المحتوى الرئيسى

بين ميراث الاستبداد والتحوُّل الديمقراطي: 3 تجارب لإصلاح أجهزة الشرطة

09/08 11:02

يقع جهاز الشرطه دائمًا في القلب من اي نظام استبدادي، يفرض سطوته علي المواطنين، ويخلق حالهً من القمع والخوف العام. مرَّت العديد من الدول التي خرجت من انظمه شموليه بتجارب مختلفه لتحويل دور الشرطه من خدمه النخبه السياسيه، وحمايه امن النظام، الي خدمة المجتمع وتطبيق القانون. نعرض هنا ثلاث تجارب؛ كان لكل منها ظروف وسياسات مختلفه، ونتائج مختلفه كذلك.

جورجيا: سياسه «البتر» تُجدي احيانًا

في عام 2003، شهدت جورجيا ثورة سلمية علي الرئيس إدوارد شيفرنادزه؛ فاجبرته علي الاستقاله مظاهرات ضخمه بالنظر الي عدد السكان الذي يبلغ 6.5 مليون نسمه، وتولَّي قائد المعارضة ميخائيل ساكاشڤيلي انذاك رئاسه البلاد بعد فوزه بالانتخابات بنسبه تجاوزت 96% من الاصوات.

قامت «ثوره الزهور» في جورجيا وفيها جهاز شُرطه فاسد، يقوم علي الرشاوي، وعلي اشتراك قاده الشرطه وافرادها انفسهم في اعمال غير قانونيه مثل الابتزاز وتهريب المخدرات، نظير حمايه الشرطه لنظامٍ وصلت نسبه تاييده بين المواطنين قبل سقوطه الي 5% فقط.

بدا ساكاشڤيلي، ذو الـ 36 عامًا انذاك، واعضاء حكومته الاصغر سنًّا، في تنفيذ برنامج انتخابي يقوم علي مبدا واحد هو «القضاء علي الفساد»، وكان ذلك يتطلَّب مواجهه معقل الفساد الاول: جهاز الشرطه.

في يومٍ واحد امتلات سجون جورجيا بافراد شرطه المرور؛ فقد قررت «ايكاترينا» نائبه وزير الشؤون الداخليه ذات الـ 27 عامًا، فصل كامل لجهاز شرطه المرور من الخدمه، وايداع المرتشين منهم في السجون. في يومٍ واحد، ارتفع عدد نزلاء السجون من 500 الي 3500 شخص.

ظلَّت شوارع جورجيا بلا شرطي مرور واحد لمده ثلاثه اشهر كامله، كانت الحكومه خلالها تُعد افرادًا مدنيين ليحلوا محل شرطه المرور؛ باداء احترافي، وزي جديد، وسيارات جديده، ورغبه في خدمه المجتمع. اعتمدت سياسه الحكومه الجورجيه الجديده في تعاملها مع جهاز الشرطه الذي كان مبنيًّا علي طريقه جهاز المخابرات السوفيتي (KGB) علي «البتر».

اعادت الحكومه بناء جهاز شرطه في عامين، دون وجود فرد واحد من الشُرطيين السابقين، في قرارات متتابعه وسريعه لم تُمكِّن الفاسدين منهم بتعاونهم مع شبكات المُهربين والمجرمين من تنظيم صفوفهم لمواجهه القرارات التي كانت تحظي بتاييد شعبي كبير، وانخفض عدد افراد الشرطه من واحد لكل 78 مواطنًا الي واحد لكل 214 مواطنًا.

اقرا المزيد عن تجربه جورجيا من هنا.

التشيك: التخلص من ميراث الاستبداد الثقيل

بعد 40 عامًا من حكم النظام الشيوعي الاستبدادي للتشيك (تشيكوسلوفاكيا انذاك)، اسقطت «الثوره المخمليه» النظام البوليسي في عام 1989، وبدات رحله التحول الديمقراطي علي يد الرئيس المنتخب لفتره مؤقته فاتسلاف هافيل.

كان جهاز الشرطه في العهد الشيوعي يعتمد علي تركيبه منفصله عن الشعب؛ تقوم فيها الشرطه السريه ووزاره الداخليه بمراقبه المواطنين، وملاحقه المعارضين، وتقييد الحريات العامة بهدف «حمايه النظام الشيوعي»، بصلاحيات مُطلقه في تتبع المواطنين والقبض عليهم باعتبارهم خطرًا علي الامن القومي.

تفكيك العقليه الحاكمه لجهاز الشرطه تم في التشيك بطريقه اكثر تدرجًا من جورجيا في التعامل مع افراد الشرطه، لكن الحكومه كانت اكثر حسمًا في اعاده هيكله نظام الشرطه؛ فاعلنت الحرب علي الشُرطه السريه (وادارات داخليه اخري) باجبار افرادها علي تسليم شاراتهم واسلحتهم، واُجبر كل موظفي وزاره الداخليه علي القسم بانهم لم يشتركوا في ملاحقه اي من المواطنين خلال فتره خدمتهم؛ مما ادي الي فصل واستقاله الالاف من افراد الشرطه في فتره قصيره.

الجانب الاخر من خطه الاصلاح كان تقليص دور وزاره الداخليه وقوتها بتحويل الاعمال غير الشُرطيه التي كانت مسؤوله عنها الي وزارات اخري، وتشكيل لجان من المواطنين وضباط الشرطه السابقين الذين اجبرهم النظام الشيوعي علي الاستقاله لمراجعه ملفات الوزاره، وتحديد مدي اهليه افراد الشرطه الحاليين للاستمرار في عملهم.

تبديل العقليه الحاكمه للشرطه، وسيكولوجيه افرادها وطريقه ادراك المواطنين لدورها توِّج باقرار الدستور الجمهوري الجديد، وبتعيين جان كوزلك، احد نشطاء حقوق الانسان، مديرًا لجهاز الشرطه الفيدرالي في عام 1992.

اقرا المزيد عن التجربه التشيكيه من هنا.

اندونيسيا: حين يقوم الفاسدون علي امر الاصلاح

تجربه مختلفه من اسيا في دوله ذات كثافه سكانيه مرتفعه تتجاوز 200 مليون نسمه، كانت مشكلات جهاز الشرطه فيها عميقه ومتشعبه تحت نظام عسكري قمعي: تعزيز الطائفيه والصراع المجتمعي، ودمج الشرطه مع القوات المسلحه في مهامٍ وقياده واحده، وقمع واختطاف المحتجين والمطالبين بالديمقراطيه، واستغلال النفوذ، وانتهاكات حقوق الانسان، بالاضافه الي الدخول في صراعات مباشره مع اقاليم تتمتع بحكم ذاتي نسبي، او احتلال مباشر مثل تيمور الشرقيه.

بدا نظام الجنرال سوهارتو، الذي وصل الي السلطه بانقلاب عسكري، في التصدع خلال ثمانينات القرن الماضي؛ فظهرت بوادر انقسام قيادات الجيش، مع ازمه اقتصاديه طاحنه، ونمو الاصوات المعارضه المطالبه بالديمقراطيه، وعجز النظام عن حفظ الامن وتفكك التحالف الحاكم؛ مما ادي الي استقاله سوهارتو في مايو 1998.

طريق الاصلاح لم يكن سهلاً في اندونيسيا، وكان يجب ان يبدا من القوات المسلحه التي كانت تسيطر علي جميع مفاصل الدوله. بدات الحكومه الجديده في تطبيق برنامج اصلاحي اسمته «الاتجاه الجديد»؛ يتكون البرنامج من عده مبادئ كان من ابرزها فصل الشرطه عن الجيش.

لم يسِر برنامج اصلاح الشرطه في اندونيسيا كما املت الحكومه؛ فقد اعتمدت علي اصلاحات فوقيه باصدار دستور جديد وقانون للشرطه يحددان دورها في حمايه امن المجتمع، لكن القواعد الدستوريه والتشريعيه الجديده لم تُترجم سريعًا لتغيير حقيقي علي ارض الواقع.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل