مجنون فى سفينة الحمقى | المصري اليوم

(1) يعذبني التماهي، وياخذني التشوش الي ارض الجنون.

(2) اعيش في القرن الخامس عشر، مع سباستيان برانت، وهيرونيموس بوش، اعاني من القلق والخوف والفشل الاخلاقي، وتدني البشر الي مسوخ بشعه لا تشبه شيئا، لانها تجمع كل شيء في خليط متنافر، لذلك كتبت مع برانت «سفينه الحمقي» ورسمتها مع جيروم (هيرونيموس) في لوحته الخالده، وهي اللوحه التي استلهم منها الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو كتابه الشهير عن الجنون.

(3) اعيش بينكم الان، علي متن سفينه الوطن المليئه بالاشرار والحمقي، والخطباء والسفهاء، والحالمين، والسذج، والمتصارعين علي الثروه والسلطه والشهره، والمصابين بانواع لا حصر لها من الامراض، والساعين الي بر امان ينهي هذا العبث الذي ياكل العقل والروح.

(4) تقول كلينتون، فنقول ما قالت كلينتون، بغير ما قالت كلينتون، لنقول ما نريد ان نقول، غير عابئين بالعقول: فقد تحدث عن بطولاتنا الخرافيه اوباما، وبوتين، ومصدر رفيع، وجنرال فظيع، وصباح الثلاثاء الماضي الموافق ليله الخميس المقبل كشف جنكيز خان (علي مسؤوليتي) ان قواتنا الباسله اصطادت بارجه فوق سحابه، وطاردت النسور تحت الماء، واسرت السمك من الهواء.

(5) لا تنزعجوا من خطباء السفينه، ولا تنفروا من كل هذا الخبل، وكل هذه التناقضات، اعلموا ان تزايد الاوساخ يحفز علي سرعه التنظيف.

(6) لا تلوموا خميس ورصد والجزيره والحظيره، ولا تغضبوا من الغيطي وعكاشه والخياط، ولا تتعجبوا من موسي وعيسي وفرعون، ولا تحاسبوا المكسوف والماسوف، ولا تتوقفوا امام تصريحات مسؤول.. لا تكترثوا، لا تهتموا كثيرا بما يقال، كلنا في الخطا والخطيئه سواء، تذكروا فقط اننا جميعا علي متن سفينه واحده، يختلط فيها الصحيح والمريض، الحالم والحاكم، العاقل والاحمق، العالم والعالمه، الضابط والطبال، وعاجلا ام اجلا سينتهي هذا الجمع المتنافر الي تصور للحياه يعيد صياغه هذه الرحله العبثيه حسب المقامه الهمذانيه، حيث يكمن الحل في التروي والتعقل، وعدم الفزع، فالمصير بين خيارين.. اذا انتصر العقل والحلم والامل والعمل، تكاتفنا ووصلنا بالسفينه الي مرفا ما، واذا استمر حالنا علي الحماقه والغفله والتناحر، فلن نتذكر من الاساس ان نسال عن المصير، فالحمقي يعيشون عاده تحت اقدام الزمن، يجهلون الماضي ويسيئون الي المستقبل.

(7) تستهويني هزليات سباستيان برانت، اكثر من فلسفه ميشيل فوكو، لكنني معجب الي حد الهوس بمقوله فوكو عن التفاؤل بالاراده في مواجهه التشاؤم بالاسباب، فنحن لدينا من اسباب التشاؤم ما يجعلنا نجدل من ملابسنا مشنقه متينه نشنق بها انفسنا، وكل من نراه، لكن الحياه تصبح ممكنه باراده الامل والرغبه العقليه في تجاوز هذا الانحطاط والخبل الي واقع افضل، ربما لا يكون «الفردوس المفقود» كما بشرنا جون ميلتون، لكنني لا اريده «حديقه الملذات» كما رسمها هيرونيموس، كل ما اريده ان نفكر في علاج المرضي ولا نلقي بهم خارج السفينه، ان نعلم الجهلاء، ونثقف السذج، ونتجنب السفهاء والحمقي، ونضع القواعد لضبط وترشيد اطماع الباحثين عن الثروه، ونزوات المهووسين بالشهره، وهيمنه الساعين الي السلطه، اما المجانين فليس لديَّ اي مانع من استمرارهم بجنونهم الجميل، طالما ظل بعيدا عن العنف والايذاء، فالجنون كما يقول فوكو، اثراء للخيال، وضروره للمعرفه.