المحتوى الرئيسى

الحركة الطلابية.. "بعبع" رؤساء مصر

10/01 00:08

رعب يعانيه رؤساء مصر مما يعرفه التاريخ باسم "الحركه الطلابيه". مصدر هذا "الرعب" هو تلك القوه الهائله التي تتمتع بها هذه الفئه الاجتماعيه، وما ارتبط بحركتها وتاريخها من فاعليه اسهمت في دحر الاحتلال البريطاني، واخضعت الرئيس عبد الناصر لارادتها في اعقاب هزيمه 1967، ومنعت الرئيس السادات من التسويف في اتخاذ قرار العبور استردادا للكرامه المصريه، والجاته بعد انتفاضه الخبر في 1977 لـ"مجموعه" من الحيل السياسيه لكي يتمكن من كسرها، كما بذل مبارك جهودا لاماتتها باءت بالفشل برغم الدعم المالي الذي قدمه نظامه لحركه "حورس"، والذي لم يمنع من قياده الطلاب لحراك جماهيري ادي لتطوير من محض احتجاج ضد ممارسات الداخليه الي ثوره شامله.

فيما يلي القاء الضوء علي مواقف السلطة السياسية في مصر من الحركه الطلابيه، واطلاله عامه علي التفاعل بين القوتين، وحصاد هذا التفاعل.

فجر الحركه الطلابيه المصريه.. مقاومه الاحتلال

لعبت الحركه الطلابيه المصريه دورا كبيرا في الحركه الوطنيه ما قبل تحقيق الاستقلال، بالتحرك لتحقيق مطلبي الاستقلال التام ومقاومه فساد الملك، وكان دورهم في هذا السياق مثار اعجاب عالمي خلده المؤرخ الفرنسي والتر لاكير بتاكيده علي تميز الجهد الطلابي المصري في تلك الفتره. هذا المشهد كان تتويجا لجهد قوي بذله ابو الحركه الوطنيه المصريه الزعيم مصطفي كامل الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبه المدارس العليا لدعم الحركه الوطنيه بتاسيس (نادي المدارس العليا) عام 1905 بهدف تنميه الوعي السياسي للطلبه وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني. واذا كان هدف الزعيم هو العمل علي مساحه الوعي، فان الزعيم المصري محمد فريد حرص علي تطوير المساحه الحركيه لدور الطلاب في الحركه الوطنيه من خلال تنظيم الاضرابات وحركات الاحتجاج و تنظيم المظاهرات وتوزيع المنشورات او العمل السري الموجه ضد الانجليز والمتعاونين.

كانت ابرز اسهامات الطلبه في اعقاب تلك الفتره اسهامهم في تشكيل مجموعات عمل لجمع التوقيعات للزعيم المصري سعد زغلول ثم عقب نفيه كانت التظاهرات التي قادها طلاب الحقوق وتبعهم فيها طلاب مدرسه المهندسخانه ومدرسه التجاره من اقوي التظاهرات التي عبات المجتمع المصري خلفها للضغط علي اداره الاحتلال البريطاني لالغاء قرار النفي. واستمر الطلاب في تاديه ما راوه دورا يعبر عن انتمائهم الوطني؛ سواء بعموم النشاط او حتي بتنظيم الهياكل المعبره عنهم، والتي تباينت بين الفصائل الوطنيه المختلفه ما بين الوفديين والاسلاميين والاشتراكيين وحتي الليبراليين المحافظين (مدرسه مصطفي كامل).

ويسجل تاريخ الحركه الطلابيه خروج اكبر حشود طلابيه عقب انعقاد المؤتمر العام الاول في يوم 9 فبراير 1946 في جامعه فؤاد الاول ـ جامعه القاهره حاليًا ـ بالجيزه، وهو المؤتمر الذي شارك فيه كثيرون من طلبه المعاهد والمدارس. ويصف المؤرخون هذه التظاهرات بانها اكبر تظاهرات منذ قيام الحرب العالميه الثانيه فعبرت شارع الجامعه ثم ميدان الجيزه الي كوبري عباس، وما ان توسطته حتي حاصرها البوليس من الجانبين وفتح الكوبري عليها وبدا الاعتداء علي الطلبه فسقط البعض في النيل وقتل وجرح اكثر من مائتي فرد. ويري المؤرخون ان هذه الواقعه التي لم تمح من ذهن طلاب مصر كان لها اثر بالغ في تهيئه الحركه الطلابيه لاستقبال ثوره يوليو 1952.

الطلاب ينتزعون حقوقهم السياسيه من ناصر

وظل النشاط السياسي محصورا بين تلك القوي الاربع حتي قيام ثوره يوليو التي اعقبها تشكيل هيئه التحرير في يناير 1953. واستطاعت الهيئه ان تستقطب قطاعا واسعا من الطلبه، كما استقطب بعض اعضاء هيئه التدريس. وتسبب هذا الاستقطاب في تمكن نظام ما بعد الثوره من السيطره علي الجامعات وحظر النشاط السياسي داخل الجامعه.

حركت هزيمه 1967 والمسرحيات القضائيه العسكريه الهزليه للضباط المهملين، هذان الاعتبارن حركا الحركه الطلابيه المصريه مجددا. وربما كان الوقود الاكبر لبعث الحركه الطلابيه مواجهات الامن المصري مع عمال حلوان. وتشكلت منظمه الشباب، واجتمع الطلاب وعلي راسهم "اللجنه القياديه" باحد مدرجات كليه الاداب وشكلوا من بينهم لجنه لرفع رايهم في الاحكام وفي احداث حلوان، وحضر الاجتماع مدير الجامعه في محاوله لاحتواء الموقف وتجنب المضاعفات، وفي اليوم التالي حضر وزير التعليم العالي وتناقش مع الطلاب، ووعد برفع مطالبهم للرئيس. كانت مطالب الطلبه محصوره في امر النكسه والاحتجاج علي الاحكام، ثم اخذت تتسع لتشمل الحريات العامه وكان من الممكن احتواء الموقف لو ابدت السلطه حسن نواياها تجاه الطلاب، غير انه تم القاء القبض علي بعض اعضاء اللجنه التي شكلها الطلاب، فانفجرت المظاهرات حيث خرج طلبه الهندسه من كليتهم الي حرم الجامعه ثم انضم اليهم طلبه الكليات الاخري واتجهوا في مظاهره كبيره الي كوبري الجامعه صوب وسط المدينه مطالبين بالافراج عن الطلبه المعتقلين.

ولم يلبث الرئيس جمال عبد الناصر ان عقد في منتصف ليل 21 فبراير 1968 اجتماعا لمجلس الوزراء ان رضخ فيه لضغوط الطلاب؛ حيث قرر بالغاء الاحكام التي صدرت واحاله القضيه الي محكمه عسكريه عليا اخري. كما استجاب في اعقابه لمطالب الطلبه الخاصه باعطاء مزيد من الاستقلال والفاعليه وحريه الحركه لاتحاداتهم، ومن بينها السماح للاتحادات الطلابيه بالعمل السياسي. وفي هذا الاطار، صدر القرار الجمهوري رقم: 1532 لسنه 1968 بشان تنظيم الاتحادات الطلابيه منفذا لمطالب الطلاب.

اتت السبعينات ومعها ميراث الهزيمه الثقيل. وكان مما يبدو ان الرئيس السادات كان يؤجل قرار المواجهه بسبب ضغوط داخليه وخارجيه. وفي هذا السياق، مثلت الحركه الطلابيه قوه الضغط الداخليه الاساسيه التي منعت الاسترخاء حيال هذا الشعور القومي، ومنعت القياده السياسيه من التطبيع مع الهزيمه. فقد اجتاحت مظاهرات الطلبه جميع انحاء الجمهوريه مطالبه بالثار، وواجهها السادات بالعنف والتاجيل. وكانت المفارقه ما بين الاستئساد علي الداخل والتراخي في الخارج مما اشعل نيران الغضب في صدور الطلاب، وزاد ضغط الحركه الطلابيه؛ وتخوف السادات من ان يتضامن بقيه طوائف الشعب مع الطلبه, و لهذا قرر السادات التعجيل في قرار العبور في السادس من اكتوبر 1973.

ومما لا يمكن تغافله تاريخيا، ان اتفاق الطلاب بين اليساريين والاسلاميين علي مواجهه تراخي السادات قد اثار قلق الاخير، وقرر السادات اثر ذلك يضرب الحركه الطلابيه ببعضها. وساعد علي ذلك وجود مناخ قمعي موروث استغل السادات موروثه لتاجيج العداوات وخلق مناخ طلابي صراعي. وحفلت الحركه الطلابيه في مصر بمزيج من التنظيمات، كان ابرزها تنظيم الجماعه الاسلاميه الذي اسسه السادات ليجمع شتات الطلاب الاسلاميين، بالاضافه لعمليه بعث جماعه الاخوان المسلمين، وهما التنظيمان الاساسيان اللذان مثلا تحديا في مواجهه اليسار الطلابي. وزادت حده الاستقطاب الاسلامي اليساري في الجامعات، وبخاصه في اعقاب انتفاضه الخبز.

ولكي يحكم السادات سيطرته علي الحركه الطلابيه، لم يلبث ان قام باصدار اللائحه 79، وهي اللائحه التي الغي من خلالها اتحاد طلاب الجمهوريه، كما الغي اللجنه السياسيه في اتحادات طلاب الجامعات، وحرم كافه اشكال العمل السياسي داخل الجامعه، قبل ان يتسبب اتجاهه الاقصائي المتنامي في حادث مقتله.

مبارك.. تدهور شرعيه ادي لثوره يناير

ورث مبارك تخوفات السادات من الحركه الطلابيه، ولهذا اصدر قرارا بتعديل اللائحه 79 لعام 1984، وبموجب هذا القرار اصبح عمل الميليشيات العسكريه التي شكلها السادات داخل الجامعه واطلق عليها كذبا اسم الامن الجامعي لا يتوقف علي حمايه منشات الجامعه فقط بل و"امنها" ايضا، وهي كلمه فضفاضه توسع نطاق عمل هذه الميليشيات في اعتقال الطلاب وشطبهم من الانتخابات وغيرها من اوجه عرقله العمل الطلابي.

ونشط العمل الطلابي بقوه في عهد مبارك - رغما عنه - بسبب المتغيرات الداخليه والاقليميه العديده، وكانت المتغيرات الاقليميه اشد وطاه وتاثيرا علي العمل الطلابي، حيث ساندت الحركه الطلابيه انتفاضه الحجاره الفلسطينيه في 1987، كما ثار الطلاب بشده ضد الحرب التي شاركت فيها مصر ضد العراق في 1991، و1998، واشتعل الموقف الطلابي ليتجاوز طلاب الجامعه في الاحتجاج علي اقتحام شارون للمسجد الاقصي، وبعدها انتفاضه "الاقصي والاستقلال"، ثم التحرك القوي لرفض الهجوم علي العراق في 2003 تحت ذرائع وهميه.

ولكن تميزت فتره مبارك بوجود تنظيم سياسي ساندته الدوله يختلف تماما عن خبرات سابقه. فاذا كان ناصر قد انتج امتدادات لهيئه التحرير والتنظيم الطليعي داخل الجامعات، واذا كان السادات قد اسس تنظيمه الخاص المسمي "الجماعه الاسلاميه"، وهي تختلف عن تنظيم الجماعه الاسلاميه التي شاركت في اغتياله، فان مبارك قد ساند تنظيما "شبابيا" اسموه "تنظيم حورس"، وكان هذا التنظيم يهدف لاستقطاب الشباب بعيدا عن السياسه وليس لتكوين تيار سياسي جديد. وقد ادي تتابع الفضائح الاخلاقيه التي ارتبطت بانظمه هذا التنظيم، وبخاصه الفضائح الجنسيه وسط الشباب الي تقليص حضور هذا التنظيم برغم استمراره واستمرار دعمه من جانب الدوله. وقد سبق للنائب البرلماني السابق د. مصطفي النجار ان علق علي اداء هذا التنظيم بقوله: "تكبير الدماغ والصحوبيه والرفاهيه ابرز اسباب تراجع العمل السياسي الطلابي". وبقي المساران الاسلامي واليساري يدفعان الحراك الطلابي.

الحراك الطلابي بين 25 يناير وحكم مرسي 

كانت ثوره 25 يناير ابداعا احتجاجيا توج به قطاع من الطبقه الوسطي حراكا طلابيا وعماليا واعيا دام لاكثر من 4 سنوات تمتد مع ظهير معنوي من الاحتجاج السياسي بدا مع بدايه تبلور الحركه الطلابيه المصريه في السنوات الاولي من القرن العشرين. بلورت هذه الثوره حاله رفض لسلوك اجهزه الامن الداخلي. ولم يلبث موقف هذه الثوره ان تطور من احتجاج محدود موجه لوظيفه من وظائف الدوله الي لرفض نظام سياسي باكمله.

لم يكن الطلبه مشاركين فقط، بل قادوا الحراك الذي قام بتطوير فعاليه 25 يناير لتصبح فعاليه مصريه عامه ضد نظام سقطت شرعيته تدريجيا حتي تهاوت في الانتخابات التشريعيه لعام 2010. بدا الدور القيادي للطلبه في اعقاب صلاه الجمعه في 28 يناير، بقياده جموع المصلين من انحاء محافظات مصر نحو الميادين الرئيسيه لكل محافظه، والتي توجت دورها السياسي بتكريس ميدان التحرير كرمز لعمليه التعبير عن الثوره. وبرز الموهوبون في الكليات الفنيه بكافه الجامعات المصرية ليشكلوا حاله فنيه عبرت عن مطالب يناير، بدءا من الجرافيتي وحتي الرسم علي الارض. واسفر الحراك عن سقوط رموز نظام مبارك في 18 يوما فقط.

لم يكن التحريك/التحرك وحتي قياده الجماهير هي السمه الاساسيه لعمل الطلاب خلال الـ18 يوما الثمينه، بل كان اهم ما برز خلال تلك الفتره نشوء جسور تواصل قويه بين التيارات الفكريه المختلفه، قادها الطلاب، وتعمقت بعض الشئ، لكنها لم تلبث ان تهاوت مع قرارات خاطئه اتخذتها قيادات جماعه الاخوان المسلمين بدءا باولويه الماسسه علي الاستمرار في الشارع، وقرار الترشح لرئاسه الجمهوريه.

ويمكن القول بان هذه القرارات الخاطئه كانت السبب الاساسي وراء تراجع انجاز 25 يناير؛ وذلك من باب تسببها في هدم جسور التواصل الذي تاسس شبابيا بعيدا عن احقاد التاريخ وضغائن الحزبيه. ويمكن القول بان الحراك الذي حدث ابان الدعوه لـ30 يونيو، والذي اججه قطاع من طلاب الجامعات كان نتيجه مباشره لغياب هذه الجسور وهدمها، برغم ان اتحادات الطلاب؛ ومن بينها اتحادات طلابيه اخوانيه كانت تلفت انتباه الرئيس لخشونه الامن في التعامل مع التفاعلات الطلابيه؛ برغم خط مرسي الرافض لتكميم الافواه والذي يكاد يكون حسنته الاساسيه خلال فتره حكمه.

كانت الحركه الطلابيه قد نادت بعد ثوره 25 يناير بوضع لائحه طلابيه ديمقراطيه بدلاً من لائحه سنه 1979 التي منحت الامن والاداره سلطه التدخل الكامل في النشاط الطلابي. غير ان تراجع اولويه الملف، وضغوط 30 يونيو جعلت عموم الطلاب "غير الاسلاميين" لا يشعرون بفارق يذكر في اداره ملفهم عقب تولي مرسي شؤون البلاد، وهو ما دعم مسار الـ"تمرد".

السيسي.. قفزه في كسر الحركه الطلابيه

كان طبيعيا ان يقود مناخ الاستقطاب المطلق الذي صنعه اعلام 30 يونيو الي حاله تمزق قويه بين القوي المعبره عن 25 يناير علي كل المستويات، وبخاصه المستوي الطلابي. ولكن بخلاف فتره مرسي، فان القوي الابرز التي قادت حراك الطلاب بعد 30 يونيو كانوا الطلاب المؤيدين لـ"خيار الشرعيه".

وبخلاف مذبحه فض رابعه، فان نصيب الاسد من عمليات القتل التي راح ضحيتها مؤيدون للشرعيه كانت بين الطلاب. وتفيد تقديرات لمراقبين بانه خلال فتره حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور حتي 15 ابريل 2014, تم حصر 299 طالب قتيل و3657 طالب مقبوض عليه وملاحق في مختلف انواع الوقائع في 23 محافظه مختلفه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل