المحتوى الرئيسى

«دوريان جراى».. بيننا

09/23 10:33

كان اوسكار وايلد «1854 ــ 1900» كتب روايته «صوره دوريان جراي» تعليقا علي حالنا، بخصوص الدعوات المحمومه، المطالبه بتجميل صوره مجتمعنا علي الشاشتين، الكبيره والصغيره، مع الالحاح علي تحسين صورة المرآة.. الاديب البريطاني، ابن العصر الفيكتوي، فيما يبدو، ادرك، الهوه العميقه، الواسعه، الفاصله بين مظاهر الورع والبراءه، وحسن الخلق، التي يتحلي بها المجتمع، مظهريا، وحقيقته التي تتسم بالجشع، والفساد، وسوء الطويه، وبالتالي ابدع «صوره دوريان جراي»، التي تشير، في بعد من ابعادها، الي الرغبه في تزييف الواقع، واخفاء الدمامه، كي تبدو الامور طيبه، لامعه، براقه.

قبل ظهور «دوريان جراي» باربع سنوات، نشر روبرت لويس ستيفنسون عام 1882 روايته الذائعه الصيت «دكتور جيكل، مستر هايد» التي تاثر بها اوسكار وايلد، والتي تبين، بجلاء، التناقض الصارخ، داخل الفرد او المجتمع، بين ما يتسم به، نهارا، حيث الدماثه والطيبه، وما يمسي عليه ليلا، حيث اطلاق الغرائز وممارسه الجريمه.

«صوره دوريان جراي»، تلقفتها السينما مبكرا وقدمتها في فيلم صامت فيلبيس سمالي 1913، ثم ابيض واسود لالبرت يوين 1945، وبعد ثمانيه افلام اخري، ظهرت من جديد، علي الشاشه الصغيره، في عمل مبهر، بتوقيع توني مايلام 1983، الذي نقل احداثها، من لندن، القرن التاسع عشر، الي امريكا القرن العشرين.. اختفت الشوارع المظلمه، ودخان المصانع، والقطارات التي تسير بالفحم، لتحل مكانها الكباري العلويه، السيارات، الطرق السريعه، وعالم السينما بدلا من دنيا المسرح، وناطحات السحاب بدلا من البنايات القليله الطوابق، وغير العنوان ليصبح «خطايا دوريان جراي».. والاهم ان الفيلم حول «دوريان» من شاب الي شابه، باداء الممثله الاستراليه المولد، بليندا باور، وفضل ان تكون نجمه سينمائيه، باسم «دوريان»، وحافظ علي ذات الطباع: الانانيه، الغدر، الجنوح للقتل وارتكاب المعاصي، واستبدل اللوحه بمشهد لها، يبرز رقه تقاطيعها وشفافيه وجهها، ومع ايغالها في الفساد، تدب الدمامه في صورتها علي الشاشه، معبره عن جوهرها الذي لا تطيقه.. وها هي، في نوبه اقرب للجنون، تطعن الشاشه بخنجر، تخر صريعه وقد اصبح وجهها علي قدر كبير من البشاعه.

جدير بالذكر ان الروايه، خلال القرن العشرين وما بعده، جري تقديمها، في مسلسلات، وافلام كارتون، واعمال موسيقيه استعراضيه، واقتبسها للمسرح العديد من الكتاب، من بينهم، الشهير جون اوزبورن، الذي حافظ علي عنوانها، وابرز مغبه عدم الاعتراف بالواقع، ورعونه استنكار الفن، اذا عبر عن الحقيقه.

«دوريان جراي»، الي جانب كونه شخصيه، هو فكره، وموقف، اراه يعيش حولنا، ومعنا، يندفع ليصب جام غضبه علي الصوره التي تكشف تشوهاته.. نظره واحده لصفحه الحوادث، في اي صحيفه، ستقرا عناوين مكرره، ذات طابع ميلودرامي، من نوع «ام تلقي بناتها الخمس بميدان الجيزه لعدم قدرتها علي علاجهم من الجذام»، «سيده تخطف ابنها وتطلب فديه من زوجها»، «هروب جماعي للمساجين»، «حبس 3 امناء شرطه لاتهامهم بتهريب متهم».. وحول غلامين اغتصبا شابه وقتلاها تقرا «سفاحان لايزال القانون يصفهما بالابرياء».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل