المحتوى الرئيسى

ناصر وعامر.. الرجل الأول وظله «الحلقة الأولى»

07/24 11:55

ننفرد  بالكتاب الاخطر «ناصر وعامر» للكاتب الكبير عبد الله امام

لا يمكن فهم طبيعه العلاقه بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وصديقه، وزير الدفاع الاسبق، عبد الحكيم عامر، اذا نحيت المشاعر جانبا. لو كنت مؤرخا تهتم فقط بالوقائع والاحداث وتحكم عليها من خلال الاوراق فلن نستطيع -بالتاكيد- فهم هذه العلاقه الملتبسه والغامضه.

علاقه صداقه تحمل كل مقومات الدراما. ابتسامات وكلمات معسوله في العلن وامام الكاميرات، وحرب شرسه تدور في الكواليس.

كان ناصر يحب حكيم. هذه حقيقه دفعت مصر ثمنها غاليا.

ناصر القوي كان يضعف امام طلبات ورغبات صديقه عبد الحكيم. وحكيم كان يستغل هذا في السيطره شيئا فشيئا علي مؤسسات مهمه وحساسه في الخفاء.

من هنا بدات المعركه الخفيه.

هذان رجلان تحولت بينهما الصداقه والمحبه الي منافسه وسباق علي السيطره.

الرئيس لا يريد شريكا في القرارات لانه الرجل الاول ، وهذا حقه.

والرجل الثاني (حكيم) مسك في يده خيوط مهمه وكثيره (المؤسسات الامنيه) صورت له انه بات اقرب الي لقب الرجل الاول، وهذا طموحه.

هنا وقعت مصر بين الحق والطموح.

في كتاب الكاتب الصحفي الكبير الراحل عبد الله امام «ناصر وعامر» تفاصيل ما جري في قصه اخطر صداقه في تاريخ مصر الحديث. علاقه كانت سببا في اكبر هزيمه عسكريه في 67 .

علاقه غيرت مجري الاحداث في ما بعد هذا التاريخ. فما قبل النكسه بالتاكيد يختلف كليا عما بعدها.

كانت العلاقه دراميه وانتهت علي طريقه الماسي الاغريقيه.

في هذا الكتاب الذي تعرض «التحرير ويك اند» جزءا منه نعرف كواليس ما جري بين الصديقين، وكيف تتحول العلاقه من محبه الي عداء، ومن تكامل الي منافسه.

العلاقه بين الرئيس ونائبه لم تستمرّ كما بدات.. فخلف الكواليس كانت اعنف قصص الصراع

مثل الماسي الاغريقيه، عاشت وانتهت قصه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، رئيس مصر والنائب الاول لرئيس مصر.

كان الرئيس ونائبه صديقين، صداقه متينه امتدت نحو 40 عاما، اعدا تنظيم «الضباط الاحرار» معا وخططا للثوره معا وليله 23 يوليو خرجا في سياره واحده ولم يفترقا.. وعندما نجحت الثوره كانا الرجل الاول والرجل الثاني بين قادتها.

وكان الرجل الثاني وفيا جدا للرجل الاول، والرجل الاول يتحدث باعجاب عن الرجل الثاني، وبلغ من قوه صداقتهما ان كليهما اطلق علي ابنه اسم الاخر، جمال عبد الناصر سمي ابنه عبد الحكيم، وعامر اطلق علي ابنه اسم جمال، وزياده في توثيق اواصر الصله تزوج شقيق جمال عبد الناصر الطيار حسين ابنه المشير عامر السيده امال.

لكن العلاقه بينهما لم تستمر بالصوره التي بدات بها امام الناس، فخلف كواليس القياده كانت تدور اعنف قصص الصراع.

وكان كل منهما يريد السيطره علي الاخر، عبد الناصر يريد ان يحكم سيطرته علي عامر ومؤسسته العسكريه، وعبد الحكيم يريد ان يمتد نفوذه الي عبد الناصر وجماهيره. وهكذا بدا الصراع بين الطرفين: عبد الناصر الشعب معه في جانب، وعبد الحكيم ويري ان الجيش معه في جانب اخر.

كان عبد الناصر قد تعرف الي عبد الحكيم عامر عندما عملا معا في منقباد في وسط صعيد مصر، ولما عادا الي القاهره.. استاجرا شقه معا، وعاشا معا شابين اعزبين جمعت بينهما الاهتمامات السياسيه ثم فرقتهما شؤون العمل عندما نقل عبد الناصر الي السودان، لكنهما التقيا مره ثانيه عام 1948 عندما درسا وتخرجا معا في كليه اركان الحرب، وكان عامر اول من جنده عبد الناصر لتنظيم «الضباط الاحرار»، وكان اقرب «الضباط الاحرار» واحب اعضاء مجلس الثوره الي نفسه.

وفي ما بعد رشح عامر محمد نجيب لكي يتولي قياده حركه الجيش ليله 23 يوليو، وذهبا معا الي نجيب في منزله في الزيتون يوم 19 يوليو ليخبراه بامر الحركه.

عندما نجحت حركه الجيش كان جمال عبد الناصر اول مدير لمكتب القائد العام محمد نجيب، ثم تلاه في هذا المنصب عبد الحكيم عامر، وبعدها رشحه عبد الناصر ليكون قائدا عاما للقوات المسلحه حتي يضمن ولاءها للنظام الجديد، وعندما اعلنت الجمهوريه في 18 يونيو 1953 كان محمد نجيب رئيسا لاول جمهوريه، والصاغ عبد الحكيم عامر قائدا لجيش مصر، واستمر قائدا للقوات المسلحه حتي وقعت الهزيمه العسكريه عام 1967، وبعدها لم يقبل اطلاقا ان يترك قيادته للجيش طواعيه.

وكان مجلس الثوره قد انتهي في يونيو 1953 الي قرارين: اعلان الجمهوريه، وتعيين عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحه.

وكتب محمد نجيب في مذكراته: «لقد ثرت ثوره عنيفه معارضا ترقيه عبد الحكيم عامر من رتبه الصاغ الي رتبه اللواء دفعه واحده، وتعيينه قائدا عاما لجميع القوات المسلحه، مبينا ان ذلك سوف يخلق نقمه عامه في الجيش، قد تكون صامته ومطويه في الصدور، لكنها ستكون قابله للانفجار في اي لحظه، وقلت لهم: اني اعترضت علي تعيين الفريق محمد حيدر رغم اقدميته، لانه كان بعيدا عن صفوف الجيش، وانا اليوم اعترض علي ترقيه عبد الحكيم عامر، وتعيينه قائدا عاما للجيش لانه ليس مؤهلا لذلك.

ولم يياس المجلس من الوصول الي غرضه، فتكرر عرض الموضوع في اكثر من مره، وفي كل مره كنت ارفض واثور وحدي بلا نصير يقف معي، وهددت بالاستقاله فتاجل الموضوع ثلاثه اسابيع.

لم اعترض فقط علي ترقيه عبد الحكيم عامر اربع رتب دفعه واحده مما ليس له سابقه في الجيش المصري، لكنني اعترضت ايضا علي اعلان النظام الجمهوري، لانه كان يجب ان ينص عليه في الدستور اولا. واشهد اني قبلت تحت ضغط والحاح استمر ثلاثه اسابيع بعد ان فكرت كثيرا في الاستقاله، واعترف الان ان هذا كان خطئي الكبير الذي وقعت فيه، فقد شعرت بعد قليل انني اصبحت في مركز اقل قوه بعد ان تركت قياده الجيش، والشخص الوحيد الذي استقال نتيجه لهذا الموقف كان اللواء الجوي حسن محمود قائد القوات الجويه».

الحقيقه ان هذا لم يكن راي اللواء محمد نجيب في ذلك الوقت، فعندما اعترض عدد من العسكريين علي تعيين ضابط برتبه صاغ قائدا للجيش، حاول نجيب اقناعهم بان عامر من العبقريات العسكريه النادره «وبان هناك في التاريخ امثله كثيره احدها الاسكندر المقدوني»!

وكان عامر هو الذي رشح محمد نجيب لتولي رئاسه الحركه بعد ان رشح اخرون اللواء فؤاد صادق، وكان ما يرجح كفه اللواء صادق انه قائد القوات في فلسطين ويتمتع بسمعه حسنه بين الضباط، لكن محمد نجيب كان شيئا مختلفا، فهو الذي خاض مع «الضباط الاحرار» معركه انتخابات رئاسه نادي الضباط تحديا لمرشح الملك اللواء حسين سري عامر، وكان الملك قد نقل محمد نجيب مديرا لسلاح الحدود ليحل مكانه حسين سري عامر، وفاز اللواء نجيب مما جعل الملك يحل مجلس اداره النادي. ويقول محمد نجيب انه تعرف الي عبد الحكيم عامر علي ارض فلسطين، عندما كان نجيب يتولي قياده اللواء العاشر.

«وكان عبد الحكيم عامر قد عين اركان حرب للوائي، وقد وجدت فيه ضابطا ذكيا دقيقا، وعندما سمعني اردد هذه الاراء: عدونا ليس اليهود بقدر ما هم الذين يرتكبون خلف ظهورنا الاثام والموبقات»، ذهب الي صديقه البكباشي جمال عبد الناصر، وقال له -كما اخبرني في ما بعد- «لقد عثرت في اللواء محمد نجيب علي كنز عظيم»!

رشح جمال عبد الناصر صديقه عامر لتولي قياده الجيش، وقال لبعض زملائه اعضاء مجلس الثوره، انه لا بد ان يتولي امر الجيش واحد منا، وفي الوقت نفسه يتولي عبد اللطيف البغدادي منصب وزير الحربيه، ويقول البغدادي انه فهم من اختيار عبد الناصر لعامر ان تصبح له السيطره السياسيه علي الجيش، معتمدا علي قوه الصداقه المتينه والتفاهم القائم بينهما. ويستمر عبد اللطيف البغدادي في الحديث قائلا: «وعندما اعلن قرار تعيين عبد الحكيم عامر قائدا للجيش تقدم قائد سلاح الطيران اللواء حسن محمود باستقالته من القوات الجويه، ورفض ان يستمر في منصبه احتراما لرتبه اللواء التي يحملها، ولان عبد الحكيم عامر الذي كان صاغا ورقي الي رتبه اللواء دفعه واحده سيراسه، وهو لا يرضي لنفسه بهذا الوضع، وظل متمسكا بموقفه رغم محاولتي مع حسن ابراهيم اقناعه بالاستمرار، وكان ذلك بتكليف من المجلس لنا، لكنه اصر علي موقفه احتراما للاقدميه العسكريه، وهناك فرق بين منصب القائد العام كمنصب عسكري وبين منصب وزير الحربيه، وهو منصب سياسي ولا يضيره من يشغله، وتبعا لهذا الاصرار قبلت استقالته وعين بدلا منه الطيار محمد صدقي محمود»!

ويقول البغدادي «انه كان من نتائج تعيين عبد الحكيم عامر قائدا للجيش ان ابعدت بقيه اعضاء المجلس عن وحداتهم العسكريه، بحجه ان نترك حريه العمل لعامر حتي لا نتسبب في سوء تفاهم بيننا لو استمرت علاقتنا بزملائنا الضباط، وتم العمل علي ابعاد زملائنا عنا بواسطه ضباط مكتب عبد الحكيم، وكان ذلك يجري بتهديدهم او بحجه ابتعادهم عنا حتي لا يضاروا، وفي الوقت نفسه كان ضباط مكتب القائد العام يعملون علي تقريب ضباط الجيش من عبد الحكيم عامر بخدمات تقدم اليهم حتي اصبح الاهم لكثير من الضباط التقرب من عامر وجمال عبد الناصر، او الي من هم مقربون منهما طمعا في منصب افضل او خدمه تؤدي اليهم، واصبح الجيش بمرور الزمن اداه قوه في يد جمال وعبد الحكيم عامر وانعزلنا نحن نهائيا عنه». ويحكي عبد اللطيف البغدادي قصه نشاه العلاقه بين جمال عبد الناصر وعامر قائلا «انهما كانا صديقين منذ فتره طويله قبل الثوره، فقد كانا يخدمان معا في وحده من وحدات الجيش المصري في السودان، وكان جمال قد نقل اليها عام 1939، وظل فيها حتي اخر عام 1946 عندما نقل الي وحده قريبه من العلمين غرب الاسكندريه، لكنه سرعان ما نقل الي السودان ثانيه في صيف 1942 وعاد الي القاهره في منتصف عام 1943 ليلتحق بالكليه الحربيه كمدرس فيها».

السوفييت.. كانوا يتعمدون صراع الرجلين الاول والثاني فقلدوا الرجلين نفس الاوسمه

  وقد منح عبد الحكيم عامر رتبه المشير في اول يونيو 1958 واصبح في الوقت نفسه نائبا لرئيس الجمهوريه، وبذلك اصبح اول شخص يشتهر بهذه الرتبه الجديده، التي لم تكن معروفه من قبل علي مستوي العالم العربي كله حتي ولو كان الملك فاروق يحملها.

ورتبه مشير ظهرت كمقابل للرتبه الاجنبيه «مارشال»، ودخلت الكلمه قاموس اللغه العربيه لتكون اعلي رتبه في القوات المسلحه ربما خصيصا من اجل عبد الحكيم عامر.. اول مشير عربي شهير.. وكان جمال عبد الناصر قد اصبح رئيسا للجمهوريه العربيه المتحده التي ضمت مصر وسوريا. اي ان صعود عبد الناصر كان يؤدي بالتالي الي صعود عامر.

واصدر عبد الناصر قرارا بتفويض عامر في كل اختصاصات رئيس الجمهوريه بالنسبه الي سوريا، وقام عامر لاول مره في حياته بجولات في كل محافظات سوريا التي القي خلالها خطابات ملتهبه، واشاد فيها بالقائد جمال عبد الناصر. لكن ذلك كله كان بعد ان وضع اول لغم في العلاقه بين الصديقين الحميمين. عندما اتخذ عبد الناصر قرار تاميم قناه السويس دون استشاره عامر، ثم عندما انفجر هذا اللغم عام 1956 خلال الحرب. فقد ظهر خلالها ان عامر بمعلوماته العسكريه وبالمحيطين به وبقاده جيشه اقل من ان يقود حربا كبري، كما اجمع كل زملائه اعضاء مجلس الثوره.. وربما عبر بعضهم عن ذلك وربما اخذ رايهم علي انه نوع من الغيره او الحسد. وربما بذلت محاوله للتدخل في القوات المسلحه، لكنها لم تنجح، لان عامر كان يرفض ان تمتد يد الي رجاله او ان ياتي اي انسان بكلمه سوء امامه عن معاونيه.

وكانت مشكله عامر الاولي في معاونيه الذين زينوا له حياه بعيده عن طبيعته، وعن روحه وعن العسكريه. وكان الذين حاولوا ان يوقعوا باستمرار بين عامر وناصر يقولون ان عامر يفعل كل شيء ويحمي عبد الناصر، بينما يحتكر عبد الناصر وحده المجد والزعامه والاعلام وحب الناس.

وعندما اراد عبد الناصر التدخل في شؤون القوات المسلحه، استقال عامر. لكن عبد الناصر استرضاه، وعاد اقوي مما كان. بل صدر بعد ان قدم استقالته بثلاثه اشهر قرار بتعيينه نائبا اول لرئيس الجمهوريه.

كان بعض الدول يفهم مشكله الرجل الاول والرجل الثاني، فيوم اهدي الاتحاد السوفييتي ارفع وسام سوفييتي لعبد الناصر اهدي ايضا نفس الوسام الي المشير عامر.

وكان عامر مصريا مخلصا، انتماؤه لمصر، يصادق ويعادي بناء علي مصلحه بلاده، ولم يرتبط بالشرق او الغرب الا في حدود ما يقدم الي بلاده، وكان فكره واضحا في لجنه تصفيه الاقطاع، ورغم ان جلساتها كانت مغلقه وسريه فانه كان حاسما وحازما في تطبيق العداله وفي وقت الاستغلال ومنعه.

ولقد حاول بعض المقربين منه بعد وفاته ان ينسبوا اليه انه كان معاديا لما يجري في مصر. وكان ضد كثير من التوجهات، وهذه شهاده ضد عامر، وهي ليست صادقه.

لقد كان عامر الرجل الثاني في النظام.. وبديهي انه لم يكن معاديا لتوجهات هذا النظام، بل كان مشاركا في صنعها كما كان مسؤولا عن الدفاع عنها. اعترض فقط اعتراضا تكتيكيا علي قضيه الديمقراطيه الناقصه، لكنه عاد وعمل خمس سنوات في ظل هذه الديمقراطيه الناقصه من وجهه نظره.

ويمكن ان يقال ان عامر الوطني المخلص سبب له رجاله المشكلات، وهم الذين احاطوا به. امتد نفوذهم ومارسوا كثيرا من المثالب في حق ثوره يوليو، وفي حق عبد الناصر وفي حق عامر ايضا، فمن اللافت الي الانتباه ان كل الذين ادينوا في ما بعد في قضايا التعذيب هم من رجال المشير واعضاء في قياده المؤسسه العسكريه.

فقد كان رجال المشير هم قياده المخابرات الحربيه والمخابرات العامه والمباحث الجنائيه العسكريه والشرطه العسكريه، ولم توجه هذه الاجهزه جهدها وعملها الي القوات المسلحه او الي واجباتها الاساسيه، انما مارست عملا يختص بالمواطنين المدنيين. فهؤلاء هم الذين تولوا القضايا السياسيه الكبري التي مرت بمصر. وهؤلاء هم الذين تولوا تصفيه بقايا الاقطاع، وهم ايضا الذين نزلوا الي مختلف المواقع المدنيه يديرونها او يحكمون سيطرتهم عليها حتي تدار اداره عسكريه.

 كان هناك صراع حاد وعنيف منذ نهايه الخمسينيات بين عبد الناصر وعامر. عندما وصل الصراع الي ذروته ادرك عبد الناصر ان هناك طرفين للمعادله كي يستقر نظام الحكم، هما القوات المسلحه والشعب. وايقن ان القوات المسلحه مدينه بالولاء المطلق الي المشير عبد الحكيم عامر، الذي منح الضباط امتيازات لا حصر لها، لم يكونوا يطمعون فيها. وفي الوقت نفسه فان وطنيته وطبيعته السمحه وشهامته واخلاقياته وتعاملاته وصفاته الشخصيه جعلته محبوبا من الجيش.

ولم يكتف عامر بذلك، بل بسط نفوذه الي الحياه المدنيه بواسطه الضباط. فكانوا الوزراء والسفراء والمحافظين ورؤساء المدن والشركات والنوادي. واستخدمهم للاشراف علي المؤسسات العامه والجمعيات الاستهلاكيه والعديد من الانشطه. والي جانب ان المشير اصبح له بهذا الاسلوب رجال في كل المواقع، الا انه كان يرضي ايضا بعض رجال القوات المسلحه وضباطها الذين كانوا يوقنون ان مستقبلهم مضمون في الحياه المدنيه بعد انتهاء الخدمه العسكريه او حتي في اثنائها! وقرر جمال عبد الناصر ان يدخل حلبه هذا الصراع بان يترك رئاسه الجمهوريه ويتفرغ لبناء التنظيم السياسي. واعلن ذلك في احدي خطبه، واعد له مكتبا في الدور الحادي عشر في مبني الاتحاد الاشتراكي. وقرر ان تكون اقامته الدائمه في هذا الطابق فزود بغرفه نوم ايضا. في تلك الفتره راي عبد الناصر ان لا وسيله امامه الا ان يلجا الي الشعب وينظمه. واعلن ذلك لكنه لم يفعل.

لماذا؟.. علامه استفهام تضاف الي علامات الاستفهام الكثيره في قصه ناصر وعامر.

القصه الثانيه التي يرويها امين هويدي ايضا تعكس نفس الجوانب من شخصيه الرجل الثاني في مصر، كما تعكس صوره من تعامله مع جمال عبد الناصر. وقعت القصه في ابريل عام 1966 عقب وفاه الرئيس عبد السلام عارف في حادثه الطائره المعروفه.. كان امين هويدي وزيرا للارشاد القومي، وفي الصباح الباكر اتصل به الرئيس عبد الناصر، وفي نبره واضحه التاثر اخبره بانه سوف يسافر ضمن الوفد الذي سيراسه المشير عامر لتقديم التعزيه في وفاه عارف.

وقال عبد الناصر ان المشير عامر سوف يمر عليه في الساعه الحاديه عشره صباحا، وان عليه ان يمر علي عبد الناصر في العاشره والنصف للتحدث في امر العلاقه مع بغداد في ضوء الظروف الجديده. وايضا في ضوء ان امين هويدي امضي سنوات سفيرا في بغداد، ويعرف التيارات المختلفه فيها، لذلك يكون اقدر من غيره علي رصد احتمالات المستقبل.

وذهب هويدي في الموعد.. واستمع الي توجيهات الرئيس، وكان ملخصها انه لا دخل للقاهره في اختيار من يخلف عارف، فتلك مساله عراقيه تخص العراقيين انفسهم.

ونظر هويدي في ساعته فوجد انها قد قاربت علي الحاديه عشره موعد حضور المشير. واراد ان ينصرف حتي يترك للرئيس ونائبه فرصه الاجتماع.. لكن المشير لم يحضر.. واصبحت الحاديه عشره والنصف ولم يحضر المشير.. الثانيه عشره ولم يحضر المشير وعبد الناصر ينظر في ساعته، وقد قطب جبينه وبدت الحيره في عينيه.ويقول امين هويدي انه لما تجاوز التاخير اي تبرير وقف الرئيس قائلا: اعمل ايه في المشير بتاعكم.. حتي الموعد الذي احدده اصبح لا يحترم!

1967 لم يقبل عامر ان يترك قيادته للجيش طواعيه بعد الهزيمه

 يصف محمد حسنين هيكل عبد الحكيم عامر بانه كان نصف فنان ونصف بوهيمي.. ولطيفا جدا، لكنه -عسكريا- توقف عند رتبه صاغ، اي انه يستطيع ان يقود كتيبه، لكنه لا يستطيع ان يقود جيشا.

ولقد اصبح عامر ضابطا سياسيا، والضابط السياسي لا يمكن ان يكون مسؤولا عن قياده جيوش.

وجزء من ماساه 1967 كان راجعا الي حب ناصر لعبد الحكيم عامر، ذلك ان هذا الحب حال دون ان يقتنع عبد الناصر بدرجه كافيه ان عبد الحكيم عامر لا يصلح للقياده!

والحقيقه ان عبد الحكيم عامر لم يكن قادرا علي اداره القوات المسلحه مع التقدم المذهل في المعدات، والخطط الحربيه، ليس فقط لانه وقف بمعلوماته عند رتبه عسكريه صغيره وقت قيام الثوره قفز علي اثرها الي رتبه اللواء مره واحده، لكن لانه لم يكن لديه وقت للقراءه، والاستيعاب، وتتبع الجديد، لم يكن لديه وقت لممارسه مهامه كقائد عام. ففي السنوات الاولي كانت اعباؤه سياسه متنوعه، وبعدها سلك طريقا اخر الي جانب هذه الاعباء.

ولم تكن شخصيه عامر من النوع الملتزم الذي يقدر المسؤوليه فقد كان يغلب عليه طابع اللا مبالاه.

ويروي امين هويدي واقعتين تعكسان الرؤيه الصحيحه لشخصيه المشير.. الواقعه الاولي التي يقول عنها هويدي انها تجسم طبيعه المشير وقعت اوائل عام 1965 عندما كان سفيرا لدي بغداد.. وطلب عبد السلام عارف من الرئيس عبد الناصر ان يزور العراق، وكان جمال عبد الناصر يدقق كثيرا في تحركاته وزياراته للبلاد العربيه، حتي انه لم يزر معظم هذه البلاد، فلم يزر الا السعوديه، والسودان، والجزائر، وليبيا بعد الثوره، والمغرب لحضور مؤتمر القمه، وكذلك سوريا بعد الوحده وفي اثنائها فقط.

ويوم قامت ثوره العراق وصل الخبر الي عبد الناصر وهو علي ظهر الباخره عائدا من يوغوسلافيا، واثر العوده الي يوغوسلافيا، حيث كانت في انتظاره طائره خاصه حملته للقاء خروشوف لاصدار بيان تاييد للثوره. وكان يستعد للعوده علي نفس الطريق، الا ان خروشوف قال له كيف تعود بالبحر، وفيه الاسطول السادس، ونزل رجاله الي لبنان.. انك ستكون مثل البطه في طريق عودته.. واخطر شاه ايران ان طائره سوفييتيه تحمل زائرا روسيا كبيرا سوف تعبر المجال الجوي الايراني.

وبعد ايران طلب عبد الناصر من الطيار السوفييتي ان يهبط بارتفاعه حتي يستطيع من خلال المنظار المكبر ان يري بغداد التي كان يتوق لرؤيتها.. وعاد عبد الناصر الي دمشق دون ان يزور بغداد التي كان مشوقا لرؤيتها.

عوامل سياسيه متعدده جعلته يعتذر عن عدم الدعوه التي وجهت اليه لزياره بغداد.. تقرر ان يقوم المشير عامر بهذه الزياره بدلا منه علي راس وفد، ردا للزيارات المتعدده التي قام بها الرئيس عارف الي القاهره.

ومن هنا تبدا روايه امين هويدي الذي يقول: نزل عبد الحكيم عامر ضيفا علي الحكومه العراقيه، التي احاطت هذه الزياره بكل مظاهر التكريم والحفاوه، واقام المشير في قصر بغداد هو ومرافقوه.

وفي صباح اليوم التالي للزياره اتصل بي تليفونيا مبكرا في منزلي عضو السفاره الذي خصصته للاقامه مع الوفد في قصر بغداد، وطلب مني الحضور فورا الي القصر، ورفض الزميل ان يزيد حرفا واحدا علي ذلك.

وحينما وصلت الي هناك كان احد ضباط القصر في انتظاري علي الباب ومعه عضو السفاره، وسلمني مظروفا ذكر ان به اوراقا وجدوها متناثره بالامس علي سرير المشير في اثناء وجوده في القصر الجمهوري، وراوا من الامانه ان يعيدوها داخل مظروف مغلق.

وفتحت المظروف وكدت اصعق.. كان بداخله عده تقارير اصطحبها معه من القاهره، ليقراها وهو في بغداد، تمس العلاقه بين عارف وعبد الناصر، وتتحدث عن عبد السلام عارف حديثا لا يرضاه.

كانت التقارير سريه للغايه، ومع ذلك تركت هكذا دون اهتمام ليطلع عليها من يشاء.

وكان من المؤكد ان الرئيس عارف اطلع عليها، وقد يكون المختصون -وهذا مؤكد- قد احتفظوا بصوره منها، واعادوا الينا الاصل.

وذهبت الي المشير اقص عليه ما حدث.. لم ينزعج الرجل بل قابل الموضوع بمنتهي السخريه والاستهزاء.

ولم يكن في يدي اكثر من ان اعنف المسؤول عن جمع اوراق المشير.

ولما ذهبنا الي الاجتماع مع الرئيس عارف كان الرجل بادي التاثر، واخذ في حديثه يرد علي ما اثير في التقارير، ما يؤكد اطلاعه عليها، واخذ يحذر بين وقت واخر ممن يحاولون الوقيعه بين القاهره وبغداد.

نرشح لك

أهم أخبار الصفحات الأولى

Comments

عاجل