المحتوى الرئيسى

مريم مرزاخاني .. أول امرأة تحصل على جائزة نوبل في الرياضيات

10/05 22:20

ميداليه فيلدز Fields Medal عباره عن ميداليه دوليه يتم منحها من قبل الاتحاد الدولي للرياضيات كل اربعه اعوام لاثنين او ثلاثه او اربعه اشخاص تمكنوا من تحقيق اكتشافات وانجازات بارزه وغير مسبوقه في الرياضيات، وهي تساوي في مكانتها جائزة نوبل بالنسبه لعلماء الرياضيات مع اختلاف بسيط وهو انها لا تُمنح الا لمن لم تتجاوز اعمارهم الاربعين، وتعتبر اعظم مرتبه شرف يمكن لعالم رياضيات ان يحققها.

لم تحظي اي امراه بهذا الشرف منذ عام 1936 الذي مُنحت فيه اول ميداليه فيلدز، ولكن تمكنت مريم ميرزاخاني في عام 2014 من كسر هذه القاعده واصبحت اول امراه تنال ميداليه فيلدز للرياضيات منذ 78 عامًا، وكان لمريم الفضل في انشاء حلقه وصل بين علم الطوبولوجيا (علم الفراغ) والهندسه والانظمه الديناميكيه.

اعتادت مريم منذ الثامنه من عمرها ان تقص علي نفسها قصصًا عن فتاه استثنائيه، وفي كل ليله كانت بطلتها تسافر حول العالم لتحقق اهدافًا عظيمه. اليوم بعد ان اصبحت مريم في السابعه والثلاثين من عمرها واستاذه في جامعه ستانفورد مازالت تنسج قصصها البطوليه في عقلها بطموحها المرتفع الذي لم يتغيّر ولكن فقط ابطال قصصها هم من تغيّروا، انهم السطوح القطعيه والفراغات المطلقه والانظمه الديناميكيه.

ابحاث الرياضيات شبيهه بكتابه روايه، هناك شخصيات مختلفه وانت تبدا في التعرف عليها بشكل افضل مع الوقت، الاحداث تتطور واذا نظرت لشخصيه ما تجدها مختلفه كليًا عن انطباعك الاولي عنها في البدايه.

عالمه الرياضيات الايرانيه، مريم، تتبع شخصياتها هذه اينما اخذوها خلال احداث الروايه التي قد يلزمها سنوات لتنكشف، صغيره ولكنها لا تُقهر بسهوله ولديها سمعه بين زملائها الرياضيين انها لا تستسلم بسهوله للمشاكل الاكثر تعقيدًا في مجالها. تتميز مريم بثقه وتواضع كبيرين وعندما سُئلت عن مساهمتها في حلول مشاكل كثيره في مجالها اجابت بتردد “انها لا تظن انها قدمت شيئًا كبيرًا”، ولكن علماء رياضيات اخرون وصفوا اعمال مريم باكثر من ذلك، يقول الكس اسكن عالم الرياضيات في جامعه شيكاغو والذي تعاون معها في عده اعمال ان رساله الدكتوراه الخاصه بمريم والتي تناولت سبل احصاء عدد الحلقات في الاسطح القطعيه انها كانت مذهله وانها نوع من الرياضيات يمكنك ان تميزه من دقته ومصادره الموثوقه.

لم تكن لدي مريم الرغبه منذ صغرها ان تصبح عالمه رياضيات وكان هدفها الرئيسي في طفولتها التي قضت معظمها في طهران ان تقرا كل كتاب تقع يديها عليه ومشاهده البرامج الوثائقيه عن نساء عظيمات مثل ماري كوري وهيلين كيلر وهو ما ساهم في زرع الرغبه والطموح لديها لتصبح امراه عظيمه يومًا ما، ربما ككاتبه او مؤلفه.

بعد ان انهت المرحله الابتدائيه، كانت الحرب الايرانيه العراقيه علي مشارف نهايتها وهو ما اتاح لها ولمن في عمرها فرصه عظيمه للنمو في ظروف مستقره والتحقت بمدرسه للمرحله المتوسطه تديرها المنظمه الوطنيه لتطوير المواهب الاستثنائيه، وقد كانت مريم احدي تلك المواهب بحق. في اول يوم لها في المدرسه الجديده تعرفت مريم علي صديقه عمرها رويا بيهشتي التي اصبحت استاذه رياضيات في جامعه واشنطن الان، وفي عامها الاول ايضًا وبسبب ظروفها كانت درجات مريم متدنيه في الرياضيات ولم يري فيها استاذ الرياضيات اي بوادر تنم عن موهبه حقيقيه وقد اصابها ذلك بالاحباط وافقدها اهتمامها بالرياضيات.

في العام التالي ساهم مدرس الرياضيات الجديد في تشجيع مريم مره اخري وتحسن اداؤها بشكل كبير واصبحت نجمه علي حد وصف صديقتها وزميلتها بيهشتي، عندما انتقلت مريم وصديقتها الي المرحله الثانويه حصلا علي مجموعه من الاسئله من اختبار لتحديد الطلبه المؤهلين للمشاركه في الاولمبياد الدولي للمعلومات وتمكنا من حل ثلاث مشاكل من اصل ست في ذلك الاختبار خلال عده ايام وقد كانت مريم سعيده بهذا الانجاز علي الرغم من انه يجب علي الطلاب حل المسائل الست في ثلاث ساعات فقط. في عام 1994 وهي في السابعه عشره شاركت مريم وصديقتها في الاولمبياد وحققت الميداليه الذهبيه، وفي العام التالي ذهبت مره اخري وحققت نتائج مرتفعه، وبعد ان اكتشفت ما يمكنها تحقيقه وفعله تبين لها حبها العميق للرياضيات وتقول مريم في ذلك الشان “عليك ان تبذل الكثير من الوقت والجهد لتري روعه الرياضيات”.

ويعلق كرتس مكمولين الحاصل علي ميدليه فيلدز في عام 1998 واستاذ الرياضيات في جامعه هارفرد علي هذا الشان ايضًا قائلًا:

الحصول علي ميداليات ذهبيه في اولمبياد الرياضيات لا يُترجم دائمًا الي نجاح في مجال ابحاث الرياضيات، في تلك المسابقات شخص ما قام بوضع اسئله ذكيه لها حلول ابداعيه، ولكن في مجال البحث قد لا يكون هناك اجابات للاسئله علي الاطلاق، علي عكس العديد ممن يحققون نتائج مرتفعه في مسابقات الاولمبياد، مريم لديها القدره علي ايجاد رؤيتها الخاصه.

بعد حصولها علي درجه البكالوريوس في الرياضيات في ايران ذهيت مريم لاتمام الدراسات العليا في جامعه هارفارد وهناك بدات بحضور ندوات لكرتس مكمولين وفي البدايه لم يكن باستطاعتها فهم قدر كبير مما يتحدث عنه ولكنها اسرها جمال الموضوع الذي كان يتحدث عنه وهو الهندسه الزائديه او القطعيه – hyperbolic geometry.

اصبحت مريم مولعه بالاسطح القطعيه او الزائديه، وهي اسطح علي شكل انبوب حلقي – doughnut shaped surfaces به اثنان او اكثر من الثقوب ذات اشكال غير قياسيه والتي تعطي كل نقطه علي السطح شكل سرج (المقعد علي ظهر الحصان) – saddle shape، هذه الاشكال لا يمكن تشكليها او انشاؤها في الفضاء العادي و لكنها تتواجد نظريًا فقط حيث يتم حساب المسافات والزوايا طبقًا لمجموعه محدده من المعادلات. وقد تبيّن ان هذه الاشكال (doughnut) يمكن تمثيلها بهيكل قطعي – hyperbolic structure بطرق لا نهائيه.

عندما بدات مريم في مرحله الدراسات العليا كان هناك سؤالٌ من ابسط الاسئله المتعلقه بتلك الاسطح ليس له اجابه بعد، وهو متعلق بالخطوط المستقيمه او الجيوديسيه الموجوده علي الاسطح القطعيه – hyperbolic surface حتي ولو كان هذا السطح منحنيًا يمكن ملاحظه جزء من خط مستقيم عليه وهو ببساطه اقصر مسار بين نقطتين، وفي الاسطح القطعيه يمكن ان تكون الخطوط الجيوديسيه غير منتهيه مثل الخط المستقيم في اي مستوي (المستوي – plane هو اي سطح مستو يمكن لخط مستقيم بين نقطتين ان يقع فيه) ويمكن ان تكون علي شكل حلقه مغلقه مثل الدائره الموجوده علي شكل كروي مثلًا.

عدد الخطوط الجيوديسيه المغلقه بطول معيّن علي الاسطح القطعيه يزداد بشكل اُسّي – exponentially بزياده طول الخطوط نفسها ومعظم هذه الخطوط تتقاطع مع نفسها عده مرات قبل ان تصبح مغلقه ولكن هناك جزء بسيط منها يطلق عليه الخطوط الجيوديسيه البسيطه – simple geodesics  لا تتقاطع مع نفسها مطلقًا، هذه الخطوط هي المفتاح لفهم شكل وبناء السطح بالكامل.

لم يتمكن علماء الرياضيات بعد تحديد عدد الخطوط الجيوديسيه البسيطه لطول معين التي يمكن لسطح قطعي ان يحتويه، نسبه حدوث الخطوط الجيوديسيه البسيطه التي ذكرناها بسيطه جدًا وتكاد تكون معجزه ولهذا السبب فعدهم يعتبر من الامور الاكثر صعوبه التي تواجه العلماء. اخبرتكم التفاصيل السابقه ليتبين لكم قيمه الانجاز الذي حققته مريم عندما اجابت هذا السؤال في رساله الدكتوراه الخاصه بها في عام 2004 وقامت بابتكار معادله يمكن بها تحديد عدد الخطوط الجيوديسيه البسيطه ذات طول معين ان تتكون كلما زاد هذا الطول، وخلال رحلتها قامت باجابه سؤالين اخرين لا يقلّان في اهميتهما عن الاول،احدهما يتعلق بمعادله ابتكرتها لايجاد الاحجام في الفراغات المطلقه (مجموعه الهياكل القطعيه التي يمكن حدوثها في اي سطح) والاخر متعلق باثبات جديد قدمته لافتراض قديم متعلق بالقياسات الطوبوغرافيه للفراغات المطلقه (نظريه الاوتار – String Theory) وهي فرضيه يصعب جدًا اثباتها لدرجه ان اول عالم اثبتها حصل علي ميداليه فيلدز تقديرًا لانجازه.

ويقول احد علماء الرياضيات ان حلّ احدي هذه المشاكل يعد حدثًا في حد ذاته والجمع والربط بينها حدثٌ اخر، وقد تمكنت مريم من الجمع بين الحدثين في نفس الوقت، وقد نتج عن اُطروحتها ثلاث اوراق بحثيه وصفها احد العلماء بان احدًا لن يتمكن من الوصول لجودتها، ونشرت في افضل المجلّات العلميه في مجال الرياضيات.

تعتبر مريم نفسها من النوع البطيء وتميل نحو المشاكل الرياضيه التي تحتاج لدراسه وبحث يصل لسنوات حيث تؤمن انه بعد مرور اشهر وسنوات يمكنك ان تري المشكله من منظور مختلف تمامًا وتقول مريم ان هناك مشكلات رياضيه تعمل عليها منذ اكثر من عشر سنوات ولم تصل فيها لشيء يذكر بعد. مريم ليست من الرياضيين الذين يعيقهم الفشل في حل مشكله تلو الاخري وهي لا تستلسم ولا تصاب بالاحباط بسهوله ولديها ثقه كبيره في نفسها علي حد قولها.

عندما تعمل علي حل مشكله رياضيه تلجا مريم للخربشه وتدوين الملاحظات القصيره والرسم ولا تري انه يجب ان تقوم بتدوين كل التفاصيل وتري ان اسلوبها يساعدها علي ان تبقي متصله بما تحاول ايجاد حل له. ساهمت ابحاث مريم في الربط بين عده مجالات مختلفه في الرياضيات منها الهندسه التفاضليه والتحليلات المعقده والانظمه الديناميكيه وتقول انها تفضل تجاوز الحدود التخيليه التي يرسمها الناس بين المجالات المختلفه وان الامر كله يعتمد علي ان تبدا متفائلًا وتحاول ان تربط الاشياء ببعضها البعض، ويذكر لنا كرتس مكمولين استاذ مريم في هارفارد تعليقًا علي هذا القدره الفريده لديها في ربط المجالات المختلفه ببعضها كيف انها تمكنت في عام 2006 من توضيح ما يحدث للاسطح القطعيه عندما يُشوّه شكلها بواسطه عامل خارجي مشابه للانزلاق الناتج عن الزلازل، وكانت بهذا اول من يتمكن من ربط هاتين النظريتين مع بعضهما البعض.

في الواقع، ان اردنا الحديث عن انجازات مريم في الرياضيات قد لا ننتهي قريبًا وسنكتفي بالنبذه السابقه ونزيد ان مريم احدثت طفره كبيره بالنسبه للمراه بحصولها علي ميداليه فيلدز التي ليس من السهل ابدًا ان يحصل عليها احد، والتي تتميز بشروط صعبه وصارمه منها انها لا تُمنح لمن هم فوق الاربعين، وهو شرط صعب بالنسبه للمراه خصوصًا لانه سن تكثر فيه مهام الامومه ولا تجد في المراه متسعًا من الوقت للعمل او الابداع، ولدي مريم شعور ان هناك نساء اخريات كثر سيحصلن علي الميداليه ويحققن انجازات عظيمه.

وتري مريم اليوم بالرغم من التقدير الكبير الذي حصلت عليه بفوزها بالميداليه انها لا ترغب في ان تكون هي واجهه المراه في عالم الرياضيات وتري ان الطفله التي بداخلها قد تكون مبتهجه جدًا وشاكره لمثل هذا التقدير ولكنها اليوم تحاول ان تبعد المديح والجوائز عن انجازاتها لتتمكن من التركيز في ابحاثها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل