المحتوى الرئيسى

كارل يونج.. رحلة البحث عن الكأس المقدسة

08/16 12:44

يحكي عالم النفس كارل يونج عن حوار دار بينه وبين عالم النفس سيجموند فرويد في عام 1910، وهي السنه التي انعقد فيها المؤتمر الثاني لجمعيه "التحليل النفسي"، حين اقترح فرويد، ان يعيِّن يونج رئيسًا دائمًا للجمعيه، فقال يونج: "الح عليَّ فرويد في هذه المناسبه، قائلاً: "عزيزي يونج، عِدْني الا تتخلَّي عن النظريه الجنسيه، فهي اساسيه اكثر من كلِّ شيء، انتبه، لا بدَّ ان نجعل منها دوجما وحصنًا لا يتزعزع".

وعقب يونج: "قال هذا بعاطفه بالغه وبلهجه اب يقول لابنه: "عدني بشيء واحد، يا بني، انك سوف تذهب الي الكنيسه كلَّ يوم احد"، سالته في شيء من الدهشه: "حصنًا.. ضد ماذا؟"، اجاب: "ضد مدِّ الوحل الاسود..."، وهنا تردد لحظه ثم اضاف: "الغيبيات"، فعلِّق يونج قائلاً: "قبل كلِّ شيء، اجفلتُ من كلمتَي "حصن" و"دوجما"، لان هذه الاخيره تعني اعلان ايمان لا مراء فيه، وانما تُعتمَد الدوجما لقطع دابر الشك نهائيًّا، والدوجما لا علاقه لها بحُكْم علمي، بل بحضِّ سيطره شخصيٍّ".

تابع يونج: "لقد كان هذا الشيء هو الذي اصاب صداقتَنا في الصميم. اذ كنت اعلم انه لن يكون في وسعي ان اقبل بمثل هذا الموقف، وما بدا لي هو ان فرويد كان يعني بـ"الغيبيات" كلَّ ما تعلِّمه الفلسفه والدين عن النفس، بما في ذلك العلم المعاصر الناشئ، الپاراپسيكولوجيا، وكنت اري نظريه الجنس، كالفلسفه والجنس، "غيبيه"، اي فرضيه لم يُقَمْ عليها الدليل، مثلها كمثل غيرها من فرضيات النظر العقلي، وكنت اري ان الحقيقه العلميه قد تكون مُرضيهً في الوقت الحاضر، لكن لا يصح ان ناخذ بها كما ناخذ برُكْن ايمان يصلح لكلِّ زمان.

قال المفكر السوري ديمتري افرينوس: "ظلّت روايات حياه يونج واعماله، حتي وقت ليس بالبعيد، تشدِّد علي التاثير الكبير لسيجموند فرويد عليه، مصوِّره ايّاه مريداً طائعاً اولاً، ومن بعدُ متمرِّداً علي "ابيه"، منشقا، لا، ليس يونغ منافسا لفرويد ولا هو مكمِّل له، اذا صحّ ان شخصيه يونج وافكاره، قد تاثرت الي حد كبير بتماسه مع فرويد، فلا يقل اهميه عن ذلك الاعتراف باصاله الرجل وشموليَّته ومنهجه المستقل. يونج، قبل كل شيء، شاهد علي تحقُّق داخلي اصيل اينعت ثماره في منهاجه النفساني ومؤلفاته. وهذه المغامره الروحيه التي نهض بها الرجل ادرجت في مجال العلم الحديث".

ولد كارل غوستاف يونج في 26 يوليو عام 1875، في كِسْفِل بسويسرا علي بحيره كونستانزا، ابوه يوهان پول اخيلِس يونج (1842-1896) كان رجل دين، وامه، برايسفرك يونج (1848-1923)، وامضي يونج سنوات دراسته الاولي في بال، حيث درس الطب، واثناء الدرسه قرا كتابا في الطب النفسي من تاليف كرافت ابنج، في هذا الوقت يقول يونج "اتضح لي، في ومضه تنوُّر، ان الهدف الوحيد الممكن بالنسبه لي هو الطب النفسي"، ولكنه لم يبدا مهنته كطبيب نفسي الا في زيوريخ عام 1990.

ظل يعالج مرضاه في عياده الطب النفسي التابعه لجامعه زيوريخ، لفتره زمنيه امتدت الي تسع سنوات، تحت اشراف اويجن بلويلر الذي يعترف له يونج بانه احد اول اثنين تتلمذ عليهما؛ وكان الثاني پيير جانيه، من مستشفي سالپتريير بباريس، الذي درس عليه فتره من العام 1902، وباشراف بلويلر، اكمل اطروحته لنيل الدكتوراه، وكانت بعنوان في" پسيكوپاثولوجيه ما يسمي بالظاهرات الغيبيه"، حلَّل فيها تجربته مع "وسيطه روحيه"، وجلساته معها علي مدي سنتين مسجلا مغامرته في عالم الغيب.

اصبح معلمًا للطب النفسي في جامعه زيوريخ 1905، وفي عام 1909 تخلي عن منصبه في عياده الطب النفسي في جامعه زيوريخ، ليكرس نفسه لعمله كطبيب ومعالج نفسي، ويتفرغ للتاليف والبحث العلمي، وفي عام 1903، تزوج ايما روزنباخ، التي ظلت معاونته وشريكته حتي وفاتها في عام 1955.

تعرف يونج علي فرويد من خلال قراءه كتابه تفسير الاحلام في عام 1900، لكنه التقي به لاول مره في فيينا في عام1907، تحدثا خلالها 13 ساعه متواصله دون انقطاع، وفي 1908، جاء يونج الي فيينا للمشاركه في اعمال المؤتمر الاول للتحليل النفسي، وهناك التقي بالقسم الاعظم من تلك الصحبه المتميزه، التي قُدِّرَ لها في السنوات التاليه ان تعرِّف العالمَ بحركه التحليل النفسي.

قال جوزف كامبل: "كان الاختلاف بين فرويد ويونج كبيرًا، ومع ذلك، صمَّما علي العمل معًا حتي انعقاد المؤتمر التالي في عام 1912، في ميونخ، حيث كان فرويد لم تزل تطغي عليه اسطورهُ اوديب، ادار احدهم الحديث عن اخناتون، مبيِّنًا ان هذا الاخير، بسبب من موقفه السلبي من ابيه، قام بمحو الكتابات المنقوشه علي نُصُبِ ابيه، وان وراء ابداعه ديانه توحيديه تكمن عقدهٌ ابويه.

هنا غضب يونج، وردَّ بالقول ان اخناتون كان مكرِّمًا لذكري ابيه "امنحوتب الثالث"، وان حماسته كانت منصبَّه علي اسم الاله "امون" وحسب، ثم ان الفراعنه الاخرين كانوا يُحِلُّون اسماءهم محلَّ اسماء ابائهم، شعورًا منهم بان لهم الحقَّ في ان يفعلوا ذلك بما هم تجسيدات لنفس الاله، وهم مع ذلك لم ياتوا بدين جديد. لدي سماعه هذه الكلمات، سقط فرويد عن كرسيه مغشيًّا عليه!".

كتب يونج عن زياده حده الخلاف بينه وبين فرويد: "الشيء الوحيد الذي راه في عملي هو مقاومه الاب، رغبتي في تحطيم الاب، وعندما حاولت ان ابيِّن له رؤيتي للِّيبيدو، كان موقفه مني يتسم بالمراره والرفض".

احس يونج بالحاجه الي دراسه علم نفس الشعوب البدائيه قبل اي شيء اخر، وفي عام 1922 قضي عده شهور في افريقيا الشماليه، وفي عام 1927 ارتحل بين الشعوب الهنديه في اريزونا ونيومكسيكو، وفي السنه التاليه زار سكان المنحدرات الغربيه والجنوبيه في جبل الجون بكينيا، ليتعمق اكثر في علم الاعراق البشريه وعلم نفس الدين.

"في ايه اسطوره يعيش الانسان هذه الايام؟ الم تعدْ لنا اسطوره؟"

في تلك المرحله استغرقته دراسه الرمزيه الفلسفيه والدينيه للشرق الاقصي، والتي ادت الي توسيع افق ارائه، عزز ذلك لقائه مدير معهد الصين في فرانكفورت انذاك، ريتشارد ويلهلم، ففي عام 1930 اشتركا معا في ترجمه نص طاوي قديم بعنوان "سر الزهره الذهبيه "، وفي سنوات تلت ذلك توطدت علاقته بالعالم الالماني هنريك زمر، المختص في الاداب والفلسفات الهنديه، وكذلك عالم الاساطير الهنغاريه كارل كرنيي، اثمر عملهما المشترك معًا كتاب بعنوان "مقالات في علم الميثولوجيا".

استمر يونج في القاء المحاضرات والبحث العلمي والكتابه مدي حياته، محققا العديد من الاوسمه والشهره والاعتراف به في الاوساط العلميه، وفي نهايه حياته وجد الوقت الكافي لكتابه سيرته الذاتيه هو بمعاونه "انيلا جافِه" مساعدته الوفيه، نشرت بعنوان" ذكريات.. احلام.. افكار"، وفي عام 1961 توفي كارل يونج بعد معاناه مع المرض، قبل بلوغه السادسه والثمانين.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل