المحتوى الرئيسى

في ذكري عرابي زعيم القومية المصرية

09/22 00:20

«كاني فلاح من جيش عرابي... مات علي الطوابي وراح في بحرك» كلمات فؤاد نجم في قصيدته في الاسكندريه غناها الشيخ امام فلم تنتشر ويذيع صيتها الا عندما غناها محمد منير بلحن مميز... كانت تلك الكلمات في الاغنيه التي راجت وانتشرت هي من افضل اعمال الانصاف والتكريم للزعيم المصري احمد عرابي... فلقد جسد الشاعر مصر كلها في «عرابي» وجعل جيشها هو جيش «عرابي» مصحوباً بالتضحيه والفداء والاستشهاد علي قلاع المدينه وهذا المعني وصل الي الناس ببساطه وبسهوله وتلك هي عبقريه الفن التي انصفت «عرابي» بتلقائيه ذكرت العقل الجمعي للاجيال الجديده للمصريين بقيمه وقامه «عرابي» الوطنيه.

< تعرض احمد عرابي لحمله منظمه من اعدائه وخصومه للحط من مكانته في نفوس المصريين وتحميله كافه الكوارث التي حلت بالوطن لجهله ورعونته وانسياقه خلف الخزعبلات ومن المدهش ان اثار تلك الحملات البغيضه قد بقيت اثارها تتردد في الذاكره التاريخيه للمصريين وقد نظم تلك الحملات الخديو «توفيق» ومن بعده الخديو عباس حلمي ابنه وتركوا اثارها في كتب التاريخ العامه وكتب التاريخ الدراسيه المقرره وقد سطر تلك الحملات رجالات هؤلاء الحكام من كُتاب ومؤرخين وشعراء... فيقول محمد رفعت بك الحائز علي الاستاذيه من ليفربول وواضع كتب التاريخ المقرره للثانوي طيله عقود العشرينيات وصولاً للاربعينيات... يقول في كتابه تاريخ مصر السياسي في الازمنه الحديثه والمقرر للسنه الرابعه الثانويه اصدار 1938 «وقد اثرت في (عرابي) تربيته الدينيه الاولي فكان يكثر من اقامه حلقات الذكر ويعتقد في بركات اولياء الله وفي التمائم والرقي وفي كثير من الخزعبلات التي ليست من الدين في شيء وقد غالي في ذلك كثيراً حتي انه اقام في ليله موقعه التل الكبير حلقه كبري للذكر دعا اليها من المنيا زعيم احدي الطرق الصوفيه واتباعه... كل هذا يدل علي ان (عرابي) لم يكن يفضل الفلاح المصري الساذج بكثير من العلم او المعرفه» فقد كان «عرابي» ورماً مؤرقاً في ذهن «توفيق» وابنه «عباس» وحلفائهما وابناء طبقتهما من اتراك وشركس ومصريين موالين لهم فكانت تلك النوعيه المثيره للاشمئزاز هي التي يحرصون علي بثها وتدوينها لتصبح هي المرجع الباقي.

< مصطفي كامل وحزبه وقد ارتمي في احضان «عباس» ما ان عاد «عرابي» الي الوطن حتي شنوا عليه حمله لا هواده فيها عبر مجله اللواء... و«شوقي» امير الشعراء والذي نشا وتعلم في سري «توفيق» ومن بعده عباس حلمي كان واجباً ان يرد الجميل فاخرج اسوا ما اخرج للعربيه في ثلاث قصائد لعل اشهرها «صغار في الذهاب وفي الاياب... اهذا كل شانك يا (عرابي)» وفي اخري «(عرابي) كيف اوافيك الملاما.. جمعت علي ملامتك الاناما»... اما عبدالرحمن الرافعي المؤرخ المنتمي للحزب الوطني وحركه 23 يوليو فيقول «اما (عرابي) فنزوعه للثوره لا يرجع الي احساس وطني او شيء من هذا القبيل وانما لمجرد ان اصله بدوي ومعلوم ان اكثر البدو يميلون الي التمرد والثوره علي انهم سرعان ما ينقلبون خاضعين اذا انسوا القوه من جانب خصومهم وهذا ما انتهي اليه (عرابي)»... هكذا ببساطه وعنصريه فجه يتحدث «الرافعي» وليس هذا بغريب عليه فعندما وصف عوده الوفد في عام 1950 بفوزه في الانتخابات البرلمانيه كتب يقول عوده حكومه الاستبداد!

< وقعت مصر فعلياً في اسر الاحتلال الاجنبي في 1876 علي يد المراقبه الثنائيه لاجل ديون مصر التي تورط «اسماعيل» فيها وادخل مصر علي اثرها في ربقه الاحتلال... ولا شك انه في عصر «اسماعيل» قد تفتحت الاذهان واصبح التطلع الي الدوله الحديثه الديمقراطيه ذات المجالس النيابيه وحقوق المراقبه والمحاسبه... كل هذا شاعت افكاره مع نهضه التعليم والترجمه وتداول الصحف وظهرت ايضاً التجمعات السياسيه والجمعيات الفكريه فكان ظهور جمعيه حلوان في 1879 وعلي راسها شريف باشا واسماعيل راغب ومحمد سلطان وتكونت جمعيه سريه بين ضباط الجيش اسسها علي الروبي وانضم اليها «عرابي» وعلي فهمي وكانت هي المحرك الاساسي للمظاهره العسكريه في 18/2/1879 وحدث التقارب بين الاثنين فكان الحزب الوطني الاول والذي حمل بيان تاسيسه ما جاشت به نفوس المصريين من رفض لسياسات الاستبداد والتبذير التي اتبعها «اسماعيل» ورفض لاساليب التدخل الاجنبي والرغبه في نشر التعليم والتنوير والوصول الي الحكومه المسئوله امام مجلس نيابي يعبر عن الامه.

< تصاعدت الاحداث السياسيه من رفض الوزاره الاوروبيه الي خلع «اسماعيل» الي رفض وزاره شريف رقابه مندوبي انجلترا وفرنسا الي اضطهاد وزير الحربيه الشركس للضباط المصريين.. كل هذا مهد الطريق الي خروج «عرابي» علي راس الجيش الي قصر عابدين ومطالبه «توفيق» بدعوه مجلس النواب للانعقاد واصلاح قيادات الجيش واصدار دستور للبلاد في مواجهه حاسمه حملت مطالب الشعب المصري... استطاع «عرابي» ان يوحد مطالب الشعب وتذمر المصريين داخل الجيش وان يكون هو المعبر عن سطوع القوميه المصريه في مواجهه الاستبداد ومطامع الدول الكبري في النيل من الوطن... لم يكن «عرابي» ساذجاً وهو يواجه خيانه «توفيق» واستدعاءه للاجنبي واحتماءه به... ولم يكن غافلاً وهو يواجه انجلترا وفرنسا والمانيا والدوله العليه دوله الخلافه... واجه جيوش انجلترا (خمسون الفاً) بجيش لم يزد تعداده علي 13 الفاً فالتف حوله المصريون من كل حدب وصوب جادوا بنفوسهم واموالهم وطعامهم... لم يضحك عليه «دليسبس» كما روجوا ولكن «عرابي» احترم حق الملاحه الدوليه في القناه وكان مؤتمر الاستانه منعقداً... واجه الجيش المصري الانجليز في كفر دوار واوقعوا بهم خسائر جسيمه وايضاً في القصاصين وكانت الخيانه من محمد سلطان وعلي يوسف الشهير بـ«خنفس» ومسعود الطحاوي ورش البقشيش من الخديو والانجليز حتي اصبح المثل الشعبي الولس كسر «عرابي»... حمي «عرابي» مدن مصر وعاصمتها ولم يورطها في فتن ضد الاجانب او في مغامرات تؤدي الي تحويلها الي خرائب... كان في محاكمته شامخاً صلباً لم ينكسر ولم ينحن... ذهب الي المنفي وعندما عاد تهرب منه الاصدقاء والحريصون علي الحياه ولكن المصريين احاطوا به اكباراً واجلالاً وعاش في حي السيده زينب في شارع خيرت بجوار مسجد الرماح وتوفي في 22 سبتمبر 1911 عن سبعين عاماً فخرج الالاف خلفه من منزله حتي قبره بالامام الشافعي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل