المحتوى الرئيسى

انقلاب 23 يوليو 1952 والتأسيس لعسكرة الدولة

07/23 17:36

اقرا ايضا: انقسام في الموقف المصري من تعديل المبادره انتصار المقاومه زلزال حقيقي في عواصم المنطقه كارثه "الفرافره" .. والطريق الي هزيمه الارهاب الاسود الضغط الدولي يجبر مصر علي تعديل مبادرتها اعترافات وزير الخارجية المصري !

عندما قام مجموعه من الضباط الشبان في الجيش المصري ليله 23 يوليو عام 1952 بانقلابهم العسكري لم تكن امامهم من رؤيه شامله لمستقبل البلاد او تصور كيف يحكمونها ، بل ان فكره الحكم في حد ذاته لم تكن مطروحه وكان اغلب مطالبهم اصلاحات بالجيش نفسه ، ثم تطورت مطالبهم فكان اهمها تنازل الملك فاروق عن العرش وتولي ابنه الصغير "احمد" الملك خلفا له بولايه قانونيه لصغر سنه ، غير ان الضباط الشبان اكتشفوا هشاشه بنيه الدوله ، وانهم بمجرد ان قبضوا علي زمام القياده العسكريه لم يعد امامهم اي حاجز او مانع ، فاكتشفوا سريعا ان "السلاح" هو المؤسس للشرعيه والحكم كامر واقع فتطور طموحهم في انهاء الملكيه كلها وعزل الامير احمد ، كانت دوافع هؤلاء الشبان وطنيه بامتياز ، كانوا كارهين للهيمنه البريطانيه علي مصر في الوقت الذي تنحسر فيه الامبراطوريه وتنهار في كل مكان في اعقاب الحرب العالميه الثانيه ، وكانوا غاضبين من تفشي الفساد والمحسوبيه في اعلي راس السلطه والاخبار التي سارت بها الركبان عن الخلاعه في بعض السلوكيات الملكيه واتساع نطاق الفقر واتساع الفجوه مع نخبه صغيره من الاثرياء المترفين وكانوا ناقمين علي سوء اداره الجيش والهزيمه المذله في 48 ، كانوا ناقدين للسلوك البوليسي للدوله والتنكيل بالمعارضين واعتقالهم وغياب الديمقراطيه او تحولها لعمل شكلي ، وكان غضبهم وقله خبرتهم قد ورطهم في عمليات ارهابيه ضد قيادات الدوله بعضها نجح كما حدث في واقعه اغتيال امين عثمان علي يد انور السادات وبعضها فشل كمحاوله الضابط جمال عبد الناصر اغتيال اللواء اسماعيل سري الدهشان ، لم يكن هؤلاء الضباط الشبان يصدرون عن ايديولوجيه واحده او حزب سياسي واحد ، بل كل منهم كان له انتماء فكري ، فبعضهم ينتمي للاخوان المسلمين وبعضهم ينتمي للحركه الشيوعيه وبعضهم ينتمي فكريا لمصر الفتاة ، وكان طموحهم ان يؤسسوا دوله جديده تنعم بجيش وطني قوي وديمقراطيه حقيقيه والحريات العامه واحترام الشعب وارادته وطرد الانجليز وتحقيق العداله الاجتماعيه ، غير ان "المكون" العسكري كان هو الحاكم لتطورات هؤلاء الشبان الفكريه والسياسيه ، كانوا يدركون انهم انتزعوا السلطه بقوه السلاح ، وبالتالي فالدوله تخضع لقوه السلاح ، ثم اصبح الشعب يخضع لقوه السلاح واجهزته الامنيه الرهيبه التي سارعوا بتشكيلها لحمايه النظام العسكري الجديد ، وكانت شرائح من بسطاء الناس تامل خيرا في بدايه تحرك هؤلاء الضباط المنحدرين من اصول ريفيه او شعبيه فقيره مثلهم او متوسطه ، وخاصه اشواقهم للعدل الاجتماعي ، واحتفلت جماهير غفيره بعفويه احيانا وبترتيب امني احيانا اخري بالضباط الشبان ورحبوا بحركتهم ، قبل ان يعم الخوف بفعل سطوه الاجهزه الامنيه والقبضه العسكريه واخراس كل الالسن وسيطره القياده العسكريه علي المؤسسات الاعلاميه بجميع فروعها من صحافه واذاعه ثم تليفزيون بعد ذلك مطلع الستينات ، وشكلت السلطه العسكريه رديفا سياسيا لها من بعض المنظمات التي تعمل برعايه امنيه صارمه لتنسيق الاعمال ذات الطابع الشعبي او الرقابه والتجسس علي اجهزه الدوله الاداريه والقضائيه وغيرها ، وفي اثناء ذلك كان من الطبيعي ان تبدا عمليه التاكل الداخلي في هذه المجموعه لانه لا يوجد اي مرجعيه للشرعيه الا القوه والسلاح والسيطره علي المؤسسه العسكريه ، فتم اقصاء الضباط الذين تمسكوا بالمشروع الديمقراطي وبعضهم نكل به تنكيلا مروعا كما حدث مع محمد نجيب ، وبعضهم فرضت عليه الاقامه الجبريه في قريته بالصعيد مثل يوسف صديق البطل الحقيقي لانقلاب يوليو لانه الذي اعتقل قيادات الجيش بالكامل اثناء اجتماعها فجعل الانقلاب بعد ذلك نزهه ، وبعضهم رضي بان ياخذ شيئا من كعكه السلطه بعيدا عن السياسه مثل خالد محيي الدين واخرون عاشوا في كنف اقوي رجال الانقلاب عبد الناصر او عبد الحكيم عامر بصمت وفي الظل لضمان البقاء ، مثل السادات ، وانتهي الامر بتقاسم السلطه السياسيه والعسكريه فعليا بين عبد الناصر وعامر حتي انتهي الامر بان تخلص احدهما من الاخر بعد فضيحه الهزيمه المروعه في يونيو 1967 .

لا يوجد خطا او خطيئه من تلك التي اخذها الضباط الشبان علي العصر الملكي الا وارتكبوها ، فالقمع للمعارضين وسجنهم والتنكيل بهم استمر وزاد وحشيه ، والجيش القوي عاد سيرته الاولي باسوا مما كان ايام الملكيه ونخره السوس والفساد ، وهزيمه 48 تورطوا في هزيمه افدح منها واكثر ايلاما علي يد القوات الاسرائيليه في 67 التي اجتاحت سيناء كلها في ساعات قليله بدون اي قتال حقيقي ، وقبلها كانت الهزيمه العسكريه والاخلاقيه في حرب اليمن ، واللهو والعبث مع الراقصات والممثلات استمر علي يد قيادات عسكريه كما كان ايام الملكيه ، والفقر ظل علي حاله ولم يكن هناك من فضيله الا ان تم تقريب الطبقات الاجتماعيه بافقار الشرائح الاكثر ثراءا بنزع ملكياتهم ، دون رفع مستوي الفقراء ، فكانت عداله في توزيع الفقر وليس توزيع الثراء ، وانتقل الثراء الي بيوت جنرالات اهتموا بحيازه ميراث اسره محمد علي من الجواهر والتحف اكثر من اهتمامهم بالبحث عن خطط لانهاض البلاد .

كان من حسن حظ الضباط الشبان انهم ورثوا دوله في حاله من العافيه الاقتصاديه المعقوله ، حتي ان مصر حين ورثوها كانت دائنه لبريطانيا ذاتها ، وهو ما ساعد علي استمرار اخطائهم الكارثيه واجراءاتهم الاقتصاديه والسياسيه والامنيه المتخبطه والتخريبيه لفتره اطول ، حتي بدات تنهار في نهايه الستينات بعد نفاذ الرصيد وبعثرته علي المغامرات العسكريه وسوء اداره مقدرات الدوله وغياب اي مؤسسات رقابيه شعبيه او قانونيه ، كما استخدم العسكريون سيطرتهم الاعلاميه الشامله لتوظيف الكتابه والخطابه والاغاني من اجل تخدير الوعي الوطني والهائه بوعي وطني مزيف عن العظمه والاباء والانتصارات العظيمه التي تحققها مصر في ظل الحكم الجديد ، في الوقت الذي كانت الانهيارات تضرب في كل اركان الدوله من الاقتصاد للسياسه للقدرات العسكريه التي انتهت بفضيحتين وهزيمتين في 56 ، و67 ، وتم تصوير الاولي علي انها انتصار رغم ان مصر خسرت سيناء بكاملها ، وتصوير الثانيه باعتبارها نكسه ، وتدريجيا تحولت مصر الي واحده من افقر دول المنطقه ، وانهارت البنيه الاساسيه بشكل مروع في الطرق والمواصلات والاتصالات والخدمات الصحيه والتعليميه وغيرها، ناهيك عن اتساع دوائر الاعتقال والقمع للمعارضين من كل التيارات وتحويل الدوله الي اله رعب وخوف .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل