المحتوى الرئيسى

إذ يحتاج النهار إلى دليل!!

10/11 17:17

اقرا ايضا: قبل ان تميد الارض تحت اقدام الجميع كيف كنا.. وفيم اصبحنا؟ صناعه الخوف.. والعبوديه السياسيه كتاب (الحرب القذره) واوطان محتله منذ استقلت! الوطن والكنيسه.. و(حديث الحنطه والزوان)

بعد الاعتداءات الاسرائيليه الاخيره علي (المسجد الأقصي)، حذر السيد محمود عباس رئيس السلطه الوطنيه، من تحويل الصراع الدائر علي (فلسطين) منذ ما يزيد علي القرن الي (صراع ديني)، قال الرجل في تصريحاته للصحفيين في مكتبه في رام الله: (هذه التصرفات الاسرائيليه تحاول ان تجعل الصراع هنا صراعًا دينيًا، وهي تعرف ونحن نعرف والعالم يعرف خطوره استعمال الدين في الصراعات السياسيه).

 واضاف: (لابد ان نري جميعًا ما يحيط بنا، ماذا يحصل من حولنا، وعلي اسرائيل ان تنتبه الي هذا، وان تفهم ان مثل هذه الخطوات محفوفه بالمخاطر عليها وعلي غيرها).

لدي الكثير مما يقال حول تصريح الرئيس عباس.. المعلن منه والخفي.. وهو في واقع الامر كلام خارج التاريخ والجغرافيا والحساب والهندسه.

اذ يعلم الرئيس عباس ويعلم الجميع، ان (الدين) لعب دورًا مركزيًا في الصراع منذ بدايته، تجسد هذا في عده مفاهيم رئيسيه شكلت جانبًا كبيرًا من (الاسس الصلبه) لطبيعه الصراع علي الجانبين.. العربي والاسرائيلي، وهي: فكره (الوعد المكذوب) عند اليهود كاساس لشرعيه ارض الميعاد وامتلاك الارض المقدسه.. تقابلها فكره (الوعد الحق) لهذه الاراضي عند العرب والمسلمين..

عند البحث في (العمق التاريخي) للموقف الغربي تجاه اسرائيل، سنجد انه موقف يعبر عن التزام (ديني / سياسي)، نحو تراث مشترك بين الطرفين يتمثل في (التوراه / العهد القديم).. هذا ما رايناه واضحا _ مثلاً _ في مواقف الرؤساء الامريكيين، منذ عهد (ترومان) وقراناه بوضوح في مذكرات (كارتر)، الذي اعلن ان تاسيس اسرائيل المعاصره تحقيق (للنبوءه التوراتيه) وعايشناه في سياسات كل الادارات الامريكيه المتعاقبه.. وهو ما يجسد (البعد الديني) في الصراع..

فربط الايمان المسيحي (بعوده السيد المسيح) بقيام دوله (يهوديه) صهيونيه، اي باعاده تجميع اليهود في فلسطين حتي يظهر المسيح فيهم.. مفهوم اساسي ونهائي.. وبالتالي فان العلاقه بينهما متجذره في ضمير واخلاق!! ومعتقدات الغرب.

هي حقيقه واقعه اذن.. ان هناك _ علي الاقل _ بعدًا دينيًا بالصراع.. وليس هذا البعد مجرد لمحه عابره من لمحات المعارك، بل هو الدافع الرئيسي والمكون الاصلي لقصه الصراع العربي الإسرائيلي باكملها.

وتجاوز تلك النقطه ومحاوله حصر (الصراع) في بعده الفلسطيني / الاسرائيلي او الاحتلال المسلح لارض عربيه.. هو قصور باطل في الرؤيه كان دافعه للاسف وجود العديد من التيارات الثقافيه التي تري في حضور (الدين) باي مشكله ـ ايًا كان نوعها ـ هو ضرب من التخلف، مع ان التخلف الحقيقي في حقيقه الامر.. يتمثل في هذا التصرف.

وكل ما كشفه المحللون علي اختلاف مشاربهم، سياسيين او اسلاميين او غيرهم، يؤكد حقيقه وجود (البعد الديني) في الصراع، منذ اول فكره لانشاء وطن قومي لليهود وحتي اعلان قيام الدوله.

 لو نظرنا الي الفكره الاصليه التي تبلورت قبل اكثر من مائه عام علي يد (تيودور هيرتزل)، الذي قام بتاسيس اول مؤتمر للصهيونيه العالميه في (بازل بسويسرا) في 29/8/1879 برعايه انجلترا التي كانت تهدف الي منافع سياسيه كبري بتكوين الدوله اليهوديه.. سنجد ان الحديث كله يتبلور حول (وطن قومي لليهود)، بمعني ان الهدف اصلاً يخص (جماعه دينيه)، وهم اليهود المنتشرون في العالم وفق ميلادهم الوطني.

وانتهي المؤتمر الي ان هدف (الحركه الصهيونيه)، هو اقامه وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين بالوسائل التاليه: تشجيع الهجره اليهوديه الي فلسطين وتنظيم اليهود وربطهم بالحركه الصهيونيه (هناك يهود معادون للصهيونيه ومعظمهم من المفكرين والادباء والمبدعين وتتفاوت بينهم درجه العداء للصهيونيه.. فبعضهم يرفض وجود اسرائيل رفضاً قاطعاً _ منظمه ماتسبن ومنظمه الجبهه الحمراء _ والبعض الاخر بات يقبل وجود اسرائيل، بشرط قيام دوله فلسطينيه الي جانبها كامله السياده، مثل ميخائيل فارشافسكي - مردخاي فعنونو - ابراهام بورغ - افي شلايم - سيمون صبار -عاموس عوز، ومن اليهود غير الاسرائيليين دانيال بارنباوم - نوام تشومسكي - ستيفن روز وكثيرين غيرهم)، سنري لاحقًا ان عداء بعض اليهود للصهيونيه بدا يضعف بالتدريج بعدما صار كثير من العرب غير معادين لاسرائيل!!

وتكمله لاهداف المؤتمر الصهيوني الاول.. اتخاذ السبل والتدابير للحصول علي تاييد دول العالم للهدف الصهيوني (اعطاءه شرعيه دوليه)، تشكيل المنظمه الصهيونيه العالميه بقياده تيودور هرتزل وتشكيل الجهاز التنفيذي (الوكاله اليهوديه) لتنفيذ قرارات المؤتمر ومهمتها جمع الاموال في صندوق قومي لشراء الاراضي وارسال مهاجرين يهود لاقامه مستعمرات في فلسطين.

سيحدثنا العلامه د/عبد الوهاب المسيري عن اسرائيل كـ(دوله وظيفيه).. وسنري حزمه المفاهيم التي تحكم (العقل الغربي) من البدايات الاولي للصراع (دين وسياسه ومصالح).. وهو ما مثلته الحروب الصليبيه التسعه (1096-1291).

استغلال القوميه الدينيه لليهود في انشاء الكيان (اليهودي) الاحلالي في تلك البقعه تحديدًا.. كان لهدفين رئيسيين: فصل مصر عن المشرق العربي والاسلامي.. لضمان عدم وجود كيان اسلامي قوي، يهدد مصالح الغرب بالمنطقه.. والعمل علي استغلال تلك (الدوله) في تحقيق المصالح السياسيه.. ناهيك عن العقده التاريخيه الاوروبيه تجاه اليهود.

تاسيس اسرائيل كان من الاصل اذن.. تحقيقا  لغرضين متكاملين كلاهما يشترك في انه (غرض ديني) بحت.. الاول دعوه اليهود التي مثلت نداء لليهود بمفهوم (الديانه)، للمطالبه بالحق الديني في فلسطين، والثاني  الرغبه الاوروبيه التي اضيفت اليها الحاله الامريكيه، المؤسسه لفكره (الدوله اليهوديه) في ضرب (الانتماءات الدينيه) التي تعوق المصالح الاقتصاديه والسياسيه لها في العالم.. باعتبار (الدين) يهذب المطالب الانسانيه بما (يمتلكه من ذخيره للتعالي تحول بين الناس وبين ان تطغي عليهم متطلبات الحياه والنجاح الدنيوي).. كما قال هابرماس النجم الكبير في مدرسه فرانكفورت الفلسفيه وصاحب المقولات المهمه في مراجعات ما بعد العلمانيه.

كانت هزيمه يونيو 1967 (هزيمه كل يوم)، وما حملته من انتصار اسرائيلي علي العرب بمثابه معلم كبير في بروز (العنوان الديني) لهذا الصراع ووضوحه علي الارض.. فللمره الاولي وقع (كامل أرض إسرائيل) وفي جملتها (القدس) بكاملها و(جبل الهيكل)، تحت السيطره العسكريه الاسرائيليه الكامله.. ولولا (الكسوف) لاقامت اسرائيل تمثالاً لعبد الناصر في قلب تل ابيب.

هم اعتبروا ذلك توكيدًا للرضا الالهي!! ودليلاً علي صحه كون الشعب اليهودي (شعبًا مختارًا)، وافضي فيما افضي الي نشوء حركه الاستيطان القوميه الدينيه (غوش ايمونيم)، او (كتله المؤمنين) المصممه علي بناء الهيكل واستيطان كامل (ارض الميعاد) الي الابد..

ان هدف اسرائيل تجاه (الاقصي الاسير) هو الهدم التدريجي.. بهدف بناء الهيكل المزعوم مكانه، لذا يتحرك الاسرائيليون وفق (مخطط استراتيجي) وينفذونه علي مراحل متدرجه ومتصاعده.. وانت تقرا هذه السطور تتواصل الحفريات الاسرائيليه تحت حائط البراق وباب السلسله في الحرم القدسي الشريف.. حيث (الدعاوي الدينيه) بوجود هيكل سليمان المزعوم تحت المسجد الاقصي..

في كل المشاريع الاستيطانيه الاسرائيليه منذ العام 1948 مرورًا بالعام 1967 وحتي عام 2007، سنجد ان (القدس) لها اهميه خاصه.. من خلال مجموع سكانها اليهود الاخذ بالنمو لتحقيق اهداف سياسيه وديموغرافيه في الوقت نفسه، فمن جهه بات مجموع المستوطنين اليهود في مدينه القدس الشرقيه، يشكلون نسبه كبيره من المستوطنين في كل الاراضي المحتله.. ومن جهه اخري بات مجموع السكان اليهود في القدس الكبري يشكلون نحو 12% من اجمالي مجموع اليهود في اسرائيل والاراضي العربيه المحتله.

فيا سياده الرئيس المناضل محمود عباس.. عليك ان تتذكر ان الرداء السياسي (العلماني) الذي تلبسه اسرائيل الرسميه يبدو قناعًا تتخفي وراءه (رؤيه دينيه) بحته، تصر اسرائيل من خلالها علي تحديد مواقفها من (الصراع)، استنادًا الي اعتبارات (دينيه) اكثر كثيرًا مما تمليها اي اعتبارات (سياسيه)..

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل