المحتوى الرئيسى

تحت قبة الجامعة .. قلقٌ مشروعٌ على «المستقبل»٠ أيمن الصياد

10/12 07:01

بالضبط كما يخطئ الذي يظن ان بالامكان «استنساخ» زمن عبدالناصر، يخطئ الذي يظن اننا نعود الي زمن مبارك. فالخوف اننا نبدو وكاننا اخترنا اسوا ما في كل زمان لناتي به الي زماننا هذا. عندما نقلت لنا الاخبار ما جري في الجامعه، او بالاحري ما جري للجامعه من قوانين وقرارات تخلع عن الجامعه واقعيا صفتها الاكاديميه، كما تلغي كل ما كان من جهود لجماعه ٩ مارس التي شارك ابرز اعضائها في التمهيد لما جري في ٣٠ يونيو، يصبح هناك ما ينبغي ان نتوقف عنده لنقلق.. او ربما لاكثر من ذلك.

© Jean-Pierre Ray مظاهرات الطلبه الشهيره - باريس ١٩٦٨

تقول الحكايه ان جاليليو جاليلي Galileo Galilei وهو عالم فلك وفيلسوف وفيزيائي ايطالي فضلا عن كونه كاثوليكيا متدينا، اعلن بدايه القرن السابع عشر الميلادي تاييده لنظريه نيكولاس كوبرنيكوس Nicolaus Copernicus التي تقول بان «الارضَ تدور حول الشمس» مخالفا بذلك راي «السلطه» الرسميه الممثله يومئذ «فعليا» بالكنيسه ورجالها. يومها حوكم جاليليو بالهرطقه، واحرقت كتبه، وتعرض لاضطهادٍ اضطره للصمت فيما بدا تراجعا عن افكاره.

ماذا تقول لنا بقيه الحكايه؟

واقعيا، ورغم صمت جاليليو، وسطوه السلطه الكنسيه ظلت «الارض تدور حول الشمس». وتاريخيا، لم تعرف اوروبا طريق النهضه الفكريه والعلميه الحقيقيه الا عندما تطهرت من «محاكم التفتيش»، وعرفت ان المقدس الحقيقي ليس فيما يردده هذا او ذاك. وانما في حريه الفكر والبحث العلمي، وهو ما انتج بعد ذلك مصطلح «الحريات الاكاديميه» والذي بات عقيده لاي معهد علمي او جامعه تريد ان يكون لها بحق ان تسمي «جامعه».

تذكرت الحادثه عندما نقلت لنا الصحف ان جامعه مصريه اوقفت منح درجه الدكتوراه لباحث كانت اللجنه «العلميه» التي ناقشته قد منحتها له مع مرتبه الشرف. والادهي ان بيان الجامعه يعزو قرارها الي عبارات وتوصيفات وردت في بحث الطالب (من الواضح انها لا تتفق مع الرؤيه السياسيه لاولي الامر والنهي) ثم لم يخجل مصدرو البيان من التصريح بانهم قرروا «احاله الاساتذه المشرفين علي الرساله الي التحقيق العاجل، وايقاف الدراسات العليا بالكليه (الاثمه) وتشكيل لجنه لمراجعه جميع الرسائل الحاليه»، (وكانه الخوف من ان يكون قد تسرب الي احداها تعبير يزعج ولاه الامر).

للمقارنه فقط، تقول اخبار «عالم اخر» ان جامعة دوسلدورف الالمانيه سحبت درجه الدكتوراه من «وزيره التعليم» الالمانيه التي كانت قد حصلت عليها قبل ٣٤ عاما كامله. السبب وهو الاهم، لم يكن محاباه لسلطه، او اعتراضا علي ما كانت قد ذهبت اليه السيده من راي في اطروحتها، وانما لانتهاكها القواعد «الاكاديميه» المرعيه بانتحال / سرقه اجزاء في رسالتها دون الاشاره للمصدر.

في الحاله المصريه المشار اليها، لم اشا ان اذكر اسم الجامعه او الباحث او الاساتذه المشرفين، او حتي راي الباحث الذي تسبب في حرمانه من الدرجه العلميه (بقرار اداري)، فكل ذلك يبقي في باب التفاصيل. قد نتفق او نختلف مع ما ذهب اليه الباحث او فرضياته العلميه، ولكن البدهيات الاكاديميه تعرف ما يسمي «بحريه البحث العلمي» كما تعرف قصص التاريخ ان الغرب لم يعرف طريقا الي العلم والتقدم والنهضه، الا بعد ان تطهر من «محاكم التفتيش» ومن سطوه السلطه علي معاهد العلم والبحث. والا لكنا مازلنا نعتقد بان الارض مسطحه وان الشمس تدور حولها (!)

لم يمض اسبوع علي «قصه شهاده الدكتوراه»، حتي كان ان ذهب رئيس الجمهوريه «لمحراب» الجامعة المصرية الاولي لتكريم متفوقي الجامعات. وهو امر محمود بلا شك. فليس اكثر من العلم استحقاقا للتكريم. ولكن ما تناقلته الاخبار والروايات عن بعض التفاصيل، يبقي ايضا في باب ما يحتاج ان نتوقف عنده ونحذر من دلالاته ومعناه. سمعت كلاما كثيرا ومرارات اكثر. ولكني احتراما لامانه المجالس، اكتفي بالاشاره الي ما كتبه الدكتور مصطفي كامل السيد، وهو استاذ بكليه الاقتصاد والعلوم السياسيه بالجامعه، كما انه لا يمكن بحال ان يوصف بالتهمه السهله الرائجه «الانتماء للاخوان»: علي صفحته علي Facebook اشار الاستاذ الجامعي الي «تفاصيل» كنت ارجو الا تكون صحيحه، لولا تعدد الحكايات والرواه. وربما اكثر ما اقلقني هو اشارته الي ان من بين اوائل الكليات «الفعليين» من لم يتم تكريمهم!

الشهادات ذات الصله بما يجري في الجامعه، وبالمناخ الذي ستبدا فيه الدراسه كثيره. فالي جانب ما روي عن قرار بفصل الطالبه المتفوقه رشا عبدالسميع «الاولي علي دفعتها» من كليه الاقتصاد والعلوم السياسيه، يحكي لنا د. عمرو الشوبكي (ولا اظن احدا سيحسبه علي الاخوان) قصه عضو هيئه تدريس باحدي الجامعات المصرية جري اعتقاله عشوائيا من حرم الجامعه، وبواسطه شرطي يرتدي ملابس مدنيه (وهذا بالمناسبه مخالف للقانون)، وبعد ان مكث في المعتقل قرابه الشهرين جري اتهامه بالتهم الست عشره (اياها) بدءا من حرق مدرعتي شرطه وليس نهايه بسرقه سلاح ميري. حظ الرجل كان افضل من غيره، اذ افرج عنه بكفاله، ليسافر في نهايه المطاف الي المانيا لاستكمال دراسته بوصفه، من وجهه النظر الالمانيه كما المصريه من افضل ١٣ باحثا شابا في تخصصه.. اتراه سيعود ليواجه مصير الاتهامات السته عشر؟ لا اعرف. ولكن مقال الشوبكي يعرفنا بان «زنزانه الاكاديمي الشاب» كانت مزدحمه بالمتفوقين من طلاب الطب والهندسه وغيرها.. وتكتمل الصوره الهزليه عندما نعرف ان بعضهم كان نشطا في تاييده لـ٣٠ يونيو (!) «لو ضاع مستقبل هؤلاء الطلاب فسيكونون قنابل موقوته ضد الوطن، بعد خروجهم، ولن يستطيع احد ان يلومهم» والنص بين علامتي التنصيص من مقال د. الشوبكي في «المصري اليوم».

في الملف المرتبط بعقل هذا البلد كما بمستقبله (بحكم الموضوع: «العلم» والمرحله العمريه: «الشباب») صفحات في الجريده الرسميه وفي الصحف اليوميه نقلت لنا مشروعات او نصوص قرارات بقانون (يصدرها الرئيس / المشرع في غيبه البرلمان المنتخب) من بينها ما يعطي لرؤساء الجامعات «الذين يعينهم» السلطه المنفرده لفصل الاساتذه والطلاب. وذلك بعد ان كان قد اصدر قرارا بالعوده الي نظام تعيين القيادات الجامعيه، بدلا من «انتخابهم ديموقراطيا».

القرارات علقت عليها جماعه ٩ مارس في بيان نشره احد اعضائها، د. مصطفي كامل السيد علي صفحته (تجاهلته الصحف).

يشير البيان المطول الي خطوره ما ورد في مشروع القانون من عبارات «فضفاضه وغير محدده» والي تعارضه مع الدستور في اكثر من موضع، منها ان «لا عقوبه الا بحكم قضائي» (الماده ٩٥)، ومنها ان «المتهم بريء حتي تثبت ادانته في محاكمه قانونيه عادله، تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه» (الماده ٩٦) بينما ينص التعديل علي جواز توقيع عقوبه العزل من الوظيفه بمجرد توجيه الاتهام دون محاكمه، بل دون حتي الاضطرار للتحقيق.. ثم يمضي بيان الاساتذه ليقول «ان هذا التعديل وما سبقه من تعديلات للقانون خلال العام الماضي ياتي ضمن مناخ عام تتوجه فيه السلطه التنفيذيه للتعامل مع الجامعات تعاملا امنيا صرفا، بينما الجامعه هي في الحقيقه الذخر الوطني الذي يجب الحفاظ عليه وتركه خارج الصراعات الانيه واتاحه افضل الظروف لازدهار الحوار والفكر الحر داخله ليلمع ذهبه فيشع علي الوطن معرفه تنتج وتنمي وتحمي».

وكاننا ندور في الحلقه المفرغه ذاتها. الحكايات والروايات والقرارات ذكرتني بجلسات «تاريخ» مطوله جمعتني بالراحل النبيل رءوف عباس، وهو واحد من جيل من الاكاديميين «المصريين» العصاميين العظماء، (الذي كان اخر من فقدناه منهم الاديب حامل الدكتوراه في الترجمه وعامل مصبغه النسيج السابق الراحل المثقف فيصل يونس).

بعض حكايا تاريخ رءوف عباس «الصريحه» ضمنها كتابه «مشيناها خطي»، وهو يحكي في بعضه كيف افسد النظام الحاكم «وقبضته الامنيه» الجامعه. وهي حكايه او حكايات تستحق ان نتذكرها ونحن نتابع هيستريا العصف بما تبقي من قيم جامعيه اكاديميه. كما انه، وان كان ما تبقي من مساحه هذا المقال لن تتسع لذكر تجربه الراحل النبيل، الا انها قصه تستحق ان نعود اليها في مقال قادم لنتعلم من التاريخ والتجربه كيف علينا «الا نكرر الاخطاء ذاتها».

فصحيحٌ ان احتجاجات الاسابيع الاولي من العام الدراسي الماضي كانت مقصوره علي الاخوان، ولكن صحيح ايضا ان اعداد المشاركين في التظاهرات لم يكن يتجاوز العشرات حتي سقط «محمد رضا» طالب الهندسه في نوفمبر ٢٠١٣ (التقرير الطبي المستقل عن اسباب وفاته)

اكرر: صحيحٌ ان الاخوان كانوا وراء احتجاجات الخريف الماضي، ولكن صحيح ايضا ان الامر الان جد مختلف. فكثير من النار تحت الرماد «وفي القلوب». وكثير من الرفاق والاصحاب مفصولون او محرومون من الالتحاق بالمدن الجامعيه ان لم يكونوا قد التحقوا بالسجون. باختصار: كثيرٌ ممن تظاهر في ٣٠ يونيو ضد ما اعتبره «استبداد سلطه»، يري اسباب احتجاجه الان حاضره، ان لم تكن اكثر الحاحا. وتجاهل البعض لهذه الحقيقه لن يختلف كثيرا عن تجاهل كرادله الفاتيكان في القرن السابع عشر لحقيقه ان الارض تدور حول الشمس.

فعسي ان يخلع مرضي «الاخوانوفوبيا» نظاراتهم الداكنه ليروا الامور اكثر وضوحا، او بالاحري ما لا يريدون ان يروه. وعساهم ان يعودوا الي مقالات الاساتذه محمد حسنين هيكل واحمد بهاء الدين وعبدالوهاب المسيري وجمال العطيفي عن مظاهرات الطلبه (١٩٦٨ و١٩٧٢ و١٩٧٧) او ان يقراوا امل دنقل «الكعكه الحجريه» او حيثيات الحكم في قضيه ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ (انتفاضه الخبز او «الحراميه» سمها ما شئت)، وكذا ما كتبه المستشار عبدالغفار محمد من حيثيات لحكم قضيه الجهاد الكبري. كما بامكانهم، ان ارادوا تفصيلا ان يعودوا الي كتاب الراحل النبيل احمد عبدالله رزه «الطلبه والسياسه في مصر» (صادر عن المشروع القومي للترجمه ٢٠٠٧، وهو اصلا دراسه اكاديميه نال بها صاحبها درجه الدكتوراه من جامعة كمبردج).

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل