المحتوى الرئيسى

ألون بن مئير يكتب عن سياسة إسرائيل وحماس في غزة.. "هل سينتهز نتنياهو فرصة الساعة؟"

08/10 14:24

(الاراء الوارده في تلال تعبر عن راي كاتبها الون بن مئير، ولا تعكس بالضروره وجهة نظر لـ CNN)

هناك اجماع متنام ٍ بين الاسرائيليين والعرب بان الحرب الدائره ما بين اسرائيل وحماس ستنتهي يوما ً ما كما انتهت مواجهات الاعوام 2008/2009 و2012. حماس ستعلن انتصارها بالاشاره الي الاصابات البشريّه والالم الذي انزلته علي الاسرائيليين والارتياح المحتمل والمحدود الذي ستحصل عليه من الحصار الكاسح. وستكون اسرائيل من الناحيه الاخري راضيه ً بانّه قد تمّ تدمير قدرات حماس العسكريّه وبنيتها التحتيّه، او علي الاقلّ تضرّرت بشكل ٍ خطير، هذا في الوقت الذي ابقت فيه اسرائيل بنيه حماس الحاكمه سليمه ً في القطاع من حيث الاساس حيث انّ نتنياهو يفضّل اهون الشرّين وهو ان حماس ضعيفه علي بروز سلطه جهاديّه غير معروفه في غزّه.

والوضع الذي كان سائدا ً قبل الحرب سيعود تدريجيّا ً، اي انّ حماس ستعيد بناء قواتها المتناثره وانفاقا ً جديده وتكدّس مخزونا ً جديدا ً من الصواريخ بتقنيه اكثر تطوّرا ً واسرائيل ستحضّر نفسها للجوله القادمه من القتال.

هذا السيناريو اشدّ حزنا ً من الحزن نفسه. انّه يعكس فقدان الامل حول امكانيّه التوصّل الي حلّ للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني ويستخفّ بالخسائر الفادحه المتكرره التي تسببها هذه الحروب الصغيره من دمار وقتل للمدنيين الابرياء والمعاناه الانسانيّه وتعميق الجروح العاطفيّه وجعل السّلام اكثر سرابا ً من ايّ وقت ٍ مضي. فهل بالامكان تجنّب هذا السيناريو المروّع؟ كم من الوقت سيستغرق ذلك، وعلي يد من؟  الجواب علي ذلك نجده في لبّ مطلبين اساسيين:

تصرّ اسرائيل بحقّ علي ان تقوم حماس بنبذ العنف بشكل ٍ دائم والتخلي عن هدفها المعلن بتدمير اسرائيل كشرط مسبق لرفع الحصار عن قطاع غزّة. وحماس من ناحيتها تطالب برفع الحصار للسماح بالتدفق الحرّ للبضائع والسّفر كشرط مسبق لايه هدنه دائمه. ومن الصعب جدّا ً قبول كلا المطلبين لانّ لا احد من الطرفين مستعدّ للتخلّي عن مطلبه بدون قيام الطرف الاخر اوّلا ً بتنفيذ مطلبه.

لقد وافق كلا الطرفين في الماضي علي اتفاقيّات لوقف اطلاق النار التي لبّت الي حدّ ما اهدافهما، غير انّ كلا الطرفين لم يستغلّ للاسف فترات توقّف الاعمال العدائيّه بشكل ٍ مؤقت لتعزيز علاقات سلميّه اكثر ثباتا ً واستدامه ً.

ورغم انّ اسرائيل وحماس تنظران لبعضهما البعض كعدوّين لدودين، فقد اجبرتهما هذه الحرب مرّه اخري للاعتراف بانه لا يستطيع ايّ منهما ان يدمّر الاخر وانّ عليهما الان البدء في تعديل رواياتهما الدينيّه والايديولوجيّه حسب متطلبات الظروف المتغيّره. بامكان اسرائيل في الواقع اعاده احتلال قطاع غزّه والاطاحه بحماس، ولكن نتنياهو لا يريد تحمّل عبء اداره القطاع وتحمّل مسؤوليه حوالي مليوني فلسطيني بدون استراتيجيّه مدروسه للخروج وبدون ترك هدوء دائم خلفه. وبالمقابل، فقد ادركت حماس انّ اطلاق ما يزيد عن 3.000 صاروخ علي اسرائيل ومساعيها لقتل او خطف اسرائيليين لم يات ِ بالنتائج المرجوّه. وقد يغيّر الفرق الجوهري والاساسي في هذه الحرب حسابات اسرائيل وحماس علي النحو التالي:

لم تكن حماس في يوم ٍ ما اشدّ عزله ً وعجزا ً من الناحيه الماليّه اكثر مما هي عليه الان، فقد دمّرت مصر الانفاق المؤديه من سيناء الي غزّه، منهيه ً بذلك فعليّا ً تدفّق البضائع والسّلع الي القطاع وحارمه ً حماس من جبايه الضرائب، اضافه ً الي انّها قد اغلقت معبر رفح الحدودي. اضف الي ذلك، فقد انخفض تدفّق المساعدات الماليّه الايرانيّه الي الحدّ الادني، واضاف الحصار الاسرائيلي المتواصل علي القطاع وشحّ الدعم المالي والسياسي من الدّول العربيّه والسلطه الفلسطينيّه (باستثناء قطر وتركيا) علي حماس محنا ً ومشاكل لا تّقاس.

هذه كلّها مجتمعه ً قد تركت حماس بدون امل لتحسين اوضاع شعبها اليائس وكبح جماح التململ والاستياء الشعبي المتنامي. وحيث انّه لم يبق سوي القليل لتخسره، فقد اشعلت حماس ازمه جديده لتهزّ الوضع الراهن علّها تغيّر ديناميّات الصراع بشكل ٍ تستفيد منه، هذا بصرف النّظر عن ايّ اعتبارات اخري.

وبالمقابل، فان شعبيّه نتنياهو قد ارتفعت عاليا ً ولم تكن الثقه الشعبيّه في قيادته اكبر واعمق مما هي عليه الان. لقد ادرك نتنياهو حدود ما تستطيع ان تفعله اسرائيل واظهر ضبط نفس برفضه دعوات شركائه السياسيين في الجناح اليميني المتطرّف لتوسيع الحرب ما وراء هدفه المعلن، وهو تدمير الانفاق وبنيه حماس التحتيّه.

والسؤال المطروح علي نتنياهو يتمحور حول رغبته بالعوده الي غزّه و "جزّ العشب" مرّه اخري، وعمّا اذا كان ذلك سيضمن مستقبل اسرائيل من الناحيه الامنيّه بالرّغم من غياب حلّ للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني قبل مغادرته الحلبه السياسيّه.

نتنياهو ايديولوجي متعصّب لا يعتقد بان اسرائيل قوّه محتلّه بل انّ الارض المقدّسه (فلسطين) باكملها، بما فيها الضفّه الغربيّه، هي جزء لا يمكن فصله عن وجود اليهود وانّ خلاصهم مرتبط ارتباطا ً غير قابل للفكّ بتحرير الارض. فهل يستطيع نتنياهو بهذه العقيده الراسخه ان يغيّر موقفه ويجتاز عقبه تاريخيّه من المعتقدات التوراتيّه للعمل تجاه انهاء الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني؟

انا لا اتفق مع اولئك الذين يقولون بانّ نتنياهو لن يغيّر ابدا ً جلده، فالعديد من القاده الايديولوجيين المتشدّدين قبله قد ارتقوا بشكل ٍ غير متوقّع الي مستوي الحدث لتلبيه نداء شعوبهم ودعوات المجتمع الدولي للقيام بتغيير جذري، منهم مثلا ً رؤساء الوزراء الاسرائيليون السابقون مناحيم بيغن وارئيل شارون، وكذلك رئيس جنوب افريقيا دي كلارك وزعيم الاتحاد السوفيتي سابقا ً ميخائيل خورباتشيف. هؤلاء وغيرهم كانوا قاده مرموقين غيّروا معتقداتهم واتجاهاتهم السياسيّه بشكل ٍ لا يمكن توقّعه او التنبّؤ به، كما وانّ نتنياهو نفسه قد قبل بشكل ٍ غير متوقّع مذكره تفاهمات واي ريفر.

نتنياهو سياسي ماهر وماكر ويعلم جيّدا ً كيف يحشد الجماهير حوله. لا يرتدع بالعقبات ويثق بنفسه وملتزم كليّا ً بامن اسرائيل القومي. والوقت والظروف التي يجد نفسه فيها الان تضع اعتقاده الايديولوجي العميق مقابل واقع الفلسطينيين الحقيقي. وكزعيم فهو يدرك الان بان الظرف الذي يجد نفسه فيه يمنحه فرصه حيويّه بالغه الاهميّه قد لا تتكرّر لوضع نهايه ٍ للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. وكما قال جون ف. كيندي مرّه:" الزعامه واخذ العبر امران متلازمان لا يستغني الواحد منهما عن الاخر".

تعطي هدنه الـ (72) ساعه الحاليّه فرصه ً لنتنياهو لكي يبرهن علي قدراته القياديّه وعلي الجراه وبعد النّظر ولكي يحوّل المسؤوليّه كليّا ً لكاهل حماس وتلك البلدان التي تنتقد الحصار. ولذا عليه ان يعرض رفعا ً كليّا ً للحصار علي مراحل تمتدّ لفتره من الزمن (ما بين عامين الي ثلاثه اعوام) بشرط ان توافق حماس علي نبذ العنف ونزع السّلاح من قطاع غزّه. ويجب علي حماس ايضا ً ان توافق علي تمركز قوّه دوليّه قويّه لمراقبه الحدود وان تقوم قوّات امن السلطه الفلسطينيّه بالاشراف علي المعابر من غزّه الي اسرائيل ومصر. اضف الي ذلك، علي حماس ان تتبنّي مبادره السّلام العربيّه، الامر الذي سيعني ضمنا ً الاعتراف باسرائيل ويعطي حماس في نفس الوقت مخرجا ً يحفظ ماء وجهها.

وقبلت حماس بهذه المبادره ام لا، سيبرز نتنياهو كرجل دوله مستعدّ لعقد اتفاق يحتضنه العالم باكمله، هذا في الوقت الذي سيحقّق فيه انجازا ً رائعا ً دون المجازفه بالشيء الكثير ويكون بذلك قد غيّر بشكل ٍ جذريّ النظره والتوقعات لاستئناف مفاوضات سلام ٍ جديّه.

وفي نهايه المطاف، يعتمد امن اسرائيل القومي بعيد الامد علي انهاء الحصار وابطال التهديد الناشئ من الضفّه الغربيّه بشكل ٍ خاصّ بالتفاوض مع ايّه حكومه فلسطينيّه تمثّل الشعب الفلسطيني وانهاء الاحتلال بموجب شروط يتفق عليها الطرفان.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل