المحتوى الرئيسى

أفلام مثل «الله يبارك فرنسا» تحاول ردم الفجوة بين الإسلام والغرب

09/25 00:49

اذا ما كان فيلم «الله يبارك فرنسا» هو لفته جديده حول العلاقه بين الثقافتين الاسلاميه والمسيحيه في فرنسا، فان الرساله وصلت واضحه انما من دون توقيع مبهر.

الفيلم من اخراج مغني الراب عبد المالك وهو من بين ما شوهد في مهرجان تورونتو الاخير، وهو الاول لمخرجه. وفي مهرجان لا جوائز رسميه له كان لافتا انه حظي بثقه «اتحاد نقاد السينما الدوليين» التي منحته جائزه «الاكتشاف» هناك.

انه عن الشباب الفرنسي خريج ازقّه الاحياء الفقيره. الاحداث تقع في مدينه ستراسبورغ، لكنها قد تكون في اي مدينه فرنسيه، او حتي اوروبيه اخري، تعج بالجاليات المهاجره او بابناء المهاجرين الحاصلين علي مساكن حكوميه تمنحهم السقف لكنها لا تمنحهم الامان ولا حسن المعيشه.

هناك ذلك الشاب الفرنسي ريغيه (مارك زينغا) الذي يبرهن علي انه طالب نجيب في دراسته، لكن وجهه الاخر ليس بالطيبه ذاتها، فهو نشّال يعمل مع رفاق له لكي يؤمن موارده، وحين لا يعد ذلك كافيا يبدا بتجاره المخدّرات. هذا قبل ان يجذبه الاسلام فيعتنقه ليكتشف موقعا جديدا ومسؤوليه مختلفه.

لكن، وتبعا، للفيلم فان ما يكتشفه ليس كله حسن. المسلمون عنصريون كما اترابهم المسيحيين وعبد المالك الذي اقتبس الفيلم عن كتاب سيرته المنشور قبل عامين او نحوهما يحاول الموازاه بين الاتجاهين وجعلهما يصبّان في المصدر ذاته: الوضع المعيشي الصعب للشبيبه وذويهم من كلا الطرفين.

الافلام الاجنبيه التي تتناول الاسلام، بدافع مما يشهده العالم من احداث وما يعايشه من مواقف متطرّفه، تكاثرت في السنوات الاخيره. افلام كثيره، بعضها يعرض في مهرجانات صغيره لا نحضرها، وبعضها الاخر في مهرجانات كبري، وكلها تتمحور حول ما يحدث. لا احد يريد ان يضع نفسه حاكما (حتي الان) لكن الرغبه هي اما السعي للفهم الكامل واما للدفاع عن النفس الاوروبيه ضد ما يبدو انه يُحاك ضدّها او ضد ما يمثّله الاسلام من مواقف نقيضه، واما هي من مخرجين مسلمين معارضين لما يدور ويحاولون ممارسه الوقوف في الوسط بين التيارات. «الله يبارك فرنسا» هو احد هذه الافلام الاخيره.

لكن «هابي، الاجنبيه»، مثلا، هو من الفريق الاول. انه انتاج ارجنتيني برازيلي مشترك جري انجازه في العام الماضي وقامت باخراجه ماريا فلورنسيا الفاريز وبطلته فتاه مسيحيه شابّه وجميله اسمها اناليا وهي وصلت الي بيونس ايرس لتبيع حاجيات يدويه حاكتها والدتها في البلده الصغيره. تحط اناليا (تقوم بادائها مارتينا جونكاديللا) في فندق صغير يقع في حي سكاني مختلط وهناك تتعرف علي مسلمين وهي التي لم تلتق سابقا باي منهم. يثير الاسلام فضولها. تريد ان تعرف اكثر عن هذا الدين الذي تشعر بانه ثقافه مختلفه جذريا عن ثقافتها. تدخل مركزا تعليميا وتشاهد صوره لفتاه صغيره مفقوده اسمها حبيبه رافت فتقرر ان تستخدم هذا الاسم. ترحّب بها الفتيات ويمنحنها غطاء راس وتبدا بمتابعه دروس في القران الكريم والاشتراك في الصلاه.

تستخدم المخرجه بطلتها لسبر غور مجتمع قد يبدو غريبا للبعض، لكنه طبيعي في وجدانه وغير متكلف. طبعا هناك مشكله عاطفيه لاحقه عندما ينكر مسلم حبّه لهذه الفتاه حالما يعلم انها غير مسلمه (واجهته هي بالحقيقه)، لكن الفيلم لا ينتقد ولو انه لا يوافق ايضا. وهو يعرض مقارنه بين الثقافتين ففي حين ان المسلمات سعيدات وراضيات نجد مثيلاتهن الارجنتينيات غارقات في المتاعب او مثل اناليا نفسها وحيدات. المراه التي تقطن في الغرفه الملاصقه لغرفه اناليا تعامل بالضرب من قبل صديقها. مديره الفندق ماديه جشعه والعالم المحيط في شقّه اللاتيني مظلم والانسان فيه تائه. ذات مرّه تخلع اناليا الحجاب وتدخل مرقصا لكنها ليست سعيده. ما عادت تلك الحياه تثيرها. وحالها ليس كما عهدته سابقا. انه هنا احتاجت لان تسمع من حسن كلمه حب. لكن حسن، بعدما اكتشف حقيقه انها ليست مسلمه صرفها.. وها هي تعود الي بلدتها الصغيره في نهايه المطاف.

في المقابل، ولمن لم يلحظ بعد، هناك انحسار في عدد الافلام الهوليووديه المستعده للنيل من المسلمين او تصويرهم علي نحو نمطي. لا نتحدث هنا عن الافلام المتوجهه تلقائيا الي سوق اسطوانات الافلام، فهذه صعب حصرها، بل عن الافلام التي تنتجها استوديوهات رئيسه مثل كولمبيا وباراماونت ويونفيرسال وسواها.

انه كما لو ان الادراك بان هذه الافلام هي جزء من المشكله وليست جوابا عنها، وان الافلام التي تصوّر المسلمين والعرب كارهابيين تمادت في فتره ما قبل كارثه نيويورك 2001 فصار لزاما تحجيمها، او ان ما كان يعرض علي الشاشات من دون ردود فعل كثيره (باستثناء ردود فعلنا المحصوره في هذا الجزء من العالم) لم يعد ممكنا عرضه علي هذا النحو من دون مخاطر جمّه.

للمقارنه فقط، انجزت هوليوود في السبعينات 15 فيلما رئيسا حمل علي الاسلام والعرب (لا يفرّق بالضروره بين الشانين) من بينها «يوم الاحد الاسود» لجون فرانكنهايمر (1977) حول غاره ارهابيه يشنّها عرب والمان علي ميدان رياضي اميركي مكتظ لكن المخابرات الاسرائيليه تكشف وتساعد تلك الاميركيه علي التصدّي. قبله بعام قام المخرج سيدني لوميت بتحقيق «نتوورك» الذي يحذّر فيه من قيام سعوديين بشراء اكبر المحطات التلفزيونيه الاميركيه وتوظيفها لاهداف سياسيه!. ومن هذه الافلام ايضا «اشانتي» لرتشارد فلايشر (1979) الذي كال للعرب فاذا هم تجار رقيق خشنون وليسوا اهل ثقه يعاملون الغربيين معامله غير انسانيه وهم علي حق وما عداهم دوما علي باطل.

النسبه ذاتها سادت في العقود السابقه او زادت. والاسباب لا يمكن ان تكون مفهومه بالكامل او انها تصلح لان تخرج من نطاق نظريه الكره للاخر ومعاملته علي نحو عنصري تماما كما كان حال سينمات كثيره مع الاقليات في كل مكان.

في عام 1918 علي سبيل المثال، قامت شركه اميركيه صغيره اسمها «ناشنال فيلم كوربوراشن اوف اميركا» بانتاج اول فيلم من بطوله الشخصيه المشهوره طرزان تحت عنوان «طرزان والقرد». كان المؤلف ادغار رايس بوروز وضع الحكايه الاولي قبل ذلك التاريخ بسنوات قليله، والشركه استحوذت الفكره واطلقتها وحقق لها الفيلم ارباحا فوريه دفعها لانتاج فيلم اخر قبل ان تدخل شركه اكبر حجما (مترو غولدوين ماير) الحقل وتشتري حقوق كل ما لدي المؤلف من روايات طرزانيه.

هنا ما يستدعي الانتباه: يتمسّك الفيلم (الذي اخرجه سينمائي روتيني اسمه سكوت سيدني) باحداث القصّه علي نحو امين تماما. اذ تقرا الروايه الاصليه سوف لن تلحظ اي اختلاف جوهري: والدا طرزان ركبا السفينه من بريطانيا صوب المستعمرات البريطانيه في افريقيا للتحقيق في شكوي المواطنين من سوء المعامله. تمرّد علي ظهر السفينه يدفعهما للهرب بحاجياتهما. يجدان نفسيهما في الادغال ويبنيان كوخا. تلد الزوجه طفلا ثم تموت وهو لا يزال رضيعا. تخطف قرده الطفل وترعاه بينما يموت الاب وقد اضاع حبّيه. الفيلم، كالقصّه، يمضي ثلثه الاول في حكايه حول الاب وليس حول طرزان.

الاختلاف الوحيد هو ان الفيلم حشر العرب في ثلاثه مشاهد كلها عنيفه ودمويه. ليس مذكورا في نسخه عام 1912 وجود عرب. لكن الفيلم ابتدعهم واساء اليهم، فاذا هم تجار رقيق يكبّلون الافارقه ويقودونهم بعيدا عن قراهم تحت لذعات الاسواط والتعذيب. ثم هم في المشهدين الاخرين عنيفون شرسون وقتله. لا بد ان يكون هناك سبب ما لا علاقه له بالحقيقه. كذلك الحال مع كل تاريخ العلاقه بين الطرفين.

هذا لا يعني ان السينما الغربيه وقفت دوما علي نحو معاد لما هو اسلامي وعربي. سلسله افلام «السندباد» التي انتجتها هوليوود وبريطانيا في الستينات والسبعينات قدّمت بطلا فذّا. ومن قبل في «لص بغداد» لراوول وولش (1924) فان العنوان وحده مجحف، اما المضمون فهو بطولي ناصع. وفي مقابل «روزبَد» و«يوم الاحد الاسود» و«نتوورك» وسواها في السبعينات، كان هناك «الريح والاسد» لجون ميليوس (1975) وهو فيلم نادر من حيث جوهر موضوعه ومختلف عن كل فيلم اخر دارت احداثه في صحاري شمالي افريقيا. شون كونيري يوفّر شخصيه عربيه رزينه وحكيمه ومع نهايه الفيلم تبقي صوره بطله، مولاي الرسولي، بارقه اذ هو يافع عن المراه وعن ثقافه الصحراء وتقاليدها الاخلاقيه.

في الثمانينات، قام المخرج الفرنسي كوستا غافراس بتحقيق «هانا ك.» حول حكايه ذلك الفلسطيني (محمد البكري) الذي يقنع المحاميه الاسرائيليه (الراحله جيل كلايبورغ) بحقه في العوده الي ارضه ضد من يحاول منعه والاستيلاء علي ممتلكاته من الاسرائيليين. هذا النقد للسياسه الاستيطانيه لم يكن مسموعا (ولا مسموحا) به انذاك. والمخرج توقّف بعد ذلك عن العمل بضع سنوات الي ان تقرر نسيان هذه السابقه ومحوها من تاريخه.

عندما ازداد عدد الافلام المعاديه بالظهور من شركات هوليووديه في الثمانينات والتسعينات، كانت ردود الفعل الرافضه اخذت بالارتفاع. صوتها المحجوب اعلاميا لم يجعلها مسموعه، لكن اذا ما كانت هناك افكار شائعه اليوم من ان «الغرب ضدّنا» وان «السينما الاميركيه تصوّر المسلمين علي نحو مشوّه ومسيء» فانها وُلدت هناك علي يدي افلام مثل «بروتوكول» لهربرت روس حيث الشيوخ العرب والمثليون في موقع واحد و«سُلطه» لسيدني لوميت حيث وضعوا احد مرشّحي الرئاسه الاميركيه في جيبهم ضد المرشّح اليهودي ذي الحظ الضعيف في الفوز لولا تنبّه المدير الاعلامي للمرشّح المسيحي فاذا به يغيّر معسكره ويصطف لجانب المرشح الضعيف، ومثل «جوهره النيل» للويس تيغ، حيث الشعوب العربيه تستحق ما يحدث لها فهي دائما مع الحاكم الجديد حتي ولو مارس السلطه ذاتها. في «ايرون ايغل» و«دلتا فورس» العرب يستحقّون الاعدام من دون محاكمه، وفي «شروط التعامل» (وليام فريدكن، 2000) كلهم متواطئون ضد الاميركي.

نرشح لك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل