المحتوى الرئيسى

الببلاوي يروي ذكرياته من ثورة 1952 إلى 2013

09/01 19:07

يجلس رئيس وزراء مصر السابق، الدكتور حازم الببلاوي، خلف مكتبه، ويراجع ترجمه احد الكتب الاقتصاديه من اللغة الإنجليزية الي العربيه. الهموم بالشان العام هي الهموم، منذ ان كان يدرس الحقوق والاقتصاد ايام ثورة 1952، وحتي تقاعده من العمل رئيسا للحكومه قبل نحو شهرين.

فالرجل تولي المسؤوليه في مرحله صعبه ودقيقه في تاريخ مصر، فبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ابلغه صديق الاسره، الدكتور محمد البرادعي، انه وقع عليه الاختيار لهذا الموقع، وان عليه ان يتوجه الي القصر الجمهوري لمقابله الرئيس عدلي منصور وقتها.كان الالاف من جماعه الإخوان وانصارها يحتلون ساحتين رئيستين، هما ساحه «رابعة العدوية» في شرق القاهره، وساحه «النهضه» في غرب العاصمه.

وكانت الوفود الاجنبيه تاتي وتذهب في محاوله لايجاد حل وسط بين الجماعه التي كانت ترفض الحوار، وتصر علي عوده مرسي للحكم، والدوله التي كانت تحاول تجنب الصدام مع اعتصامي «الاخوان»، وفي الوقت نفسه تسعي لاستعاده هيبتها وقدرتها علي انفاذ القانون واخلاء الشوارع، خاصه بعد ان زاد زعماء المتشددين من لهجه التحدي والتهديد بحرق مصر.

كانت مرحله صعبه، استعان فيها الرجل البالغ من العمر 77 عاما بخبراته الاداريه والتنفيذيه، من خلال مدد عمله في الامم المتحده وغيرها، ومن خلال نظم الحكم التي مرت علي مصر، منذ تولي محمد نجيب الرئاسه، حيث كان الببلاوي يميل اليه في البدايه اكثر من خلفه جمال عبد الناصر، ويقول انه كان يتخوف من ان يحول الاخير الدوله الي الحكم العسكري.

وحين تولي الرئيس الاسبق حسني مبارك الحكم في مطلع ثمانينات القرن الماضي كان الببلاوي رئيسا لبنك الصادرات، ويشارك في بعض اجتماعات اللجنه الاقتصاديه في الحكومه. ويري ان مبارك سار في سياساته علي طريق سلفه الرئيس الراحل انور السادات، واستكمل مشروعه، الا انه قال ان السادات كانت لديه قدره علي الخلق والابتكار ويتخذ مبادرات ويرتكب اخطاء مثل كل الناس.

ويقول الببلاوي ان الرئيس منصور حين كلفه تشكيل الوزاره، بعد نحو اسبوع من عزل مرسي، قال له ان لديه مطلق الحريه في اختيار الشخصيات التي ستتولي كل وزاره من وزارات الحكومه، مشيرا الي ان اختياره للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع، ليستمر في موقعه، جري دون ان يتحدث معه لانه كان يعرفه جيدا من خلال عضويته في المجلس العسكري، حين كان الببلاوي وزيرا للماليه ونائبا لرئيس الوزراء في حكومه الدكتور عصام شرف.

ويصف الببلاوي ما يجري في المنطقه خاصه في ليبيا، وظهور تنظيم «داعش»، بانه ليس مؤامره واحده، بل الف مؤامره.. والي اهم ما جاء في الحلقه الاولي من الحوار.

* توليت موقع رئيس الوزراء في فتره حاسمه في التاريخ المصري، لكن متي بدات تشعر انه سيجري تكليفك بهذه المهمه؟

- لم اكن اعلم.. لكن مثل اي عمليه يجري فيها طرح اسماء وترشيحها لموقع من المواقع، كان اسمي بين تلك الاسماء التي اخذت تتردد علي الساحه بعد يوم الثالث من يوليو. لم يكن لدي اي صلات او معرفه، لكن لا استطيع ان اقول لك انني فوجئت مفاجاه تامه.. ولا استطيع ان اقول لك انه لو لم يجرِ اختياري لاُصبت باحباط. لا.. انما كنت اعلم وقتها ان هناك نحو سبعه الي ثمانيه اسماء يجري تداولها لتولي موقع رئيس الوزراء، وان اسمي كان من بينها.

* هل كنت تتخيل، في الصغر، انك ستصل الي موقع تنفيذي كبير؛ الي درجه رئيس حكومة؟

- في الطفوله تكون هناك دائما افكار ساذجه وهي لا تحسب.. ولا احد يعرف الي اين كانت تصل تلك الافكار، لكن حين وصلت الي درجه من التعليم والمعرفه والمسؤوليه، كنت مدركا انني اريد ان العب دورا عاما، ولكن ليس عملا سياسيا بالتحديد.. مثلا كنت اريد ان العب دورا في مجال الفكر وفي المسائل الاقتصاديه. وكذا المساهمه في الحوار العام، الا انه لم يكن في ذهني ان امارس العمل السياسي. وفي المرحلتين الاعداديه والثانويه في القاهره كنت تلميذا مجتهدا ومتقدما في دراستي والعب كره القدم، واتريض مع اصحابي.. والفتره التي كنت فيها في المدرسه بشكل واعٍ، كانت ما قبل ثوره 1952 مباشره وما بعدها. وفي تلك الفتره كانت مصر تموج بالاحداث وبالتيارات السياسيه، سواء من حزب الوفد او من جماعه الاخوان او حزب مصر الفتاة، ثم جاءت الثوره التي قامت وانا في السنه النهائيه من المرحله الثانويه. وفي تلك الفتره كنت مهتما، حيث ان الفكره كانت ان النظام خرج عن حدوده، وانه لا بد ان يحدث تغيير، ولذلك كان الكل يرحب بالثوره وسعيدا جدا بها. لكن في المرحله التي تليها، حيث بدا الصراع بين الرئيس محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، كنت ميالا الي نجيب علي اساس انه هو الذي يمثل الثوره وان اتجاهه اكثر مدنيه، ثم تغيرت الاوضاع وانقلبت بعد العدوان الثلاثي عام 1956، بالتاييد الكامل لعبد الناصر.

* متي سمعت للمره الاولي عن جماعه الاخوان؟

- وانا في المرحله الثانويه..

* هل تعاملت معهم في ذلك الوقت؟

- لا، كان هناك زملاء لي.. لم اكن في اي وقت من الاوقات قريبا منهم ولا متعاطفا معهم. الا انه، ومنذ فتره مبكره، حيث تاكد لي هذا بعد ان دخلت كليه الحقوق، ان تفكيري تفكير مدني كامل، اي مع الحريات العامه. وفي بدايه الامر، كنت ميالا للاتجاهات اليساريه، ثم بدا نوع من التوازي ما بين الحريات العامه والحريات الاقتصاديه وغيرها. وحين كنت ادرس الحقوق في الجامعه، ورغم انني كنت سعيدا بالثوره، فانه في تلك الفتره ايضا، اي قبل تاميم قناه السويس والعدوان الثلاثي علي مصر، كنت متخوفا من ان يتحول الحكم الي حكم عسكري. ليس هذا فقط، ولكن في ذلك الوقت كانت المظاهرات تخرج وتقول ان هذه الحركه (حركه الضباط الاحرار) جاءت بايعاز من الولايات المتحده الاميركيه. لكن كل ذلك انقلب راسا علي عقب في عام 1956 سواء بتاميم عبد الناصر قناه السويس او العدوان الثلاثي علي مصر، واصبحت النظره انه توجد دوله تسعي لبناء وطن جديد حر ومستقل، واستمر هذا الي ان وقعت حرب يونيو (حزيران) 1967.

* اين كنت حين وقعت هذه الحرب؟

- كنت استاذا في جامعه الاسكندريه، ومنتدبا ايضا في مكتب احد وزراء الحكومه، وذلك بعد ان عدت من بعثه دراسيه في الخارج. وانا ما زلت اعتقد ان يونيو كانت اكبر صدمه واجهت جيلي.. اعتقد ان ما حدث يشبه «الخديعه الكامله». كنا نري ان مصر اقوي عسكريا بكثير. فوجئنا بانه لا يوجد اعداد ولا استعداد، وانه جرت المبالغه في اول الايام عن قيام مصر باسقاط 30 طائره او 40 طائره (اسرائيليه). الحقيقه انني اعد هذا اكبر حدث اثر في جيلي.. فبعد ان كنا نشعر بعد 1956 باننا نناطح العالم وقادرون علي فرض ارادتنا، تبين اننا حنجره اكثر من اي شيء اخر. وانا اعتقد ان هذه اللحظه فارقه، ليس فقط في حياتي الشخصيه، انما اعتقد انها فارقه في حياه الامه العربيه وتاريخ المنطقه. اذا كانت اسرائيل قد انشئت سنه 1948، الا انها لم تصبح حقيقه الا في 1967. حتي امام الراي العام وامام المجتمع اليهودي، لم يكن هناك يقين كامل بان اسرائيل ستظل دوله هكذا.. كان الراي اليهودي منقسما تجاه المشروع الاسرائيلي، وعما اذا كان هذا مشروعا عاقلا ام مشروعا مجنونا، استمر ذلك حتي وقعت حرب 1967.. في الحقيقه هذه لحظه فارقه في حياتي الخاصه وفي رؤيتي، وارتبطت عندي بانه مهما كان الحاكم مخلصا وجادا، الا ان انعدام الديمقراطيه وانعدام الراي الاخر كفيل بان يتسبب في مصائب كبيره. شعرت بان هذه الهزيمه كانت نتيجه للحكم المطلق، ونقص المعلومات والكذب.

* واين علمت بحقيقه ما جري في 1967؟

- في ذلك الوقت بالتحديد كنت منتدبا عن طريق وزير التخطيط حينها، لبيب شقير، وكنت اسافر من الاسكندريه الي مكتبه في القاهره يومين في الاسبوع. وفي يوم الضرب (5 يونيو، الهجوم الاسرائيلي علي مصر) وكان يوم الاثنين، ذهبت لمبني الوزاره ومكتب الوزير، كالعاده، وكان هناك صخب.. واصوات تتردد باخبار عن سقوط طائرات (اسرائيليه) والبعض يقول: الله اكبر.. اسقطنا 30 طائره. وكنت في مكتب الوزير حيث كان مع مستشاريه، وقام بالاتصال بالهاتف بوزير الداخليه، في ذلك الوقت، شعراوي جمعه. ثم اغلق الخط، وقال لنا: «طائراتنا تدك الان تل ابيب». وفي اليوم نفسه ليلا رجعت الي مدينه الاسكندريه، وهناك، ومن خلال الاستماع الي الاذاعات المختلفه عبر المذياع، فوجئت بالكارثه. اكاد اقول لك ان جميع الافكار السوداويه التي من الممكن ان تاتي لعقل الفرد سيطرت عليّ في ذلك اليوم. وبعد ذلك بشهور سافرت خارج مصر لفتره ورجعت، لكنني كنت اشعر بان الحياه لم تعد تطاق.. ليس بسبب الهزيمه فقط، ولكن هزيمه وكذب وفضيحه. ولم اشعر ان المسائل بدات تتعافي الا مع حرب 1973، لان الامور كانت مبنيه علي تقدير وتخطيط وترتيب، واعداد علمي، وليست «هوجه».

* لكن كيف كنت تشعر وانت تري الرئيس السادات يلوح بشن حرب لاستعاده سيناء لكنه لا يقوم بها، وذلك قبل الحرب الفعليه بسنتين؟

- كان الامل عندي اكبر من قدرتي علي الحكم علي الناس. هذا بطبيعه الحال. كما ان الفتره بين 1967 و1973 لم تكن طويله، لكنها بالنسبه لي ولجيلي كانت كانها دهر كامل، وكنا غير قادرين علي التحمل، كانها مائه سنه، شعور بخيبه امل. لكن بعد ذلك، حين كان السادات يلوح بتحرير سيناء منذ 1971 و1972، كنت اتمني حدوث ذلك، لكنه حين تحدث عن «الضباب» الذي يحول دون هذا العمل، شعرت بخيبه امل شديده، وقلت: ها نحن سنبدا في ترديد الكلام، ومجرد الكلام مجددا.. لكن بعد ذلك، وحين ادركت الامور، رايت ان السادات كان بعيد النظر، لانه في ذلك الوقت لم تكن المساله عدم وجود السلاح الكافي، ولكن كان يريد ان تحدث المعركه وان تصبح قضيه العالم. وكان المقصود بـ«الضباب» اجواء الحرب بين الهند وباكستان، التي كانت تسيطر علي وسائل الاعلام العالميه، بينما كان السادات يريد ان ينتهي زخم تلك الحرب اولا، حتي تكون الارضيه الدوليه مهياه للانشغال بالحرب المصريه. ولو كانت المعركه جرت في 1972 لما وجد السادات الاهتمام العالمي المطلوب، ولذلك اعتقد ان السادات من رجال مصر العظام، مع انني لا اعفيه من كثير من الاخطاء الصغيره التي يرتكبها معظم الناس.

* كان السادات يعد للصلح مع اسرائيل. ما تفكيرك حول المستقبل وانت تري التوجهات الجديده للدوله؟

- الانسان لا بد ان يكون واقعيا.. والاتجاه الذي لجات اليه مصر في ذلك الوقت، هو ان تحل المشكله بالكامل، وان تواجه خصمك بجميع الادوات.. العسكري والدبلوماسي والراي العام وغيره. وانا اعتقد ان العرب والفلسطينيين فقدوا لحظه تاريخيه حين رفضوا دعوه السادات للحضور في «مينا هاوس» (فندق علي سفح الاهرامات شهد مفاوضات السلام) وكانت هناك اعلام لكل الوفود بما فيها الوفد الفلسطيني. وبدات الامور تضيق امام مصر، فاضطرت لان تعمل الصلح مع اسرائيل، واعتقد انه في النهايه انت لا تحصل علي ما تريد ولكن ما يمكن الحصول عليه.

* الاعتراض كان حتي في الداخل المصري.. وعندك في الجامعه ايضا. هل توقعت وقوع صدام مع السادات؟

- مثل اي فتره فاصله تتخذ فيها قرارات حاسمه، بالضروره يكون هناك اختلافات في الراي. اراء المثقفين مثلا كانت منقسمه.. حتي كبار المثقفين، مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، لم يكونوا علي راي واحد.. كنت اري ان السادات بشكل عام يسير في الطريق السليم، ثم قوبل بعدم فهم كافٍ من الدول العربيه، فاضطره ذلك الي ان يتخذ مسالك اخري.. لو كانوا تفهموا ما كان يريده، ما كانوا اجبروه علي اتخاذ الطريق الذي وجد نفسه فيه. الخاسر الاكبر في هذا الامر كان الدول العربيه التي اتخذت هذا الموقف تجاه السادات. كما ان مصر لم تحقق كل طموحاتها، لكنها كانت اقلهم خسائر. تصور ان مصر التي بدات اعاده البناء منذ 1974 و1975، سواء ترميم قناه السويس او جذب الاستثمارات.. تصور لو كان الامر معلقا حتي اليوم، لكان كل شيء يخص البناء والتنميه معلقا ايضا حتي الان.

* وما رايك في توجهات السادات الاقتصاديه التي بدا يتخذها بعد الحرب ومنها محاوله تقليص الدعم الخبز؟

- الاتجاه في جوهره صحيح.. بل ان العالم كله كان قد بدا يتجه هذا الاتجاه. لكن يمكن ان نقول ان الاجراءات ربما كانت تحتاج الي مزيد من التوضيح للناس.. كما انه في ذلك الوقت كان العالم منقسما بين معسكرين؛ معسكر شرقي بقياده الاتحاد السوفياتي، ومعسكر غربي بقياده الولايات المتحده الاميركيه، ومصر حتي 1973 كانت تقريبا ما زالت في المعسكر الشرقي.. قام السادات باتخاذ اجراءات فيها بُعد نظر، بصرف النظر عما اذا كان قد جري التوافق عليها او لم يجرِ التوافق عليها. الحكمه هي ان تعرف من اين سياتي التيار. وهو ادرك مبكرا ان المعسكر الاشتراكي عمره قصير، وتركه في الوقت المناسب قبل ان يضطر للهرب من السفينه. واعتقد ان خياراته الاساسيه كانت صحيحه، بما في ذلك اقتصاد السوق، الذي لا ينبغي ان يعني تخلي الدوله عن التزاماتها. واحدي قوائم اقتصاد السوق الاساسيه ان تكون الدوله قويه وفوق الجميع وقادره علي منع السوق من انحرافاتها، مثل الاحتكار وخلق الازمات. واتذكر ان خيارات السادات الاساسيه كانت جيده، لكنها لم تكن في التطبيق بالدرجه المرجوه. لا تنسَ ان ذلك تزامن مع قوله ان الدوله لا يمكن ان تعيش في ظل نظام الحزب الواحد، رغم ان البلاد في ذلك الوقت كان يسود فيها اعتقاد بان الحزبيه فساد والتعدديه انقسام، الا انه حين فتح الباب للتعدديه لم يفتحه ايضا بالشكل المرجوّ.

* الا تري ان السادات ترك ملفات متشابكه لمبارك كانت تمثل للرئيس الجديد عبئا وتحتاج لحسم؟

- لا.. مبارك سار علي طريق السادات، واستكمل مشروعه، الا ان السادات كان لديه قدره علي الخلق والابتكار، لكن مبارك سار علي الطريق نفسه دون ان تكون لديه رؤيه للتطوير.

* لكن في الثمانينات بدا مبارك في اتخاذ اجراءات عمليه للتعدديه السياسيه، وفي الجانب الاقتصادي بالابتعاد عن التوجهات الاشتراكيه الموروثه منذ عهد عبد الناصر نفسه.

- هذا طبعا كان توجها سليما، لكن الشيء الذي خرب كل هذا هو انه كان لا بد من وجود ضمانات اساسيه. هذا هو الخطا الاساسي الذي وقع فيه مبارك. اما التعدديه السياسيه فهي شيء طيب، لكن هل كان الحزب الوطني (حزب مبارك) يقوم علي اختيار الناس الذين يؤمنون بافكاره، ام انه كان ياتي بالناس من اجل ان يستخدمهم مقابل حصولهم علي مزايا. المهم انه في حين كان السادات ذا عقل فيه ابتكار وياخذ مبادرات ويرتكب اخطاء، كان مبارك دون ابتكار، وسار علي الطريق نفسه، لكن الاداء كان ركيكا.

* الم تكن تعطي استشارات للحكومات في عهد مبارك؟

- حين تولي مبارك الحكم كنت رئيسا لبنك الصادرات، وكنت، بسبب هذا المركز، بالاضافه الي انه ربما كنت اتمتع بسمعه اقتصاديه، اشارك ايضا في بعض اجتماعات اللجنه الاقتصاديه في الحكومه. ثم التحقت بعد ذلك بالعمل في الامم المتحده سنه 1995. وخلال السنوات العشر السابقه كنت احضر اجتماعات اللجنه الاقتصاديه الحكوميه، ثم تراجعت مرات حضوري لهذه اللجنه الي ان سافرت للخارج. وتركت العمل في الامم المتحده سنه 2000، ثم عدت مره اخري للعمل بالخارج لمده عشر سنوات، مستشارا لصندوق النقد العربي، وظلت صلتي بالحياه من خلال كتاباتي الاقتصاديه في الصحف حتي قامت «ثوره 25 يناير 2011»، وحين قدم المتظاهرون في ميدان التحرير اسماء الوزراء المقترحين لتشكيل اول حكومه بعد الثوره، كان اسمي في القائمه. وحين عُرض علي بشكل رسمي دخول الوزاره، وافقت، وتوليت موقع وزير الماليه. وبعد خروجي من الوزاره بنحو عام ونصف العام، وجدت اسمي مطروحا لشغل منصب رئيس الوزراء، وكنت مترددا في الموافقه بسبب الظروف التي كانت تمر بها البلاد، عقب ثوره 30 يونيو 2013.

* ومَن اول شخص اتصل بك لابلاغك باختيارك للموقع الجديد رئيسا لمجلس الوزراء (الحكومه)؟

- البرادعي (كان وقتها نائبا لرئيس الدولة)..

* هل كنت علي معرفه سابقه (اي معرفه شخصيه) به؟

- اعرفه معرفه عاديه.. خاصه ان معظم وقته كان قد امضاه في الخارج، كما انني كنت اعمل في الخارج لسنوات طويله ايضا، وكانت بيننا (لقاءات متباعده)، لكن هناك علاقه قديمه، حيث ان والده صديق قديم لوالدي، ويعرف بعضنا بعضا عائليا، لكن في الـ30 سنه الماضيه هو كان في الخارج، وانا كنت في الخارج، الا انه توجد معرفه وود وتقدير متبادل. وحين كلمني بخصوص رئاسه مجلس الوزراء، كان رد فعلي الاولي انني اعتذرت عن هذا المنصب، وقلت له ان الوضع الامني غير مستقر، والبلد في هذه المرحله لا تحتاج لرجل اقتصاد وانما تحتاج لرجل امن. وقلت له ايضا: اتمني ان تاتوا برجل امن يتولي الحكومه، وانا مستعد ان اعمل معه في الجانب الاقتصادي، لان المشكله الاساسيه التي تواجه المواطن المصري في هذه المرحله مشكله امنيه. وفي اليوم التالي اتصلي بي الدكتور البرادعي مره اخري. وفي هذه الفتره وجدت ان المساله ليست مساله «امني او اقتصادي»، ولكن المساله كانت ان البلد في حاله خطر داهم، وينبغي ان نقوم بالواجب تجاه الوطن.

* حين توجهت للرئاسه لمقابله الرئيس السابق منصور من اجل تكليفك بالوزاره، هل كانت لديه اي شروط بشان العمل واختيار الوزراء؟

- لا.. قال لي: لك مطلق الحريه. وانا تحدثت اليه وقلت له: لي رجاء.. انت قاض، واعلم مني بامور القضاء، فارجو ان ترشح لي وزيرا للعدل. وهذا ما حدث.

* متي التقيت بوزير الدفاع حينها، الرئيس الحالي، السيسي، بعد تكليفك بتشكيل الوزاره، لاول مره؟

- التقيت به يوم حلف اليمين في القصر الجمهوري. وكنت قد اخترته في التشكيل الحكومي الجديد دون ان اتحدث معه او اطلبه بالهاتف، لانني كنت اعرفه جيدا مسبقا منذ كان عضوا في المجلس العسكري، حيث كنا نلتقي في الاجتماعات حين كنت وزيرا في الوزاره السابقه، وكان هو مديرا للمخابرات الحربيه. ومن الطبيعي ان السيسي، الذي كان وزيرا في الحكومه السابقه، كان سيدخل في الحكومه الجديده. وحين كتبت اسماء الوزراء في التشكيل الجديد كتبت اسمه.

* هل اشار عليك اي مسؤول او جهه بضروره وضع اسم السيسي؟

- لم يخبرني اي شخص او جهه بما ينبغي ان اقوم به.. لكن تعرف انه كان يوجد لدي تقدير للامور.

* وماذا عن باقي الوزراء. كيف جرت عمليه الاختيار؟

- طبعا لم اكن اعرف كل الناس، خاصه انني عملت فتره طويله خارج مصر. ولهذا استشرت البعض سواء من الاشخاص او من الاجهزه، من هنا وهناك.. اضف الي ذلك انني لم اكن مهيئا لتشكيل الحكومه، كما ان الامور كانت تجري بشكل سريع.. في نهايه المطاف كنت انا الذي يختار الوزراء، بمن في ذلك اختيار وزير الداخليه بان يستمر في العمل في الحكومه الجديده. هناك اشياء كانت واضحه بالنسبه لي. توجد وظائف امن قومي.. ليس فقط وزير الدفاع، ولكن ايضا وزير للانتاج الحربي، وكذا وزير الطيران، ووزير الداخليه.. ولا تستطيع ان تقول ان لي معرفه برجال القوات المسلحه ومن يصلح منها لموقع الوزير ومن لا يصلح. هذا اسمه حسن تقدير الامور. ومع ذلك اؤكد انني لم اكن تحت اي ضغط سياسي لاختيار هذا او ذاك.

* البعض يري ان ما يجري في المنطقه العربيه، خاصه في ليبيا وظهور تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، مؤامره. هل تؤيد هذه النظريه؟

- انا لا اؤيد القول انه توجد مؤامره، لانه لا توجد مؤامره واحده، بل الف مؤامره.. والمؤامرات تتضارب والمشكله في المؤامره ان الناس تفكر في السبب بشان هذه المؤامره او تلك، ويضيعون وقتهم في الحديث عنها، بينما لا يفكرون فيما ينبغي ان يقوموا به للتصدي لها وافشالها.. هذا مثل الذي يصاب بمرض وتقول انه مصاب بالفيروس الفلاني، دون ان تفكر في البحث عن طبيب لانقاذه.

* حازم عبد العزيز الببلاوي من مواليد 17 اكتوبر (تشرين الاول) 1936. تخرج في كليه الحقوق، جامعه القاهره 1957. وحصل علي الدكتوراه في العلوم الإقتصادية من جامعه باريس 1964.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل