المحتوى الرئيسى

محمود محمد الناكوع يكتب : الليبيون هم من صنع الثورة

08/03 17:29

ثوره الشعب الليبي التي اندلعت في فبراير (شباط) 2011 جاءت بعد تضحيات كبيره قدمها الافراد والجماعات منذ انقلاب سبتمبر (ايلول) 1969، وتراكمت تلك التضحيات وانتجت معارضه واسعه سرا وعلنا لسلطه الاستبداد التي استمرت لنحو 42 عاما ومنذ مذبحه سجن ابو سليم بطرابلس،

التي قتل فيها المستبدون واجهزتهم اكثر من الف ومائتي شاب ليبي في مجزره جماعيه، منذ تلك المذبحه عام 1996 زادت الكراهيه ضد تلك السلطه الهالكه، وكثرت الجماعات المعارضه المسلحه، وعندما انطلقت اول انتفاضه عربيه من تونس كان الشعب الليبي بقياده نخبه مهيا للانتفاض وشهدت ايام 15 و16 و17 من فبراير 2011 بدايات المظاهرات الداعيه لاسقاط السلطه القائمه حينئذ، وعلي راسها الديكتاتور معمر القذافي. وبعد قتال ومعارك مريره بين قوي من الشعب وبين كتائب السلطه استمرت لمده ثمانيه اشهر سقط النظام بفعل ثوره شعبيه عارمه تعاطف معها المجتمع الدولي سياسيا واعلاميا وعسكريا، وكانت الخاتمه انتصار الشعب واصبح هو صانع ثورة 17 فبراير، والان وبعد مضي نحو ثلاثه اعوام من تجربه الحكم الجديد عرفت البلاد سلسله من الاخطاء التشريعيه والسياسيه والاداريه والماليه، وكان اخطرها فشل الحكومات في نزع سلاح المجموعات الرافضه لقبول الانضواء تحت الشرعيه للمؤسسات المنتخبه وتلك التابعه لها، رغم ان تلك المجموعات المسلحه تتقاضي مرتبات ومزايا ماليه كبيره من خزينه الدوله، وبسبب تراكم تلك الاخطاء ضعفت المؤسسات الرسميه بصوره كبيره، واصبحت الكتائب المسلحه تتصرف بسلوك عبثي تمردي فردي وجماعي، ثم ازداد ذلك السلوك سوءا عندما تحول الي مواجهات عسكريه بين تلك الكتائب بدوافع عده، وكل طرف يحاول السيطره علي مواقع مهمه في البلاد ليحتكرها، ويقصي الاخرين، وبدا واضحا الان ان البلاد اصبحت علي حافه حروب اهليه، وما يجري في بنغازي وطرابلس هو اكبر دليل علي المنزلق الخطير، الذي دخلت فيه تلك المدن ذات الكثافه السكانيه العاليه، فمن هو المنقذ ومن هو القادر علي تصحيح المسار؟ مره اخري الشعب هو صاحب الشرعيه، وهو القادر علي التصحيح، وقد بدات المظاهرات الشعبيه بقياده الشباب تخرج الي الميادين في كل من بنغازي وطرابلس، مطالبه بوقف الاقتتال ومطالبه ببناء مؤسستي الجيش والشرطه، وذات المظاهرات الشعبيه تظهر تاييدها ودعمها للمجلس النيابي المنتخب، وهذا هو الاتجاه الصحيح للراي العام المؤمن بالخيار الديمقراطي والكفاح من اجل ترسيخه بالطرق السلميه. وفي الاثناء يواصل العقلاء والحكماء في كل مدينه وعبر كل الوطن الاتصالات والمشاورات للوصول الي مصالحه شامله، تضع حدا للاقتتال وتبحث عن قواعد مشتركه لتحقيق المصالح العامه التي يستفيد منها الجميع. ان تلك المسيرات والمظاهرات الشعبيه رفعت شعارات رافضه للارهاب رافضه للحسابات الجهويه والقبليه رافضه للصراعات الايديولوجيه، تلك هي بدايات تصحيح مسار الثوره وعمليه التصحيح تتطلب الاستمرار والاستفاده من اخطاء الماضي، بحيث لا يسمح بالفساد والتراخي والمجاملات التي حدثت في الحكومات الماضيه، ولا يسمح بتداخل صلاحيات المؤسسات بشكل يجعلها متنازعه، بدل ان تكون متكامله، ويسند كل منها الاخر لبناء وتعزيز دوله القانون.

لا شك ان التحول نحو الدوله بعد 40 عاما من الفوضي والديكتاتوريه ليس امرا سهلا، ولكن لا خيار للشعب الليبي مهما حدث من اقتتال ومن تجاوزات، الا بالحوار والبحث عن سبل الوفاق والعيش المشترك والتداول السلمي علي السلطه، عبر مؤسسات منتخبه وعبر صحافه حره ومهنيه، وعبر قضاء مستقل تحميه قوه نظاميه مدربه ومهنيه.. هذه هي الخيارات التي ثار من اجلها الشعب، وقد يبدو تحقيقها من الصعوبه بمكان، ولكنها ممكنه وان طال الطريق.

* سفير ليبيا لدي بريطانيا

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل