المحتوى الرئيسى

بين بغداد وفريسكو الجميلة

08/18 16:26

يطلق علي مدينه سان فرانسيسكو الاميركيه التابعه الي ولايه كاليفورنيا انها حاضره  رعاه الليبراليه ، ويسمونها تصغيراً " فريسكو " تحبّباً مثلما ينعتون الاطفال ويدلّعونهم اختصارا وتودّداً ، ولكن هل خطر ببال احدكم ان هذه المدينه الزاهيه ذات الجسر المعلق المشهور ومن معالمها البارزه / جسر البوابة الذهبية ( Golden Gate Bridge ) الذي ابهر البشريه ببنائه وتشييده والاخر جسر الخليج المعلّق بينها وبين اوكلاند ( Oakland Bay Bridge ) واللذان شيّدا عامي 1936 و1937 وهما يعتبران من اطول الجسور في العالم واكثرهما جمالا وجذباً للسياحه .... كان اهلها يسمونها بغداد نظرا لرقيّها الباهر وتنوعها الثقافي لساكنيها من مختلف الاجناس والاعراق وتعددها العقائدي اذ ان كثيرا من الصفات التي تتميز بها " فريسكو " تتشابه الي حدّ كبير ماكان لبغداد من سموّ حضاري ورفعه في العلم والادب والفن والانسجام المذهل والتاخي بين البغداديين علي اختلاف اديانهم وقومياتهم. 

احد ابنائها المعروفين عالميا وهو الصحفيّ الناجح هيربرت كاين (1916- 1997 )  الذي حاز علي جائزه البوليتزر بجداره  وسليل هذه المدينه الزاهيه حيث عمل في صحيفه / لوس انجلس تايمز اطلق علي مدينته اسم بغداد واشاعه بين السكّان انبهارا بمدينه الرشيد ورفعتها ومكانها الساميّ الذي علّم العالم تيمّناً ان تكون فريسكو بغداد اخري في العالم الجديد الذي يعيش فيه ، كان يري في بغدادنا منبعا لتنوع الثقافات وحاضنه لكل اللغات والاتجاهات الفكريه والادبيه وكم سحرته  الليالي الالف وتمنّي ان تكون الليله الواحده بعد الالف من اقاصيص السيده الخالده شهرزاد وتهنا في سان فرانسيسكو نفسها وكانها بغداد الامس.

بقي هذا الحبّ لبغداد واهلها ومعالمها التاريخيه وحضارتها راسخا في قلوب وعقول سكّان فريسكو الي الان فما زالوا يفخرون بانهم سمّوا مدينتهم باسم عاصمتنا الحبيبه القريبه الي ارواحهم ، هؤلاء احفاد الروائي الكبير جاك لندن والشاعر المتالق روبرت فروست وظلوا ابناء مخلصين للصحفي البارع هيربرت كاين وقد تمثّل هذا الحبّ جليّا في مبادره الشاعر والناشر والمكتبيّ الاميركيّ " بوسوليل " الابن البار لهؤلاء النجب الاوائل حينما وقف هو وصحبه الشعراء المعاصرين من فريسكو وقفه تضامنيه مشرفه للتنديد بالعمل الاجرامي القذر يوم عمل الارهاب علي تفجير شارع المتنبي في العام / 2007 حيث اطلق مشروع ائتلاف المتنبي وكان حقا مشروعا ثقافيا هاما عملَ هو وزملاؤه ادباء سان فرانسيسكو علي توسعته لاوسع نطاق ليشمل الكثير من الولايات الاميركيه ( 14 ولايه ) واجزاء واسعه من غرب اوروبا وشرقها ( بضمنها خمس مدن بريطانيه ) ومدينتين كنديتين وقد اثر علي جمع العديد من ادباء العالم تحت شعار " شارع المتنبي يبدا من هنا " اذ ساهم في تلك الفعاليه التضامنيه اكثر من 260 اديبا وفنانا من اقطار المعموره وبمعيتهم مثقفون عراقيون بارزون اذكر منهم السيده الروائيه لطفيه الدليمي واميركيون من فريسكو نفسها ومن الولايات الاخري مثل الصحفي الاميركي المشهور انتوني شديد الذي عمل مراسلا صحفيا للصحافه الاميركيه هنا ببغداد  قبل ان تحين منيته في الاراضي السوريه قبل سنتين وبضعه شهور اثر نوبات ربو حاده حيث تسلل متخفيا علي صهوه جواده الي سوريا لتغطيه اخبار المعارك الدائره هناك.

اجل ليست كل اميركا تتسم بوجوه كالحه سود متغضنه بالعنف وبطلعات دمويّه مثل سحنات رامسفيلد او ديك تشيني او كولن باول ودمامه جورج بوش الاب والابن ومن لفّ لفّهم من دعاه وممتهني القوه الخشنه الرعناء وقارعي طبول الحروب من ازاعر وصقور البنتاغون والبيت الابيض ، فهناك من الحمائم البيض مالا يعدّ ولا يحصي فهم اصدقاؤنا ونصرائنا وكثيرا ماوقفوا الي جانب قضايانا.

ومثلما انهك مرض الطاعون اهل سان فرانسيسكو اربع سنوات مطلع القرن العشرين ( من سنه 1900 حتي 1904 ) وزلزلت ارضها بفعل زلزالٍ مدمّر واشعلت الحرائقُ قرابه ثلاثه ارباع المدينه واصبح نصف سكانها بلا ماوي في العام / 1906 لكنها نهضت من جديد بابهي حُلّه واندي نضاره وغدت مهوي السياح ومقصد الباحثين عن الابداع والعمران وبناء الانسان السليم الطويّه.

يوما ما ستنهض بغداد وتنفض الرماد العالق بها وتغسل جسدها بماء دجله غسلا طهورا وتنزع ماعلق بها من ركام ووعث تراب الحروب وتنزع سربال الكراهيه وخرق الطائفيه من جلدها الناعم وتلبس حرير المحبه والتاخي والتسامح ويتسع صدرها رحبا واسعا بعد خناق دام اطول مما كنّا نتوقع.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل