المحتوى الرئيسى

في ذكرى الاستقلال: باكستان .. ضريبة التقسيم الأزلية

08/21 10:43

في الرابع عشر من اغسطس، انطلقت الاحتفالات في مدينه كراتشي باستقلال باكستان عن التاج البريطاني ‒ او بالاحري تاسيس باكستان ‒ وتبعها عند منتصف الليل، في اولي ساعات يوم الخامس عشر من اغسطس، استقلال الهند، قبل ذلك اليوم كانت الدولتان بلداً واحداً؛ الهند، ولكن اتفاقيه تقسيم قد وضِعَت لخلق بلدٍ خاص بالمسلمين، لتنشا دوله باكستان، وعد الانجليز البلدين بالاستقلال في نفس اليوم، ليتخلّصوا من عبء حكم الهند، ولكن الاحتفالات جرت في كراتشي قبل دلهي، كما يُقال، حتي يتمكّن اللورد "ماونتباتن"، اخر نائب عن العرش، من حضور احتفال الدولتين! فاصبح عيد استقلال باكستان الرابع عشر، وعيد استقلال الهند الخامس عشر من اغسطس!

حَكَم الهند قبل الانجليز سلاطين المُغال (او المغول)، وهم مسلمون فُرس ثقافهً واتراك عرقاً، الا انهم ذابوا بشكل كبير في النسيج الثقافي الهندي، وكانوا واحداً من ابرز عوامل تشكيل الثقافه المسلمه في الهند، لاسيّما نشاه اللغه الاورديه، وهي الهنديه مكتوبه بحروف عربيه.

كان المسلمون هم اكبر المتضررين من دخول الانجليز؛ اذ فقدوا سلطانهم، وكانوا المحرّك الاكبر لثوره عام 1857م ضد وجود الانجليز ومصالحهم، والتي شارك فيها الهندوس بشكل كبير ايضاً، ويعتبرها كل الهنود اول "حربٍ" لاستقلال الهند، غير انه بمرور الوقت، بدا الواقع الانجليزي الجديد يفرض نفسه، ووجد الهندوس حافزاً اقل في التمسّك بارث المُغال وعالمهم الادبي الفارسي والاردي، ونظراً لاستعدادهم الاكبر للاندماج في بنيه السلطه الحديثه الجديده، اصبح للهندوس نصيبٌ اكبر من مناصب الدوله والاعمال الاقتصاديه في الهند "الحديثه"، وهو ما دفع بالمسلمين الي الهامش نسبياً، حتي ظهرت دعوات الاصلاحي المسلم "سيد احمد خان" (1817 ‒ 1898م).

راي احمد خان، ودعا الي تبنّي المسلمين للثقافه الحديثه الانجليزيه ليتمكنوا من استعاده موقعهم السابق، والوقوف علي قدم المساواه مع الهندوس، دون التنازل بالضروره عن الارث الثقافي لمسلمي الهند، ووصل به الامر لدعوه المسلمين للتعاون بشكل واضح مع الانجليز، وهو ما اعتبره البعض برجماتيه لتحسين اوضاع المسلمين، واعتبره بعض الهندوس مؤامره بين الانجليز والمسلمين لاستمرار الاستعمار، كما هي عاده الاستعمار مع اقليات عديده حول العالم، ادت جهود احمد خان الي تاسيس الرابطه الاسلاميه، والتي تشكّلت من تلامذته الذين تقبلوا بشكل كبير الثقافه الانجليزيه، معتبرين انفسهم وحده ثقافيه قائمه بذاتها، منفصله عن كل من الهندوس والانجليز، ومتفاعله مع كليهما حسبما تملي ظروف ومصالح المسلمين.

بمرور الوقت، نشات طبقه وسطي مسلمه "حديثه"، حصلت علي نصيب لا باس به من المناصب والمصالح، وشكلت اللُّب السياسي للرابطه الاسلاميه، كانت الرابطه تمثل نخبه المثقفين المسلمين العلمانيه نسبياً، والتي نظرت لمسلمي الهند كوحده عضويه، وهي التي تفتّق ذهنها لاحقاً عن اقامه دوله منفصله للمسلمين، وعلي العكس كانت المجموعات الاسلاميه التي نشات كجزء من الحراك الاسلامي حول العالم بعد الحداثه، وعقب سقوط الخلافه، مثل جماعه علماء هند، ومجلس احرار اسلام، وكان مفهومها للعمل الاسلامي في اطار الهند الموحده، ورات مسلمي الهند كمجموعه مرتبطه بسياق الهند وبالامه الاسلاميه بشكل اوسع، لا كوحده قائمه بذاتها.

ظلت المجموعه الاخيره تلك هي المهيمنه علي الساحه الاجتماعيه بشبكاتها وافكارها الاسلاميه التقليديه، خصوصاً بتحالفها مع حزب "الكونجرس" الهندي الذي قاده "غاندي" منذ العشرينيات، والذي حاول عبره ضم المسلمين قدر الامكان، وهي جهود وصلت لاوجها اثناء الحرب العالميه الاولي، حين دعم حركه "الخلافه" التي ساند عبرها مسلمو الهند الخلافه العثمانيه.

بمرور الوقت، ومع سقوط الخلافه وصعود الحركه القوميه الهندوسيه، والتي رات هي الاخري ان الهندوس والمسلمين لا يمكن ان يتصالحا في اطار سياسي واحد، نمت ارصده الرابطه، خصوصاً والطبقات التي تمثلها كانت تزداد اهميه، وخطابها يكتسب ارضيه لدي الطبقات الوسطي المتناميه علي ارضيه المنظومه الحديثه السياسيه والاقتصاديه، وهي تخشي من مجتمع يغلب عليه الهندوس بعد رحيل الانجليز الذين كانوا ضمانه لمكتسباتها.

غلب في النهايه ارث الاستعمار والاحتقان المتزايد بين اتباع الدينَين، خصوصاً في اواخر الثلاثينيات، علي رؤي الوحده، ولكن حتي في الوقت الذي توصّل فيه كثيرون لاستحاله بقاء الهندوس والمسلمين في اطار سياسي واحد، كانت الرؤي الموضوعه للحكم الذاتي للمسلمين تتضمن مقترحات مختلفه، مثل لا مركزيه علي مستوي الولايات في اطار هند موحدّه، او مجرد حل سياسي بين الرابطه الاسلاميه والكونجرس، والنخب السياسيه التي يمثلها كلاهما، والتي راي كثيرون انها في الواقع لُب المشكله في التحوّل من حُكم الراج الانجليزي الي الهند الجديده، التي كانت تخشي الرابطه فيها من طوفان هندوسي يزيح مكتسباتها في ظل ديمقراطيه صِرفه.

غير انه بحلول منتصف الاربعينيات، وبرغبه الانجليز في الخروج من الهند باسرع وقت، بدا التقسيم لدولتين خالصتين الضمان الوحيد والسريع للحفاظ علي مكتسبات الرابطه التي بنتها علي مدار عقود، واصبحت تمثل وزناً مهماً للمسلمين ككُتله في نظام حديث، وهو ما وقع بالفعل عام 1947م، قضت اتفاقيه التقسيم ببقاء معظم الهند موحّده كما كانت علي مدار تاريخها، باستثناء (1) ولايه السند، و(2) نصف غربي من ولايه البنجاب، مع (3) بلوشستان، و(4) ولايه الشمال الغربي المتاخمه للافغان، وعلي الناحيه الاخري من القاره علي بعد الاف الاميال، (5) النصف الشرفي لولايه البنغال، وكان الفيل الهندي قد قُصَّت اذناه، كما قال مره احد الكتّاب، لتشكّل دوله باكستان الوليده.

كانت الحدود بين شرق وغرب البنغال معروفه نظراً لتقسيم إداري سابق قام به الانجليز، وكانت السند واضحه المعالم كولايه، الا ان البنجاب، واحده من اهم الولايات في الـ"راج" الانجليزي، لم يكن احد يدري بعد اين سيوضع بالضبط الخط الفاصل بين شرقها الهندي وغربها الباكستاني، ولوقت طويل بعد الاستقلال (والتقسيم) كانت هناك قري حدوديه بين بنجاب الهنديه وبنجاب الباكستانيه لا تدري اين هي، في الهند ام في باكستان.

راي الساسه الهنود ان الفيل يمكن ان يمضي دون اذنيه، ولكن المعضله كانت علي الناحيه الاخري، حيث بدت دوله باكستان ذات قسمين مفصولين بالاف الاميال فكره عصيه علي الاستمرار، فبنغال هي جزء من عالم الشرق الهندي، وعلاقاته التاريخيه مع بورما وجنوب شرق اسيا، في حين مسلمو البنجاب والسند جزء من الوجود التاريخي لكتله مسلمي الشمال، وجذورهم الفارسيه والتركستانيه، لم يمضِ رُبع قرن حتي تعالت اصوات الاحتجاج في شرق البنغال ضد السلطه في اسلام اباد، فقامت حرب تقسيم باكستان، او تحرير بنجلادش، التي اكتسحت فيها الهند، ووُلِدَت دوله بنجلادش، واصبحت باكستان ولايات الغرب الاربع فقط. كانت ولايه البنغال عبئاً علي اي حال، وكان متوقعاً ان تصبح باكستان اكثر حيويه وتجانساً، بعد ان تلملم جراحها من حرب عام 1971م، غير ان هذا لم يحدث، ولاسباب عده، ابرزها استمرار دور الجيش في الحياه السياسيه، وتاثير الوضع في افغانستان، خصوصاً بالنظر للروابط بين شعوب الدولتين.

قوه البشتون التاريخيه، والروابط بين البشتون علي جانبي الحدود الباكستانيه الافغانيه، كانت دوماً هاجساً لاسلام اباد، وكان الحل الامثل، والناجح نسبياً حتي الان، وان علي حساب الاستقرار الجزئي لشمال البلاد، هو التحالف مع قبائل البشتون بشكل كبير، ودعم "طالبان" جزئياً من وقت لاخر، ليصبح عصب السياسه في افغانستان معادله صعبه بين البنجاب (عصب الجيش) ومهاجري الاردو (روّاد فكره باكستان في الاصل والذين هاجروا اليها من الهند) وقبائل البشتون (عامل موازِن لايران في افغانستان من ناحيه، وظهير في مواجهه الدور الهندي من ناحيه اخري)، ولتصبح اولويه باكستان، التي كانت تحلم برياده مسلمي المنطقه كلهم من دلهي (!)، فقط الحفاظ علي هذه المعادله التي تحفظ تماسكها ككيان في مواجهه فوضي الشمال وفيل الهند في الشرق.

لا يزال مسلمو الهند يعدون التقسيم اسوا حدث في تاريخهم، ولا يزال الكثير منهم يتساءل عن جدوي الانفصال في مقابل بلد صغير لم ولن يشاطر الهند نصف مقدرات "هندوستان" التاريخيه كما كان يحلم، فارث الهند وقدراتها وافاقها ومساحتها وتاريخها ظلت ملكًا لها، الهند هي الهند كما كانت، فقط دون خمس ولايات.. اما باكستان، والتي كانت في مخيله بعض روّاد التقسيم مساحه واسعه تصل الي دلهي كعاصمه تاريخيه للاسلام الهندي، وتضم ولايات جنوبيه، فلم تنتزع من الهند سوي ولايات اربع، فالمسلمون لم يكونوا متركزين في ولايات بعينها، ولكنهم توزعوا علي مختلف ولايات الهند بشكل يصعب معه اي تقسيم اجتماعي فعلي، وبدلاً من هند ثُلث سكانها اليوم من المسلمين، يستطيعون ان يساهموا بقوه في توجيه دفتها، اصبح مسلمو القارة الهندية اليوم منقسمين الي 150 مليوناً في بنجلاديش، و170 مليوناً في باكستان، وحوالي 250 مليوناً في الهند. يقول احدهم: ان مسلمي الهند اليوم يدفعون ثمن التقسيم، بوجود اجتماعي منكمش، واتهامات بين الحين والاخر بالعماله لباكستان، ولكن لعل كل مسلمي القاره الهنديه يدفعون، فمسلمو بنجلاديش يدفعون ضريبه التقسيم في صوره فقر مدقع، ونزوح كثير منهم نحو الهند، ومسلمو باكستان يدفعون ضريبه التقسيم في صوره "عنق زجاجه" جغرافي، مهدد بالفوضي الافغانيه من ناحيه، ومُلزَم بمعاداه العملاق الاسيوي المحكوم من دلهي من ناحيه اخري؛ دلهي التي كان يظن يوماً انه سيحصل عليها، والتي منها اصلاً ينبع تاريخه وثقافته.

كان الاسلام والهند كشجرتين تعانقتا ثم شهدتا نموهما معاً علي مدار قرون، حتي بات مستحيلاً فصل افرع الشجرتين المتعانقتين عن بعضهما، قطع بعض اجزاء الشجره لفصلها كان يعني شيئين؛ اولهما: الانفصال عن جذع الشجره الرئيس، وثانيهما: عدم القدره علي فصل كل الاجزاء المطلوب فصلها، والتي كانت، احياناً، اجزاءً ثمينه جداً.

مشروع باكستان، في جنوب اسيا، وليد الرابطه الاسلاميه وما تمثله من ارث التعاون مع الانجليز، والانفصال عن الهند نفسياً واجتماعياً، قبل ان يتحقق ذلك سياسياً، ينافسه كمشروع "مسلم" في تلك المنطقه من العالم مشروعان، احدهما الي الشمال الغربي، وتمثله "طالبان"، والاخر الي الجنوب الشرقي منها، وتمثله الحركات الاسلاميه الهنديه بالتحالف مع حزب الكونجرس الهندي احياناً كثيره.

العلاقه بين باكستان و"طالبان" تشوبها الموده والعداوه، فطالبان، من ناحيه، قد ينتهي بها الامر لتهيمن علي شمال باكستان بالكامل مع جنوب شرق ووسط افغانستان، او بالاحري نطاق وجود قبائل البشتون، ومن ناحيه اخري، هي الظهير الاساسي للتوازن بين باكستان وايران في الساحه الافغانيه، واحياناً ذراعٌ لـ"ارهاب" الهند وحجبها عن التمدد بدورها التاريخي الي اسيا الوسطي.

اما بالنسبه للكونجرس الهندي، فهو اضعف من القيام بدور وسط مسلمي الهند منذ ان نسف التقسيم رؤيته الوحدويه، خصوصاً في غياب قيادات مسلمه قويه، وهو في اضعف حالاته اليوم عموماً؛ اذ يقود الهند القومي الهندوسي "مودي"، ويشهد تنظيمه وحزبه انتصارات سياسيه كاسحه، هذا في حين يتسم مسلمو الهند وحركاتهم التقليديه بالسلبيه والجمود، والرهان علي دوله علمانيه نسبياً يعد بها "الكونجرس" دائماً لحصد اصوات المسلمين، ويبدو انها لم ولن تحقق لهم شيئاً، الرهان علي العلمانيه حين نكون اقليه، وعلي الاسلام حين نكون اغلبيه، هو ازدواجيه معايير علي اي حال، وهي ازدواجيه قد يضع اكتساح "مودي" حداً لها، ليجبر المسلمين علي تبني رؤيه جديده لتحسين اوضاعهم، عوضاً عن ذلك، لا يبدو ان هناك صوت مسلم من الهند قد يستطيع ان يخاطب المسلمين خارج حدوده، ويقدم مشروعاً هندياً مسلماً ينافس به اسلام اباد.

علي المستوي الدولي، يمثل استقرار المنطقه واستمرار الوضع علي ما هو عليه منذ انسحاب الانجليز، احد اهم ارصده باكستان للاستمرار، فاي توتر الي الشمال في افغانستان تحديداً، قد يمثل التهديد الابرز لتماسك اسلام اباد. بالاضافه الي اي اضطراب يخرج عن سيطره الدوله الهنديه في الغرب، وهو امر مستبعد.

سيناريو انهيار الخط الافغاني ‒ الباكستاني

احد اهم عوامل استقرار هذه المنطقه من اسيا، الممتده عبر افغانستان وباكستان، والمتاخمه لدول اسيا الوسطي وروسيا من خلفها، والهند والصين وايران، كان صعود الدور الامريكي عالمياً منذ انسحاب الانجليز، وتحالفهم مع باكستان واعتمادهم عليها كقاعده انطلاق بجنوب ووسط اسيا، وعلي وجه الخصوص وجودهم العسكري بافغانستان منذ عام 2003م، بعد الانسحاب الامريكي من افغانستان الذي ينتهي عام 2016م، وفي ظل غياب بديل دولي للحفاظ علي المنظومه الحدوديه الانجليزيه كما هي منذ حوالي قرن، وفي ظل تزايد الاهتمام الامريكي بمنطقه المحيط الهادي علي حساب غيرها، قد ينشا تحوّل يطال الخطوط المرسومه علي الخرائط، مثلما حدث ويحدث في الشام والعراق، حيث تنسحب الولايات المتحده من العراق مولدهً فراغاً مسح فعلياً خط "سايكس بيكو" بين سوريه والعراق، في ظل فشل جيوش دولتي العراق وسوريه في السيطره علي الارض بالكامل، ما اذا كان الجيش الباكستاني قادراً علي ضبط هذه المساحات بالكامل هو امر ستكشف عنه الايام مع اكتمال الانسحاب الامريكي، غير ان البعض لا يري ذلك.

فقد تنبّا الكاتب والمحلل الاستراتيجي المعروف، "روبرت كَبلان"، بتغيّر الخارطه كما نعرفها في معظم انحاء اسيا والشرق الاوسط، خاصه اينما رُسِمَت حدودٌ تتعارض مع حقائق جغرافيه وديموجرافيه، من ضمن ما تنبّا به هو تهاوي الحدود الباكستانيه الافغانيه بعد انسحاب الولايات المتحده من افغانستان، في حاله كهذه ستصبح المساحه الممتده من مرتفعات الهندوكوش بافغانستان، الي وادي السند، مفتوحه لتضُم البشتون والبنجاب ومهاجري الاردو والسند والبلوش، تشير الحقائق علي الارض بان هناك اطرافاً ستتضرر من هكذا انهيار.

اول الساخطين ستكون ولايه السند الباكستانيه، والتي طالما تقبّلت علي مضض سلطه البنجاب ومهاجري الاردو بعد تقسيم الهند، وتحالفهم لاحقاً مع البشتون، وستكون قوتها الاقتصاديه في مهب الريح، خصوصاً وهي اقرب الي عالم الهند النامي من فوضي وفقر الشمال، السند تحديداً كانت الولايه التي شهدت اقل احتقان بين المسلمين والهندوس اثناء التقسيم، اذ كان سخط اهلها علي نزوح القرويين البنجاب ونخبه بومباي غالباً علي اي نزعات طائفيه، ومنذ نشاه باكستان وهناك دعوات انفصاليه تنطلق كثيراً رافضه السطوه "الاورديه ‒ البنجابيه" علي الولايه الغنيه نسبياً، لعل السند ستلجا بعَيد انهيار كهذا اما الي الانفصال او الانضمام للهند، وهو امر يتوقف علي رغبه الهند في حل كهذا بالتاكيد، سيصعّب من هكذا انفصال فقط وجود واحدٍ من المركزين النوويَّين لباكستان في كراتشي (الاخر في جشمه بولايه البنجاب).

ثاني الساخطين علي انهيار كهذا ستكون الهند، التي ستصبح جاراً مباشراً لمسلحي افغانستان، وسيصبح عليها تحمّل العبء الذي تحمّله الانجليز يوماً ايام الراج، وهو الضلوع المباشر في الملف الافغاني، وهو امر لا ندري ان كان جيشها قادراً علي الاضطلاع به ام لا.. ثالثهم ستكون ايران، والتي تمتلك مصالح كثيره في افغانستان، وبينها وبين باكستان خلافات شتي في هذه المنطقه، ولعل احد نتائج انهيار كهذا سيكون انفصال مناطق شتي بغرب افغانستان فعلياً، والمتحقق جزئياً حالياً، عن بقيه افغانستان، وتبعيتها لايران، خصوصاً وغالبيه سكانها من الطاجيك والاعراق الايرانيه الاقرب لايران وعالم اسيا الوسطي من نطاق الهند الثقافي.. رابعهم، سيكون باكستان نفسها، والتي تحافظ علي توازن دقيق بين القوه الاقتصاديه المتمركزه في كراتشي بعيداً عن "الفوضي" الافغانيه، والقوه السياسيه والعسكريه في اسلام اباد.. واخيراً، سيظل ملف بلوشستان عالقًا، حيث البلوش الساخطين علي النظامين الايراني والباكستاني، والذين يطلقون دعاوي انفصال عن كليهما بين الحين والاخر.

العديد من القوي الدوليه يهمها مصير منطقه الافپـاك كما تُسمّي (AfPak)، لاسيّما الصين القريبه سياسياً من باكستان، والتي قد يهمها اكثر من اي طرف اخر ان تظل اسلام اباد قادره علي ضبط الامور لسببَين رئيسَين؛ اولهما: ان انهيار اسلام اباد هو خساره استراتيجيه للصين وهي المنافس التاريخي للهند باسيا، فباكستان كحاجز عن وصول الهند الي اسيا الوسطي ضروره صينيه، ووجود الهند كقوه تحاصرها الصين وباكستان النوويتَين من الشرق والغرب وضع استراتيجي يفيد الصين بشكل عام للهيمنه في اسيا.. وثانيها: ان انفراط عقد هذه المنطقه سيؤثر بالقطع علي الوضع في تركستان الشرقيه، وسيؤجج التوتر المتزايد بين السلطات الصينيه ومسلمي الاويجور.

 الولايات المتحده، وان لم تكن معنيه مباشرهً بتفاصيل الجيوسياسه في اسيا، الا ان تماسك اسلام اباد يهمها، كما هي الحال مع بغداد، فقدوم الامريكيين الي مختلف مناطق العالم تزامن مع براجماتيه الحفاظ علي الخارطه الانجليزيه والاستثمار فيها كما هي، دون النظر الي مخالفتها للحقائق التاريخيه والديموجرافيه علي الارض، وهو امر يعني انه بمرور الوقت، اصبح تماسك دول حليفه مثل باكستان والعراق و"اسرائيل" مهماً للولايات المتحده في مناطق شتي من الشرق الاوسط الي اسيا الوسطي، ويعني ايضاً انه حال تغيّرت الاولويات الامريكيه، ستصبح تلك الدول نفسها في مهب الريح، كما نري اليوم.

امتلاك تقليد عسكري عتيد ورثته باكستان عن الانجليز، يخلق فرقاً واضحاً بينها وبين مليشيات "المالكي" التي حاول الامريكيون ان يخلقوا منها جيشاً وطنياً، ليسقط في اول مواجهه مع ثوار العراق السُّنه ومقاتلي "داعش"، غير ان التقاليد العسكريه العتيده والترسانه النوويه ليست كل شيء، كما يشي لنا وضع "اسرائيل" المازوم في غزه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل