المحتوى الرئيسى

سقوط صنعاء

10/19 01:03

عند سقوط مدينه عمران في ايدي الحوثيين وسيطرتهم عليها في 7 يوليو (تموز) 2014 كانت التوقعات بان المحطه القادمه ستكون صنعاء، فعمران هي البوابه التاريخيه لماسي وكوارث صنعاء ولتغيير الاوضاع السياسيه فيها.

فعندما كانت تستنفر القبائل ضد امام قائم لصالح امام يدّعي الحق في الولايه، كانت البوابتان؛ الشماليه والشرقيه (عمران والجوف)، هما المدخل للسيطره علي صنعاء، فمنها كان دخول مؤسس زيديه اليمن الامام يحيى بن الحسين (288هـ - 901م) لقتال اليعفريين في صنعاء، ومنها كانت الثوره علي الامام المجتهد محمد بن إسماعيل الامير (الصنعاني) بتحريض من فقهاء (حوث وبرط) في زمن الامام المهدى عباس (1166هـ - 1752م) بحجه خروجه علي المذهب الزيدي، كما كانت عوده الامام أحمد يحيى حميد الدين الي الحكم في صنعاء ثارا لوالده بعد ثوره 48 من بوابه عمران ايضا.

لم يكن سقوط صنعاء في ايدي الحركه الحوثيه والمتحالفين معها مفاجئا بقدر ما كان مذهلا، ذلك لان الاحتشاد في الساحات واقامه المخيمات القبليه المسلحه علي مداخل العاصمه في حصار محكم علي المدينه منذ 18 اغسطس (اب) 2014 حتي سقوطها، كان مؤشرا واضحا علي نيه الحوثيين لاقتحامها والدخول في مواجهه وحرب شوارع مع الجيش، وما سمي بـ(لجان الدفاع الشعبيه) التي شكلها حزب الاصلاح بدعم وايعاز من الرئيس هادي نفسه.

لكن المذهل في سقوط صنعاء ان الاحداث فيها كانت متسارعه وبصوره غير متوقعه، ولم تاخذ وقتا طويلا كما حدث في عمران التي استمرت المواجهات فيها اكثر من شهرين، فالحوثيون الذين سيطروا علي منطقه شملان - شمال صنعاء - بعد مواجهات مسلحه اسفرت عن سقوط اكثر من 272 قتيلا واكثر من 680 جريحا، لم يتوقفوا، بل كان ذلك مدخلا لمواصله هجماتهم باتجاهات مختلفه.

وكان مبني التلفزيون الرسمي هو الهدف التالي، الذي كان لاستهدافه عند الحوثيين رمزيه سياسيه خاصه؛ حيث كان اسقاطه والسيطره عليه يعني سقوط الدوله في ايديهم، وهو ما حدث فعلا، فقد تمكنوا من اقتحامه والسيطره عليه في 20 سبتمبر (ايلول) 2014 بعد مواجهات دامت 3 ايام مع اللواء الرابع المرابط هناك، الذي اتهم بعض قادته وافراده وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، المقرب من رئيس الجمهوريه، «بخيانتهم وخذلانهم، ومنع الامدادات عنهم، وتوجيههم بالاستسلام للحوثيين ما لم يجر ضربهم بالطيران».

وهذا الموقف الذي اتخذه وزير الدفاع كان لا يمكن ان يحدث الا بمعرفه وتوجيهات الرئيس، ثم انه موقف ليس غريبا عليه، فقد سبقت له مواقف مماثله اثناء مواجهات الحوثيين في عمران والجوف، وهو بالتالي ما يؤكد وجود تحالفات بين قوي وقيادات سياسيه وعسكريه كانت وراء الانهيار المريع لمعنويات ضباط وافراد الجيش والامن في المواقع والمؤسسات العسكريه المرابطه في صنعاء. فبعد السيطره علي مبني التلفزيون الرسمي، توجه الحوثيون ومناصروهم لاقتحام المنطقه السادسه (مقر الفرقه الاولي مدرع - سابقا) التي وجهت مقاتليها بالانسحاب وعدم المواجهه، فاقتحمت الفرقه وسقطت بالتالي صنعاء نهار 21 سبتمبر 2014م، في لحظات خاطفه، وبطريقه لم يكن يتوقعها احد.. وكانت مفاجئه للمراقبين وللقوي الاقليميه والدوليه كما كانت مفاجئه ايضا للحوثيين انفسهم.

ولعل ما جنب صنعاء الغرق في المواجهات والاقتتال والدماء هو انسحاب قوات الفرقه من المواجهه، وتوجيهات قياده الاصلاح (الاخوان) لما سمي بـ«لجان الدفاع الشعبيه» وكوادرها الحزبيه بعدم المواجهه ايضا؛ حيث ينسب للواء علي محسن الاحمر، مستشار الرئيس لشؤون الدفاع والامن، ضمن تصريحات اعلاميه، في الثالث من سقوط صنعاء، قوله: «اننا قررنا بعد التشاور مع فخامه الاخ الرئيس عبد ربه منصور هادي، ان نتجنب الحرب الاهليه باي ثمن.. وانسحبنا لكي لا نحرق ما تبقي من الوطن».

وكما شهدت بعض المعسكرات والمؤسسات اعمال نهب وسلب للذخائر والاسلحه والمعدات، شهدت ايضا احياء وشوارع وبيوت صنعاء (المحميه) - كما كان يصفها الاجداد - هلعا وذعرا لم تشهده من قبل، رغم ان معظمها لم تحدث فيها اي مواجهات، ولم تشعر حتي باطلاق نار في محيطها.. لكن اخبار العنف والقتل والاقتحامات في احياء «شملان، والنهضه، والتلفزيون، والفرقه، والاذاعه الجديده» كانت قد سبقت الي كل ارجاء صنعاء؛ حيث بعض السكان صاروا بفعلها يهرعون في الشوارع بحثا عن وسيله للهرب والنزوح الي مناطق امنه ومستقره.

ومن هنا كانت سيطره الحوثيين علي صنعاء بكامل مؤسساتها ومعسكراتها تعني السيطره علي المدن الرئيسه والمحافظات، فقد اصبحت «اللجان الشعبيه الحوثيه» هي التي تتحكم في حركه السير والمرور، ليس فقط في صنعاء، وانما في اغلب اجزاء الوطن التي يتواجدون فيها؛ حيث تغيب الدوله واجهزتها، كما غابت في صنعاء، التي كادت ان تكون خلال اليومين الاولين من سقوطها اشبه في بعض احيائها وشوارعها بمدينه الاشباح.

ويظل السؤال الكبير هو: كيف سقطت صنعاء؟! ومن وراء سقوطها في يد الحوثيين؟!

لست مع مفهوم نظريه المؤامره التي لا تستبعد تورط قوي اقليميه عربيه في صفقه مع ايران بمشاركه قوي دوليه لتسهيل مهمه الحوثيين في اسقاط صنعاء والسيطره علي القرار السياسي فيها، ذلك لان الدخول في مثل هذا النوع من الصفقات سيكون مستبعدا، لانه لا يتفق مع طبيعه العلاقات الاقليميه القائمه، ولا يخدم المصالح الاستراتيجيه لدول الخليج التي هي في معظمها علي تقاطع كبير مع السياسه الايرانيه في المنطقه.

ولذلك فالاحتمال الاكثر ترجيحا هو قيام تحالفات قوي عسكريه وسياسيه يمنيه داخليه مع الحركه الحوثيه، ضمت قيادات مواليه للرئيس السابق صالح من جهه، ولقياده وزاره الدفاع من جهه اخري، وليس مستبعدا ان تكون قد تلقت دعما اقليميا وموافقه دوليه، اسهمت بصوره كبيره في تمكين الحوثيين من اسقاط صنعاء، ذلك لان مؤشرات هذه التحالفات كانت واضحه في مخيمات المسلحين التي نصبت علي مداخل العاصمه، التي كان ضمنها التعامل الودود لوزاره معها اثناء حصارها لصنعاء علي مدي اكثر من شهر.

ثم ان ردود الفعل الاقليميه والدوليه علي اسقاط الحوثيين لصنعاء في 21 سبتمبر 2014م لم تكن غاضبه، ولم تكن قلقه ولا متشنجه كما كان الحال عند سقوط عمران في يوليو من العام نفسه، رغم ان الفتره الزمنيه التي تفصل بين الحدثين ليست طويله، والاوضاع السياسيه في صنعاء لم تتغير كثيرا الا اذا استثنينا قرار رفع اسعار المشتقات النفطيه، الذي يعد هما يمنيا داخليا، ولا يعني الاخرين اقليميا او دوليا في شيء، بدليل انهم لم يبادروا الي تغطيه العجز في الاحتياج من المشتقات النفطيه قبل اسقاط صنعاء، وقبل ان يشعل الحوثيون صنعاء باحتجاجاتهم وينصبون مخيماتهم المسلحه علي مداخلها بذريعه اسقاط «الجرعه».

فالسفير الاميركي في صنعاء، ماثيو تولر، يعرض علي الحوثيين في اليوم التالي لسقوط صنعاء في مؤتمر صحافي «استعداد سفارته للتواصل المباشر معهم، كونهم جزءا مهما من مكونات الشعب اليمني»، اما السفيره البريطانيه، جين ماريوت، فكتبت علي حسابها في موقع «تويتر» يوم سقوط صنعاء تقول: «الحوثيون وصلوا الي نقاطهم، ولم يبق عليهم الا التوقيع علي الاتفاق»، وبالفعل جري في اليوم ذاته التوقيع علي وثيقه «السلم والشراكه الوطنيه»، التي هندس لها واعدها الممثل الخاص للامين العام للامم المتحده، جمال بن عمر، وحظيت بمباركه اقليميه ودوليه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل