المحتوى الرئيسى

المتاحف الفنية المصرية: بعيدة عن العين، بعيدة عن القلب | مدى مصر

10/22 14:01

في شارع محمود باشا سعيد المزدحم بالمحال التجاريه، بمنطقه جناكليس بالاسكندريه، يختبئ قصر حجري مبني علي الطراز الايطالي يضم بعضًا من اثمن الكنوز في مصر. لا يحتوي هذا المبني علي تماثيل فرعونيه او مومياوات، لكنه يحتوي علي مجموعه تملكها الدوله لثلاثه من اهم فناني القرن العشرين.

ينقسم هذا القصر المعروف باسم مجمع متاحف محمود سعيد الي ثلاثه طوابق؛ يستخدم الطابق الارضي كمكان للتخزين، ويضم الطابق المتوسط مجموعه من اعمال الرسام المعروف محمود سعيد (1897-1964)، بينما يحتوي الطابق العلوي علي مجموعه من اعمال الاخوين سيف وأدهم وانلي. ولقد سنحت لي فرصه لا تتكرر كثيرًا لمشاهده هذه المجموعه الرائعه في بدايه العام الجاري، بالاضافه الي زياره عدد من المتاحف الاخري المقفله. واقول انها فرصه لا تتكرر كثيرًا لان المتحف مغلق امام الجمهور منذ عده سنوات.

من بين الاعمال المعروضه في متحف محمود سعيد جداريه ضخمه حجمها 2.7 x 4 امتار بعنوان "افتتاح قناه السويس" (1947). قد تصل قيمه هذا العمل الي عده ملايين دولار امريكي، حيث تم بيع لوحه محمود سعيد "الشادوف" (1934) الاصغر حجمًا (89 x 117 سم) بـ 2.4 مليون دولار في مزاد كريستي بدبي في عام 2010 ـ وكان هذا العمل يعد اغلي الاعمال الفنيه العربيه الي ان كسرت الرسامه التركيه الاردنيه فخر النساء زيد هذا الرقم بعملها الذي تم بيعه بـ 2.7 مليون دولار عام 2013.

[افتتاح قناه السويس، محمود سعيد (1934)، متحف محمود سعيد]

كان العاملون في متحف محمود سعيد متعاونين ومفعمين بالحماس، وقد انتهزوا الفرصه لارشادي كزائر بين هذه الاعمال الفنيه الرائعه. ومع ذلك فان الحاله التي تم تخزين تلك الاعمال عليها لم تكن كما ينبغي. في احد المتاحف التي زرتها في القاهره والاسكندريه، تم تخزين لوحات يبلغ عمرها مئه عام بشكل غير لائق علي الاطلاق، حيث لا تستند الاُطُر الخشبيه الثقيله الي بعضها بل الي اللوحات نفسها، مما يترك اثرًا علي اللوحه. وفي متحفٍ اخر كانت وحده التكييف التي تقطر ماءً تنفخ الهواء علي خلفيه اللوحه بشكل مباشر، مما جعلها تتارجح. لم يكن في اي من تلك المتاحف كاميرات مراقبه، وكان العديد من الاعمال الفنيه مكشوفًا لعوامل التعريه.

ان قصر محمود سعيد ليس المتحف الفني الوحيد الذي تم اغلاقه. فهناك متحف اخر يضم مجموعه من اعمال النحات المشهور محمود مختار قد تم اغلاقه عده مرات علي مدار العقدين الماضيين لسنوات طويله، الي ان تمت اعاده افتتاحه في عام 2012. كما ان متحف الفن المصري الحديث مغلق هو الاخر منذ عام 2011، رغم تواجد العاملين به يوميًا. ولقد قام المسؤولون المصريون في يوم الاثنين 29 سبتمبر الماضي بافتتاح جزئي للمتحف، الذي يضم 12,000 عمل فني.

[البورصه، مارجرت نخله (1945)، متحف الفن المصري الحديث]

قام النحات والرسام المصري ادم حنين، من مواليد 1929، بافتتاح متحفه الخاص في شهر يناير 2014 بمنطقه الحرانيه بالقاهره. انشا حنين هذا المتحف من ارباح مبيعات اعماله بدافع حبه للفن، ليسمح للزائرين بمشاهده منحوتات ولوحات واحد من اشهر الفنانين بالشرق الاوسط.

وفي شهر اغسطس 2010 تلقي المجتمع الفني في مصر صدمه بعد خبر سرقه تحفه فان جوخ الفنيه "زهره الخشخاش" من متحف محمود خليل بالجيزه. كانت تلك اللوحه تقدر بخمسين مليون دولار، ولم تنجح محاوله استعادتها كما لم تتم محاسبه اي من المسؤولين. ولقد ترتب علي حادث السرقه المشؤوم هذا اغلاق متحف محمود خليل امام الجمهور، والذي يضم لوحات ومنحوتات لكبار فناني المدرسه الانطباعيه مثل مونييه، ورنوار، ورودان، وجوجان. ولكي نكون منصفين، فان سرقه الاعمال الفنيه تحتل المركز الرابع في الاعمال الاجراميه المنظمه؛ فهي صناعه عالميه تقدر قيمتها بسته مليارات دولار سنويًا، ويشتغل بها لصوص محترفون يعملون في الخفاء.

ولطالما كان بعض من اهم المتاحف علي مستوي العالم مستهدفًا بغرض سرقه الاعمال الفنيه، بما في ذلك متحف اللوفر في باريس ومتحف فنسنت فان جوخ في امستردام. وفي حاله مشابهه لسرقه متحف محمود خليل، تعرض متحف ايزابلا جاردنر في بوسطن الي عمليه سرقه محكمه في عام 1990، حيث تم الاستيلاء علي 13 عملًا فنيًا، من بينها اعمال مهمه لرمبرانت وفيرمير. لكن علي عكس ما حدث في متحف محمود خليل، تمت اعاده فتح متحف جاردنر بعد وقت قصير، وتخصيص جائزه ماليه قدرها خمسه ملايين دولار لمن يقدم معلومات تساعد في استرجاع الاعمال المسروقه.

ان المتحف المغلق تنقطع روابطه بالمجتمع. فالاطفال حين يكبرون دون زياره المتاحف لا يعباون بما فيها. كما ان الاساتذه والطلاب والفنانين الصاعدين لا تكون لديهم فرصه الاطلاع علي تلك الاعمال. وكلما طالت فتره اغلاق تلك الاماكن كلما قل الاهتمام باعاده فتحها. بالاضافه الي ذلك، لم يعد هناك فحص للحاله التي يتم تخزين تلك الاعمال عليها. ان المتاحف المصريه من شانها ان تساهم في مجال السياحه الحيوي، حيث تعد مصدر جذب للسياح يشجعهم علي قضاء وقت اطول بالبلد.

وفي نهايه الامر لا تعد اعاده فتح المتاحف غايه في حد ذاتها. بل ينبغي لهذه المتاحف تجنب اخطاء الماضي باستخدام كاميرات مراقبه حديثه، ومرشدين محترفين، وانشاء مواقع الكترونيه لها، والتحسين من مستوي الاضاءه وتصنيف الاعمال والقائمين عليها، وتقديم كتب وفهارس عنها، واستضافه المعارض لجذب الزوار بشكل مضطرد.

ان قيام الحكومه باعاده فتح متحف الفن المصري الحديث خطوه هامه علي هذا الطريق. لكن يجب ان يكون هناك الان جهد جمعي من المصريين لزياره تلك الكنوز والتعلم منها والترويج لها لدي اصدقائهم واسرهم ومتابعيهم علي مواقع التواصل الاجتماعي.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل