المحتوى الرئيسى

أوروبا أصبحت أكبر ممول لـ«القاعدة» بالفدى التي تدفع لإطلاق الرهائن

08/07 14:09

وصل المسؤول الالماني المكلف توصيل هذه الشحنه الي هنا اليوم علي متن طائرة عسكرية فارغه من الركاب تقريبا، وسرعان ما انتقل الي اجتماع سري مع رئيس مالي، والذي قدم الي اوروبا حلا يحفظ ماء الوجه ازاء المشكله المحيره. رسميا، قدمت المانيا تلك الاموال في صوره مساعدات انسانيه لجمهوريه مالي القاريه الفقيره.

غير ان حقيقه الامر، هي ان جميع الاطراف تدرك ان تلك الاموال في طريقها الي مجموعه غامضه من المتطرفين الاسلاميين الذين يحتجزون 32 رهينه اوروبيه، طبقا لتصريحات سته دبلوماسيين كبار شاركوا بصوره مباشره في عمليه التبادل.

حملت الحقائب علي متن سيارات نقل رباعيه سافرت مئات الاميال شمالا ناحيه الصحراء، حيث قام المقاتلون الملتحون، والذين سوف يصبحون عما قريب الذراع الرسمي لتنظيم القاعده، بعد الاموال علي بطانيه افردت فوق رمال الصحراء.

كانت حلقه عام 2003 بمثابه تجربه تعليميه لكلا الجانبين. فبعد احد عشر عاما اخري، صارت عمليه التسليم في باماكو من الطقوس المعروفه جيدا، حيث تجري عشرات عمليات التسليم المماثله في كل ارجاء العالم.

صار اختطاف الرهائن الاوروبيين لقاء الفديه من الاعمال المربحه لتنظيم القاعده، واحد مصادر التمويل الرئيسه لعمليات التنظيم حول العالم.

وفي حين تنكر الحكومات الاوروبيه دفع الفديه، الا ان تحقيقا اجرته صحيفه «نيويورك تايمز» كشف عن ان تنظيم القاعده وفروعه المباشره قد جنوا ارباحا تقدر بـ125 مليون دولار علي ادني تقدير من ايرادات عمليات الاختطاف الحاليه منذ عام 2008، منها 66 مليون دولار قد سددت خلال العام الماضي فقط.

وفي مختلف الاخبار والبيانات الصحافيه، رصدت وزاره الخزانه الاميركيه مبالغ الفديه، بمجموعها، لتصل الي مبلغ وقدره 165 مليون دولار خلال ذات الفتره.

ويجري تسديد تلك المبالغ بصوره حصريه من خلال الحكومات الاوروبيه، والتي تنقل تلك الاموال عبر شبكه من الوكلاء، واحيانا ما تضيف عليها صوره المساعدات التنمويه، وذلك طبقا لمقابلات اجريت مع رهائن سابقين، ومفاوضين، ودبلوماسيين، ومسؤولين حكوميين في عشر دول اوروبيه، وافريقيه، وفي منطقه الشرق الاوسط. وجري الكشف عن الاعمال الداخليه لتجاره الاختطاف في الاف الصفحات من الوثائق الداخليه لتنظيم القاعده التي عثر عليها بواسطه ذلك المراسل اثناء عمله في مهمه لصالح وكاله الاسوشييتد برس في شمال مالي العام الماضي.

وتلقي تنظيم القاعده معظم تمويلاته في سنواته الاولي من المتبرعين الاثرياء، غير ان مسؤولي مكافحه الارهاب يعتقدون حاليا ان الجماعه تمول معظم اعمال التجنيد، والتدريب ومشتريات الاسلحه من الفدي التي تسدد لتحرير الرهائن الاوروبيين. وبمزيد من الصراحه، صارت اوروبا وكيلا تمويليا غير معتمد لصالح تنظيم القاعده.

وقد انكرت وزارات الخارجيه الفرنسيه، والسويسريه، والنمساويه، والايطاليه، والالمانيه، في رسائل بالبريد الالكتروني ومحادثات هاتفيه ان بلادهم قد دفعت اي اموال للارهابيين. وقال فنسنت فلوريني، نائب مدير الاتصالات بوزاره الخارجيه الفرنسيه: «ذكرت السلطات الفرنسيه مرارا وتكرارا ان فرنسا لا تدفع فدي للارهابيين».

وقد وصف الكثير من كبار الدبلوماسيين المشاركين في المفاوضات السابقه قرار دفع الفديه لتحرير مواطنيهم بالحسابات الموجعه: فاما الخضوع لمطالب الارهابيين، واما السماح بمقتل اناس ابرياء، بطريقه علنيه وبشعه في غالب الامر. ومع ذلك فحقيقه استمرار اوروبا ووسطائها في سداد الفدي قد انتقل بالامر كله الي دائره مفرغه.

ويقول ديفيد كوهين، وكيل وزاره الخزانه الاميركيه لشؤون الارهاب والاستخبارات الماليه، في خطاب له في عام 2012 «صار الاختطاف لقاء الفديه من اهم مصادر تمويل الارهاب في الوقت الحاضر. فكل معامله تشجع تنفيذ معامله اخري».

ويزدهر العمل في ان عمليات الاختطاف المنفذه في عام 2003 جاءت بمردود ربحي بلغ 200 الف دولار لكل رهينه، الا ان الرقم تصاعد الان وصولا الي عشره ملايين دولار. تلك الاموال التي يصفها الرجل الثاني في القياده المركزيه لتنظيم القاعده مؤخرا بانها تمثل ما يقرب من نصف ايرادات العمليات.

ويقول ناصر الوحيشي، زعيم تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه: «ان اختطاف الرهائن هو غنيمه سهله. وانني اصفه بالتجاره المربحه والكنز الثمين».

ان تدفق الايرادات لذو اهميه كبيره، حيث تظهر الوثائق الداخليه انه منذ خمس سنوات سابقه، كانت القياده المركزيه لتنظيم القاعده في باكستان تشرف علي مفاوضات حول رهائن اختطفوا في اماكن بعيده مثل افريقيا. وعلاوه علي ذلك، ويبدو من تصريحات الناجين المحتجزين عبر الاف الاميال البعيده ان الافرع الرئيسه الثلاثه للجماعه الارهابيه - وهي القاعده في المغرب العربي، في شمال افريقيا، والقاعده في شبه الجزيره العربيه، في اليمن، وحركه شباب المجاهدين في الصومال - تنسق الجهود فيما بينها، وتلتزم ببروتوكول مشترك حيال عمليات الاختطاف.

وتقليلا للمخاطر التي قد يتعرض لها مقاتليهم، فان الاذرع الارهابيه المذكوره قد كلفت عصابات اجراميه بتنفيذ عمليات اختطاف الرهائن مقابل عمولات ماليه. ويقتطع المفاوضون نسبه عشره في المائه من مبلغ الفديه، مما يخلق حافزا علي كلا جانبي الابيض المتوسط ازاء زياده اجمالي المدفوعات، طبقا لرهائن سابقين ومسؤولين بارزين في مكافحه الارهاب.

تتضمن خطه اعمالهم عمليه تفاوضيه بطيئه، تبدا بفترات صمت طويله تهدف الي اثاره الذعر في الوطن. ثم يظهر الرهائن علي مقاطع الفيديو يتوسلون الي حكوماتهم من اجل التفاوض.

وعلي الرغم من تهديد الخاطفين بقتل ضحاياهم، كشفت مراجعه لحالات معروفه عن ان نسبه ضئيله من الرهائن، التي اختطفتهم الافرع التابعه لتنظيم القاعده، هي التي تعرضت للاعدام خلال السنوات الخمس الماضيه، وهو تحول ملحوظ من عقد مضي، حينما كانت مقاطع الفيديو تظهر عمليات قطع رؤوس الاجانب التي نفذتها الافرع التابعه للتنظيم في العراق والتي كانت ترفع بانتظام علي شبكه الانترنت. اما الان فقد ادركت الجماعه انه يمكنها المضي قدما في قضيه الجهاد عن طريق الاحتفاظ بالرهائن احياء ومقايضتهم مقابل السجناء وحقائب الاموال.

ولم تقاوم دفع الفدي الا حفنه قليله من الدول، وعلي راسها الولايات المتحده وبريطانيا.

علي الرغم من ان هاتين الدولتين قد تفاوضتا مع الجماعات المتطرفه - وهو الامر الثابت مؤخرا حيال مبادله الولايات المتحده لسجناء من طالبان مقابل الرقيب باو بريغدال - الا انهما قد اتخذتا موقفا صارما في ما يتعلق بدفع الفدي.

وكان لذلك القرار عواقبه الوخيمه. ففي حين جري الافراج عن عشرات الاوروبيين من دون تعرضهم للاذي، فان القليل من المواطنين الاميركيين او البريطانيين الذين خرجوا من تلك الازمات علي قيد الحياه. وقد استطاعت قله محظوظه منهم الفرار هاربين، او جرا انقاذهم بواسطه عمليات للقوات الخاصه. وجري اعدام الباقين او ظلوا محتجزين لاجال غير مسماه.

وقالت فيكي هادلستون، النائبه السابقه لوزير الدفاع الاميركي للشؤون الافريقيه، والتي كانت تشغل منصب سفيره الولايات المتحده في مالي في عام 2003 ابان السداد الالماني للفديه الاولي سالفه الذكر: «لدي الاوروبيين الكثير من التساؤلات محل الاجابه. انها سياسه مزدوجه بالكامل. انهم يدفعون الفدي، ثم ينكرون اي صله لهم بالامر. والخطر من وراء ذلك لا يكمن فقط في نمو خطر الحركه الارهابيه، بل يعرض كافه مواطنينا لخطر الاختطاف كذلك».

في 23 فبراير (شباط) 2003، كانت مجموعه من السائحين السويسريين، من بينهم اثنتان من النساء يبلغن من العمر 19 عاما، قد استيقظوا من اكياس نومهم علي صيحات الرجال المسلحين في جنوب الجزائر. وقد امر الرجال النساء الشابات بتغطيه شعورهن بالمناشف، ثم استولوا علي شاحنتهم المغلقه واختفوا معهم.

وعبر الاسابيع التاليه، اختفت سبع مجموعات سياحيه في نفس الزاويه الصحراويه. وسارعت الحكومات الاوروبيه للعثور علي مواطنيها المفقودين.

ثم مرت اسابيع قبل عوده طائره استطلاع المانيه، كانت قد ارسلت لمسح الاراضي الصحراويه، بصور للسيارات المهجوره. ثم مرت اسابيع اخري قبل عثور بعثه كشفيه علي الاقدام، كانت قد ارسلت لتفقد المكان، علي شيء ابيض من خلال النظارات الميدانيه.

كانت رساله مكتوبه بخط مضطرب، توضح مطالب الجماعه الجهاديه غير المعروفه التي تطلق علي نفسها الجماعه السلفيه للدعوه والقتال.

استطاع الخاطفون المسلحون بعدد قليل من بنادق (AK - 47) الهجوميه في السيطره علي عشرات السائحين عبر اسابيع متتاليه، ومعظمهم من المانيا، وكذلك من سويسرا، والنمسا، والسويد، وهولندا. وعلي الرغم من انهم خططوا للكمائن القليله الاولي، فانه يبدو انهم اختطفوا بقيه السائحين عن طريق المصادفه، مثل زوج من التعساء البالغين 29 عاما من انسبروك بالنمسا، واللذين عثر عليهما بسبب اشعالهما النار من اجل طهي بعض المعكرونه.

وعقب عمليه الاختطاف الاولي، لا يبدو انه كانت لدي الخاطفين خطه. وكان الغذاء الوحيد الذي تناولوه من الاطعمه المعلبه التي كانت بحوزه السائحين. وما كان معهم من وقود الا الموجود في كل خزان بكل سياره. وقد تخلوا عن السيارات واحده تلو الاخري كلما نفد وقودها، مما اجبر الرهائن علي المضي سيرا علي الاقدام.

ويتذكر الرهينه السويدي، هارالد ايكلر، البالغ من العمر 47 عاما، شعوره بجوع شديد حتي انه لم يعثر علي القليل من فتات كعكه الزبد الدنماركيه، لملمها بعنايه بالغه علي راحه يديه، ثم تركها تذوب في فمه.

وقال ريتو والتر من انترسيجينتال في سويسرا، والذي كان ضمن اوائل المجمعات التي تعرضت للاختطاف «بمجرد ما اختطفونا، لم يكونوا يعلمون ماذا سيفعلون بنا. فقد كانوا يرتجلون افعالهم».

وعلي الرغم من الطبيعه غير المحترفه لتلك العمليه، فان الجهاديين كانوا في موقف ضعيف. فلم يقاومهم احد من الرهائن قط، فقد رفعوا ايديهم بمجرد رؤيتهم للرجال المسلحين. وعلي الرغم من زياده عدد الاوروبيون علي خاطفيهم، فان الرهائن لم يحاولوا الفرار قط خلال فتره الاسر التي امتدت لسته شهور لبعضهم، ووصفت الصحراء المحيطه بهم من كل جانب بانها «سجن الهواء الطلق».

وعلي نحو حاسم، وعلي الرغم من تفوق القوه النيرانيه الاوروبيه علي المسلحين المتفرقين، فان الدول الاوروبيه عدت مهمه الانقاذ من الخطوره بمكان.

طالب الخاطفون بالسلاح. ثم تقدموا بمطالب يستحيل تنفيذها سياسيا، مثل اسقاط الحكومه الجزائريه. وعندما توفيت امراه المانيه من الرهائن تبلغ 45 عاما من العمر بسبب الجفاف، بدا المسؤولون الاوروبيون ينظرون في تقديم الفديه تحت غطاء المساعدات الدوليه كاحد الخيارات الاقل خطرا.

وقال احد السفراء الاوروبيين الذين كانوا في الجزائر بتلك الفتره، والذي كان واحدا من سته كبار مسؤولين غربيين من ذوي المعرفه المباشره لحادثه الاختطاف التي جرت عام 2003 والذي اكد تفاصيل هذه المقاله: «قال لنا الاميركيون مرارا وتكرارا الا ندفع الفديه. وقلنا لهم، اننا لا نريد دفع الفديه. ولكننا لا يمكننا فقدان مواطنين كذلك». هذا وقد تحدث الجميع شريطه عدم الكشف عن هويتهم نظرا لسريه المعلومات التي يدلون بها.

واضاف: «لقد كان موقفا عصيبا للغايه. ولكن في نهايه الامر، اننا نتحدث عن حياه البشر».

ولم تمر افعال مجموعه مجاهدي الصحراء مرور الكرام.

بعد عام، وفي 2004، نشر عبد العزيز المقرن، وهو من رجال تنظيم القاعده دليلا حول كيفيه تنفيذ عمليات اختطاف الرهائن، اوضح فيه مفاوضات الفديه الناجحه لاخوانهم في الجزائر. لكنه وفي ذات الوقت، اشاد بعمليه اعدام دانيال بيرل مراسل جريده «وول ستريت جورنال»، والذي كان قد اختطف في باكستان في عام 2002 وقطع راسه عقب تسعه ايام من خطفه علي يد خالد شيخ محمد، احد كبار اعضاء تنظيم القاعده والذي يعتقد بانه مهندس تخطيط احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول).

وفي غضون بضع سنوات، كان هناك انقسام داخل تنظيم القاعده، حيث عمد فرع «القاعده» في العراق علي اختطاف الاجانب فقط لاعدامهم.

في الجزائر، اتبع خاطفو السائحين الاوروبيين مسارا مغايرا.

فقد استخدموا مبلغ الفديه وقدره خمسه ملايين يورو لتمويل حركتهم الناشئه، وتجنيد وتدريب المقاتلين الذين نظموا سلسله من الهجمات المدمره. ثم تحولوا الي قوه اقليميه ثم جري اعتمادهم كفرع رسمي لشبكه تنظيم القاعده، تحت اسم تنظيم القاعده في بلاد المغرب. وبتحول ايرادات عمليات الاختطاف الي مصدر التمويل الرئيس بالنسبه لهم، فانهم وفقا لذلك صقلوا وحسنوا من اساليب عملياتهم.

بحلول الثاني من فبراير عام 2011، عندما رصدت نقاط المراقبه في جنوب الجزائر سائحه ايطاليه تبلغ من العمر 53 عاما، ماريا ساندرا مارياني، التي اعجبت كثيرا بالكثبان الرمليه من خلال نظارتها الميدانيه، كان الخاطفون ينفذون عمليه اختطاف ناعمه.

كان مرشدها السياحي هو اول من اكتشفهم، فصرخ عليها لكي تفر. وبمجرد ما اسرعت سياراتهم نحو سيارتها، ركضت الي احد المنازل الصحراويه القريبه واغلقت علي نفسها الباب. ولم تكن تستطيع فعل شيء سوي المكوث في سكون حال اقتحامهم باب المنزل عليها. ثم القوا بها في سياره بالخارج، وكبلوا ايديها الي لوحه القياده. قبل ان ينطلقوا مغادرين، حرصوا علي وضع بطانيه رحلات بالقرب منها، حتي لا يتصل جسدها بجسد الجهادي الجالس بجانبها.

اذا كانت مهام الاختطاف السابقه كانت تفتقر الي خطط مدروسه، فان خاطفي مارياني، ولايام عده، كان يبدو عليهم انهم يسيرون وفق طريق معروف. فكلما انخفض مخزون الوقود لديهم، كانوا ينطلقون الي بقعه لا تبدو الي المراه انها تختلف كثيرا عن غيرها من البقع تحت ضوء قمر المساء.

وتحت شجيرات شوكيه، فانهم يعثرون علي برميل يمتلئ بالبنزين. او كومه من الاطارات حيث يمكنهم استبدال الاطار المثقوب لديهم. ولم ينفد منهم الطعام ابدا.

وسوف تعلم مارياني لاحقا انهم يمتلكون بنيه تحتيه من المؤن المدفونه في الرمال والتي تحمل علامات لاحداثيات نظام التموضع العالمي.

بعد ظهر احد الايام، توقفوا فوق لسان لاحد الكثبان الرمليه، انحدر المقاتلون لاسفل وخلعوا مجرفه من السياره. ثم سمعت صوت محرك سياره. وفجاه، خرجت شاحنه صغيره ومحركها يزمجر، لقد دفنوا سياره بكاملها في جبل من الرمال.

قالت مارياني: «وقتها فقط ادركت انهم ليسوا مجرمين عاديين».

مرت اسابيع قبل ان يعلن خاطفو مارياني انهم سوف يسمحون لها باجراء مكالمه هاتفيه. وقادوا السياره لساعات قبل التوقف عند هضبه من الهضاب، كانت ارضا بيضاء ترابيه مسطحه.

وقبل سنوات، كانت استراتيجيتهم لارسال مطالبهم تتمثل في ترك رساله تحت احدي الصخور. اما الان فلديهم هواتف الاقمار الصناعيه وقائمه من الارقام. اعطوها نصا مكتوبا ثم اتصلوا برقم قناه «الجزيره».

قالت السيده: «اسمي ماريا ساندرا مارياني. انني مواطنه ايطاليه تعرضت للاختطاف. وانني قيد الاحتجاز من قبل تنظيم القاعده في بلاد المغرب الاسلامي».

سارعت الحكومه الايطاليه الي انشاء وحده ازمات، بما في ذلك خط ساخن علي مدار 24 ساعه للابلاغ عن الخاطفين.

اثناء فتره اختطافها لمده 14 شهرا، كلما شعر الخاطفون ان الاهتمام قد انخفض، نصبوا خيمه في الصحراء واجبروا مارياني علي تسجيل رساله فيديو، تظهرها محاطه بخاطفيها المسلحين.

وافاد 11 رهينه سابقون، امسك بهم وحدات من «القاعده» في الجزائر ومالي والنيجر واليمن وسوريا ممن وافقوا علي اجراء حوارات معهم بشان هذا الموضوع، عن مجموعه مماثله من الخطوات التي كانت تتخذ في المفاوضات، تبدا بفتره صمت. لم يكن تسجيل رسائل فيديو والقيام بمكالمات هاتفيه شيئا متكررا، كان يجري ذلك غالبا بعد عده اشهر. بدا ان هناك غرضا وراء ذلك الصمت، حيث كان يهدف الي ترويع عائلات الاسري، الذين كانوا بدورهم يضغطون علي حكوماتهم.

وفي قريه سان كاسيانو الايطاليه في فال دي بيسا، توقفت ام مارياني التي تبلغ من العمر 80 عاما عن النوم في غرفه نومها، وانتقلت للنوم بشكل دائم علي اريكه امام التلفزيون. وكان والدها الطاعن في العمر ينفجر باكيا من دون سبب. وفي فرنسا، اصيب شقيق الرهينه التي حجزت لمده عام في سوريا بقرحه.

وفي جميع انحاء اوروبا، احتشدت الاسر للضغط علي الحكومات حتي تدفع المال لتحرير ذويهم. وافرج في نهايه المطاف عن مارياني بالاضافه الي اثنين من الرهائن الاسبانيين بفديه وصلت الي نحو ثمانيه ملايين يورو حسبما افاد به احد المفاوضين المشاركين في قضيتها.

انتقاد بلمختار لقبوله مبلغا هزيلا

الجزء الاكبر من عمليات الخطف مقابل فديه نفذ باسم تنظيم «القاعده» في افريقيا، وحديثا في اليمن وسوريا. هذه المناطق تبعد بالاف الاميال عن القياده المركزيه للشبكه الارهابيه في باكستان. والان يصدر التنظيم رسائل صوتيه، فضلا عن خطابات سريه بين القاده تشير الي ان كبار قاده التنظيم يشاركون مباشره في المفاوضات.

وفي اوائل عام 2008، اغضب قائد احتجز دبلوماسيين كنديين قادته نظرا لتفاوضه علي الفديه من تلقاء نفسه، حيث جاء في رساله اكتشفها هذا المراسل عندما كان في مهمه عمل لوكاله اسوشييتد برس في مالي العام الماضي، ان تنظيم القاعده في بلاد المغرب الاسلامي القي باللوم علي القائد مختار بلمختار لحصوله علي «مبلغ هزيل» وصل الي 700 الف يورو (اي بما يعادل نحو مليون دولار)، وينسبون السبب في ذلك الي عدم رغبته في اتباع التعليمات من القيادات في باكستان.

تحدث اسامه بن لادن في اخر تسجيل له قبل وفاته في عام 2011 حديثا مطولا عن حاله اربعه مواطنين فرنسيين تحتجزهم «القاعده» في مالي، مما يجعل من الواضح انه كان يتابع عن كثب عمليات الخطف الفرديه.

ويقول الرهائن الذين كانوا محتجزين في الاونه الاخيره من العام الماضي في اليمن انه كان من الواضح ان المفاوضات كان تجري بواسطه قياده بعيده.

ات وليلي كاليفا، اثنان فنلنديان احتجزا لمده خمسه اشهر من قبل تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه في عام 2013، استنتج ذلك من الكم الهائل من المراسلات التي راوها وهي تسلم الي خاطفيهم.

قال ات كاليفا: «كان هناك الكثير من الرسائل الصادره والوارده». واضاف: «كان من الواضح ان لديهم تسلسلا هرميا، وكانوا يستشيرون قادتهم حول ما يجب فعله معنا».

كان التهديد بالاعدام يحوم حول كل رهينه في ظل العشرات من عمليات الاختطاف التي تنفذها «القاعده»، حيث كان يظهر الضحيه في مقاطع الفيديو محاطا بحراس جهاديين مسلحين. في الواقع، قله من الرهائن جري اعدامهم او قضوا نحبهم منذ عام 2008، بنسبه لم تتخط نحو 15 في المائه كثير منهم ماتوا اثناء عمليات انقاذ فاشله، وفقا لتحليل اجرته صحيفه الـ«تايمز».

اصبح الرهائن يمثلون قيمه كبيره نظرا للدخل المحتمل الذي يجلبونه للتنظيم. ففي عام 2012 كتب الرجل الذي كان السكرتير الشخصي لاسامه بن لادن والذي اصبح الان ثاني رجل في قياده تنظيم القاعده، رساله الي زملائه الجهاديين في افريقيا، قال فيها ان ما لا يقل عن نصف ميزانيته في اليمن كان بتمويل من الفديه.

وكتب ناصر الوحيشي، زعيم تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه: «بفضل الله، معظم تكاليف المعارك، ان لم يكن كلها، كانت تدفع من خلال الغنائم». واضاف: «جاء ما يقرب من نصف الغنائم من الرهائن».

ادرك ات كاليفا ان خاطفيه لم يكونوا عازمين علي قتله عندما مرض بعدوي الجيارديا، حيث احضر خاطفوه القلقون الدواء فورا.

وعندما اصيبت مارياني بالدوسنتاريا الشديده في رمال الصحراء الماليه الحارقه، قام طبيب جهادي بتعليق محاليل وريديه لها وقام بتمريضها حتي تماثلت للشفاء.

وفي مكان اخر في الصحراء، نقل الجهاديون ادويه مخصصه لامراه فرنسيه تبلغ من العمر 62 عاما مصابه بسرطان الثدي.

قال كاليفا: «كان واضحا لنا اننا اكثر قيمه عندهم ونحن علي قيد الحياه وليس ونحن اموات». ولكن الرهائن الذين لا تدفع بلادهم الفديه يواجهون مصيرا قاسيا. ففي عام 2009، استولي خاطفون علي سياره اربعه سياح لدي عودتهم الي النيجر من حفل موسيقي اقيم في مالي واطلقوا النار علي اطاراتها. كان من بين الرهائن امراه المانيه، واثنان سويسريان، ورجل بريطاني يدعي ادوين داير يبلغ من العمر 61 عاما.

ومنذ بدايه المفاوضات، اكدت الحكومه البريطانيه انها لن تدفع نظير اطلاق سراح داير. وعليه فقد اصدر فرع تنظيم القاعده بشمال افريقيا مهله، ثم جري تمديدها 15 يوما اخري.

قال احد المفاوضين في بوركينا فاسو، الذي كان يعد وسيطا: «اراد البريطانيون مني ان ارسل رساله مفادها انهم لن يدفعوا». واضاف: «لقد حذرتهم بالا يفعلوا ذلك. ولكنهم ارسلوا الرساله علي اي حال».

بعدها بفتره نشر المكتب الاعلامي لتنظيم القاعده في بلاد المغرب الاسلامي بيانا جاء فيه: «انه في يوم الاحد الموافق 31 مايو (ايار) من عام 2009، في تمام الساعه 19:30 بالتوقيت المحلي، قتل الاسير البريطاني ادوين داير». واضاف البيان: «يبدو ان بريطانيا لا تولي مواطنيها اهتماما كبيرا».

وجري الافراج عن المواطنين السويسريين والالمان الذين جري احتجازهم مع داير بعد دفع فديه وصلت قيمتها الي ثمانيه ملايين يورو، وفقا لما افاد به احد المفاوضين السويسريين الذين ساعدوا في انجاح عمليه الافراج عنهم. وفي نفس العام، صوت المشرعون في برن علي اقرار ميزانيه وطنيه «جلبت خطا اضافيا للمساعدات الانسانيه لمالي بصوره مفاجاه»، حسبما قال المسؤول.

كان داير مواطنا بريطانيا، لكنه امضي العقود الاربعه الاخيره من حياته في النمسا، احد البلاد التي تدفع الفديه. استقر بعد تخطيه العشرين من عمره في قريه جبليه علي مسافه ساعه بالسياره من منزل زوجين نمساويين افرج عنهما في مالي قبل بضعه اشهر بينما قتل داير. دفعت النمسا مليوني يورو لخاطفي الزوجين من تنظيم القاعده، وفقا لابراهيم اغ الصالح، عضو برلماني في مالي تفاوض للافراج عنهما.

وقال هانز شقيق داير الحزين، ان جنسيه اخيه كلفته حياته. ان «جواز سفر المملكه المتحده هو في جوهره شهاده وفاه»، علي حد تعبيره.

يعتقد المفاوضون ان فروع تنظيم القاعده قد حددت الان الحكومات التي تدفع.

اختطفت فروع تنظيم القاعده الرسميه خلال السنوات الخمس الماضيه 53 رهينه، ثلثهم فرنسيون. ودول صغيره مثل النمسا وسويسرا واسبانيا، والتي لم يكن لديها جاليات كبيره في البلدان التي تحدث فيها عمليات الخطف، بما يعادل اكثر من 20 في المائه من الضحايا.

وعلي النقيض، لم يختطف سوي ثلاثه اميركان علي يد تنظيم القاعده او الشركات التابعه لها مباشره، وهو ما يمثل خمسه في المائه فقط من اجمالي المختطفين.

وقال جان بول رويلر، خبير ومدير بمركز جنيف للتدريب وتحليل الارهاب، حيث ساعد في اعداد برنامج سويسرا لمكافحه الارهاب.. «بالنسبه لي، من الواضح ان القاعده تستهدفهم حسب الجنسيه». واضاف: «الرهائن يعدون استثمارا، وانت لن تخطط للاستثمار الا اذا كنت متاكد جدا من تحصيل التعويضات».

وقال كوهين، وكيل الولايات المتحده للارهاب والاستخبارات الماليه، افترضت المعلومات التي جمعتها وزاره الخزانه ان «القاعده» ربما لم تعد ترغب في خطف الاميركيين، وهو تحول جذري عما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمان. وقال في خطاب القاه عام 2012 في مؤسسه «تشاتهام هاوس» البحثيه في لندن: «اننا نعلم ان محتجزي الرهائن الذين يسعون وراء تقاضي الفديه يميزون بين تلك الحكومات التي تدفع الفديه وتلك التي لا تدفع، وما يثبت ذلك هو انهم لا ياخذون رهائن من تلك الدول التي لا تدفع». واضاف: «تشير الاتجاهات الاخيره للاختطاف مقابل الفديه الي ان الخاطفين يفضلون عدم اخذ رهائن من الولايات المتحده او المملكه المتحده، يكاد يكون ذلك مؤكدا لانهم يفهمون انهم لن يحصلوا علي الفديه».

وقَّعت الكثير من الدول الغربيه اتفاقيات تدعو الي وضع حد لدفع الفديه، بما في ذلك قمه مجموعه الثماني التي عقدت العام الماضي، حيث وقع اكبر دافعي الفديه في اوروبا علي اعلان يقضي بانهاء تلك الممارسه. علي الرغم من ذلك لا تزال الحكومات في اوروبا - خاصه فرنسا واسبانيا وسويسرا - مسؤوله عن بعض المدفوعات الكبري، بما في ذلك فديه قدرها نحو 40 مليون دولار دفعت في الخريف الماضي لتحرير اربعه فرنسيين في مالي، وفقا للرهائن المفرج عنهم هذا العام والمفاوضين المخضرمين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل