المحتوى الرئيسى

قصفوا الدولة وبقيت الفكرة فهمي هويدي

09/27 07:46

قصفوا «داعش» الدوله والتنظيم لكنهم لم يهزموا داعش الفكره. ادري انها جريمه، ان يستهدف القصف بلدا عربيا وان يتم بطائرات امريكيه وعربيه، لكن فظائع داعش مثلت جُرما اكبر لم يتح لنا ان نعبر عن اي تعاطف معها. كاننا صرنا مخيرين بين شرين، احدهما العدوان علي السياده والثاني العدوان علي الانسانيه. فاحتملنا الاول املا في ان نوقف الثاني، الذي هو خيار اتعس وافدح. الا ان ذلك لم يخل من مغامره، لان خطوره داعش تتمثل في الفكره قبل ان تكون في الدوله او التنظيم. وكل الجهد الذي بذل حتي الان لم يتجاوز حدود الاخيره التي كانت بمثابه «المنتج» (بفتح التاء)، في حين ان الفكره الكامنه في «المنبع» بقيت علي حالها لم تمس، الامر الذي يضمن للظاهره البقاء من خلال تجليات اخري.

منذ وقت مبكر دعوت في اكثر من مناسبه الي تحري جذور الفكره لاقتلاعها وضمان استئصالها، وتعاملت مع الظاهره مسترشدا بالحكمه الصينيه التي تعتبر ان لكل مشكله وجهين. احدهما سلبي ويتمثل في الازمه، والثاني ايجابي يكمن في العبره. والاستسلام للازمه هو الموقف الاضعف، اما استخلاص عبرتها والانطلاق منها نحو التصويب والمراجعه وتحصين الذات لعدم تكرار الازمه، فذلك هو الموقف الايجابي الذي يحول الازمه الي فرصه. وذلك عين السلوك المقاوم الذي يستدعي عوامل الانتصار من رحم الهزيمه.

حين طرحت هذه الفكره فيما كتبته يوم 16/9 في اثناء ارتفاع منسوب الغضب والاشمئزاز جراء جرائم القتل والصلب والطرد التي لجات اليها داعش، فان البعض لم يستوعبوها، وظل هاجس الاغلبيه الساحقه ينحصر في حدود وقف تلك الجرائم و«قطع راس» داعش، كما قطعت رءوس معارضيها. وكانت النتيجه ان تعرضت فكره الفرصه التي تفضي الي سلوك ايجابي يستاصل جذور الظاهره لدرجات متفاوته من التاويل والنقد. وكان مضحكا وباعثا علي الرثاء ان البعض فهموا الاشاره الي التعامل مع العنصر الايجابي في المشهد باعتبارها مديحا لداعش!

كان في ذهني ولا يزال ان الظاهره تدق ثلاثه اجراس علي الاقل تنبهنا الي ثغرات اسهمت في تشكيل ظاهره داعش، ومن ثم ينبغي ان نلاحظ خطرها. هذه الاجراس تمثلت فيما يلي:

• الظلم المتراكم الذي يسرب الشعور بالذل والمراره ويولد الحقد والرغبه في الانتقام. ذلك ان الظلم هو الاب الشرعي للعنف. وكما قيل بحق فان البشاعه والقسوه عمليتان تراكميتان تبنيان علي ما سبقهما. علما بان ممارسات الانظمه المستبده تعطي الناس دروسا مستمره في القسوه. وهو ما يفسر ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام بذلك الوجه القبيح في بيئه عرفت اعلي درجات الظلم والبشاعه في التاريخ المعاصر، علي ايدي النظام البعثي في سوريا والعراق. ولا ينسي في هذا الصدد ان «داعش» التي لجات الي قطع رقاب مخالفيها او صلبهم ظهرت في العراق الذي استخدم السلاح الكيماوي في اباده الاكراد وشجع «فدائي صدام» علي قطع رءوس الزانيات بالسيوف كما لجا الي قطع اذان الهاربين من الحرب ضد ايران. ووجدت داعش قدما لها في سوريا التي عمد نظامها الي تذويب المعارضين في الحامض الكيماوي ولايزال يقصف معارضيه حتي الان بالبراميل المتفجره.

• الطائفيه التي اقترنت بالتعصب وادت الي تهميش واذلال اهل السنه في العراق، وعرضتهم طوال اكثر من عشر سنوات لصنوف من العذاب والاضطهاد لم يعهدوها ولم يحتملوها. فعانوا الامرين من المستبدين تاره ومن المتعصبين تاره اخري. والقصص التي تروي في هذا الصدد لا حصر لها، وكلها ترسم معالم للبشاعه دفعت العشائر السنيه الي مسانده داعش والالتفاف حولها، ليس بالضروره قبولا بممارساتها ولكن كراهيه لمتعصبي الشيعه ورغبه في تصفيه الحساب معهم، برد الاذلال والمهانه التي تعرضوا لها.

• الثغره الثالثه تمثلت في تاثيرات الثقافه السلفيه التقليديه في صورتها التي تتوسع في تكفير الاخر وانزال حد الرده بالمخالفين المسلمين. وقد احتجت الاصوات المعبره عن داعش في دفاعها عن ممارساتها بادبيات ونصوص تعلموها علي ايدي بعض شيوخ السلفيه في الجزيره العربيه. وراينا من خلال شبكه التواصل الاجتماعي نماذج لرسائل اولئك الشيوخ التي قيل انها تدرس في مدارس «الدوله الاسلاميه»، وهي التي استندوا اليها في تنفيذ «الاحكام الشرعيه» بحق خصومهم ومعارضيهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل