المحتوى الرئيسى

الفلاح لا يكفُر بالشمس (قصة قصيرة)

10/14 13:34

هكذا حمل المُنشد ربابته وجال في بلاد الله هائماً علي وجهه يبتغي ما تبقي في القلوب من فتات الخير. نغم الربابه حزين. الاوتار بائده، قديمه، اقدم من شرور الانسان علي الارض، رعشه يده تخلق نغماً مكسوراً يبغض الحياه، ظلام الليل البارد يضيف الي حُزن النغم احزاناً. علاقه الشتاء بالهموم علاقه غامضه ولكنها وثيقه كعلاقه الشعراء بالشقاء في العشق والفشل في الغرام. لا تهم قيمه الشاعر وغزاره انتاجه او لسان القوم الذي بُعث فيهم. في النهايه كلهم تعساء. حتي ضارب الربابه.

النغم حزين حتي وان اختلط بحروف سعيده. لا يتمعن احد في الحروف وان تجمّلت ولكنه الوتر الذي له لغه خاصه تتنزع القلوب من صدورها. كلما تعقدت نغمات الوتر، كلما غار الجرح واتسعت رقعته، ضارب الربابه يعرف خريطه الجروح في البدن فلا يضّل السبيل.

استيقظت الدنيا، وخلعت عنها غطاء الليل، ضحكات كلها غنج مصدرها فتيات علي مشارف الانوثه يعملن في حقل صغير، ما زال الوتر حزيناً. يضحكن في شغف وهنّ يسمعن غناء المُنشد الذي تختفي من نبراته الاء السعاده. يتهامسن في استحياء عند سماع كلمات العشق التي تتناثرها الربابه.

اشتعلت شمس االشتاء البارده. الشمس ذات قيمه فقط في الشتاء، لها الامر والنهي في حقول الفلاحيين. هي السلطان الاعظم، ظّن نبي الله ابراهيم ان الشمس اله حتي غابت فكفر بها. الفلاح لا يكفر بالشمس مهما غابت او تعثرت بين اكوام السُحب.

افترش عازف الربابه تراب الارض بقطعه قماش ليس لها لون مُحدد. اراح ظهره المعوج علي شجره ربما ماتت الف مره ولم يبق منها سوي فروع يابسه تخلق مساحه بخيله من الظل. نظر في الافق فراي الوان فساتين البنات الفضفاضه الزاهيه تتعاكس مع اشعه الشمس وتخلق باقه من الالوان البديعه علي خلفيه الحقل الخضراء. بلوره مسحوره امامه ترتديها الاجساد القمحيه التي صالت فيها الشمس وضاجعت بشرتها حتي الاعياء

ازاح جعبته التي لا تحتوي علي اي شيء مهم سوي تاريخه، البدايه والنهايه وبينهما محطات تاركاً في كل محطه بقايا الاشياء والكلمات والاماني. شدّ وتر الربابه واستعد! بدا الانشاد تحت ظل الشجره الفقير، يعانق انشاده اصوات العصافير التي بدات تغني معه، تسافر نبرات صوته عبر الهواء اللزج وتضرب فساتين البنات في الحقل لتكشف فجاه بشائر الحياه.

الصبايا تركن اعمالهن. اهملن الحرث والزرع وتجمّعن حول عازف الربابه في دائره هو قبلتها. كانت نظراتهن الحائره سهاماً تخرق الغموض الذي يرتديه. وضع الربابه جانباً، واشار الي الشمس باصبع مُتسخ. هناك حكايه. خلف كل شمس حكايه، منها ما يموت مع ادبار النهار ومنها ما يظل ساطعاً لا يغيب.

في الجنوب هناك. بعيد، بلده صغيره ينبُت النيل من منابعها. الشمس هناك اكبر، والنخيل اطول، مُتراص في ثبات الجنود امام الوالي. كانت بدرالبدور تجلس دائماً وابداً تحت شجره النخيل الام، تنظر الي مياه النيل عندما تتغير الوانها من الازرق الي الاخضر. تري اباها يخبط الفاس في ارض الحقل طالباً ما بها من اسرار. بين الفاس والاخري كان ينظر اليها وهي جالسه تراقب مياه النيل. ضربات الفاس في ازدياد، سريعه قويه كانه يسابق الزمن. وقف برهه يمسح نقطه عرق سقطت من علي جبينه. نظر في الافق فلم يجد بدر البدور! ترك الفاس، ونزل الي النيل يبحث عنها. لا اثر لها. صارت سراً من اسرار النيل. خرج ينادي ويسال:

فارق الارض والاغراض الا من ربابه قد اعتزلها وهجر اوتارها. تركها علي جدار غرفه نومه شاهداً يذكره بحقبه من حياته. اتخذ من مياه النيل دليلاً ومشي من الجنوب يسال عن بدر البدور. اصبحت هي معني يسافر وراءه يبحث عنه في اغاني المنشدين وكلمات الصادقين. لم يترك النيل لحظه يغيب عن بصره. كان يراقبه ويؤمن انه سوف يطفح ما به من اسرار. كان ينتظر عوده بدر البدور من اعماقه عروسه يافعه. لم يياس او يفقد امل العثور عليها. النيل صادق امين يردُ الامانات الي اهلها.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل