المحتوى الرئيسى

ما وراء تنحية الخلافات فهمي هويدي

10/20 09:56

اذا صح ان الرئيسين المصري والسوداني اتفقا علي تطوير العمل المشترك وعلي تنحيه الجوانب الخلافيه، فستكون هذه «بشره خير». وارجو ان تلاحظ انني قلت «اذا صح» لان العنوان الرئيسي لجريده الاهرام اخبرنا بذلك، في حين ان الاعلام المصري ظل يتحدث بلغه اخري طوال الاسابيع الماضيه، فيها من الاشتباك والتصعيد والتقاطع باكثر مما فيها من محاوله التفاهم والتواصل. وكان ذلك علي اثر العوده الي التجاذب بشان مثلث حلايب وشلاتين الحدودي، الذي اعلن الرئيس عمر البشير انه جزء من السودان وخاضع لسيادته، في حين ان مصر اعلنت ان لديها ما يثبت حقها في تلك المنطقه. وازاء ذلك قام الاعلام المصري بدوره التقليدي، الذي لم يكتف بتاييد وجهه النظر الرسميه وانما وجه سهام التنديد والتجريح للطرف الاخر، الامر الذي اعطي انطباعا بان البلدين بصدد الدخول في صراع مسلح تتقطع به الوشائج وتسيل فيه الدماء.

في هذه الاجواء تمت زياره الرئيس عمر البشير، وجاء العنوان الرئيسي لجريده الاهرام رصينا وحذرا. ولافتا الانتباه الي مباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسي ركزت علي العمل المشترك، وقامت بتنحيه الجوانب الخلافيه، وقد اعتبرت ذلك بشره خير لان هذا النهج يعبر عن درجه من الرشد والوعي جديره بالحفاوه والتقدير. ليس فقط لانه يعلي من شان المصالح العليا. وليس فقط لان التفاهم حول العمل المشترك من شانه ان يخفف من وطاه اي توتر فضلا عن انه يفتح الباب لتذويب الخلافات وحل عقدها، ولكن ايضا لان الطرف الاخر في المحادثات لم يكن بلدا عاديا، ولكنه السودان الذي هو بامر الجغرافيا اقرب الاشقاء الي مصر، الامر الذي هيا مناخا مواتيا لنسج تاريخ عريض مشترك بين البلدين والشعبين. وما يقال عن السودان ينسحب بذات القدر علي ليبيا الشقيق الاخر القابع في الغرب. وقد كنت احد الذين انحازوا الي ضروره الحفاظ علي علاقات تفاهم وموده مع البلدين الجارين في ظل كل الظروف. ليس فقط وفاء بحق الجغرافيا والتاريخ، ولكن ايضا لاسباب استراتيجيه وثيقه الصله بالمصالح المشتركه وامن مصر القومي.

ما همني في الموضوع هو تصويب النظر نحو المصالح العليا وتجنب الانزلاق في متاهات المشكلات الفرعيه، التي تفسد العلاقات وتستهلك الطاقات وتصرف الانتباه عن المصالح الاستراتيجيه. وذلك لا يعني التنازل عن الحق، وانما يعني تجنب التنازع والحذر في اداره الخلاف، مع اعطائه حجمه الطبيعي وتحديد ترتيبه في قائمه اولويه العلاقات. وذلك كله لا يتحقق الا في ظل وضوح الرؤيه الاستراتيجيه، مع تجنب البعد عن الاستسلام للانفعال او حملات الاثاره الاعلاميه. خصوصا بعدما قويت شوكه الاعلام واصبح سلاحا في الحروب السياسيه البارده.

المفارقه تبدو مثيره للانتباه. ذلك ان موضوع النزاع حول حلايب ظل محلا للتجاذب بين القاهره والخرطوم خلال الاسبوعين الاخيرين بوجه اخص، ثم حين جاء الرئيس البشير الي القاهره اعلن انه تمت تنحيه المسائل الخلافيه في المباحثات التي جرت بينه وبين الرئيس السيسي. وهي التي لا تقتصر علي موضوع حلايب لان ثمه لغطا حول موقف السودان من قضيه سد النهضه الاثيوبي. اضافه الي ان هناك تفصيلات كثيره تتعلق بالتزام مصر باتفاقيه الحقوق الاربعه مع السودان وبالتجاره البينيه والمعابر الحدوديه بين البلدين.

ولان قائمه العناوين طويله فانني ارجح ان الملفات المتعلقه بالعلاقات الثنائيه التي قد تركت لمباحثات الوزراء المختصين علي الجانبين. اما اجتماع الرئيسين فانه عقد لمناقشه القضايا الاقليميه وليس العلاقات الثنائيه. وقد المح الي ذلك المتحدث الرسمي لرئاسه الجمهوريه الذي نقلت عنه الاهرام امس قوله ان «الملف الليبي حاز اهتماما خاصا في مباحثات الرئيسين»، مشيرا الي اهميه دعم المؤسسات الشرعيه الليبيه وفي مقدمتها الجيش الوطني، الامر الذي يعد خطوه باتجاه الاحتشاد الاقليمي لمسانده احد طرفي الصراع في ليبيا، في مواجهه التحرك الذي تقوده الجزائر لاقامه حوار بين مختلف الاطراف.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل