المحتوى الرئيسى

يوسف مكى يكتب : نهاية سايكس - بيكو

10/14 13:52

قبيل انتهاء الحرب العالميه الاولي، وتحديداً في عام ،1916 جري تفاهم سري بين فرنسا وبريطانيا، علي اقتسام المنطقه المعروفه بالهلال الخصيب، كمقدمه لترتيبات ما بعد الحرب . وقد قاد هذه المفاوضات، الدبلوماسي الفرنسي، فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس . وقد حملت الاتفاقيه السريه المذكوره اسميهما .

بموجب هذه الاتفاقيه، حصلت فرنسا علي الجزء الاكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقه الموصل في العراق . اما بريطانيا فسيطرت علي طرف من بلاد الشام الجنوبي متوسعاً، وتمددت شرقاً، لتشمل بغداد والبصره وجميع المناطق الواقعه بين الخليج العربي والمنطقه الفرنسيه في سوريا . كما تقرر ان تقع فلسطين تحت اداره دوليه . ولكن الاتفاق نص علي منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا علي ان تكون لفرنسا حريه استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونه الذي كان سيقع في حوزتها .

في مؤتمر سان ريمو عام ،1920 تم التاكيد مجدداً علي هذه الاتفاقيه، واقر مجلس عصبه الامم وثائق الانتداب علي المناطق المعنيه في 24 يونيو/حزيران 1922 . وفي العام التالي، واستكمالاً لمخطط تقسيم، عقدت اتفاقيه جديده عرفت باسم معاهده لوزان لتعديل الحدود، تنازلت فرنسا عن الاقاليم السوريه الشماليه لتركيا الاتاتوركيه .

حين استقلت هذه البلدان، لاحقاً، اعتمدت خريطه سايكس - بيكو، لتعريف الحدود بين دول الهلال الخصيب: العراق وسوريا ولبنان والاردن وفلسطين، التي ظلت ثابته حتي وقت قريب، باستثناء، الكيان الصهيوني، الذي توسع عده مرات بعد حرب يونيو/حزيران 1967 .

اول اشاره امريكيه، علي الرغبه في تفكيك هذه الاتفاقيه، وردت بعد حرب اكتوبر 1973مباشره، علي لسان هنري كيسنجر، مستشار الرئيس نيكسون للامن القومي0 فقد اشار الي ان "اسرائيل" تمكنت مره اخري من الحاق الهزيمه بالجيوش العربيه، واصبحت اكبر قوه اقليمياً، وقد حان الوقت لتكون الاكبر جغرافياً .

لم يتنبه احد لمغزي تصريح كيسنجر في حينه، لكن تطور الاحداث، وتوالي تصريحات المسؤولين الامريكيين افصحت عن مكنون ذلك التصريح .

ففي عام ،1990 وعلي هامش مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط، صرح وزير الخارجيه الامريكي، جيمس بيكر، ان سايكس - بيكو قد تجاوزه الزمن، وكشف عن النيه في اعاده صياغه جغرافيه المنطقه، بشكل اكثر دراماتيكيه، من تلك التي نصت عليها تلك الاتفاقيه .

ومنذ ذلك التاريخ، بدات تصريحات المسؤولين الامريكيين تتوالي، معززه بخرائط توضيحيه، عن خريطه الشرق الاوسط المنتظر تنفيذها . واثر حادثه 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطون عام ،2001 بدات الصوره تتضح اكثر فاكثر . وازيح الستار عن النوايا الحقيقيه لمشروع التفتيت . وكان الابرز بين التقارير هو ما صدر عن "معهد راند" تحت عنوان "الاستراتيجيه الكبري" . وقد شارك في ذلك التقرير عتاوله الساسه الامريكيه، مثل دان كويل وبريجنسكي، واليكسندر هيغ وكيسنجر، وكثير غيرهم .

وقد رسمت اداره الرئيس بل كلينتون، الخريطه المرتقبه للعراق، بمناطق حظر الطيران، في الشمال والجنوب، التي هيات لقيام تشكيل ثلاث دول في ارض السواد . دوله كرديه، وقد تحققت فعلاً، ولم يتبق سوي الاعلان عنها بشكل رسمي . ودوله فيما عرف بالمثلث السني، وقد تكفل تنظيم "داعش" بتشكيلها، في الانبار ونينوي وصلاح الدين وديالي . واذا ما وضعنا في الاعتبار، التصريحات الامريكيه، بان الحرب علي "داعش" قد تستغرق ثلاثه عقود، فنحن امام خريطه جديده، سوف تتشكل بقوه الامر الواقع .

اما في سوريا، فان الاوضاع اكثر دراماتيكيه من مثيلتها في العراق . فهناك امراء حروب، وحروب اهليه، بين عدد من المكونات . ولم يعد ما يجري في سوريا، ثوره شعب ضد نظام، بل حرب ضروس بين تيارات متطرفه . واذا ما استمر واقع الحال، فان ما سوف نشهده هو قيام دويلات صغيره، كل دوله تتمترس في احدي القلاع . والقضيه في بلاد الشام، لم تعد مقتصره علي تنظيم "داعش" او جبهه النصره، بل اعقد من ذلك بكثير .

في فلسطين، تشكلت ثلاثه كيانات . الكيان الصهيوني الغاصب، ودوله في الضفه الغربيه، تقودها السلطه الفلسطينيه، ممثله في حركه فتح واخري في قطاع غزه، تقودها حركه حماس . ورغم الاعلان مؤخراً عن تشكيل حكومه وحده فلسطينيه، لكن الوقت لا يزال مبكراً، لتقدير ما اذا كانت هذه الحكومه سوف تستمر طويلاً، ام ان مصيرها سيكون الانهيار، كما انهارت محاولات تحقيق الوحده الفلسطينيه من قبل .

واوضاع لبنان لا تسر احداً، ونامل الا تتجه الاحداث نحو ما هو اسوا . فرغم ان المتطرفين، لا يسيطرون سوي علي منطقه حدوديه صغيره، هي عرسال، لكن الدوله والجيش يبدوان حتي هذه اللحظه عاجزين عن استرداد المدينه، وطرد المتطرفين .

مشاريع التفتيت هذه لم تقتصر علي الهلال الخصيب، بل شملت مناطق اخري من الوطن العربي، خضعت من قبل لترتيبات مماثله من قبل المنتصرين .

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل