المحتوى الرئيسى

هل خرجنا من بارديغم الإخوان؟

09/04 01:11

المقصود بالسؤال هو نحن كامه، لا كافراد. وبالتالي فهذا السؤال ينطلق من مقدمه ضروريه واساسيه، مفادُها انّنا، كامه، نحاول باستمرار الاستجابه لتحدٍّ ما والاجابه عن سؤال محوريّ، وتاتي هذه الاستجابه والاجابه في اشكال متنوعه ومتعدّده، وبصرف النظر عن الاختيار الشخصيّ الذي يتخذه كلٌّ منا ازاء احد هذه الاجوبه او بعضها او جميعها، فانّ علينا ان نبقي دائما متنبّهين الي انها جميعا محاولاتٌ للاجابه عن السؤال والاستجابه للتحدّي, وهي بالتالي تعنينا جميعا بشكل او باخر، وسنقع في خطا كبير اذا تجاهلنا السياق الذي تبرز فيه هذه الاجابات المتنوعه واكتفينا باختيار جواب فرديّ مريح يقرّر ان السائد كلّه فارغ او ناقص او عبثيّ.

بالتالي فتجربه الاخوان، شان التجارب العربيه والاسلاميه الاخري التي برزت اجابه علي سؤال الحداثه والدوله الحديثه تحديدا، تعنينا جميعا كمهتمّين بشاننا العام، بصرف النظر عن موقفنا الفردي منها وتقييمنا لادائها. يمكن ان ينضم كثيرون للاخوان او ينفصلوا عن هذه التجربه، ويمكن ان تذوي التجربه، ويمكن ان تبقي هيكلا بلا روح، شاهدا علي محاوله جسوره للجواب والاستجابه، لكنها في الاحوال جميعها تشكّل مستوي فارقا ومرحله مهمه من جوابنا كامه علي سؤال الحداثه. وبناء عليه، فان السؤال عن مصير تجربه الاخوان ليس فقط سؤالا عن مصير الجماعه متمثّله في وجودها المادّي –تنظيمها- والرمزي –افكارها- بل عمّا سنقدّمه كامه من بعدها. يعلمنا التاريخ ان تجربه بهذا الحجم لا تختفي مهما واجهت من اشكالات داخليه وتحديات خارجيه، وبالتالي فليس هذا سؤالنا. سؤالنا عمّا اذا كنّا كامه، سنقدّم في وجود الاخوان او غيابها جوابا يتقدّم ويتفوق علي ما قدّمته.

هل يستبطن الكلام السابق ان تجربه الاخوان هي التجربه الاكثر تقدّما في الجواب علي سؤال الحداثه والدوله الحديثه، بحيث يصبح ممكنا الحديث عن مدي تقدمنا عن التجربه او تراجعنا عنها؟

ما ينطلق منه المقال هو ان تجربه الاخوان يمكن اعتبارها في السياق العربي المسلم الاستجابهَ الجماعيه المنظّمه الاكثر نضجا في الجواب علي سؤال الحداثه. في الجمله السابقه تحديد مهم وحصرٌ مقصود تماما، هو الحكم علي تجربه الاخوان باعتبارها تجربه جماعيه منظّمه، وبهذا الاعتبار وحده يمكن القول انها الاجابه الاكثر نضجا علي سؤال الحداثه والدوله الحديثه. خارج هذا الاعتبار سيصبح الجواب مختلفا بالتاكيد، فعلي صعيد الاجابات الفرديه التي قدّمها المفكرون والفلاسفه والمنظّرون، سنجد بالتاكيد اجابات اكثر تقدّما عما قدّمه الاخوان، وعلي صعيد مراكز البحث وبعض النخب الاكاديميه سنجد اجابات اكثر تقدّما، وعلي صعيد الحيز الاسلامي غير العربي سنجد اجابات اكثر نضجا وتقدّما، متمثله في تجارب جماعيه بل حتي في مسيرات دول وانظمه مكتمله التكوين.

ولكي يتحدّد هذا التوضيح، فنحن نقارن الاخوان هنا بالسلفيات جميعها، العلميه والجهاديه والحركيه، وبالصوفيات المتنوعه، وبتيار طلب العلم الاشعري المتمذهب ومثاله الازهر، وبحزب التحرير. وسيكون لزاما علينا ان ندلّل علي هذا الزعم قبل ان نشرع في الجواب علي سؤالنا الذي يلخصه عنوان المقال.

سؤال المعيار، المبدا والمنتهي :

اولا، ما المعيار الذي سنتخذه في المقارنه؟ هنا تبدا الطرق في التشعّب، والاجابه علي هذا السؤال هي في الحقيقه تشكّل البدايه والنهايه لكلامنا علي السواء، فبحسب المعيار الذي نحتكم اليه سينتج حكمنا ويتوضّح. اذا ما وضّح كلُّ متحدِّث في شؤون هذه التشكّلات المنظّمه معيارّه الذي يحتكم اليه ومنهجه الذي يقيس به، فستتّضح الاحكام، وسيبقي مجال الخلاف محصورا في تنزيل التجربه علي المعيار وتقويمها حسب المنهجيه المتبَّعه. ولسنا غافلين هنا عن التبعات الفكريه والواقعيه التي تترتّب علي اختيار المعيار، ونكرّر هنا شكوي العروي من التقليل من اهميّه قضيّه المنهج واعتبار انه “لا مشاحّه في المنهج”، ونؤكّد علي مقولته في ان المشاحّه كلَّ المشاحه في المنهج، لانّ المنهج اختيار بين بدهيات متكافئه او متقاربه القيمه. نعترف هنا بمعيارنا في الحكم وندعو غيرنا ليعترف بمعاييره ويعلنَها، فكم عمرٍ اُهدِر وكم نقاشٍ استغلق لاننا نقيّم في ضوء معايير مختلفه لا نمتلك شجاعه التصريح بها.

في “مفهوم العقل” وضع المفكّر المغربي عبد الله العروي شيخَ الاصلاح الحديث محمّد عبده في موضعٍ وسط بين الازهريّين ودعاه التحديث، وراي العروي ان هذا الموقع بالذات هو ما جعل محمد عبده ضحيّه مفارقه الاصلاح وهو ما عرّضه لالام تناقضاتها. الازهريّ المعمّم لا يري المشكله، او يراها ويقترح لها حلّا مؤجَّلا غير قابل للاختبار وبالتالي غير قابل للفشل. الحلّ هو عوده بالتاريخ او للتاريخ او في التاريخ، اصطناعٌ لظرفٍ مختلف عن ظروف الخبره المعيشه، وتاكيد علي ان الحلّ ناجعٌ لو توفّر الظرف، في غفله عن ان الظرف هو التجربه والتجربه هي الظرف. وداعيه التحديث الليبيرالي لا يدري لماذا نبحث عن توافقات وتوفيقات فيما نستطيع ان نغلق ملفّ التاريخ ونعترف ان لكل عصر ظروفه التي انتجت افكاره، وبالتالي فافكار العصر تفسِّر العصرَ وتُفسَّرُ به، ولا داعي للتوفيق والتلفيق. عاش عبده المفارقه، وترك لخصومه الاتساق مع انفسهم، وجمع التناقض الذي عودنا تاريخ الشخصيات الكبيره انه ينحلّ في اتباعهم ويتفرّق.

مفارقه عبده النظريه حمل الاخوانُ شقيقتَها العمليه. جاءت دعوتهم تعويضا رمزيا عن انهيار الخلافه وسعيا دؤوبا لاعادتها، وانخرطوا مع ذلك في السياسات الوطنيه. حملت تربيتهم الداخليه نزعه طهوريه عاليه واقبلوا علي المجتمع في جميع مفاصله ومؤسساته. امنوا بانهم الفهم الافضل للاسلام ولم ينشغلوا بالتحصين الكلامي لافكارهم. حفلت ادبياتهم بالوطن الاسلامي الممتدّ والدوله الاسلاميه، وانخرطوا في هموم دولهم تحريرا او نضالا سياسيا او تحالفا مع النظم القائمه بحسب طبيعه الظرف. جَمَعَهم سمتُ تديّن متشابه ولم ينفصلوا عن اهل بلدانهم في الملبس والمناسبات والعادات. انتمي اليهم علماء الدين وفقهاء الشريعه والاطباء واساتذه الفيزياء. انشؤوا نمطَ تدين ملحوظا وبارزا واقاموا المدرسه والجامعه والمستشفي والمصرف. خرجت من عباءتهم حركات المقاومه والاحزاب السياسيه وفرق النشيد الاسلامي علي السواء.

لا نريد ان نُقِيمَ مما سبق استنتاجا مفاده ان هذا الجمع كان جمعا منسجما مستقرّا. قلنا في البدايه انّ الاخوان حملوا هذه المفارقه العمليه في بنيه وعيهم وافكارهم، وفي تشكّلاتهم التنظيميه عبر البلدان المختلفه. كانت المفارقه تهدا حينا وتتململ حينا وتنفجر حينا، لكنّها بقيت دائما مفارقه، وما تزال هذه المفارقه المكوّن الابرز في بنيان الاخوان الفكري والتنظيمي. وما كان يساعد علي تسكينها هو انبناء جماعة الإخوان علي اسس عمليه، وابتعادهم عن التوسّع في التاصيل النظريّ والجدل الكلاميّ، والعمل من طبعه ان يخفّف من المفارقات، لانه يطرح نفسه حلا محتمَلا لها من الاساس.

لعلّ سيد قطب كان احدي المحطات الفارقه التي كادت عندها المفارقه ان تنحلّ. الحضاره الغربيه جاهليه، والحضاره الاسلاميه متفوقه عليها بالقوه ان لم يكن بالفعل. الوضع الطبيعي والضروريّ ان تتفوق حضاره الحاكميه علي حضاره الجاهليه، وكلّ انعكاس لهذا الوضع هو حاله مؤقته، اختلاس، خطا ينبغي تصحيحه.. في الذهن اولا، لا علي الارض .. هنا كان سيّد ياخذ قفزتين معا في اتجاه مخالف لما قامت عليه جماعه الاخوان، يحاول العوده بالمفارقه الي حيّز النظر لا العمل، ويبتعد خطوه عن محمد عبده في اتجاه الازهري المعمّم، وهي خطوهٌ من الواضح ان سيد كان يريد بها شدَّ قوسِ النظر من اجل انطلاقه اقوي لسهم العمل. الجديد هنا هو ان الازهري المعمّم اصبح سلفيا، ولن يعيش سيد بما يكفي ليعلم ذلك.

لبعض افكار سيد قدره تسليفيه غير قليله، فالثنائيه الصارمه بين الحاكميه والجاهليه، والعوده المباشره للنصّ ومحاوله تجاوز تراكمات القرون، تلتقي مع الرؤيه السلفيه التقاءً واضحًا. يفترق سيّد عن التسلّف النظريّ في نقطه غايه في الاهميه، وهي انّ عينه دائما علي الحركه، علي الفعل، النظر عنده شدّ للقوس لينطلق العمل كما تقدّم، لكنّ المفارقات التي ينجح المفكّر في التاليف بينها لا تلبث ان تنحلّ فيمن بعده او تتعرّض لسوء تاويل او تترك بعض معتنقيها في منتصف الطريق. سيخرج من عباءه سيد بعض دعاه العداله الاجتماعيه واليسار الاسلامي، وبعض جماعات التكفير والعنف، وبعض متبنّي العنف الرمزي والجهاد الهوياتي، لكنّ الواضح ان سيّد فتح طريقا من افكار الاخوان باتجاه التسلف، وستتولي مرحله ما بعد عبد الناصر وهجره الاخوان للخليج فتح طريق مقابل. سيظل سيد والتلاقي الاخواني السلفي في الخليج طريقا سالكا لتسليف الحركيين وتحريك السلفيين.

ستقوم الثورات العربيه وجماعه الاخوان في وضع محيّر. فروعها في كثير من الدول العربيه شقت طريقها الخاص واتخذت طريقا اكثر وطنيه، نمطُ تديّنها متاكل لصالح النمط السلفيّ، وتراجع التدين الاشعريّ المتمذهب –الذي كان في الغالب هو الخلفيه الشرعيه لعلماء الجماعه- لصالح التوجه السلفيّ سيلقي بظلاله عليها. ولو اخذنا جماعه الاخوان في الاردن كمثال، فالعشريه الاولي من الالفيه شهدت مظاهر واضحه لتنازع المكوّنات التي حاولت الجماعه منذ تاسيسها ان تحتويها وتؤلف بينها. حيث ظهرت في الجماعه وحولها دعوات تنتقد الضعف التربوي والروحي عند افراد الجماعه وتدعو لتوجّه صوفي، وظهرت في الجماعه وحولها دعوات تنتقد ضعف التكوين العلمي الشرعي وتدعو لتكثيف طلب العلم الشرعي في صفوف الجماعه في الاتجاه الاشعري المتمذهب او السلفيّ حسب توجه اصحاب هذه الدعوات، وشهدت الجماعه كذلك خلافات متكرره حول التركيز علي الشان المحلي في مقابل الشان الفلسطيني وعنوانه العلاقه مع حركه حماس.

قامت الثورات اذن بعد عقود كانت تشهد تحولات بطيئه داخل الجماعه، سواء علي مستوي الافراد او علي مستوي التشكلات التنظيمه، والعنوان العام لهذه التحولات هو الانزياح نحو احد مكونات الجماعه وانحلال نمطها التوليفي الذي كان يحتوي المفارقه. هذا الانزياح كان ياخذ احيانا شكلا جماعيا بحيث تنحو الجماعه التي تعتبر امتدادا للاخوان في بلد ما منحي سياسيا عاما وتبتعد عن التاصيلات الفقهيه او الهمّ الدعوي، وكان ياخذ احيانا شكلا فرديا، بحيث “يتخصص” الفرد الاخواني في العمل السياسي او الحقوقي او النقابي، او ينزع نحو طلب العلم الشرعي ويبقي انتماؤه للجماعه وجدانيا غير متفق بالضروره مع مناهجها، او ينزع نحو الفكر والاهتمامات النظريه ويشعر بعجز الجماعه عن التحديث والمواكبه، او غيرها.

بعد المسيره المتعثره للاخوان في الحكم في مصر، والتي تُوِّجت بالانقلاب العسكريّ، دخلت الجماعه احد اكبر منعطفاتها التاريخيه، وشعور الاعضاء والانصار والخصوم بضعف الجماعه وغياب الرؤيه والعجز عن قراءه الوقائع وتسيير الاحداث كلّه دفع كثيرين للحديث عن تجاوز الاخوان. بدت الجماعه لكثيرين من محبيها وناقديها واعدائها علي السواء رجلا مريضا، هيكلا ضخما يسير بالقصور الذاتي بلا رؤيه توجيهيه ولا روح دافعه، وصار الحديث يتردّد حول مقارنات بين الجماعه وتشكيلات متعدده. مقارنه بين الاخوان والنهضه التونسيه او العداله والتنميه المغربي واساسُها الحنكه السياسيه او مساله الديموقراطيه او التعاطي مع الدوله الحديثه، ومقارنه بين الاخوان وداعش واساسها وسائل التغيير والسلميه في مقابل العنف والارتهان لضيق الدوله الحديثه في مقابل عالميه الدوله الاسلاميه، ومقارنه بين الاخوان والسلفيه العلميه واساسُها المتانه المنهجيه والاتساق مع الاصول والموقف من الحداثه والدوله والدوله الحديثه، وغيرها.

اذن فهناك حاله عامه من الشعور اما بقرب الخروج او ضروره الخروج او حتي حصول الخروج من باراديغم الاخوان. وسواء اكان الحديث عن هذا الخروج يتخّذ طابع التقرير لحصوله او قرب حصوله، او يتخذ طابع الدعوه اليه والتنظير له، فان السؤال المهم الذي يجب ان يُطرَح: الخروج الي اين؟

انطلاقا من الرؤيه التي نتبناها، فاننا نعتبر هذه الدعوات منقسمه الي قسمين كبيرين، مع الاخذ في الاعتبار ان التداخل والتشابك واقع لا محاله. هذان الاتجاهان الكبيران هما: الخروج الي ما قبل الاخوان، والخروج الي ما بعد الاخوان.

لا نقصد هنا “قبل” و “بعد” بالمعني الزمنيّ، بل بمعني تقديم تجربه متقدّمه عن تجربه الاخوان، التي ظلّت تقود الجواب الاسلامي الجماعيّ المنظّم علي تحدّي الحداثه منذ عقود، ونؤكد علي هذا المعني لان كثيرا من دعوات تجاوز الاخوان هي في الحقيقه تراجع عما حقّقه الاخوان، لكنّها تري ورطهَ نموذجهم وتعجز عن رؤيه الظرف الذي انوجدوا فيه، فتتوهم قدره علي التجاوز بينما الحاصل تراجع وتاخّر.

المعيار في الحكم علي اي خطه او اقتراح او دعوه لزمن ما بعد الاخوان هو التعاطي مع المفارقه نفسها والقبول بها والاستجابه للتحدّي الذي تطرحه. العوده الي داعيه التغريب ليس تقدّما عن الاخوان، والعوده الي الازهري المعمّم –او ما يكافئه اليوم- ليس تقدما عن الاخوان. هذان الحلّان موجودان اصلا منذ قرنين، وطرحُهما ليس ابداعا، والاخوان كانوا اصلا تجاوزا لهما. كيف نكون مسلمين في العالم اليوم؟ هذا هو سؤالنا الصعب وهذه هي مفارقتنا. يمكننا ان نحذف “مسلمين” من السؤال وسيصبح الجواب سهلا، ويمكننا ان نحذف منه “في العالم اليوم” وسيصبح الجواب سهلا. ومن يفعل ذلك لا يقدّم حلا الا لمشكله غير قائمه اصلا، وهو يقدّم حلا قديما وموجودا ولا ينطوي علي اي ابداع، وهو بعينه اضاعه الوقت في المجرَّب والموجود.

هل الاحزاب السياسيه المغربيه جوابٌ محتمَل؟ ربما، لكنّ وعيها بمعادلات القوه التي تحكم السياسه لا يبدو في افضل حالاته، هناك وعي اخلاقي جيد بقيم الحريه والعداله والمساواه والتعدد والتنوع، لكنّ الوعي بطبيعه السياسه الصراعيه وسطوه الدوله الحديثه لا يبدو بالقدر نفسه، وهناك التخوف المشروع دائما من اهمال المجال العام في المجتمع ورفده بالتربويين والشرعيين والمنظرين والمفكرين والحقوقيين، وبالتالي حصر الخيارات في مسارات السياسه والدوله التي يمكن ان تتعثّر، والغفله عن ان خيارات الفكر والمجتمع اوسع دائما من ضرورات الدول ووضعيات السلطه الراهنه.

هل داعش جواب محتمل؟ هناك شبه اجماع من الاتجاهات الاسلاميه – في منابرها الرسميه علي الاقل- علي التخوّف من التجربه وعنفها وضيق افقها واحتمالها للواقع واحتمال الواقع لها، يرافقه اعجاب خفيّ لدي من نكّلت بهم نخب الدوله العربيه الحديثه في السلطه والاعلام والجامعات والسجون والميادين، وهناك احراج واضح لمن ينطلقون من منطلقات داعش نفسها لكنهم يخالفونها في تفاصيل هنا وهناك، اذ يرون هذا الانفضاض العام عن التجربه والتبرؤ المستمرّ منها. بقدر ما كانت داعش خنجرا مسموما في خاصره الثوره السوريه الا انها كشفت لكثيرين تناقضاتهم ووضعتهم امام حقائق صعبه ومربكه، وتتراوح ردات الفعل بين التبرؤ الكامل او الجزئي او الاعتراض علي الممارسه واستبقاء المنطلقات، في تكرار ماساويّ ملهاويّ للخطا الذي نقع فيه باستمرار: نهدر الواقع ونتغاضي عن كل ما يجب ان نتعلمَه منه من اجل ان تسلم النظريه، وكل ما علينا فعلُه هو اضافه اسم جديد لقائمه الخروج والمروق، اما وضعيتُنا التاريخيه المتعثره، ومزالقنا النظريه والعمليه التي تُنتِج كلّ هذه الكوارث فنتجاهلُها لتسلم النظريّه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل