المحتوى الرئيسى

نجيب محفوظ كان وفدياً خالصاً

09/02 12:53

سيظل لافتاً للنظر كم الدراسات والابحاث التي كتبت عن اعمال الكاتب العالمي الكبير كاتب نوبل الاديب نجيب محفوظ، فلو علمنا ان ما صدر من دراسات عنه وعن اعماله يفوق كثيراً ما صدر له، ربما اصابتنا الدهشه.

فاعمال «محفوظ» التي تخطت الستين عملاً، صدرت عنها دراسات تخطت المائه والستين، كانت لكتاب مصريين وعرب بل وعالميين ايضاً، حتي انه كان من بينهم الناقد الاسرائيلي ساسون سوميخ، والغريب ان هذا الامر لم يكن دافعاً للبعض للكف عن الكتابه عنه من منطلق ان محفوظ قتل بحثاً، بل علي العكس كان ذلك باباً للولوج الي عالمه الروائي ومن ثم افراز المزيد من الابداعات التي تهتم بالابداع، وها هو كل الوسط الثقافي المصري والعربي يتذكره ويحتفي به في ذكراه الثامنه.

يعتبر ملف نجيب محفوظ والسلطه ملفاً شائكاً، فالطفل نجيب الذي شارك في ثوره 1919 وشاهد ثوره 1952 هو نفسه الكاتب الذي عاصر ثلاثه رؤساء جمهوريه، هم كل ميراث مصر من الحكام طوال ستين عاماً، لذلك استوقف هذا الملف كثيراً من الكتاب.

ويري الباحث مصطفي بيومي، والذي يعد احد ابرز المتخصصين في دراسه ادب نجيب محفوظ، ان نجيب محفوظ كان وفدياً حتي النخاع، يحمل الوفد وقيمه العظيمه داخله، ويؤصل لها في كل اعماله، ويؤكد «بيومي» ان شخصيه كمال عبدالجواد في روايه «قصر الشوق» تتشابه مع شخصيه نجيب محفوظ الحقيقيه  في كل شيء تقريباً، حتي ان الاديب اختار لتلك الشخصيه تاريخ ميلاد مقارباً في نفس شهر ميلاده وهو شهر ديسمبر ولكن في عام اخر هو عام 8091.. ونجد ان كمال عبدالجواد في الثلاثيه كان عاشقاً للوفد ومبادئه وتاريخه وقابلا ان يناقش اي شيء الا ثوابت الوفد.. وكثيرا ما يقول كمال عبدالجواد انه لا يحق لاحد ان يتحدث باسم مصر سوي رجل واحد هو سعد زغلول.

كذلك يعتبر كتاب «علاقه نجيب محفوظ بالسلطه» للكاتب عماد الدين عيسي دراسه نقديه لعالم نجيب محفوظ السياسي كوثيقه بشكل عام وليس ابداعه فقط، وفي مقدمه الكتاب الصادر عن دار ابن لقمان للنشر يتساءل الكاتب: هل جربت ان تقرا روايات نجيب محفوظ بنظره اعمق وقراءه حقيقيه؟.. فكل حدث وكل شخصيه في اعمال محفوظ لها رمز طبيعي وغير مصطنع.. ويستعرض المؤلف في كتابه رؤيه محفوظ السياسيه من خلال «الثلاثيه»، مُبرزاً موقف حزب الوفد من الصراع.

ويري المؤلف في الكتاب ان روايه «امام العرش» لنجيب محفوظ تعتبر محاكمه لكل حكام مصر، بدايه من العصر الفرعوني وحتي عصر الرئيس الراحل السادات، ويوضح ان ما يعنينا هو فكره المحاكمه التي تبين موقف نجيب محفوظ من السلطه.. بدءاً من عصر «مينا»، عبوراً بالعصور الفارسي والاغريقي والروماني الي مرحله المسيحيه والعصر الاسلامي والاموي والعباسي والعصر المملوكي، فالزمن العثماني، بلوغاً عصر «محمد علي» واسرته، وصولاً الي ثوره عبدالناصر، ثم عصر السادات.

وهنا يؤكد نجيب محفوظ ان تاريخ مصر الحقيقي بدا مع 23 يوليو، لكنه في ذات الوقت يري ان عسكريه جمال عبدالناصر فاشله.

ومن اهم الكتب التي صدرت في هذا المجال كتاب لرجاء النقاش عن ذكريات نجيب محفوظ مع رجال السلطه، وفي هذا يقول نجيب محفوظ في شهادته عن الرئيس جمال عبدالناصر: 

«لقد كانت اخطاء عبدالناصر كثيره، ولكن خطاه الاكبر الذي اثار غضبي عليه هو انه اضاع فرصه تاريخيه نادره لينقل مصر نقله حضاريه هائله، اشبه بما حدث في اليابان بعد الحرب العالميه الثانيه. كانت كل الظروف مهياه له، وكنا نامل منه الكثير الذي نتمني تحقيقه علي يديه، ولكنه اضاع الفرصه، بمعاركه الكثيره التي خاضها».

وفي التاريخ الانساني تجد ان لكل بطل تراجيدي «ماساوي» نقطه ضعف تكون سببا في القضاء عليه، وكانت نقطه ضعف عبدالناصر هي عدم ايمانه بالديمقراطيه والحوار واستئثاره بالسلطه وضيق صدره بالراي الاخر. ولو اقام عبدالناصر اي نظام ديمقراطي، حتي ولو كان مجلس شوري مقننا، بمعني ان يؤخذ فيه براي اغلبيه الاعضاء، ولا يكون مجرد مجلس استشاري يستطيع حله عندما يريد. لو اقام عبدالناصر هذا النظام «شبه الديمقراطي» لتغير تاريخ مصر الي الافضل. ولتجنبنا الدخول في ذلك الصدام مع قوي الاستعمار، ولصفينا ما بيننا وبين اسرائيل، ولما دخلنا حربي 1956 و1967، ولا كانت هناك حاجه لحرب اكتوبر 73، وكنا سرنا في مشروع «القومية العربية» بخطوات عاقله وحكيمه، كان من المؤكد انها ستاتي بنتائج افضل.

اما شهادته عن الرئيس السادات فقال فيها:

كانت انطباعاتي عن السادات سيئه منذ توليه السلطه بعد عبدالناصر، وظلت تلك الانطباعات كما هي لم تتغير حتي كانت احداث 15 مايو 1971، حيث اكتشفت خلالها ان هذا الرجل داهيه، وليس سطحياً كما تصورت، وانه اشبه بالشخص المستضعف في افلامنا السينمائيه القديمه، والذي يفاجئ الناس بافعال لم يتوقعوها منه. والحقيقه انني ايدت السادات فيما اقدم عليه من افعال وقتذاك، مثل: هدم السجن الحربي وحرق الملفات الامنيه وتصفيه مراكز القوي التي كنت ارتبط مع بعض افرادها بصداقه، واقتنعت بكل ما قاله السادات عنهم من انهم السبب المباشر في الازمه التي مرت بها مصر، وانهم اساس الخوف والرعب الذي عاش فيه الناس لسنوات طويله. وبرغم انني لم اتعرض لاذي من مراكز القوي هذه بصوره مباشره، فانني كنت مع اي خطوه في سبيل الحريه والديمقراطيه. لقد اعترضت علي ما قيل من ان «15 مايو» هي ثوره مضاده للناصريه، وانها رده علي مبادئ ثوره يوليو، بل اعتبرتها تصحيحاً لسلبيات ثوره يوليو، خصوصاً ان السادات لم يحاول المساس بالانجازات التي قامت بها. فلم يلغ مجانيه التعليم او القطاع العام او الاصلاح الزراعي، بل كان انقلابه منصبا علي الاسلوب الديكتاتوري في الحكم. ولذلك غفرت له الطريقه التامريه التي ادار بها الاحداث، لان الطرفين كانا في حاله تربص، ونجح السادات في ان «يتغدي» الثوره للسياسيين السابقين في عهد الملكيه، او بتلك التي زجت بفؤاد سراج الدين وابراهيم فرج بتهمه التامر مع الانجليز، ثم افرجت عنهما بعد ثلاث سنوات.. والدليل علي ان محكمه السادات كانت صوريه ولمجرد التخلص من خصومه، انه افرج عن كثير من المتهمين بعد فترات بسيطه.

اما عن علاقه نجيب محفوظ بالاخوان، فعلاقه سيد قطب احد اهم قيادات  الجماعه باديب نوبل لا تخفي علي احد، وهو من تنبا بحكمهم قبله بسنوات، وبدات علاقه سيد قطب بنجيب محفوظ مع البدايات الاولي لمولد روايات الاديب بعد ان ظلت علاقه نجيب محفوظ والنقد غائبه في سنوات ابداعه الاولي خاصه في الفتره التي اصدر فيها روايتيه «عبث الاقدار» 1939، و«رادوبيس» 1942، ومن قبلهما مجموعته القصصيه الاولي «همس الجنون» التي صدرت عام 1938.

وكان من الممكن ان يستمر التجاهل لولا مقاله نقديه كتبها الناقد سيد قطب عن روايه «كفاح طيبه» التي صدرت عام 1944 عن  «دار النشر للجامعيين» اعلن فيها قطب والذي كان يعده البعض في ذلك الوقت التلميذ الانجب في مدرسه العقاد الادبيه عن ميلاد روائي يملك ناصيه الكتابه، وهذا ما اعلنه قطب في مقدمه مقاله حيث يقول: احاول ان اتحفظ في الثناء علي هذه القصه فتغلبني حماسه قاهره لها، وفرح جارف بها! هذا هو الحق، اطالع به القارئ من اول سطر، لاستعين بكشفه علي رد جماح هذه الحماسه، والعوده الي هدوء الناقد واتزانه!

وبعد تحولات «قطب» الفكريه وتزعمه لحركه الاخوان المسلمين باعتباره احد مراجعها الكبري انقطعت علاقه محفوظ به كما يخبرنا في مذكراته مع رجاء النقاش، ولم يزره حسب ما اعلن الا مره واحده حيث يقول: ذهبت اليه رغم معرفتي بخطوره هذه الزياره وبما يمكن ان تسببه لي من متاعب امنيه، في تلك الزياره تحدثنا عن الادب ومشاكله ثم تطرق الحديث الي الدين والمراه والحياه، كانت المره الاولي التي المس فيها بعمق مدي التغيير الكبير الذي طرا علي شخصيه سيد قطب وافكاره.. لقد رايت امامي انساناً اخر حاد الفكر متطرف الراي، ويري ان المجتمع عاد الي الجاهليه الاولي وانه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقاً من فكره «الحاكميه» وسمعت منه اراءه دون الدخول معه في جدل او نقاش حولها، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل الي تلك المرحله من الاعتقاد المتعصب.

وعندما سمعت بخبر اشتراك سيد قطب في مؤامره قلب نظام الحكم وصدور حكم بالاعدام عليه لم اتوقع ابداً تنفيذ الحكم، وظننت ان مكانته ستشفع له، وان لم يصدر عفو عنه فعلي الاقل سيخفف الحكم الصادر ضده الي السجن المؤبد علي الاكثر ثم يخرج من السجن بعد بضع سنوات، وخاب ظني ونفذ حكم الاعدام بسرعه غير معهوده اصابتني بصدمه شديده وهزه عنيفه، فرغم الخلاف الفكري بيني وبين سيد قطب فانني كنت اعتبره حتي اليوم الاخير من عمره صديقاً وناقدا ادبيا كبيرا كان له فضل السبق في الكتابه عني ولفت الانظار اليّ في وقت تجاهلني فيه النقاد الاخرون.

ولتاثري بشخصيه سيد قطب وضعتها ضمن الشخصيات المحوريه التي تدور حولها روايه «المرايا» مع اجراء بعض التعديلات البسيطه، ولكن الناقد المدقق يستطيع ان يدرك ان تلك الشخصيه فيها ملامح كثيره من سيد قطب من خلال شخصيه عبدالوهاب اسماعيل في الروايه.

اما عن راي الاديب في الرئيس الاسبق حسني مبارك، فيوضح الكاتب عماد الدين عيسي في نهايه كتابه «علاقه نجيب محفوظ بالسلطه» ان الاديب الراحل نجيب محفوظ لم يذكر موقفه من عهد الرئيس السابق مبارك، لان محفوظ مرض وتوفي اثناء عصر مبارك؛ كما ان المبدع لا يقدم شهادته عن اي عهد او سلطه الا بعد نهايتها، حيث تكون التجربه قد اكتملت.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل