المحتوى الرئيسى

اللعب مع الفراعنة..!

09/18 11:16

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

لا ينجو أبداً من استهان أو أراد سوءاً بهذه الأرض وشعبها.. وقد ثبت أن التاريخ نفسه لا يجرؤ على تسجيل مفردات تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط دون عرضها مسبقاً على مصر ليحصل على مباركتها أولاً قبل أن يشرع في ضمها لسجلاته، وهي التي حفلت مؤخراً بالعديد من المتناقضات والتعقيدات بفعل ممارسات صبيانية للاعبين جدد ظهروا فجأة على الساحة.. أيام ويعود للمنطقة السيد/ جون كيري حامل أختام العم سام، ومنسق علاقات الخارجية الأمريكية بعد أن يفرغ من اجتماعات حلف الأطلنطي "الناتو" المقرر عقدها خلال ساعات في العاصمة البريطانية، وسيصطحب معه وزير الدفاع الأمريكي السيد/ تشاك هاجل محملاً بهدية ثمينة لمصر من طراز الأباتشي.. كيف لا وهو المنوط رسمياً بعطايا الدفاع والمناورات الاستراتيجية الأمريكية...

زيارة الأخير لمصر تأتي في إطار لا يشوبه الكثير من الود، حيث أن أخر زيارة له في ربيع 2013 جاءت في أعقاب عدة مقابلات رسمية قام بها في السعودية والأردن وإسرائيل قبل وصوله للقاهرة.. وقد تم تفسير ملامح تلك الزيارة حينها على أنها نوع من الدعم الحذر للنظام الحاكم حينها في مصر، دون الالتزام بأي تعهدات أو اتفاقيات، وأيضاً لجس نبض الإدارة المصرية الجديدة تجاه ملفات ساخنة كالملف السوري، والملف النووي الإيراني بالإضافة للملف الحدودي في منطقة سيناء، الذي أربك حسابات دولة الاحتلال الحليفة بشكل مباشر في ظل التقارب بين الجماعات المسلحة هناك وجماعة الإخوان المسلمين الموالية للنظام في مصر، وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك، وقيل أن الزيارة تأتي في إطار توجه أمريكي لقطع الطريق أمام أي تحالفات استراتيجية متوقعة قد تطرأ على الساحة بين مصر ودول منافسة في المنطقة كروسيا والصين.

عودة هاجل بصحبة كيري للمنطقة تحمل رسالة واضحة من الغرب.. وهي طبقاً لمصادر إعلامية غربية تأتي لاستئناف مسلسل الشراكة الاستراتيجية التي أصيبت مؤخراً بالفتور، خصوصاً مع الدول الأكثر تعرضاً للتهديد المباشر من الإرهاب.. وقد أبرزت صحيفة نيويورك تايمز دعوة كيري لإنشاء حلف عالمي واسع لمحاربة تنظيم "داعش"، ونسبت إليه أنه سيعمل مع هاجل على هامش قمة حلف الأطلنطي على تشكيل هذا الحلف مع شركاء بلاده الأوروبيين قبل التوجه لمنطقة الشرق الأوسط.. في نفس السياق صرح البيت الأبيض أن الرئيس أوباما سوف يقدم اقتراح باستراتيجية لمواجهة داعش خلال قمة مجلس الأمن الدولي الذي تتولى الولايات المتحدة رئاسته هذا الشهر.. فهل يستدعي الأمر فعلاً كل هذه المقدمات..!؟

جاش إيرنست المتحدث باسم البيت الأبيض أكد أن أوباما يسعى لإقامة تحاف سُني مع دول المنطقة ومع القبائل السُنية في العراق لمواجهة داعش..! لكن ظني أن تلك الاستراتيجية الأمريكية تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فالإدارة الأمريكية تأبى وأن تعترف بسقوط مخططاتها لتقسيم المنطقة لدويلات عرقية، وأجدها مازالت تسعى إلى هذا الهدف غير عابئة بكم الضحايا والخسائر والتي أحدثتها إرهاصات الفوضى الخلاقة التي اجتاحت الشرق الأوسط مؤخراً وبدأت تتكشف ملامحها مع افتضاح النوايا الخبيثة لأصحاب المصالح في المنطقة.. ويبدو أن الإدارة الأمريكية وحلفائها في الغرب قد أجمعوا الرأي على حتمية زرع نبتة شيطانية جديدة في المنطقة لاستكمال مخطط التقسيم، ولتكون في شكل دولة كردستان الكبرى..! الأكراد هم قوة لا يستهان بها، وطموحاتهم القومية بلا حدود، على الرغم من اختلاف مواطنهم، وهم بلا شك سيشكلون غصة في حلق كل قوى المنطقة بين العراق وسوريا وإيران وتركيا وغيرها حيث يتواجدون كأقليات عرقية مؤثرة، بل سيشكلون ظهيراً مناوئاً لدولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها..

الدولة الكردية ستحقق طموح أقلية تحلم منذ زمن بوطن مستقل، وولاء هؤلاء مضمون مستقبلياً نظراً لامتداد جذور العداء بينهم وبين جيرانهم بالمنطقة، وفي ظل تاريخ المذابح التي حدثت بحقهم من جانب الدولة التركية أثناء انتفاضة سعيد بيران الزعيم الكردي 1865 : 1925 والقبض عليه وإعدامه وما تبعه من تصفيات عرقية عنيفة راح ضحيتها مئات الألاف من الأكراد بحسب مذكرات جواهر لآل نهرو عن اعترافات حكومة أنقرة، وأيضاً ما حدث من مذابح كرمنشاه بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في شتاء عام 1979 وعدم السماح للأكراد بالمشاركة في كتابة الدستور الإيراني ومنع عبد الرحمن قاسملو 1930 : 1989 وهو من أبرز القيادات الكردية حينها من المشاركة بإيعاز من الخميني لما في اشتراكه من خطورة لها بعد قومي وديني، وأيضاً لكون أغلبية كرد إيران من السُنة..! ناهيك عن تراث الدم المتوارث بين أكراد العراق والبعثيين بداية من مذبحة حلبجة ومقتل الألاف بالغاز على الطريقة النازية وطريقة بول بوت في كمبوديا، ووصولاً إلى جرائم التطهير العرقي في الأنفال التي اشرف عليها علي حسن المجيد الشهير بعلي الكيماوي القيادي بحزب البعث العراقي وابن عم صدام حسين..

العم سام لا يتحدث سوى لغة المصالح فقط.. وهو لا يتحرك حباً في الأكراد، ولكن حرصاً على توازنات وتحالفات تخدم بلاده في المقام الأول، وهو يعلم تماماً أن مصر هي من أغلقت في وجهه العديد من الأبواب التي فُتحت في الماضي على مصراعيها.. وفي اعتقادي أن في هذا تسليم ضمني بأهمية دور مصر لدى التعامل مع أي من ملفات المنطقة شديدة التعقيد في المرحلة القادمة.. فأحفاد الفراعنة مازالوا يظهرون براعة غير مسبوقة في التعامل بحرفية وحنكة مع كافة الظروف والمتغيرات، واللعب معهم بأساليب المراوغة والشد والجذب ليس بالأمر السهل..!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل