المحتوى الرئيسى

الدنمارك.. برلمان قوى وإحياء يومى لقيمة العمل

09/21 15:46

من اي منطقه تقرا تجربه الدنمارك؟ من كوبنهاجن العاصمه الصاخبه الكوزموبوليتنيه التي تضم اعراقًا واجناسًا مختلفه من كل قارات الارض، تلك العاصمه التي تستدعي حياءك وشرقيتك؛ عندما تجد ذكرًا عاريًا مفتون بجسده الذي تسكنه انثي

من فوق خشبه المسرح امام البلديه، في حفل للمثليين، ام من الجزر الصغيره المحافظه التي تشكل هويه البلد السعيد، وتقبض علي حضارته بقوه وكانها التميمه السحريه التي اوصلت بلاد الفايكنج الي ذلك المستوى المعيشي المرتفع الممزوج بكل رفاهيات الحضاره، وهؤلاء السكان الطيبون الذين يتفرسون غربتك من وجهك فيقدمون لك المساعده والابتسامه؟!

الطعميه تمثل مصر في اودنس!

وصلت الي العاصمه كوبنهاجن ومنها بالقطار الي مدينه اودنس، وهي مدينه صغيره تقع في شمال الدنمارك وتبعد نحو ساعه ونصف بالقطار السريع عن العاصمه، بدت المدينه الصغيره الهادئه انيقه في كل شيء تقريبًا محطه القطار، والشوارع، والمنازل ذات الطابقين، والكنائس، والمتاجر، اما السكان القليلون فكانوا فوق اناقتهم يقدمون نموذجًا انسانيًا رائعًا في تقديم المساعده للغرباء في الوصول الي وجهتهم. نزلنا في فندق في وسط المدينه تغلب عليه البساطه والاناقه معًا. لم تغب الشمس في السادسه او السابعه ظلت باقيه حتي التاسعه ليلا ولكن وجودها لم يمنع البرد القارص من فرض وجوده، خصوصاً مع زائر قادم من مناخ استوائي! عرفت من (وليد)، وهو عراقي الجنسيه، جاء الي الدنمارك في التسعينات مع اسرته لاجئًا، وقت حرب الخليج، ان هناك مطعمًا عربيًا في الجوار يسهر كعاده العرب الي ما بعد السادسه مساءً حيث تغلق كل الانشطه التجاريه ابوابها مع حلول السادسه في كل المملكة الدنماركيه. هناك تعالت اصوات عربيه بلهجات غير مصريه ولكن رائحه (الطعميه) كانت تشكك في ذلك وتحرضك ان هناك تمثيلا مصريًا في اودنس! هي اسره عراقيه مكونه من 6 اشقاء والاب والام، يديرون المطعم الصغير الذي يقدم الوجبات للعرب المقيمين هناك وهم من جنسيات مختلفه وان كانت القله منهم من المصريين. ماذا عن الطعميه المصريه؟ تعلم اصحاب المطعم الوجبه المصريه؛ من طهاه مصريين كانوا يعيشون في العراق قبل حرب الخليج، وبقيت معهم حتي نزحوا الي الدنمارك في تسعينات القرن الماضي.

عرب منعزلون.. ام دنماركيون عنصريون؟

لم يخف العراقيون من اصحاب المطعم وكذلك الزبائن العرب الساهرون في ليل المدينه الهادئه، المتاعب التي يواجهونها في الغربه، ومنها الضرائب الضخمه التي تصل الي 40% من اجمالي الدخل، وحاله العزله التي تفرضها الدنمارك علي نفسها وقله فرص العمل في المدن الصغيره، مما يؤدي الي نزوح السكان والمهاجرين الي كوبنهاجن، وتبعيتها للولايات المتحده بحسب احد الاكراد الذي كان يبدو مصرًا علي وحده العراق بصداقته مع اصحاب المطعم السنه. لم تنته اتهامات العراقيين لاهل البلد بالعنصريه وتضمين واقعه الرسوم المسيئه ضمن ذلك، بل استمر الحديث عن العنصريه حتي عصر اليوم الثاني.. "انعام نبيل" فتاه عشرينيه دنماركيه من اصل فلسطيني، وتعرف نفسها انها مسلمه عربيه دنماركيه الجنسيه، درست العلوم السياسيه والاعلام، كانت ربما اكثر حماسًا في عرض زاويه العنصريه في المجتمع الدنماركي، فيما يتعلق بتعامل الدنماركيين مع اللباس الاسلامي (الحجاب)، تقول انعام نبيل ان المهاجرات العربيات يواجهن عنصريه من اصحاب البلد في التعامل مع الحجاب، ويتعرضن في الشوارع لمضايقات، ولا تكتفي "نبيل" بالتنديد بتلك العنصريه، بل تسوق لتلك القضيه في الاعلام الدنماركي والمنتديات الحقوقيه هناك، وتحل ضيفه علي الفضائيات واغلفه الصحف المحليه بترحيب من الدوائر الاعلاميه الرسميه والخاصه الدنماركيه!.. ونحن نترجل في حي اللاجئين في مدينه odence الذي لم يختلف كثيرًا عن احياء المدينه سوي في عمارته، ذكرت "انعام نبيل" ان اللاجئين من العرب والصوماليين يعيشون في عزله عن المجتمع الدنماركي، وان هناك من يحكم الحي.. وهم مجموعه من 50 شابًا عربيًا يمارسون سطوه ونفوذاً علي اللاجئين. وتفتح لك احاديث العرب هناك عن الغربه وقسوتها اسئله عده، اولاها عن تلك العزله الاختياريه التي اختارها المهاجرون العرب في عدم الاندماج باول الوسائل وهي تعلم اللغة الدنماركية.

يبلغ عدد سكان الدنمارك نحو 5 ملايين ونصف المليون مواطن، 90% منهم مسيحيون من مذهبي الكاثوليك والبروتستانت، وباقي السكان من المسلمين واليهود وديانات اخري، ويبلغ عدد اللاجئين في الدنمارك 600 الف مهاجر ـ بحسب اخر الارقام المعلنه من الحكومه- ويعاني الهرم السكاني في الدنمارك من الشيخوخه، ما اضطر الحكومه الي رفع سن الاحاله الي المعاش الي 67 عامًا، ويبلغ متوسط الاعمار 80 عامًا بالنسبه للرجال و82 عامًا للسيدات، مع وجود نسبه عاليه في الاصابه بمرض السرطان، ونفذت الحكومه نصائح خبراء الاقتصاد بفتح باب الهجره واستقبال اللاجئين لسد العجز في العماله، علي رغم اعتراض السياسيين المحافظين. تقدم الحكومه مزايا عده للاجئين ومنها حق العلاج المجاني والتعليم واعانه البطاله ورعايه الحوامل طيله فتره الحمل ورعايه الاطفال من سن 3 شهور حتي 18 عامًا. وبالتوازي فان الحكومه لا تمنح الجنسيه للاجئين الا بعد مرور 7 سنوات علي اقامتهم في الدنمارك واتقانهم اللغه وتاريخ المملكه والزواج من دنماركيه.

"البط" بطل قصه شاعر الدنمارك من مقتنيات متحفه!

وانا علي اعتاب بيت هانس كريستيان اندرسن، الروائي والشاعر الدنماركي الشهير، الذي تحول الي متحف اقليمي في مدينه اودنس، اشعرتني تعليمات مديره المتحف الشقراء العجوز، وهي تنبه بعدم استخدام الفلاش في التصوير الفوتوغرافي؛ حرصًا علي مقتنيات المتحف، وترك المتعلقات الشخصيه في غرفه مخصصه، وكانني سادخل الي مقبره (توت عنخ امون) في البر الغربي في الاقصر ــ وهي ضمن المقابر التي كانت وزاره الاثار تتخذ احتياطات واسعه في زيارتها، قبل ان تغلقها نهائيا امام الزوارــ وما بين حفظ تاريخ شاعر الدنمارك بتحويل بيته الفقير وحفظ وعرض ادوات والده الاسكافي في فترينات متحفيه! واتلاف تاريخ توت عنخ امون ورفاقه من فراعنه مصر وبيع اثارهم التي لا تقدر بمال.. فارق كبير بين مصر والدنمارك. يقبض الناس هنا في الدنمارك علي تاريخهم وحضارتهم جيدًا وهم يتحدثون بتاثر شديد، علي رغم قله عدد السكان مقارنه بالمساحه التي يعيشون عليها، عن الحروب التي افقدت الدنمارك اجزاء من اراضيها، واصبحت دولا مستقله مثل السويد. كانت مديره المتحف تشرح بفخر شديد تاريخ "اندرسن" ورحلته الحياتيه واعماله الابداعيه مثل "عقله الاصبع، وجندي الصفيح، ومملكه الثلج، والحريه الصغيره"، وغيرها من الاعمال التي تُرجمت الي 150 لغه في العالم. وكنت اقف مبهورًا بطرق العرض المتحفي والاضاءه وبقاء المقتنيات العاديه حتي الان. وبتخصيص اداره المتحف قاعات واسعه تصور اعمال رائد ادب الاطفال في الدنمارك، ومراحل حياته، وفي جزء اخر من المتحف؛ يوجد منزل "اندرسن" ومتعلقاته الشخصيه وسريره وكل شيء تقريبًا كان يستخدمه في حياته، حتي (البط) الذي ذكر في قصصه، استعانت اداره المتحف باسراب منه لتتجول في حديقه المتحف!

التدخين ممنوع في حظائر الحيوانات!

يتمتع الدنماركيون باعلي مستويات الدخل وتتراوح قيمه الرواتب ما بين 4ـ 5 الاف يورو شهريا، وعلي رغم تبعيه الدنمارك للاتحاد الاوروبي، غير ان الحكومه تفضل التعامل بالعمله المحليه "الكورونا" حفاظًا علي الهويه، داخل البلاد؛ الي جانب "اليورو". وعلي طول الطرق المؤديه الي الجزر والمدن الصغيره في الدنمارك، توجد مزارع الخيول والماشيه، في مدينه "سفنبرج" الساحليه والتاريخيه، يعيش "سان" وهو شاب في العشرينات من عمره، في ضاحيه (Radme)، ويعمل مربيًا للماشيه، وورث المزرعه عن والديه.. يتحدث "سان" عن عمله باعتزاز شديد وانه سيورث عمله لابنائه الثلاثه، ولا تبهره مطلقًا أضواء المدينة حيث يعيش في منزل يبعد عن المزرعه 500 مترً، تدار مزرعه الماشيه هناك كمؤسسه تجاريه، في مزرعه "سان" توجد نحو 560 بقره في عنبر كبير له عدد من الملحقات مثل غرف "الحلب" وحضانات صغار الماشيه، ومخازن العلف، ويعمل بالمزرعه 3 عمال باجر 140 كورونا في الساعه، وتدر دخلا سنويا 2 مليون كورونا علي ملاكها، بما يعادل 266 الفاً و790 يورو تقريبا، وحوالي 2 مليون و515 الف جنيه مصري تقريبا. ويخشي الشاب علي ثروته من رؤوس الابقار من التدخين السلبي! فيقولك بلباقه ان "التدخين ممنوع داخل الحظيره"، ويقوم مالك المزرعه باستزراع نحو 38 فدانًا من الذره لاستخدامها علفًا للماشيه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل