجه وطويله (سنوات وتتجاوز العقد) ولكنها في اسوا حالاتها لن تعيد العرب الي كنف ما كان قبل الثورات، وما عوده مظاهر التسلط وخنق المجتمع المدني وملاحقه الحقوقيين، حيث تعثر التحول الديموقراطي والاصلاح السياسي، الا شكل مرحلي لحاله سياسيه ميزتها الاهم المفاجات والتحولات.

ان اكبر قوه اجتماعيه محركه للوضع العربي منذ الربيع العربي هي كتله الشباب الضخمه. لحسن حظ او سوء حظ العرب، هذا الجيل هو اكثر الاجيال عدداً في التاريخ العربي، وهو لهذا يجلس علي برميل من البارود، فلا احتياجاته في معظم الحالات مؤمنه ولا مستقبله الشخصي والمهني واضح، ولا احلامه قابله للتحقيق في ظل سواد الفساد وضعف المؤسسات وشخصنه القرارات، ولا يشعر بالتمكين الا ذلك التمكين الذي يستمده من الساحات العامه والمواجهات المسلحه. انه جيل يقف في مجري تاريخي اجباري في ظل تنامي الاسئله الصعبه وانسداد السبل والشعور بالتميز والعنصريه.

ان المواطن العربي الشاب بخاصه من ابناء وبنات الطبقات الوسطي بدا رحله التغيير الاهم منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، وذلك حين اكتشف كيف يختلف العالم المحيط عنه بسبب وسائط التحول الاجتماعي، وتعرف علي قصص عن الفساد لم يتوقع انها موجوده في وطنه وقصص اخري عن البطش والسجون، وثالثه عن التاكل الوطني وفشل الدوله في ابسط مشاريعها. بدا هذا الجيل يعي ان الخطاب الذي قدم له في المدرسه والشارع والاعلام لا يتناسب وواقعه واحتياجاته وحاله بحثه عن مستقبله. في كل شيء، عاش جيل الالفيه الجديده قلق الصدمه، وهو ما دفع بعض افراده الي التمرد عام ٢٠١١.

في بدايه الربيع العربي، وعلي رغم ان محمد بوعزيزي في تونس لم يكن ينتمي الي الطبقه الوسطي، الا ان حركه الثورات العربية في تلك السنه وقعت تحت تاثير مناخ وقيادات شبابيه تنتمي الي الطبقه الوسطي. مع الثورات العربيه وقع تفاؤل كبير بالمستقبل العربي، وبامكانيه ان يعم الاصلاح وان يتم التعلم من دروس المرحله في كل الأقطار العربية، ثم جاء الصراع السياسي الذي تلي الثورات بهدف ملء الفراغ ثم القمع بعد ذلك (الثوره المضاده) ليخلق حاله من الاحباط شملت معظم الجيل الشاب، لكن الاهم ان حاله التسيس والتغير والاحباط العام بدات تنتقل الي طبقات اكثر شعبيه بما يتجاوز الطبقه الوسطي ووسطيتها.

ان الجيل الشاب المتاثر برد الدولة العميقة في ظل عوده المنظومات الامنيه للعمل بكامل قوتها لا يزال يحمل في نفسه قوه مستمده من فعل الثوره والتغير في عام ٢٠١١، لكن انتقال قوه الجيل الي قوي اجتماعيه شبابيه تنتمي الي طبقات وفئات اكثر شعبيه وفقراً وحرماناً بالاضافه الي تحول الكثير من الناشطين الي فكر اكثر ثوريه واقل اصلاحيه سيقدم لفكر الثوره والتغيير وقوداً جديداً في المرحله المقبله. هناك انتشار يزداد قوه في تقبل مدرسه التغيير الجذري الشامل نسبه الي الشرائح الشابه التي حركت الربيع العربي عام ٢٠١١. لهذا يمكن تصنيف الجيل العربي الراهن بانه جيل الصراع الاكبر في التاريخ العربي الحديث، وهو في طريقه الي ضخ مزيد من الوقود في الصراع مع السلطات العربيه. بمعني اخر: نحن في الطريق الي صراع سياسي واجتماعي اكثر انتشاراً وعمقاً في الساحه العربيه، وذلك في ظل تحولات فكريه وتسيس شرائح شبابيه جديده.

من مصر والعراق وسوريه وليبيا واليمن ودول ومجتمعات عربيه اخري يزداد هذا الجيل انتشاراً واحتقاناً وغضباً. انه في معركه علي جبهات عده، لهذا يبدو الجيل في احد الابعاد كجيل مغامر لا علاقه له بالحسابات والخسائر، وفي حالات يبدو مدنياً وفي حالات يبدو متطرفاً يدمر كل ما يقع في طريقه. انه جيل مختلف سيبقي علي الاغلب في جبهاته المختلفه الي ان يجد ضالته ومرويته وطريقه وحلوله. في مناطق مثل سوريه والعراق نجد الجيل متطرفاً «داعشياً» وفي مناطق اخري نجده ثورياً وفي حالات يتحول اصلاحياً سلمياً، وفي حالات اخري نجده حوثياً او اسلامياً او جهادياً. هذا الجيل يعيش في جبهات متناقضه ومتصارعه حول الفكر والسياسه، لكنه من مواقع مختلفه يساهم في تدمير النظام العربي الذي لا يستطيع تغييره بواسطه قواعد لعبه انتخابيه ديموقراطيه متفق عليها. ان الحاله القتاليه العابره للحدود ستزداد انتشاراً، فمن ينظر الي المشهد العربي ثم يدقق في حاله العنف التي تمارس ضد مجتمعات وضد ناشطين يعي كيف يؤدي عنف الدوله المستمر الي تاسيس النقيض في اطار عمليه تاريخيه تزداد تعقداً ونمواً.

والاوضح، بعد مرور اكثر من ٣ سنوات علي تفجر الثورات العربيه ان هذا الجيل الذي بدا سلمياً مطالباً بالحد الادني وبفرصه التعبير والتغيير السلمي والاصلاحات المعتدله والتعايش بين المتناقضات وانتصر لفكر الساحات العامه والثورات غير العنيفه في مواجهه فكر «القاعده» والعنف المفتوح كما حصل في بدايه ثوره مصر وتونس وسوريه وليبيا وحراك البحرين والمغرب وغيره بدا يدخل في مرحله جديده من الصراع الطويل. لقد اعاد قمع الثورات الصراع الي اساسياته وصب في جانب منه لمصلحه الجهاديه الاسلاميه والتطرف بكل تعبيراته وانواعه، لكنه صب في الوقت نفسه لمصلحه فكره الثوره العنيفه والراديكاليه بينما يتراجع دور الحقوقيين والناشطين السلميين. الدول العربيه تحارب الناشطين بقوه وتمنع التعبيرات السلميه، لكنها من دون درايه منها تساهم بحاله قادمه اكثر تطرفاً وعنفاً. لا يزال التنافس بين مدرسه العنف ومدرسه التغيير السلمي مفتوحاً علي مصراعيه في العالم العربي. وحتي الان لا توجد بدائل. ربما يبرز البديل خلال العمليه التاريخيه المعقده التي نتعايش معها ونتاثر بها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل