المحتوى الرئيسى

أدب السيرة الذاتية ما بين الأقنعة والاعترافات.. بيضة النعامة نموذجاً

09/29 12:08

ادب السيره الذاتيه في العالم العربي، هي رحله ادبيه، ياخذك فيها الكاتب بجراه الي عالمه الخاص وتجربته الفريده، ولكن اعترافات الكاتب عاده ما تعرض صاحبها الي المخاطر، في اوقات كثيره تصل الي السجن او القتل.

في احيان كثيره يكون ادب السيره الذاتيه، بالنسبه للمؤلف عمليه تطهر، من القلق الفني الناتج من تجربته الشعوريه التي اكتسبها من الحياه، بشرط ان يكون الكاتب صادقاً مع نفسه حتي يصدقه القارئ، لا يكذب ولا يتجمل، عليه ان يكون ما هو عليه.

النماذج كثيره من ادب السير الذاتيه، منها ما يكشف عن صور حياتيه مؤسفه، وظروف استثنائيه، وظلم البشر مثل ثلاثيه «السجينه»، «الغريبه» «حدائق الملك» للكاتبه المغربيه مليكة اوفقير وهي ابنه الجنرال محمد أوفقير، والخبز الحافي لمحمد شكري، ومنها ما نقل خبرات وتجارب حياتيه استمدت قيمتها من قيمه اصحابها مثل «الايام» لطه حسين، وعشت لاروي لصاحب نوبل الكولومبي ماركيز وغيرهما كثير.

واتذكر ذات مره قال الاديب الراحل خير شلبي في احد حوارته الصحفيه، ان السيره الذاتيه لابد ان تكون اعترافات صادقه بحيث يضع الكاتب ماضيه كله ووقائع حياته علي المشرحه، يحلل مواقفه في الحياه، لياخذ منها العبره والعظه من اخطائه قبل اخطاء الاخرين.

وقد حذر الراحل الجميل خير شلبي من عدم مصداقيه ما يرويه الكاتب، وعليه الا يحاول تجميل نفسه حتي يصدقه القارئ، لانه حين ينتهي الكاتب من سيرته الذاتيه ويري ان نجاحه كان مبنياً علي اسس الكفاءه يستريح لذلك، اما اذا كان نجاحه مبنياً علي طرق غير شرعيه فانه بذلك يكون قد قام بعمليه تطهير خادعه.

ويضيف، ان اهم ما يميز ادب السيره الذاتيه انه يعلم الصدق في مواجهه النفس، وللاسف هذا ما يفتقر اليه كثير من المبدعين العرب حين يشرعون في كتابه سيرهم الذاتيه، فعندما كتب «ابو حامد الغزالي» سيرته «المنقذ من الضلال» لم يكتب وقائع من حياته، وعندما كتب توفيق الحكيم «عصفور من الشرق» و«زهره العمر» كان ينقصهما القدر الاكبر من الصراحه والموضوعيه.

كتب رؤوف مسعد، روايه بيضه النعامه التي تعد من ادب السير الذاتيه، وهي روايه عاريه مفتوحه، كتبت بلغه تفضح وتعري وتكشف، ضد واقع ثقافي يميل الي تقاليد صارمه في المحاباه وتقديس الرموز، والاسماء والولاءات الشخصيه والحزبيه.

في روايه بيضه النعامه كان رؤوف مسعد روائياً يتحدث عن وقائع حقيقيه كما يراها هو، بحث عنها في اللغه والجسد والخيال، رسم الحاضر والماضي والمستقبل كما في خياله.

ورغم ان رؤوف مسعد كتب علي غلاف روايته كلمه «روايه»، ولم يكتب سيرة ذاتية، الا ان هذا التوصيف لا يلغي كون هذه الروايه هي سيره ذاتيه روائيه مبهره وممتعه وجريئه.

نتعرف من خلال الروايه علي ان رؤوف مسعد ولد في نهايه الثلاثينيات في مدينه صغيره تقع غرب السودان، وكان ابوه قسيساً، تمصرت العائله، وانتقلت الي القاهره، وحال التحاقه بالجامعه خاض رؤوف مسعد تجربه سياسيه مريره ضمن الحزب الشيوعي المصري قادته الي السجن في ظل نظام عبد الناصر الاشتراكي والتقدمي.

بعد اطلاق سراحه، يهيم رؤوف مسعد علي وجهه بحثاً عن معني جديد لحياته، ويحاول السفر الي ساحل العاج املاً في ايجاد عمل، لكنه يعود من منتصف الطريق بعد ان يكون قطع مسافات شاسعه في قطارات قديمه، وسيارات سريعه العطب تسير ببطئ الحمار.

تعرض في روايته، الي العلاقه الحساسه بين المسلمين والمسيحين في مصر، كما احتلت الانثي مكانه بارزه في هذه الروايه، بل ان رؤوف مسعد اختار ان يروي اهم الوقائع المتعلقه بحياته من خلالها.

والنساء في الروايه مختلفات ومتنوعات، فهناك الارامل المتروكات، والمطلقات الحزينات، والفتيات العوانس، والمراهقات اللعوبات، والمستشرقات الحالمات بالشرق علي طريقه فلوبير، والبولنديات الرومنطيقيات، والحبشيات الباحثات عن الحياه في فنادق يحرسها ضباط الزعيم الاحمر مانغستو هيلي ميريام.

في سيرته الذاتيه التي اعطاها اسم «بيضه النعامه»، كتب مقاطع من ذكرياته الجنسيه، التي اثارت جدلاً شديداً، في الاوساط الادبيه، بل اتهم صاحب الروايه بالتحريض علي الاباحيه في بعض المقالات في الصحف القوميه، ووصل الامر الي المطالبه بمنعها، وتوزيعها.

حين صدرت «بيضه النعامه» عام 1994 لم يكن احد يعرف رؤوف مسعد كروائي، بل كان معروفاً في اوساط النخبه الثقافيه والادبيه كصحفي.

وكان ظهوره المفاجئ بروايه «تكشف المستور»، فرضه علي الواقع الثقافي، لانه كتب روايته بلغه الجسد، تحدث عن الجسد بالرغبه وعاطفه البوح.

وتعتبر سيره رؤوف مسعد هي تمرد الجسد البشري، واعترافات صادقه دون قناع زائف، ووضعت صاحبها امام ماضيه كله ووقائع حياته علي المشرحه.

هذا وقد تُرجمت بيضه النعامه الي خمس لغات اوربيه،هي الفرنسيه والايطاليه والاسبانيه والسويديه والهولنديه.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل