المحتوى الرئيسى

ماذا قال (جان تيرول) كي يحصل على نوبل للاقتصاد 2014؟ | مدى مصر

10/19 11:15

تؤكد النظريه الاقتصاديه التقليديه علي تفوق نظام السوق الحر (السوق التي لا تتدخل الدوله او اي يد خارجيه لضبطها) علي باقي الانظمه الاقتصاديه، وهذا الدعم الذي يتلقاه نظام السوق الحر من هذه التنظيرات الاقتصاديه يستند علي مجموعه افتراضات تبدو منطقيه كالبديهيات، احد هذه الافتراضات هو ان المنافسه بين المنتجين تضمن ان يحصل المستهلك في السوق الحر علي السلع باعلي جوده واقل سعر. وكبديهيه، يبدو ان كثره محلات البقاله في شارع ما سيؤدي الي تنافسها في جذب الزبائن، وهذا التنافس سيُترجم لحرص كل محل علي تقديم افضل انواع الجبن باقل سعر ممكن، وهكذا لا يحتاج السوق الحر الي تدخل الدوله او اي احد لدفع المنتجين لتحسين اساليب انتاجهم حتي يستطيعوا تقديم منتجاتهم باقل سعر واعلي جوده ممكنه.

يقف جان تيرول، الفرنسي صاحب نوبل للاقتصاد 2014، مع عدد ليس قليل من الاقتصاديين الذين يرون الطرح السابق مجرد تلفيق نظري وليس بديهيه.

تبلورت نظريه الالعاب قبل ميلاد تيرول بـ 10 سنوات علي يد عالم الرياضيات المجري فون نيومان 1944، وهي نظريه مفادها ان الاطراف الاقتصاديه كالمؤسسات الانتاجيه في احيانٍ كثيره تتخذ قراراتها وفقا لتوقعاتها عن قررات المؤسسات المنافسه.. كلاعب البوكر الذي يُقيّم قوه اوراقه بناءً علي توقعه لقوه الاوراق في يد اللاعب الاخر، وسلوك اللاعبين هذا لا يجعل من المنافسه الاقتصاديه ضمانه كافيه للوصول لافضل نتيجه ممكنه. يمكن شرح الامر بالمثال الابرز في نظريه الالعاب وهو معضله السجين.

تخيل انه تم القبض علي شخصين واتهامهما بجريمه ما (وبغض النظر عن ارتكابهم الجريمه من عدمه). هذان الشخصان يواجهان مجموعه من الاختيارات ستحدد العقوبه التي ستقع عليهما، وهذان الشخصان المربوط مصير كل منهما باختيار الاخر لا توجد لدي كليهما فرصه للاتصال بالاخر لمعرفه اختياره.. والاختيارات هي:

 1- لو انكر الشخصان (انكار/ انكار): سيحصلان علي البراءه.

2- لو اعترف الشخصان (اعتراف/ اعتراف): سيحصل كل منهما علا 5 سنوات سجن.

3- لو انكر احدهما واعترف الاخر(انكار/ اعتراف): الذي انكر سيحصل علي عقوبه مشدده 15 سنه سجن والمعترف سيحصل علي سنتين فقط.

الاختيار وفقًا للمنطق الاقتصادي والطبيعي هو ان ينكر الاثنان ويحصلان علي البراءه، ولكن الاحصاءات التي اجريت علي اللاعبين في هذه اللعبه وعلي مواقف مشابهه في المجال الاقتصادي تفيد ان الشخصين غالبا ما يختارن الاعتراف، وهذا ما تفسره نظريه الالعاب بان كلا الطرفين ياخذ قرراه بناءً علي تصوره عن قرار الاخر. ولفهم سلوك اللاعبين هذا دعنا نفكر بطريقه واحد منهما ما دامت اختيارات الاثنين متماثله.

اسوا ما قد يجلبه الاعتراف لي هو 5 سنوات سجن، وذلك اذا اعترف الاخر، ويمكن ان يجلب الاعتراف لي سنتان فقط اذا انكر الاخر، اما الانكار فيمكن ان يلقي بي 15 عاما في السجن اذا اعترف الاخر.. وهكذا لا يفكر الطرفان ان الانكار يمكن ان يجلب البراءه اذا اتفقا عليه. فمعظم اللاعبين يختار الاختيار الامن (اعتراف / اعتراف) وفقا لعدم تاكده من دعم اختيار الاخر لاختياره، فيختفي الاختيار الامثل غالبا.. هكذا تُكبَل الطاقات الانتاجيه للمؤسسات الاقتصاديه، لانها لا تاخذ قراراتها بهدف الوصول لافضل نتيجه ممكنه (انكار/ انكار) ولكنها تاخذ القرارات (اعتراف/ اعتراف) والتي لا تضعها في مازق اذا قرر اللاعب الاخر اخذ القرار العكسي. ومعضله السجين ليست هي النوع الوحيد من الالعاب التي يمكن ان تعْلق به المؤسسات الانتاجيه والتي تمنع ـ اي الالعاب ـ المنافسه من مزاوله التاثير الايجابي علي نشاط ونتائج تلك المؤسسات.

جان تيرول ونظريه الالعاب :

(تيرول) يثبت فشل السوق الحر رياضيا، او فشل المنافسه في دفع المنتجين الي تقديم منتجاتهم باقل الاسعار واعلي جوده كما تدعي التنظيرات الاقتصاديه الكلاسيكيه والنيوكلاسيكيه.. ولكن ليس هذا هو الاسهام الذي استحق (تيرول) نوبل عليه.

فنظريه الالعاب التي تطور نماذج رياضيه تثبت انحراف سلوك المؤسسات الانتاجيه عن السلوك الامثل او الكفء تم بلورتها قبل ميلاد (تيرول) علي يد (فون نيومان) عام 1944، وقد نال جائزه نوبل عن تطوير النظريه نفسها عالم الرياضيات (جون ناش) الذي جسد قصه حياته الممثل (راسل كرو) في فيلم beautiful mind، حتي ان البنتاجون اسس في اعقاب الحرب العالميه الثانيه شركه تسمي rand وظيفتها القيام بابحاث علميه "لزياده رفاهه الشعب الامريكي وامن الولايات المتحده" وقد ضمت الشركه الي جانب (نيومان) و(ناش) مجموعه من المع علماء الرياضيات مثل (ميرل فلود) و(ملفين دريشر) الذين انصب جهدهم في ذلك الوقت علي تطوير نظريه الالعاب واستخدامها في تطبيقات اقتصاديه وعسكريه.. فما الجديد الذي يمكن ان يقدمه (تيرول) في وسط هذا الاهتمام القديم والمكثف بهذه النظريه؟

يري (تيرول) ان الشركات الاكثر تاثيرا علي رفاهتنا وحياتنا بشكل عام هي شركات احتكاريه، او بتعبير ادق اقتصاديا شركات تعمل في سوق احتكار القِله (سوق مقسمه علي عدد قليل من الشركات الكبيره) مثل شركات تكنولوجيا المعلومات وشركات الطاقه، وفي الحاله المصريه مثل شركات اتصالات المحمول الثلاث، وفي هذا النوع من الاسواق ـ سوق احتكار القِله ـ يظهر بشكل حتمي سلوك اللاعبين السابق ذكره في معضله السجين.. وهذا يعني من ناحيه ان هذه الشركات يصعب ان تستخدم طاقاتها الانتاجيه باقصي حد، مما يقلل من جوده المنتج، لانهم غالبًا لن يختاروا (انكار/ انكار) بل سيختاروا (اعتراف/ اعتراف)، ومن ناحيه اخري تستطيع هذه الشركات ابقاء اسعار منتجاتها عاليه بشكل مصطنع، لان المنافسه بينهم تاخذ اشكالا منحرفه عن التصور الاقتصادي النظري، فلا تضغط المنافسه علي الاسعار للهبوط.. ومن هنا تاتي ضروره التنظيم او التدخل الحكومي كما يراه تيرول.

ظلت نظريه الالعاب يغلب عليها الطابع التفسيري قبل تيرول.. اي ان معظم تطبيقاتها كانت لتفسير الانحرافات السلوكيه للمؤسسات الانتاجيه التي علقت في اللعبه او حتي للتنبؤ بسلوكيات المؤسسات الانتاجيه او الاطراف العسكريه العالقه في اللعبه.. في حين ينصب جهد (تيرول) الاساسي علي استنباط اللوائح والتنظيمات اللازمه لاخراج المؤسسات الانتاجيه من العابها الاحتكاريه.. فهو يحاول ان يقرب نظريه الالعاب ذات الطابع التفسيري الي شيئ اكثر تطبيقيه يمكن ان يعطي اشارت بالوقت الذي يجب ان تتدخل فيه الحكومه لضبط السوق واللوائح اللازمه لضبط سلوك المؤسسات الانتاجيه غير التنافسي او الاحتكاري.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل