المحتوى الرئيسى

الأدباء يسترجعون ذكرياتهم فى كتابات رمضانية

07/26 17:40

قبل ساعات معدوده من غياب قمر شهر رمضان الفضيل تنساب ذكريات ادباء ومبدعين ومثقفين مصريين، فيما ترتسم ملامح الوداع علي الوجوه التي لطالما تهللت فرحه مع كل رمضان.

وكما تكشف كتابات رمضانيه، فان لشهر رمضان تاثيره الكبير علي طفوله وتشكيل كثير من الكتاب والشعراء باجوائه التراثيه والقصص التي كانت تروي في لياليه، كما ان هذه الاجواء اسهمت في تغذيه الخيال حتي يحق القول ان الذكريات الرمضانيه جزء اصيل من الثقافه المصريه.

وفيما ارتبط القص الجميل بطقوس شهر رمضان، قال الشاعر عبد الرحمن الابنودى وهو يعود بذاكرته لايام رمضانيه موغله في الزمن: “عبر كل هذا الزمان لم اسعد الا برمضان في طفولتي وهو صاحب الاثر الاكبر في حياتي للان”.

ووفقا لوكاله أنباء الشرق الأوسط ، اضاف الابنودي متحدثا عن تلك الايام الرمضانيه في قريته البعيده باعماق الصعيد: “لم يكن هناك تلفزيون ولا راديو ولاحتي ساعه، ولكن شهر رمضان كان عظيم الشان، فكنا في الطفوله نتحلق بعد العصر في اجواء شديده الحراره غير اننا لا نشعر بالحر لانشغالنا باللعب واللهو مع اطفال القريه في ساحه مسجد صغير دون مئذنه”.

وعندما تحين اللحظه ليؤذن المؤذن “الذي فقد صوته في حادث” لصلاه المغرب ويحين وقت الافطار كان الطفل عبد الرحمن الابنودي يقوم مع زملائه في تلك القريه البعيده بمحافظه قنا “بدور اجهزه الاعلام” في اخبار اهل القريه بقدوم الافطار ويتصاعد الغناء علي نور السماء:”افطر يا صايم علي الكعك العايم”، اي الكعك “العائم في السمن”.

ويؤكد عبد الرحمن الابنودي انه مازال يفرح من كل قلبه حينما يتنسم عبير ذكريات تلك الايام ومنه تكونت شخصيته ونما احساسه بالبيئه كما يتجلي في اعماله الابداعيه، فيما لا ينسي ابدا ليالي رمضان التراثيه وحكاويها الجميله وشاعر الربابه.

واذا كان الشاعر عبد الرحمن الابنودي قد قضي 40 عاما في جمع السيره الهلاليه من كل الانحاء، فهو يقول الان: “التراث هو اجمل ما اخذته من رمضان”، بينما تسترجع الكاتبه سكينه فؤاد يوم العبور المصري في العاشر من رمضان 1973 وتتذكر ملامح الحياه في مصر انذاك.

وبينما لا تربط سكينه فؤاد مباشره بين رمضان والابداع، فانها توضح مع ذلك ان هذا الشهر الفضيل يمثل لها نوعا من “الصلابه الداخليه والتجليات الروحيه”، كما ان علاقتها “بليل رمضان وطيده” لان اغلب حياتها “ليليه” من اجل القراءه والكتابه.

ويقول الشاعر والكاتب فاروق جويده “مازال يعيش في خيالي وذاكرتي رمضان الشيخ محمد رفعت بقراءته وادائه الرصين وتواشيح النقشبندي والفشني وفوازير امال فهمي وصلاح جاهين والف ليليه وليله لطاهر ابو فاشا”.

مازال رمضان في ذاكره فاروق جويده “الفانوس ابو شمعه المصنوع من الصفيح”، والذي يؤكد انه كان “ثوره يوم ان ظهر لاول مره بين اطفال قريتنا”، ومازالت اجمل ذكريات رمضان في خاطر الشاعر الكبير حيث “الاسره وهي تلتف حول طعام الافطار وكان غنيا وبسيطا وشهيا”.

وعلي مستوي المكان وذكرياته الرمضانيه تولي الصحف ووسائل الاعلام اهتماما خاصا لحي الحسين الذي لا يكاد يكتمل الشهر الفضيل بالنسبه لكثير من المصريين دون قضاء ليله في رحاب وعبق هذا الحي القاهري ما بين المسجد الحسيني والجامع الازهر وخان الخليلي.

واذا كان حي الحسين احد اهم مصادر الالهام لكاتب في قيمه وقامه الراحل النوبلي العظيم نجيب محفوظ، فهو مازال علامه رمضانيه مصريه بامتياز بحلقات الانشاد الديني والمقاهي ومشغولات الحرفيين المهره، فيما امسي شارع المعز لدين الله تحفه للناظرين وبهجه للساهرين بين جنباته التي تعود للعصر الفاطمي والبيوت والاسبله والوكالات التجاريه العتيقه.

وفي كتاب “كتب وناس” للاديب الراحل خيري شلبي اشارات داله علي اهميه الذكريات وارتباطها بالمكان كما هو الحال بالنسبه لحي “الازاريطه”، وهو من اشهر احياء كورنيش الاسكندريه، ويكاد خيري شلبي يتوحد عشقا لهذا الحي، فيما يتذكر طابعه الشعبي الصرف “وورق الكريشه الذي يزين واجهات البيوت في عناقيد واقواس نصر بلمبات كهربيه تضوي في ليالي الافراح”.

وهناك ايضا الكثير من “المقاهي البلديه في الشارع الرئيسي الموازي لشارع الترام”، ناهيك عن محلات البقاله بطرازها اليوناني حيث يبدو “المحل كالصيدليه من فرط النظافه والاتساق”، علي حد وصف خيري شلبي في ذكرياته الحميمه عن حي الازاريطه السكندري وعلاقاته بادباء الثغر وخاصه كاتب اسمه “عباس محمد عباس” يري انه كان من المفترض ان يكون من اكبر كتاب مصر المرموقين لولا انه انسحب لسبب غامض من ساحه الادب.

ولشهر رمضان خصوصيته في مدينه بور سعيد مسقط راس الكاتبه سكينه فؤاد وهي المدينه المصريه الباسله التي عاشت ايام الحرب والصمود والنصر، فيما تتمني ان يكون الشهر الفضيل “مناسبه لاحياء تاريخ النضال العربي”، حسبما ذكرت صفاء عزب في تحقيق مميز نشرته صحيفه الشرق الاوسط اللندنيه.

وبالتاكيد كما يقول الاديب النوبي حجاج ادول “لرمضان خصوصيه مكان وزمان” عند اهل النوبه، فيما يتذكر الموائد الكبيره امام البيوت وجلسات السمر والذكر والمديح في الليل، بينما يلعب الاطفال “الهانداكيه”، وهي لعبه تشبه “الحجله”، موضحا ان الايام الثلاثه الاولي من شهر رمضان عاده ما تكون صعبه علي النوبيين الذين اعتادوا “تناول كوب الشاي بالحليب مع كل صباح”.

والشاعر احمد سويلم متاثر بتقاليد الطفوله وحلقات الذكر باعتبار ان والده كان شيخا من كبار مشايخ المتصوفه وعبر هذه الحلقات عشق شعر ابن الفارض “وهو ما فتح عينيه علي الشعر وغرس حبه في نفسه”، موضحا انه يحرص في كل رمضان علي قراءه كتابين اساسيين هما “تفسير الطبري”، و”تفسير الزمخشري”.

وعما يفتقده الكتاب والشعراء والمثقفون عموما يقول عبد الرحمن الابنودي ان رمضان الان في الصعيد يفتقد النزعه التراثيه “بعد ان سيطر التلفزيون علي الاجواء الريفيه فافسدها”، كما ان حالته الصحيه لم تعد تسمح بان يعيش الاجواء الرمضانيه بطقوسها القديمه.

وهكذا بات الابنودي يكتفي بالقراءه والكتابه وبعض اللقاءات الرمضانيه مع الاصدقاء الذين يستقبلهم من حين لاخر في بيته الحالي الكائن بقريه الضبعيه علي اطراف الاسماعيليه لاستحضار رمضان في الايام الخوالي.

وتقول الكاتبه سكينه فؤاد ان “رمضان الان افتقد الكثير من تلك المكونات التي عشناها في الماضي ولم ننجح في اقامه جسور بين مستحدثات العصر من تقنيات وبين قدسيه وجلال الشهر الكريم”، مضيفه انه “ليس من المعقول ان يكون شهر رمضان للمسلسلات فقط”، كما تلاحظ “اننا نفتقد الدراما التي تمثل فريضه لاستعاده المكونات الاصليه لقيمنا وتراثنا ونضالنا”.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل